زهرة اللوتس وأوبرا بنت عربي .. أمسيتان ممتعتان

زهرة اللوتس وأوبرا بنت عربي ..    أمسيتان ممتعتان

العدد 625 صدر بتاريخ 19أغسطس2019

زهرة اللوتس
يعد المسرح القومي للطفل من الأماكن المحببة للصغار والكبار من الأباء والأمهات والجمهور العادي ذلك أنه المسرح البسيط الذي يحمل فكرة جميلة  في عرض بسيط
في أحدث ماشاهدت مسرحية “زهرة اللوتس” تأليف طارق مرسي وإخراج محمد حجاج، جذبنى عنوان المسرحية، فزهرة اللوتس ارتبطت بالحضارة المصرية  بالرسم على جدران المعابد الفرعونية  وحملها  قمة  أعمدة معابد فيلة والدير البحري
تحمل شخصية بطلة المسرحية اسمها وتسمى الأميرة “لوتس“ لحب والدها الراحل للزهرة لذا زرعها في حديقة القصر ورعاها، لكن بوفاته  ينشأ صراع بين الأميرة وعمها الطامع في العرش الذي يعلن الحداد 6 أشهر على شقيقه الراحل وتتوقف سبل الحياة في البلد وتلاحظ الأميرة أن زهرة اللوتس في حديقة القصر تذبل وتكاد تموت فلاعطر لها، ولأن الأميرة وفية لوالدها فتقرر البحث حول أسباب ذبول زهرة اللوتس، ويعدها  بالمساعدة الشاب النشط المثقف “علاء الدين “ ورفاقه من بشر وحيوانات . ويذهب الشاب في رحلة بمساعدة المارد السحري الذي يظهر له من اّنية قديمة  وجدها في منزله، إذن فالنص هنا يأخذ نفس معطيات شخصية علاء الدين من التراث حين يعثر على مصباح سحري، حيث يذلل له الصعاب ويأخذه في رحلة فوق السحاب ورحلة في أعماق البحر وهنا يمزج العرض بين  حاضر  مدينة علاء الدين، إلى الخيال الذي تسير فيه رحلة البحث عن أسباب اختفاء الزهرة وخمول المدينة .
وبمقابلة شخصيات فوق السحاب أو في أعماق البحر ثبت معلومات مفيدة حول الأمطار والماء والوقت  وغيرها من معلومات مفيدة للطفل وبصورة غير مباشرة لكنها خارج سياق حكاية المسرحية ونحت بالمسرحية لنوع أخر هو المسرح التعليمي وهذا مقبول فنيا وعلميا أما ماليس مقبولا وغريبا  أن يتحول مارد مصباح على الدين لشيخ مسلم يردد الأدعية قبل كل رحلة ويطلب من الاطفال من الجمهور الدعاء معه وهذا غير وارد على اعتبار أن الجمهور ليس كله من المسلمين .
  وبعودة علاء الدين وبمساعدة رفاقه يصل للحقيقة الواضحة وهي أن اختفاء الزهرة نتيجة للخمول الذي يعم المدينة نتيجة فترة الحداد التي توقف بها العمل وتلك مؤامرة العم الطامع والوزير وهذا جانب من الحدث الدرامي كان يتطلب التأكيد عليه أكثر  من اجل وصول فكرة النص،  وهي أن الخلاف وفقدان الحب بين العم والاميرة والتأمر لمأرب ذاتية دون التفكير في صالح المدينة وأهلها، وفي المقابل  سلبية أهل المدينة أمام مايحدث، فقد ارتضوا عدم العمل والكسل والتراخي  ماعدا أصدقاء علاء الدين من بشر وحيوانات،  فجاءت  نهاية المسرحية سريعة عابرة لتلك الفكرة الهامة .
 أهمل النص للكاتب الواعد طارق مرسي  الإشارة لجماليات زهرة اللوتس وارتباطها بالحضارة المصرية القديمة، رغم أن تلك الإشارة أو التاكيد  وجوبية جدا لتأصيل الفكرة في ذهن الطفل المصري ان اسم الزهرة ونوعها وصفاتها الجينية يعد محور الحدث الدرامي . بداية من اسم البطلة وهي الأميرة “ لوتس “ التي أطلق عليها والدها الراحل اسم الزهرة التي أحبها وزرعها في حديقة القصر . وينسحب هذا  التجاهل من النص للعرض المسرحي فلم تأخذ رسومات زهرة اللوتس أو نباتها مكانها المفترض في مناظر العرض التي اعتمد مصممها الفنان حازم شبل أساسا على  عدة بانوهات جانبية من الرسومات الزخرفية للقصر والحديقة ؟ فكيف خلا منها رسم ما لزهرة اللوتس !!
 وكان يمكن لمصمم الإضاءة  الفنان أبو بكر الشريف ان يقدم حلولا بصرية  لوجود زهرة اللوتس على المسرح  . اتصور أن  الملابس للمصممة مروة عودة  من اميز ماقدمت للمسرح  وإن جاء اهتمام بملابس الأميرة أكثر من الشخصيات الأخرى فمن غير المناسب أن تظل شخصيات العم والوزير وعلاء الدين  واحدة طوال العرض .
من جماليات العرض الموسيقى للملحن إيهاب حمدي مع أشعار أيمن النمر اتسمت بالبساطة في الكلمة والجملة اللحنية وهذا ماتبدى في ترديد الاطفال لها والتصفيق والغناء أثناء أدائها، ولذا أتصور أن اعتماد الملحن إيهاب حمدي على مقاطع موسيقية من التي اعتادنا دائما سماعها مصاحبة لتلك الحكايات في الإذاعة والتليفزيون المصري وهي مأخوذة أصلا عن سيمفونية “شهرزاد “ للروسي كورساكوف، قد ظلم ألحانه الجميلة ذات الشخصية المميزة والتي أضافت للعرض كثيرا من الحيوية والإيقاع  وننتظر منه الكثير للمسرح .
ارتبط الأطفال ممن يشاهدون المسرح القومي للطفل بأبطال المسرحيات ومنهم الممثل  القدير حمدي العربي والممثل القدير سيد جبر وهذا معروف لمن يتابع من النقاد والجمهور، لذا يفيض كلاهما من الحوار مع جمهورالأطفال وتستمع لتعليقات الأطفال معهما فتفرح لذلك الارتباط بين الممثل وجمهوره من الحضور ولكن لابد وأن  تتسأل وأنت تتابع هل هذا الحوار وهل مساحات الارتجال التي يقومان بها تصلح  في كل مسرحية ؟ بمعنى هل يقتنع الأطفال بهما في أدوار الخير كما في أدوار الشر مثلما يحدث في مسرحية “زهرة اللوتس “  هذا سؤال لابد أن يجيبا عليه من واقع تجربتهما، فقد نادت طفلة في ليلة العرض التي حضرت على حمدي العربي باسم شخصية من مسرحية سابقة وأجابت على سؤال له بحوار من تلك المسرحية .
لعب فادي خفاجة دور “علاء الدين “ وهدى هاني دور “الأميرة لوتس “ بنجاح فلهما عندنا رصيد محبة منذ طفولتهما في مسلسل “يوميات ونيس “ والحقيقة أن فادي اجتهد جدا ومنح الدور طاقة إيجابية وحماس مناسب للشخصية فكان وجوده على المسرح مبعث سعادة للأطفال كبطل طيب مسالم سوف يحل مشكلة الأميرة، وكان أداء الأغنيات رغم أن الصوت ليس صوته مقبولا مع رشاقة حركته وحضوره على المسرح ولكن هل يعقل أن يظل طوال العرض بملابس واحدة لاتتغير رغم أنه يذهب لسابع سما وينزل سابع أرض؟
 في نفس الوقت كانت هدى مناسبة لدور الأميرة  حيث تميزت حركتها بالرشاقة وملابسها بالأناقة لكنها تحتاج لمزيد من الثقة بالنفس على المسرح  لنكسب ممثلة تسعدنا في عروض قادمة أيضا تألق نجوم مسرح الطفل  محسن العزب  ووائل إبراهيم وأشرف شكري ومحمد أبو ستيت  على المسرح  ومعهم مجموعة مميزة من الأطفال فكان وجودهم مصدر بهجة خاصة وقد استعان بهم المخرج محمد حجاج في اعمال فنية مثل تغيير المنظر المسرحي وحمل مهمات المنظر من اكسسوار واثاث فقاموا بذلك بحيوية وبساطة . ولاشك أن المخرج  محمد حجاج قدم عرضا جميلا  به جهد واجتهاد وقاد كوكبة جميلة  .
     أوبرا بنت عربي
كانت فكرة انشاء فرقة يتكون أغلب أعضاءها و تقدم فنها للشباب والشابات من ذوي الهمة، فكرة لامعة وهامة وتأخرت كثيرا ولكنها فرقة أخذت من اسمها “ مسرح الشمس “ الكثير من الحرارة والضياء،وتمثل حدث فريد على مستوى العالم . وكان اختيار الفنانة  وفاء الحكيم لإدارتها خطوة رائعة لأنها تضع الفنان المناسب في المكان المناسب له فقد أمضت وفاء سنوات طويلة تعمل في المسرح بإخلاص واحترام لموهبتها وللمهنة، فقدمت كثير من المسرحيات لكتاب ومخرجين أصبحوا علامات في مسرحنا وساهمت في كثير من الفعاليات الهامة مثل التدريب والتحكيم في مسارح وزارة الشباب ومسابقة إبداع ثم ادارت مهرجان شارم الشيخ للمسرح الشبابي، في  فرقة “الشمس “ زاملت مجموعة  ذات اخلاص لفنون  الطفل والشباب مثل المخرج يوسف أبوزيد والفنان التشكيلي شادي قطامش ةغيرهم من الفنانيين والفنيين خلف الستار وتوالت عروض الفرقة بشباب وأطفال يتمتعون بما يقدمون وأيضا يمتعوننا كمتفرجين ونحن نكتشف مواهب وقدرات غابت عن اكتشافنا طويلا .
  شاهدت أحدث مسرحيات  فرقة الشمس  “اوبرا بنت عربي “ وهو عنوان  يوحي أن العمل هو من نوع عروض فن الأوبرا ويحمل اسم بطلته التي هي بنت عربي، لكن هذا التوقع راح عند مشاهدة المسرحية، فأوبرا اسم بطلة المسرحية  و” بنت عربي “ لقبها حيث حمل  أباها في المسرحية اسم “عربي “ وسماها اوبرا لحبه للموسيقى وبالفعل كانت البنت جميلة المحيا والصوت ومحبة للموسيقى . وقد أدت الدور الفنانة صاحبة الصوت الشجي “نهاد فتحي “ المعروفة لجمهور حفلات الموسيقى العربية ووجودها في المسرحية مكسب للمسرح الغنائي بالفعل .
 فكرة المسرحية والحدث الدرامي بسيطة وهي الصراع بين الخير والشر، الأول يمثله المواطن الشريف عربي مع مجموعة من أهل المدينة اختار المخرج هشام على بينهم مجموعة شباب وأطفال من ذوي الهمة بينهم القعيد والكفيف والمريض لكنهم جميعا شرفاء يحبون وطنهم ويعارضون الملك المتجبر وحاشيته ممن يستغلون الشعب  يمنعون حقوقه، غلف هذا بإطار تاريخي غير محدد الزمن الفكرة انسانية وبسيطة لكن المؤلفة ياسمين فرج صاغتها بتعقيد درامي ربما أبعدها عن تفاعل المتفرج معها مع الوضع في التقدير أن المتفرجين هنا كتلة من كبار وصغار في العمر، من ذوي الهمة والأصحاء وساهم في ذلك الملابس الغير دالة على زمن  محدد واقتصرت جمالياتها في تأكيد الهوة بين  الملك وحاشيته فملابسهم ذات ألوان لامعة وخامات غالية وفي الجانب الأخر المواطن عربي والشعب ملابس بسيطة مثل حالهم .  فيما ازدحم المنظر المسرحي  بوحدات متفرقة لارابط بينها منها ماهو ثابت  في عمق المسرح مثل كتل من الأغصان والأشجار من الخشب المزخرف  أو إلى يمين كتلة من البلاستك الشفاف اسقط عليها ألوان مختلفة مع قطع تتحرك مثل كرسي العرش في مشاهد الملك . في الفصل الثاني دخلت البطلة “أوبرا “  إلى المسرح فوق عجلة خشبية ضخمة من يسار المسرح  وبمجرد ما نزلت منها أوبرا لأرض المسرح، انتهى دور قطعة ضخمة من الديكور لم يكن هناك ضرورة لها . لأنها تثير تساؤل من أين تأتي للفتاة الفقيرة بنت المواطن الفقير عربي  هذه العجلة الضخمة ؟ وهم جميعا مطرودون من الملك المتجبر خارج المدينة ويعيشون في العراء.
من هنا يجب القول إن هناك  اخلاص وطموح من المخرج  ومجموعة الفنانيين معه يقدر ويحترم لكن كان يمكن أن يكون أبسط وأجمل . ففكرة الصراع بين الخير والشر من أساسيات الدراما ولكنها مع هذا التضخم في كل فنيات العرض تاهت في تفاصيل كان يمكن الاستغناء عنها، مشاهد كثيرة وحوارات مكررة وشخصيات كثيرة زحمت خشبة المسرح  والأهم  عندي مواهب كان يمكن أن نستمتع بها بدأ من الممثل القدير علاء قوقة  والمطرب أحمد الجالس منذ بداية العرض لأخره إلي يسار المتفرج ولم نسمع منه سوى أغنية الافتتاحية، فيما كان يمكن كتابة أغنية دويتو بين أحمد  وبين نهاد فتحي “أوبرا “ يثري الحدث المسرحي ويمتعنا خاصة وأن هناك ألحان ممتعة  تغنت بها وحدها، وألحان اخرى تغنى بها صاحب الصوت الشجي “ماهر محمود “  للملحن أحمد الناصر . أيضا كان يمكن تعدد الفقرات الموسيقية للعازفات الموهوبات على الفلوت وغيرها مما كان يؤكد فكرة العنوان أنها أوبرا بالفعل .
الحقيقة أن المخرج هشام على وكل من شارك بالعرض بذلوا ويبذلون جهدا في حب المسرح لابد وأن توازيه متعتنا معهم، وهو أمر سوف يتطور مع عروض الفرقة، أثق في هذا .


سامية حبيب