وداعا نادية فهمي الرقيقة

وداعا نادية فهمي الرقيقة

العدد 600 صدر بتاريخ 25فبراير2019

الفنانة القديرة نادية فهمي (واسمها الرسمي نادية أحمد فهمي) التي رحلت عن عالمنا يوم الخميس الموافق 14 فبراير 2019 ممثلة موهوبة ومتميزة، وهي من مواليد مدينة «القاهرة» في 27 يوليو عام 1948. وقد أصقلت موهبتها المؤكدة بالدراسة في «المعهد العالي للفنون المسرحية» بأكاديمية الفنون، وحصلت على درجة بكالوريوس التمثيل والإخراج عام 1970، ضمن دفعة ضمت عددا من الموهوبين الذين نجحوا في تحقيق نجوميتهم وشهرتهم بعد ذلك، ومن بينهم الفنانين: محمد صبحي، لطفي لبيب، نبيل الحلفاوي، شعبان حسين، هادي الجيار، عفاف حمدي، عثمان عبد المعطي، زينب شميس.
تميزت الفنانة نادية فهمي بملامحها الشرقية ووجهها المصري الأصيل ذي السماحة وبابتسامتها الجميلة الصافية وتقاطيعها الطيبة التي يشعر الجميع معها بألفة، لذا فقد تألقت في تجسيد أدوار الفتاة المصرية بمختلف طبقاتها الاجتماعية سواء الطبقات الشعبية المعدمة أو الفتاة العصرية المتعلمة ابنة الطبقات المتوسطة. كذلك تميزت بأدائها السلس البسيط الذي يتسم بالطبيعية والتلقائية، وأيضا بخفة ظلها وقدرتها على تقديم الكوميديا الراقية التي تعتمد على الموقف الدرامي وليس على مجرد إلقاء بعض النكات والقفشات اللفظية أو القيام بالحركات المفتعلة المبتذلة، هذا على الرغم من تميزها بسرعة البديهة والقدرة على الارتجال المنهجي لصالح العروض المسرحية.
ويمكن من خلال رصد مشاركاتها الفنية المتعددة بجميع القنوات الفنية على مدار مسيرتها الفنية - التي قاربت من نصف قرن - أن نرصد ونسجل حقيقة مهمة، وهي: أن أغلب نشاطها كان متركزا بالدرجة الأولى على الأعمال الإذاعية ثم بعد ذلك على الدراما التلفزيونية، حيث تتضمن قائمة مشاركاتها بالدراما التلفزيونية عددا كبيرا من المسلسلات المهمة، ومن بينها على سبيل المثال فقط: برج الحظ، ضمير أبلة حكمت، أرابيسك، ساكن قصادي، نصف ربيع الآخر، شارع المواردي، الرحايا.
جدير بالذكر أن الفنانة نادية فهمي تزوجت من الفنان سامح الصريطي بعد قصة حب قوي ربطت بينهما، وقد استمر زواجهما لقرابة ربع قرن أثمر عن ابنتين هما «آية»، والفنانة ابتهال الصريطي، ثم انفصلا بعد تلك السنوات في هدوء شديد، وظلت تربطهما روابط قوية - بالإضافة إلى الابنتين - وهي الزمالة والصداقة.
ويلاحظ عند رصد قائمة إسهاماتها الفنية أنها قد اعتزلت الفن فيما يقرب من تسعة سنوات ثم عادت عام 2009 لتشارك الفنان القدير نور الشريف مسلسل الرحايا، وهو المسلسل الذي يعد أيضا من العلامات البارزة في مشورها الفني، حيث وفقت في توظيف خبرات السنين لأداء دورها بتمكن شديد ونضج فني واضح.
وعلى المستوى الشخصي تميزت الفنانة نادية فهمي بدماثة خلقها ورقي سلوكياتها الراقية المحترمة، وبتواضعها الجم وكرمها الشديد، وبالتزامها الكبير دون تشدد، كما تميزت أيضا بحرصها على إثارة جو من الألفة والبهجة في جميع لقاءاتها وكواليس أعمالها. ورغم عدم اختلاطها الكبير بالوسط الفني وعدم حضورها للحفلات والسهرات الفنية أو المهرجانات الفنية الكثيرة - وتركيز جميع جهودها وكل وقتها من أجل فنها وأسرتها - إلا أنها قد نجحت في الاحتفاظ بعلاقات شخصية قوية مع بعض زميلاتها. وللأسف الشديد فقد أصيبت في السنوات ا?خيرة من حياتها بتصلب الشرايين وألزهايمر، مما اضطرها إلى دخول قسم العناية المركزة بإحدى دور المسنين (مصحة علاجية لمرض ألزهايمر)، وقد أرجع البعض أسباب مرضها إلى حساسيتها المفرطة وعدم قدرتها على التواؤم مع الواقع بسلبياته المتزايدة.
هذا ويمكن تصنيف مجموعة مشاركاتها الفنية طبقا لاختلاف القنوات الفنية كما يلي:
أولا: المشاركات المسرحية
على الرغم من أن موهبة الفنانة نادية فهمي قد تفجرت من خلال عشقها للمسرح ومشاركتها بعروضه، وهي الموهبة التي نجحت أيضا بصقلها من خلال الدراسة الأكاديمية بالمعهد العالي للفنون المسرحية الذي أهلها للتعيين بفرقة «المسرح الكوميدي»، فإن رصيدها المسرحي يعد قليلا جدا سواء مقارنة بالرصيد المسرحي لبنات جيلها من الفنانات أو مقارنة برصيد مشاركاتها ببعض القنوات الأخرى وبالتحديد بكل من المسلسلات الإذعية والدراما التلفزيونية.
هذا ويمكن تصنيف مجموعة مشاركاتها المسرحية طبقا للتسلسل التاريخي مع مراعاة اختلاف الفرق كما يلي:
1 - بفرق مسارح الدولة:
 - «المسرح الكوميدي»: الحب في حارتنا، إللي رقصوا على السلم (1972)، عالم كورة كورة (1987)، مولد سيدي المرعب (1998).
 - «المسرح القومي»: بعد أن يموت الملك (1974).
 - «المسرح الحديث»: ست البنات (1974)، الزفاف (1975).
2 - بفرق القطاع الخاص:
 - «جمعية فناني وإعلامي الجيزة»: بداية ونهاية (1986).
وذلك بخلاف بعض المسرحيات المصورة (التي أنتجت للعرض التلفزيوني): درويش يتألق فرحا (1981)، جواز مع الاشتراك في الأرباح (1984).
وبخلاف ما سبق من مشاركات نجحت الفنانة نادية فهمي في توظيف قدراتها ومهاراتها في الأداء الصوتي بالمشاركة في بطولة بعض عروض مسارح الأطفال، فشاركت على سبيل المثال بالأداء الصوتي بمسرحيتي: «الرحلة العجيبة» (القاهرة للعرائس - عام 1999)، «فرفور المفرفر» (باكورة إنتاج فرقة إسماعيل الموجي - عام 1999).
ويمكن من خلال استرجاع تفاصيل المسرحيات بالقائمة السابقة تسجيل حقيقة مهمة وهي أن الفنانة نادية فهمي قد استطاعت وبمهارة إثبات وجودها الفني رغم مشاركتها لعدد كبير من كبار النجوم في بطولة تلك الأعمال ومن بينهم على سبيل المثال: نور الشريف، كرم مطاوع، عبد الرحمن أبو زهرة، فريد شوقي، محمود ياسين، فاروق الفيشاوي، ممدوح عبد العليم، عمر الحريري، حسين الشربيني، نبيل بدر، بدر الدين جمجوم، نبيل الدسوقي، صلاح قابيل، يحيى الفخراني، حمدي أحمد، أحمد مرعي، محمد أحمد المصري (أبو لمعة)، جورج سيدهم، عبد الحفيظ التطاوي، حسن حسين، نجاح الموجي، سامح السريطي، فاروق يوسف، ومن النجمات: برلنتي عبد الحميد، ناهد سمير، سهير المرشدي، سميرة عبد العزيز، عزيزة راشد، يسرا، شهيرة، ليلى طاهر، نهلة سلامة، رانيا فريد شوقي.
ويذكر أنها قد تعاونت من خلال تلك العروض المسرحية السابق ذكرها مع نخبة من المخرجين المتميزين الذين يمثلون أكثر من جيل ومن بينهم الأساتذة: نبيل الألفي، محمود عزمي، كرم مطاوع، السيد راضي، حسن عبد السلام، محمد مرجان، سناء شافع، مجدي مجاهد، محمد أبو داود، عصام السيد، محمد كشك، إسماعيل الموجي.
ثانيا: الأفلام السينمائية
ساهمت الفنانة نادية فهمي بأداء بعض الأدوار الثانوية المؤثرة في عدد أقل من خمسة عشر فيلما خلال أكثر من ثلاثين عاما (الفترة من عام 1979 إلى عام 2011)، حيث بدأت أولى مشاركاتها عام 1979 بفيلم «يمهل ولا يهمل» من إخراج حسن حافظ، وبطولة فريد شوقي ونور الشريف وميرفت أمين، في حين كانت آخر مشاركاتها بفيلم «برتيتا» من إخراج شريف مندور، وبطولة عمرو يوسف وكندة علوش. ورغم تميز أدائها بالأدوار التي جسدتها إلا أنها ظلت لسنوات طويلة تنتظر أن تنصفها السينما كما أنصفتها الدراما التلفزيونية، ولكن للأسف لم تتحقق طموحاتها السينمائية حتى تاريخ رحيلها. هذا وتضم قائمة أعمالها والتي تصل إلى اثنى عشر فيلما تقريبا الأفلام التالية:
الشك يا حبيبي، يمهل ولا يهمل (1979)، مرزوقة (1983)، الليلة الموعودة (1984)، فوزية البرجوازية (1985)، الحدق يفهم، السفلة (1986)، أسعد الله مساءك (1987)، المرشد (1989)، زوجة محرمة (1991)، الخروج من القاهرة، برتيتا (2011)، وذلك بالإضافة إلى فيلم القصير: «أم حسن» (2003). ويمكن من خلال مجموعة الأفلام السابقة الإشارة إلى تميزها في أداء الشخصيات الدرامية: سنية بائعة البريمو بفيلم «فوزية البرجوازية»، سعاد عبد الظاهر قورة بفيلم «الليلة الموعودة»، وسعدية بفيلم «زوجة محرمة».
وجدير بالذكر أنها قد تعاونت من خلال تلك العروض المسرحية السابق ذكرها مع نخبة من كبار المخرجين المتميزين الذين يمثلون أكثر من جيل ومن بينهم الأساتذة: هنري بركات، سعد عرفة، حسن حافظ، أحمد فؤاد، إبراهيم الصحن، يحيى العلمي، شريف حمودة، إبراهيم الموجي، أحمد السبعاوي، هشام عيسوي.
ثالثا: الدراما التلفزيونية
شاركت بأداء بعض الأدوار الرئيسة بعدد كبير من المسلسلات وذلك بدءا بمسلسل القضبان، بطولة عبد الله غيث ومحمود المليجي حسن عابدين عام 1974، وحتى آخر أعمالها مسلسل «الخواجة عبد القادر» مع النجم يحيى الفخراني ومها أبو عوف عام 2012. وخلال مسيرتها الفنية بالدراما التلفزيونية نجحت وبرعت في تجسيد عدة شخصيات درامية بصورة لافتة للنظر حتى أنها ظلت باقية في ذاكرة الجمهمور ومن بينها: ميرفت (برج الحظ)، هنية (شارع المواردي)، نعمات (هي والمستحيل)، سلمى (ضمير أبلة حكمت)، عطيات (مغامرات زكية هانم)، سعاد (أرابيسك)، عدلات (بوابة الحلواني)، حياة (نصف ربيع الآخر)، زعقوقة (ألف ليلة وليلة - ذات المال).
هذا وتضم قائمة أعمالها التلفزيونية المسلسلات التالية: القضبان، أصيل في السيرك الكبير، أصيل في أرض النخيل، البحيرات المرة، أدركني يا دكتور، زهور تتفتح، العودة للحياة، بعد العاصفة، الطوفان، جريمة على الشاطئ الهادئ، هذا المصير، قلعة الشطار (مسلسل قطري)، الفدان الأخير، الجنة العذراء، مصيدة الدكتور غراب، القاهرة والناس، شهادة ميلاد، البوسطجي، لقيطة، الهاربان، المشربية، برج الحظ، هي والمستحيل، الأيام، الشوارع الخلفية، الباحثة، معروف الإسكافي، رداء لرجل آخر، أصابع الزمن، حتى لا يختنق الحب، عالم عم أمين، وأدرك شهريار الصباح، هذا الرجل، أشواقي بلا حدود، شارع المواردي (ج1، 2)، ضمير أبلة حكمت، حصاد الحب، مغامرات زكية هانم، أرابيسك، بوابة الحلواني (ج2، 3، 4)، سر الأرض، حتى لا يغيب القمر، أولاد الأصول، ساكن قصادي (ج1، 2)، نصف ربيع الآخر، عدل الأيام، أنا وزوجتي والنصاب، حكايات مستر أيوب ومسز عنايات، أهالينا، الحاوي، لعبة الحياة (وداعا أيها الأمل)، المفتاح الضائع، الجذور، أوقات خادعة، ألف ليلة وليلة (ذات المال)، الغروب لا يأتي سرا، بنات أفكاري، يا رجال العالم إتحدوا، شمس يوم جديد، يا ورد مين يشتريك، الجانب الآخر من الشاطئ، شجرة الود، دوائر الشك، أسلحة دمار شامل، حق مشروع، خليها على الله، تامر وشوقية (ست كوم)، ساعة عصاري، نافذة على العالم، حنان وحنين، ثورة وحكاية، الوتر المشدود، الرحايا حجر القلوب، بابا نور، مذكرات سيئة السمعة، الخواجة عبد القادر، وأيضا بعض المسلسلات الدينية ومن بينها: نوادر العرب، فتى الأندلس، نجوم في سماء الحضارة الإسلامية، المرأة في الإسلام، على هامش السيرة، الأنصار، وكذلك: حكايات العمالقة (رسوم متحركة)، فوازير الأدباء، وذلك بخلاف مشاركاتها ببعض التمثيليات والسهرات التلفزيونية ومن بينها: وتبقى الذكريات، دعوة أم، بيت الأصول، لأنها تحب، الرحلة، عناق الموت والحياة، قطعوا التوتة، كفر الجنون، نوارة، عيد ميلاد سعيد، قضية طفل بريء، نصف شقة، الخروج من الشرنقة، دولت فهمي التي لم يعرفها أحد، بالإضافة إلى برنامج «حياتي».
رابعا: الأعمال الإذاعية
للأسف الشديد أننا نفتقد لجميع أشكال التوثيق العلمي بالنسبة للأعمال الإذاعية، وبالتالي يصعب حصر جميع المشاركات الإذاعية الكثيرة والمتنوعة لهذه الفنانة القديرة، التي ساهمت في إثراء الإذاعة المصرية بكثير من برامج المنوعات والأعمال الدرامية ومن بينها المسلسلات التالية: ينابيع الحب، كريم وغشيم، حكاية بنات، عصفور بنص أرنب، أغرب القضايا، خطة لم تكتمل، درس خصوصي جدا، والحب دائما، القسمة والنصيب، ممنوع الدخول، زمن العطش، سواق التاكسي، أحلام بالتقسيط المريح، أوراق ضاحكة، أوعى لعقلك، وصية عمتي، رجل لكل الأمور، عفريت الهانم، مين ولا مين؟، وبكرة يا ما نشوف، الخط معاك عالخط، فراولة، يا خميس يا جمعة، سهم الزيتون طلع، قلقان في مصر.
وأخيرا لا يسعني سوى التوجه لله العلي العظيم بالدعاء ليشمل برحمته وكرمه وغفرانه هذه الفنانة القديرة ويدخلها فسيح جناته جزاء ما أخلصت في أداء رسالتها بكل حب وإخلاص وتفاني، سواء رسالتها العائلية والتي تطلبت أحيانا تفرغها شبه الكامل لرعاية زوجها وابنتيها، وأيضا رسالتها الفنية وسعيها الدائم لإسعادنا بأدوارها المتنوعة وأيضا حرصها على المشاركة بالتمثيل المشرف للفنانة المصرية الملتزمة والمحبة لجميع زملائها سواء من وراء الكاميرا أو أمامها.


د.عمرو دوارة

esota82@yahoo.com‏