شباك مكسور لوحة جميلة وإشكالية في المحتوى

شباك مكسور لوحة جميلة وإشكالية في المحتوى

العدد 625 صدر بتاريخ 19أغسطس2019

أهم ما يميز عرض شباك مكسور تأليف رشا عبد المنعم وإخراج شادي الدالي، الذي يقدم على خشبة مسرح الطليعة ومن إنتاجه أيضا، هو أداء الممثلين الأكثر من رائع، خاصة الفنان مجدي عبيد الذي جسد شخصية عم جمعة الجار المتطفل، ربا شريف إمام التي جسدت شخصية الجدة ببراعة فائقة، وكل من: علي كمالو الابن والزوج، وليد أبو شنب، مروى كشك، هند حسام، الحقيقة كلهم رائعون وأداؤهم متميز جدا، أما عن عودة النجمين نادية شكري وأحمد رشاد إلى خشبة المسرح فلم يشكل ذلك ثراء لهذا العرض فحسب بل للمسرح عامة، وكذلك توظيف الكوميديا الراقية في تفاصيل تراجيدية يجعل المتلقي لا يشعر بزمن العرض حيث الاستمتاع بهذا الأداء.
كما أن الديكور الذي صممه وائل عبد الله يتميز بالبساطة التي تظهر الحالة المالية للأسرة بجانب شكله الجمالي وترك مساحة كبيرة من الفضاء المسرحي لحركة الممثلين بحرية، فهو عبارة عن غرفة المعيشة التي تجمع كل أفراد الأسرة والمطبخ الذي يمثل المفردة الأهم في ديكور العرض لارتباطه بقضية العرض الأساسية، ثم السفرة التي تظهر في النهاية، وبالبساطة نفسها صمم الملابس، فاللوحة الفنية جميلة للغاية خاصة مع إضاءة أبو بكر الشريف الحاضرة بقوة مع كل المشاهد تقريبا، وموسيقى يحيى نديم.
لكن الحبكة الدرامية لي معها وجهة نظر تخصني، وربما لا تجد تأيدا من كثيرين، وذلك لأن العرض به الكثير من الجوانب التي تجعله عرضا مميزا، ففي البداية تجد أمامك رجلا يجلس في مكان مظلم يبدو كأنه زنزانة، يعترف بجريمته فيقول “نعم قتلت أبنائي”، ويبدأ في سرد حكايته والأسباب التي دفعته لارتكاب هذه الجريمة الشنعاء، ثم تضاء الخلفية ويبدأ استعراض الأحداث بتقنية الفلاش باك، فتعيش مع هذه الأسرة حكايتها التي تعلم مسبقا أن الأشخاص الذين تراهم متوفون وغير موجودين على أرض الواقع، وتعيش الأحداث منتبها جدا وفي حالة تركيز لأعلى مستوى متشوقا لمعرفة تفاصيل الجريمة وأسبابها، لتجد في النهاية أنهم لم يموتوا بسبب أن السُم الذي وضعه لهم في الطعام مغشوش، فتكتمل منظومة الفساد التي يروي تفاصيلها. إذن، لماذا كان يقول نعم قتلتهم، على من كان يكذب؟ على المتلقي الذي تم خداعه ببداية جذابة ومشوقة، وفي النهاية يقولون له ضحكنا عليك، ونرى مدى استمتاعهم بالطعام المسموم وسعادتهم رغم كم الإحباطات التي شاهدناها وعايشناها بكل حواسنا، لنكتشف أننا وقعنا ضحية مقلب من مقالب رامز جلال. الحقيقة، إنني لست مع هذه الطريقة في بناء العرض، وسواء كان ذلك في النص أم معالجة من المخرج، فهي تدل على خلل في البناء الدرامي، لأن القاعدة تقول ما بني على باطل فهو باطل.
أما عن الأحداث، فحين يتم إنارة المسرح وتتضح كل التفاصيل والأشخاص، نكتشف أننا لم نبرح منازلنا، وهنا خدعة أخرى لكنها في هذه الحالة إيجابية، فقد وضع العرض إيدينا على تفاصيل حياتنا التي نعيشها يوميا، ورأينا كل أفراد أسرتنا وأنفسنا أيضا، من خلال المفاهيم الخاطئة التي تستشري في مجتمعنا كما تسري النار في الهشيم، الأم التي تفشل في تربية أبنائها على تحمل المسئولية لدرجة أن ابنتها لم تستطع تحمل ظروف زوجها المالية التي لا تقل سوءا عن والدها، والنتيجة أنه يختفي ولا أحد يعرف عنه شيئا، كما أن الابنة الأخرى لا تعرف الأم عنها أي شيء، وطبعا هذه الأم معذورة، فهي مشغولة بالعبادة ومتابعة برامج الإفتاء التي تزيد الحياة فسادا وتدميرا، هي نفسها المدرسة التي تُحرم الدروس الخصوصية التي قد تحسن من وضع الأسرة المادي، ولا تُحرم التزويغ من المدرسة وعدم إتقان عملها وتسيء معاملة حماتها وتحرم زوجها حقوقه الشرعية. هذه المرأة موجودة في بيوتنا جميعا لا شك.
الفراغ والوحدة التي تعانيها أمهاتنا مما يجعل ملاذهن الوحيد وتسليتهن التي تعوضهن عن انصراف الجميع عنهن وتجاهلهم لهن، خاصة إذا كانت هذه الأم قعيدة هي التليفون المحمول، وهو ما تعبر عنه شخصية الجدة التي نكتشف في النهاية أن حالها أسوأ بكثير من حال أمهاتنا جميعا فتليفونها ليس به خط، أي أنها تكلم نفسها طوال الوقت.
الجار المتطفل، الابن المحمل بالأفكار الثورية، والأجوف في الوقت نفسه فهو يردد دائما شعارات ومعلومات تلقاها دون معرفة جدواها على أرض الواقع، الجار المتطفل، الشباك المكسور، الحنفية التالفة، الخرابة التي جعلت رائحة البيت كريهة.. إلخ، التفاصيل الكفيلة بانهيار حياة أي أسرة وتدميرها، عملا بالقاعدة التي بني عليها النص «النوافذ المحطمة»، والتي بُنيت على مقولة شائعة أو حكمة هي «معظم النار من مستصغر الشرر»، لتكون هذه التفاصيل مبررا قويا لارتكاب جريمة القتل، فكيف يتحمل الأب كل هذه الصعوبات وحده؟
الحقيقة، إن العرض طرح القضية من وجهة نظر اتكالية، فلم يهتم بمعرفة من الذي كسر الشباك، ومن الذي يلقي القمامة في الخرابة، ومن الذي أتلف الحنفية، ومن الذي سمح للجار المتطفل بهذه المساحة؟
طبعا هناك مشكلات أخرى كثيرة كالإعلام المضلل، والأزمة الاقتصادية التي نحياها ونعاني منها جميعا، لكنها لم تكن أبدا مبررا للقتل، تفنيد العرض لا يعني أنه سيء على الإطلاق، ولكنها وجهة نظر كوجهات النظر الكثيرة التي تناولته من قبل، بل إن تعدد الرؤى والتأويل يعني ثراء العمل الفني. وهو يعد إضافة جديدة في إنتاج الفنان شادي سرور مدير مسرح الطليعة.


نور الهدى عبد المنعم