القمر لو غاب.. ثأر عفا عليه الزمن

القمر لو غاب.. ثأر عفا عليه الزمن

العدد 834 صدر بتاريخ 21أغسطس2023

لأعوام عديدة انشغل الفن واستلهم من قضايا الصعيد والريف، تارة يكون الحديث عن ختان الإناث وتارة الشرف وتارة الثأر، والنصوص المسرحية التراثية شاهدة على تكرار الحديث عن هذه القضايا، فعلى سبيل الذكر وليس الحصر نص حريم النار لشاذلي فرح، و نص ياسين وبهية لنجيب سرور ، ونص الطوق والأسورة إعداد عن رواية يحيى الطاهر، وخالتي صفية والدير المأخوذة عن رواية الكاتب بهاء طاهر. 
والعديد والعديد، يمكننا ضم نص (القمر لوغاب) كونه يتحدث عن الثأر، وهو نص من تأليف (حسين عشماوي) وهو أيضاً من أخرجه، ليقدم على خشبة مسرح السلام ضمن عروض المهرجان القومي للمسرح المصري في دورته السادسة عشر دورة الزعيم عادل إمام. 
يخبرنا المخرج فور إنتهاء العرض والتحية أن عمر هذا العرض هو عشر سنوات، وفي الحقيقة تُعد معلومته الكاشفة هي سقطته، أنني أدرك جيداً اعتزاز الكاتب وأي مبدع بعمله وبالأخص الأعمال الأولى التي تعد كأبناء، يعاني في حملها وتكوينها برحم الفكر، ويعاني في ولادتها وظهورها لجمهور، ولكن كان يجب أن يسأل نفسه هل نفس الموضوع سيثير اهتمام المتلقي في عام 2023، مثلما يلفت انتباهه منذ عشر سنوات؟ هل الثأر قضية مشتعلة في الزمن الحالي، الزمن الذي به أمراض نفسية تتزايد وتتطور وتحول الانسان، الزمن الذي به تكنولوجيا جعلت البشرية مهووسة، وإذا كنت مدركاً لفكرة موائمة الموضوعات المقدمة مع العصر لماذا لم تحدد الزمن داخل دراما النص بأنه في الماضي كي يشفع لك؟ 
وهنا لا نستطيع الجزم بأن قضية الثأر عفا عليها الزمن، وأنه لا يوجد على أرض الواقع من يتبع عادات الانتقام، ولكن الإدراك بكيف تطرح القضية وفقاً للزمن هو أمر يجب أن لا يتناساه المبدعون والمخرجون. 

سينوغرافيا وكفى
خشبة المسرح مقسمة لمستويين الجزء الامامي به زير مياه على الجانب الأيمن و زرع، والجانب الايسر به منضدة خشبية وكرسي خشبي، وفي المنتصف توجد دكه وُضعت في مشاهد معينة، أما المستوى الاعلى فمقسم لثلاث في المنتصف قبر لم يتضح أنه قبر أو ضريح سوى بجلوس (ياسين ومن ثم ابنه) عنده، وعلى الجانب الايمن مكان للجلوس من الخوص، والجانب الايسر مكان آخر ولكن حائطه لوحة مكرمشة تمثل شكل حجري، ويعلو كل هذا قمر كبير مستدير في صدارة الخشبة كما لو كان بالسماء بالفعل، ولكن حجمه كبير. 
تضافر الديكور الذي صنعه محمد عبد الله العشواني مع إضاءة صممها محمود علاء حيث كان يدرك متى يلون القمر بأحمر الغضب والدم، ومتى يجعله أزرق تعبيراً صادقاً وقت كلمات الحب القليلة، ومتى يجعله أصفر كشمس الصعيد الحارة، في المجمل نرى لوحة مسرحية متسقة وبإمكانها أن تأخذ المتلقي لأجواء الصعيد مع لهجة الممثلين التي من الواضح أنهم تدربوا حتى تظن أن جميعهم أصلهم صعيدي وليس قاهري، كلها عوامل بإمكانها تخليد العرض في ذاكرة المتلقي، لولا الصراخ أمام ميكرفونات مسرح السلام، ولولا دراما كليشيه تجعلك تمل في مقعدك رغم أن العرض مدته متوسطة لم تصل لثلاث ساعات أو حتى ساعتان. 

درما حركتها النساء 
ثلاث شخصيات نسائية هن (قمر، نور، فجر)، بوجود الثلاث أسماء قرب بعض تستطيع أن تستشف أن بينهم رابط دلالي، القمر ونوره وظهوره بالفجر، قمر ونور الأختان التي يبدأ بهما العرض، نور حامل من ياسين، وقمر تريد الأخذ بالثأر لوالداها مهران من حمد، تتجاهل حبها ل حسن ابن حمد، ويتجاهل حمد هذا العشق، ويذهب للزواج بها، ظناً منه أن بالزواج سينتهي الخلاف وموضوع قتله لأبيها، العرض بدأ بالصراع، فنور مختطفة من قبل حمد كي ترضخ قمر وتتزوجه، وسريعاً ينقلب هذا الزواج لجريمة قتل وأخذ الثأر، وهنا يغفل المخرج تأثير السم، ويزيد أفورة المشهد بأن تلف قمر حول رقبة حمد طرحتها ولا نعلم هل تقتله بالسم أم الخنق فوسيلة واحدة تكفي! 
وبعدها ننتقل لنور التي تلد ولداً تستولي عليه قمر، وبضغطها على الأب والأم، تموت الأم فالضريح الذي بالمنتصف هو لنور، ويصاب ياسين بلوثة جنون بسبب فجر الغجرية التي حملت منه ولكنه لم يتحمل المسؤلية بعد ولادتها تخلص من الابن، وأرادت فجر الانتقام أيضاً ممثلة قوى شيطانية، لم تركد الأحداث بموت حمد، مرت السنين وكبر الطفل في حضن خالته قمر، قائلة له أنها أمه، في حين أنه يعلم الحقيقة من أحاديث القرية التي لم يكن هناك مجال بالعرض لنراها لا أحاديث ولا شعب، يعلم من هي أمه ولكنه لا يعلم مكان والده، تربيه قمر بخوف من عودة حسن، تربيه حاملاً السلاح في حين يريد حمل ناي، اختلاف الالات فآلة تقتل شريرة، وآلة تقتل الشر، ولكنها كانت ضعيفة أمام قوى الثأر والشر، ولم يكتفي المخرج بحلم واحد تحلمه قمر مهووسة بعودة حسن حبيبها، أحلامها كانت أنه سيأخذ بثأر والده، في حين أنه تعلم وسامح قائلا  فيما معناه (والدها ووالدي ماتوا خالصين)، ولكن زرعها للشر جاء عكسياً فوق رأسها، حين عاد حسن بالفعل وليس حلم في خيال قمر، نجده يقنعها بنيته الخيرة، ولكن يأتي مهران مستخدماً السلاح للمرة الأولى قاتلاً حسن، وهنا تكون لحظة إدراك متأخرة لقمر، ندمت وفهمت أن لا طائل من الثأر وفهمت ذنبها متأخرة، ليغلق العرض على مشهد منقسم لثلاث قمر في اليسار محتضنة حبيبها المكلوم المقتول، ومهران في اليمين محتضن والده ياسين معتذراً له، لأن الأب كان رافض للسلاح والثأر كزوجته نور، نور التي كان دلالة اسمها وملابسها البيضاء حين ظهرت على خشبة المسرح بعد موتها كطيف يراه ياسين، دلالتان كافيتان مرشدتان على الخير وأين يكمن الطريق الصحيح، أم في المنتصف فكانت فجر الغجرية بطريقة شيطانية وحولها فتيات مرتديات الأسود وحركات أفعوانية، وصوت فحيح ويعلو قائلة «تانك (ستظلي) يا بلد في بحور الدم غرقانة» .
رغم كثرة عشاق قمر واختلافهم، إلا أنه ولا واحد منهم استطاع أن يثنيها عن رحلة الشر والثأر واستعادتها كأنثى، بل حتى أمومتها لمهران كانت بدافع أناني، لم يكن حباً في ابن أختها الذي يعوضها عن غياب من رحلو من عائلتها، والحقيقة أن الممثلة (زهرة إبراهيم ) خير من قامت بالدور ليس للأداء التمثيلي ولكن نظراً للجسد القوي الذي يغلب رجال، وأي رجال أنهم صعايدة! أي مهما كان الرجل رفيع يكون صلب شديد البأس. 
أعتقد أن مؤلف ومخرج العرض حان وقت إلتفاته لكتابة أبناء آخرين بموضوعات أخرى، نراها على خشبات المسارح، فكتابته تصلح ليس فقط للعرض مسرحياً، ولكنه قادر على وضع خطوط فرعية، والاهتمام بشخصيات ثانوية يجعلها فاعلة وليست مجرد شخصيات مساعدة، كشخصية (القط) الذي تسببت قمر في دخوله السجن، وبالتالي فور خروجه يتعاون مع (فجر) للانتقام من الجميع، ولكن سقط ابن فجر سهواً، لنراها قوى شيطانية تضع الأحجبة وتلقي السحر، ناسية سؤال القط عن ابنها الذي علمت أنه حي لم يتخلصوا منه كما أخبروها. 


سارة أشرف