عبد الحسين عبد الرضا .. البرج الرابع (3)

عبد الحسين عبد الرضا .. البرج الرابع   (3)

العدد 617 صدر بتاريخ 24يونيو2019

اغنم زمانك
وقف القدر بجانب عبد الحسين عبد الرضا؛ حيث قدمت الفرقة بعد إشهارها كفرقة أهلية مسرحية (عشت وشفت)؛ بوصفها أول إنتاج للفرقة، وللأسف لم يُشارك فيها عبد الحسين بسبب سفره خارج الكويت - وتحديدا كان في القاهرة - وعندما عاد وجد الفرقة في ورطة إدارية! فقد ضغطت الوزارة على الفرقة كي تعرض مسرحية جديدة، حتى تستطيع أن تفي بالتزاماتها كفرقة أهلية، من أجل الحصول على الدعم المالي المستحق، الذي لا يُؤخذ إلا بعد أن تقدم الفرقة مسرحيتين جديدتين في فترة زمنية محددة. وبما أن الفرقة قدمت «عشت وشفت»، فيجب أن تقدم مسرحية جديدة أخرى. وهنا طالب أعضاء الفرقة سعد الفرج – مؤلف عشت وشفت – بتأليف مسرحية جديدة، فاعتذر لعدم وجود فكرة جاهزة. فقام عبد الحسين عبد الرضا بإنقاذ الموقف، وقال بأن لدية فكرة مسرحية جديدة، ويريد من الأعضاء مساعدته، فوافق الجميع، وبدأ عبد الحسين في كتابة نص «اغنم زمانك»، واستعد استعدادا كبيرا ليظهر أمام الجمهور؛ نجما مسرحيا كويتيا في مجال التأليف المسرحي والتمثيل الكوميدي، وهذا الأمر نستشفه من كلمته المنشورة في برنامج المسرحية – بوصفه المؤلف - قائلا:
«سيداتي سادتي: سبق أن شاهدتموني في عدة مسرحيات في هذا المكان، وكان لتجاوبكم معي وتشجيعكم لي أثر كبير في نفسي، جعلني استمر في هذا المجال. ولرغبتي الأكيدة في أن يرتفع الفن المسرحي إلى مستوى رفيع ونحن في بدء نهضتنا المسرحية، قمت بمحاولتي الأولى في التأليف المسرحي، رغم التردد من خشية الفشل. وقد تغلبت على ذلك بفضل مؤازرتكم وتشجيعكم المستمرين. بدأت في كتابة مسرحيتي هذه (اغنم زمانك) المسرحية الفكاهية، التي اتسمت بالواقعية في معالجة ما يدور بين حب الذات، والأنانية، والمطامع الشخصية، وبين الخصال الطيبة، التي تكن للبشرية الحب والإخلاص. وهذا ما حاولت أن أعالجه في هذه المسرحية».
ومن خلال هذه الكلمة، نستطيع أن نلمس السمات الأولى لأسلوب التأليف المسرحي الكوميدي عند عبد الحسين عبد الرضا - ذلك الأسلوب الذي سيستمر عليه فيما بعد - والمتمثل في: أن يكون النص المسرحي فكاهي الحوار، عامي اللهجة، واقعي الموضوع، يُعالج المشكلات الاجتماعية المحلية. وتطبيق هذا الأسلوب، جعل المخرج – حسين الصالح – يُبشر الجمهور في كلمته المنشورة في برنامج المسرحية، قائلا له: «ستعيشون ما يقرب من ثلاث ساعات في جو من المرح والضحك تنسون به همومكم ومتاعبكم اليومية».
صدق توقع المخرج، عندما عُرضت المسرحية يوم 3/ 7/ 1965 على مسرح كيفان، حيث توافد الجمهور، وكانت ضحكاته مستمرة طوال العرض. والحق يُقال بأن جميع الممثلين كانوا نجوما، وتميز كل فرد منهم بمواقفه الكوميدية الخاصة به، لدرجة أن يصعب على المشاهد اختيار أحدهم ليقول إنه البطل أو أنه الأفضل. فالبطولة كانت منقسمة بين عبد الحسين وخالد النفيسي. ولا ننسى دور جوهر سالم - البائع المتجول - رغم صغره، ودور محمد جابر - الملا - الذي تفوق فيه على نفسه، ناهيك بدور حسين الصالح – الهندي - أو دور غانم الصالح – الملا - أيضا. أما دور سعاد عبد الله - سارة - فكان لافتا للنظر، حيث أدت دور المجنونة ببراعة واقتدار.
وإذا أردت أن أتوقف عند بعض المواقف الكوميدية، فلا بد أن أتوقف – في الفصل الأول – عند المشهد الكوميدي بين عبد الحسين وبين خالد النفيسي - العامل عنده – بعد تبديل أدوارهما أمام عائشة إبراهيم - أم ياسين - من أجل أن تتوسط عند ابنة شقيقتها – سعاد عبد الله (سارة) – حتى ترضى بالزواج من عبد الحسين – رغم زواجه من أخرى - وما ينتج عن ذلك من مواقف كوميدية، لا سيما عندما يستغل خالد النفيسي الموقف ويذل صاحب العمل عبد الحسين ويهينه. وفي الفصل الثاني، نتوقف عند موقف جعفر المؤمن الذي يشرح لموظف الشركة مواصفات مجموعة من السيارات يريد شراءها، وموظف الشركة يجاريه في الأمر على أنه يريد شراء مئات الكلاب والقرود - بناء على اتصال تليفوني سابق من زبون آخر - وما نتج عن هذا الخلط من مواقف وألفاظ كوميدية. كذلك نتوقف عند المشهد نفسه، عندما يأتي الزبون الأصلي - (علي البريكي) مندوب شركة دونكي - ويطلب توريد 750 كلبا يكتبون على الآلة الكاتبة، ويعزفون على البيانو. وأيضا يطلب 400 قرد كل مائة بلون مختلف، وما ينتج من الحوار حول ذلك من مواقف كوميدية مضحكة. ويجب الإشارة إلى أن الفصل الأخير، كان الأفضل كوميديا، حيث ظهرت الزوجة المجنونة (سارة) – سعاد عبد الله – ومحاولات علاجها عن طريق الملا والعرافين والهنود، وما يحدث من مواقف بين هؤلاء وبين الزوجة المجنونة. ومما ميّز هذا الفصل اشتماله على أغنيتين صغيرتين أضافتا ترويحا مبهجا على الجمهور، وبالأخص أغنية (يا بو خلود.. عدل مدل).
ومن الطريف أن الفصل الثالث – الذي قلت عنه إنه الأفضل – له قصة رواها الفنان عبد الحسين - في لقاء تلفزيوني - مفادها: أن أعضاء الفرقة، كانوا يتدخلون في كتابة النص وتغيير عباراته، وقبل العرض بليلة واحدة، اكتشفوا أن الفصل الثاني أقوى بكثير من الفصل الثالث، فقاموا بنقل بعض العبارات والمواقف والأحداث من الفصل الثاني، ووضعوها في الفصل الثالث، حتى يختتمون المسرحية بقوة أمام الجمهور. وبالفعل حدث هذا، وأصبحت خاتمة المسرحية قوية كوميديا، رغم أن الأحداث أصابها الاضطراب، وحدث خلل واضح في تسلسل الموضوع؛ فإن الفرقة استمرت في العرض كما هو، عندما وجدوا الجمهور مقبلا عليه، مما يعني نجاحه!!
ومن وجهة نظري أن نجاح مسرحية «اغنم زمانك» يعود لأمرين: الأول، كتابتها وعرضها باللهجة الكويتية المحلية، وهي اللهجة المطلوبة في عرض المسرحيات الكويتية، وفقا لرؤية المسؤولين، وعلى رأسهم حمد الرجيب، الذي اجاب – قبل عرض المسرحية بخمسة أشهر، وتحديدا في مجلة الكويت يوم 25/ 2/ 1965 – على سؤال، هذا نصه: «هل تؤيدون اتجاه المسرحيات نحو اللهجة المحلية أم اللغة العربية الفصحى البسيطة؟»، فأجاب قائلا: «لا شك أن اللغة العربية الفصحى هي الأصل، الذي تلتقي عنده اللهجات العامية العربية جميعها. إلا أننا نرى أن اللغة الفصحى لا تصلح لكل المسرحيات، فهي إن كانت تصلح للمسرحيات التاريخية والمترجمة إلا أنها لا تصلح للمسرحيات التي تعالج مشكلات الحياة المعاصرة.. لأن المسرحية حينما تعالج مشكلة قائمة إنما تخاطب وجدان الجماهير ومشاعرهم، وتحاول تقريب المشكلة إليهم في صورتها الحقيقية واللهجة العامية، هي التي تستطيع تحقيق ذلك لأنها لهجة الجماهير».
وهذا الرأي، أكده عبد الحسين عبد الرضا – بعد 18 سنة في مجلة عالم الفن عام 1983 – وأجاب على السؤال نفسه، قائلا: «اللغة العربية الفصحى عملت بها كثيرا، وبدايتي كانت كلها باللغة العربية الفصحى مع الأستاذ زكي طليمات، وكانت المسرحيات من أربعة إلى خمسة فصول. والحقيقة أنا لا أميل إلى اللغة العربية في المسرح، فهي لغة أدب ودراسة وعلوم، ولا اعتقد أنها لغة مسرح ناجحة، وجمهورها محدود. وأنا أقدم كوميديا، ومواضيعي شبه واقعية، واللغة العربية الفصحى لا تخدمني».
والأمر الآخر – الذي كان وراء نجاح المسرحية – يتمثل في القاعدة الجماهيرية الكبيرة، التي كوّنها عبد الحسين عبد الرضا وزملاؤه من أعمالهم التلفزيونية، التي كانت تُعرض في السهرات الأسبوعية، مثل «ظلام ونور» إخراج محمد شرابي وبطولة عبد الحسين عبد الرضا، وسعد الفرج، ومنى الشافعي، وقال أحد النقاد – في جريدة صوت الخليج عام 1964 - عن دور عبد الحسين في هذا العمل: «أحسست أن عبد الحسين عبد الرضا عنده القدرة لأن يتقمص أي شخصية. فلقد نجح مرارا في شخصيات شاهدناها على الشاشة الصغيرة، لكنه هذه المرة تفوق». كذلك السهرة التمثيلية «من الحياة» التي كتبها عبد الحسين عبد الرضا، وأخرجها نزار شرابي، ومثلها كل من: سعد الفرج، وحسين الصالح، وخالد النفيسي، وغانم الصالح. وقد تحدثت أمينة الصاوي عن هذا العمل – في جريدة صوت الخليج عام 1965 - قائلة: «والتمثيلية من تأليف عبد الحسين عبد الرضا ذلك المؤلف الشاب الذي قدم لنا أكثر من عمل جيد.. ولقد استطاع عبد الحسين أن يخطو خطوة أخرى نحو الإجادة والاتقان». هذا بالإضافة إلى اشتراكه في تمثيل فيلم (العاصفة)؛ بوصفه أول عمل سينمائي كويتي. فكل هذه الأعمال كوّنت له قاعدة جماهيرية كبيرة، ساعدت على نجاح عرض «اغنم زمانك»، ونجاح العروض التالية، كما سنرى.
الكويت سنة 2000
بعد سبعة أشهر - من نجاح اغنم زمانك - قدمت الفرقة مسرحية «الكويت سنة 2000» على مسرح كيفان، ابتداء من يوم 5/ 2/ 1966، وهي من تأليف سعد الفرج، وإخراج حسين الصالح، الذي قال في كلمته ببرنامج المسرحية: «أعزائي المشاهدين الكرام، إنه لمن دواعي سروري واغتباطي أن التقي بكم في عرضنا الأول لموسمنا الخامس الذي ستشاهدون فيه محاولة جديدة من حيث التأليف والإخراج، إنكم ستسبقون عجلة الزمن بأربعين عاما تقريبا.. ستعيشون في الكويت سنة ألفين ميلادية بكل المتناقضات التي تخطر على بال كل إنسان منا. إنها تعتبر تجربة جديدة بالنسبة لي ولجمهور المسرح في الكويت، وأن ما دفعني لخوض مثل هذه التجربة هو الرصيد الذي احتفظ به من تشجيعكم الكبير الذي اعتز وأفخر به دائما وأبدا.. وأختم كلمتي هذه آملا أن ما ستشاهدونه على خشبة مسرحنا في هذه الليلة سيحظى بإعجابكم الذي هو حافزنا على المضي قدما في أداء رسالتنا».
وللأسف الشديد، لم تنجح هذه المسرحية النجاح المأمول، لعدة أسباب، منها: أنها لم تمثل الحياة الواقعية، التي تعوّد عليها الجمهور! كما أن الكوميديا فيها كانت قاتمة، وكان الجمهور – في فترات نادرة – يتصنع الضحك!! حتى النجم عبد الحسين لم يكن على المستوى المطلوب، هو وبقية نجوم العرض. والسبب في ذلك أن موضوعها – رغم أهمية رسالته – كان نذير شؤم على الكويت، لأنه يصور أن النفط جف من أرض الكويت عام 2000، وبعد الثراء عادت الكويت إلى أيام الفقر! كما صورت المسرحية أن شعب الكويت – بعد جفاف النفط – لم يجد ما يأكله، لدرجة أن الرجل العاقل الذي وضع الشعب أمله في حُسن تدبيره – وهو خالد النفيسي (علاوي) - نجده يفشل في مسعاه، ويُعيّر الشعب بأنهم لم يدخروا شيئا من ثرواتهم لمجابهة جفاف النفط يوما ما، ويطلب منهم في النهاية، أن يهاجروا ليعيشوا لاجئين في إحدى الدول المجاورة!! وهذه السوداوية في موضوع المسرحية، ساعدت على عدم نجاحها.
24 ساعة
شعرت فرقة المسرح العربي أن استمرارها أصبح على المحك بعد عرض (الكويت سنة 2000)، فأخرجت – بعد خمسة عشر شهرا – أقوى مسرحية في ذلك الوقت، وهي (24 ساعة)، التي تُعد من أهم المسرحيات الكوميدية في تاريخ عبد الحسين عبد الرضا؛ لأنها تُعدّ النموذج – أو القالب – الذي وجد نفسه فيه، ويستطيع تكراره، والتنوع فيه، مما يضمن نجاح أي عرض، يشتمل على هذا القالب أو هذا النموذج!! والمقصود به صورة الرجل الوسيم وتعامله مع المرأة بصورة كوميدية من خلال سوء الفهم، واختلاط المواقف بصورة معكوسة.
فأحداث المسرحية تدور حول الزوجة (عائشة إبراهيم)، التي تتنكر لزوجها فجأة، ولا تتعرف عليه، وتتعامل معه على أنه شخص غريب عنها. فيقوم الزوج (سعد الفرج) باستدعاء طبيب نفساني (عبد الحسين عبد الرضا)، وعندما يحضر الطبيب، تتعامل معه الزوجة المريضة على أنه زوجها، فيضطر إلى مجاراتها – بالاتفاق مع زوجها الحقيقي – أملا في علاجها. وبعد عدة ساعات، يحضر خال الزوجة (خالد النفيسي) من الهند، حيث يتعرف على زوج ابنة أخته لأول مرة، فتقدم الزوجة - لخالها - الطبيب على أنه زوجها، وتقدم له زوجها الأصلي على أنه صديق الطبيب. وفي سبيل علاج الزوجة من مرضها، يضطر الطبيب أن يمثل دور الزوج طوال يوم كامل – 24 ساعة – وطوال أحداث هذا اليوم – أي طوال عرض المسرحية - لم يكف الجمهور عن الضحك، متأثرا بالمواقف الكوميدية الناتجة عن أحداث المسرحية!!
ولنا أن نتخيل الموهبة التمثيلية لعبد الحسين عبد الرضا، عندما يُمثل – في المسرحية - طبيبا يعيش مع امرأة لا يعرفها؛ بوصفه زوجها، وفي وجود زوجها الحقيقي!! كذلك أفعاله مع خال زوجته، لا سيما عندما يضبطه الخال مع سكرتيرته في بيت الزوجية!! ناهيك بتصرفاته عندما يعلم أنه كان ألعوبة في يد الزوج الحقيقي، الذي أخفى عنه السبب الحقيقي لمرض زوجته، وهو أنها ضبطته في وضع غرامي مع سكرتيرته!! كما يكتشف الطبيب أيضا أنه كان ألعوبة في يد الزوجة المريضة، لأنها ادعت المرض، حتى تعطي زوجها درسا لا ينساه، انتقاما منه بسبب تصرفاته مع السكرتيرة!! كل هذه المواقف والأحداث، قام بها عبد الحسين عبد الرضا باقتدار فكاهي كبير، استطاع – من خلال دوره - أن يدفع الفرقة إلى الأمام، وأن يحافظ على التوافد الجماهيري، وأن يلغي أثر مسرحية (الكويت سنة 2000)!!
والجدير بالذكر إن مسرحية (24 ساعة)، تم عرضها على مسرح كيفان ابتداء من يوم 13/ 5/ 1967 - وقُدمت مرة أخرى يوم 25/ 11/ 1967 بمناسبة انعقاد المؤتمر الثالث لوزراء العمل العرب في الكويت - وقد أخرجها حسين الصالح، وقام بتمثيلها: فؤاد الشطي، صالح حمد، عبد الجبار مجيد، عائشة إبراهيم، سعد الفرج، عبد الحسين عبد الرضا، خالد النفيسي، أمية المصري. والمسرحية من الأدب الإيطالي، قام بإعدادها جعفر المؤمن، وقال في كلمته المنشورة في برنامج المسرحية: «مسرحيتنا هذه مقتبسة عن الأدب الإيطالي والتي ظهرت في قوالب فنية مختلفة. وميزة هذه المسرحية أنها كفكرة تتلاءم مع كل مكان وزمان بمجرد إعطائها الصبغة المطلوبة. وهكذا تم تكوينها مواقفا وحوارا لتتلاءم مع بيئتنا الكويتية بزي مريح للعين والسمع. ومما شجعنا علاوة على ذلك في تقديم هذه المسرحية بالذات هو لونها لون من ألوان الكوميديا المحببة لدينا وذات أحداث مشوقة ضاحكة تنتزع الضحك الصادق من أعماق القلب».

 


سيد علي إسماعيل