مهرجان المسرح الإسبانى في فرنسا

مهرجان المسرح الإسبانى في فرنسا

العدد 600 صدر بتاريخ 25فبراير2019

نتوجه اليوم إلى مدينة ريميه الفرنسية التي تقع شرقي فرنسا وتبعد 130 كيلومترا عن باريس لنلتقي مع عرض مسرحي يقدم على مسرح كوميدي دي ريميه ويلقى إقبالا واسعا وهجوما واسعا في الوقت نفسه، وهذه المدينة تعد من مراكز النشاط المسرحي في فرنسا على غرار برودواي في نيويورك، مما جعلها وجهة رئيسية للسياحة الثقافية، خصوصا أنها ترحب بالعروض المسرحية من كل أنحاء أوروبا، وعادة ما تقام بها مهرجانات كثيرة يخصص كل منها لدولة على حدة وتقدم العروض مصحوبة بترجمة فرنسية،

العرض إسباني وليس فرنسيا وله اسم إسباني يعتمد على السجع وهو «Rebota Rebota y en Tu Cara Explota» ويترجم إلى العربية «ترتد وترتد ثم تنفجر في وجهك»، وهو يأتي في إطار مهرجان المسرح الإسباني الذي أقيم بالمدينة،
تعالج المسرحية ثلاثة موضوعات أساسية وهي العنف، والتغيير الاجتماعي، والجنس الذي يسبب الهجوم عليها، وقد تضمنت المسرحية بعض العبارات والحركات غير اللائقة وبعض العبارات التي تحقر شأن المرأة التي قامت بها البطلة نفسها للتعبير عن بني جنسها، هذا فضلا عن عدة نكات بذيئة وردت على لسانها، وكانت تردد النكات بالفرنسية، وكان الهدف من وراء ذلك التأكيد على الظلم الذي تعانيه المرأة الإسبانية والأوروبية وحاجتها إلى المساواة، ووصل بها الأمر في النهاية إلى تعريض نفسها للخطر في المشاهد النهائية حيث تلقى عليها السكاكين التي أصرت أن تكون حقيقية للتأكيد على ظلم المرأة على طريقة روبن هود،
الطريق إلى جهنم
ويبدو أن الطريق إلى جهنم مفروش بالنيات الحسنة كما يقول المثل الشهير، وكما قال النقاد، حيث رأوا أنه كان من الممكن التعبير عن القضية بطريقة أفضل تتفق مع طبيعة المسرح كاداة تفاعل مباشر مع الجماهير لايصلح لها ما يصلح مع أدوات تواصل أخرى، وكان العرض يقدم بعض المشاهد القصيرة بالفيديو لاستحالة تقديمها مباشرة لجرأتها البالغة،
والمسرحية بطولة النجمة الإسبانية أخنيس ماتيس (52 سنة) التي تشارك أيضا في إخراجها مع المخرج المسرحي الإسباني كويم تاريدا، عرضت المسرحية في إطار مهرجان المسرح الإسباني الذي استضافته المدينة، وكان هذا العرض من أكثر العروض التي لاقت إقبالا بسبب جرأة الموضوعات الذي تناولها، رغم أنه لم يكن العرض الوحيد الذي تناول تلك الموضوعات وبدرجة أقل من الجرأة، وربما كانت البطلة وراء هذا الإقبال حيث إنها تتمتع بشعبية في فرنسا، وفي تصريح للصحافة الفرنسية ذكرت أخنيس التي كانت البطلة الوحيدة للمسرحية أن كل ما جاء في المسرحية من عبارات وحركات أمر مألوف في إسبانيا،
وهناك مسرحية أخرى لفتت الأنظار في المهرجان وهي «هذا ليس بيت برناردا ألبا» المأخوذة عن مسرحية للأديب الإسباني فيديريكو لوركا كتبها عام 1945 باسم «دراما المرأة»، تعالج المسرحية ما تقول إنه الظلم الذي تتعرض له المرأة الإسبانية في إسبانيا الكاثوليكية، وتتناول الأمر من زاوية مختلفة وهي أن المرأة يمكن أن تتحول إلى ظلم المرأة في هذه الحالة، وهي تتناول قصة أم تتعامل مع بناتها الخمس بقسوة وصرامة، والجديد في هذا الأمر أن شخصية الأم وشخصيات بناتها الخمس يجسدها على المسرح رجال،
شارك في إخراج المسرحية كارلوتا فيرر وخوسيه مورا، وقالت فيرر إنها كانت صاحبة فكرة إسناد الشخصيات النسائية إلى رجال لأنها شخصيات مركبة ولتؤكد على أن ما يلحق بالمرأة من ظلم يمكن أن يلحق بالرجل، وقالت إن قيام الرجال بأدوار النساء والعكس أمر ليس جديدا ويحدث في مسرحيات شكسبير على وجه الخصوص، وقام بدور البطولة الممثل الإسباني إيزيبيو بونسيلا،
وشهد المهرجان مسرحيات أخرى عزفت على نفس الوتر مثل «زوجة شبرد المطيعة» و»تحرر من رغباتي»، وتم تقديم المسرحيتين باللغة الفرنسية بدلا من الإسبانية وتضمنتا مشاهد صارخة،

مسرح الكبار بعد الصغار
«مسرح 55» معادلة صعبة في منيسوتا
هكلر.. علمتني أكثر مما تعلمته في حياتي
نلتقي اليوم مع تجربة جديدة في المسرح الأمريكي تستحق التعرف عليها، وهي تجربة «مسرح 55»، تجرى التجربة في ولاية منيسوتا المعروفة باسم ولاية العشرة آلاف بحيرة بسبب البحيرات الجميلة التي تحفل بها تلك الولاية الشمالية المتاخمة لكندا، و»مسرح 55» هي فرقة مسرحية تم تأسيسها في مينة مينيابوليس كبرى مدن الولاية العام الماضي فقط، وهي تقدم حاليا عرضها الأول على مسرح جامعة منيسوتا في قاعة بسيطة لا يزيد عدد مقاعدها عن 140 مقعدا، أسس الفرقة ريتشارد هيكلر وهو متخصص أصلا في مسرح الأطفال على مدى عشرين عاما سابقة وقرر أن يقتحم مسرح الكبار.
وكان على مؤسس الفرقة تحقيق معادلة صعبة للغاية، تمثلت المعادلة في فرقة جديدة تحتاج عملا جيدا تقدم به نفسها إلى الجمهور، وتم اختيار عرض مسرحي موسيقي باسم «شعر» HAIR، وتم اختيار هذا العرض بالذات لأنه ليس جديدا بل تم تقديمه لأول مرة عام 1967 على مسارح برودواي، وهي مسرحية تدور حول حركة الهيبز التي برزت على الساحة في الولايات المتحدة خلال تلك الفترة التي قام بها مجموعة من الشباب المتمردين على قيم المجتمع الأمريكي وكانوا يدعون إلى الفوضى وارتكبوا عددا من الجرائم التي هزت المجتمع الأمريكي في حينها، ومنها اغتيال الممثلة الشابة الشهيرة وقتها شارون تيت (1943 - 1969) و4 من ضيوفها، وهي مأخوذة عن قصة لجيروم راجاني وجيمس رادو وهما أيضا مؤلفا أغاني المسرحية التي لحن رادو أغانيها، وقد حققت المسرحية نجاحا كبيرا عند عرضها الأول، وأعيدت بعد ذلك عدة مرات في مدن مختلفة في عدة دول كان آخرها عام 2010 في لندن، وحصلت بعض عروضها على جائزة توني، واكتشف هيكلر أن هناك فرقة تملك امتياز عرض المسرحية حيث لا يزال أحد مؤلفيها على قيد الحياة وهو رادو (87 سنة حاليا) والآخر (راجاني) رحل منذ 1991، ووافقت الفرقة صاحبة الامتياز على التنازل عن حقها لتشجيع فرقة مسرحية ناشئة.
تحديات أخرى
وانتهى بذلك التحدي الأول وبقيت التحديات الأخرى، فميزانية العمل محدودة تبلغ 46 ألف دولار فقط، ولم يكن من الممكن البحث عن تبرعات لأن أحدا لا يمكن أن يقدم تبرعات لفرقة مسرحية لم تقدم شيئا بعد ولا بد أن تقدم عملا جيدا يشجعهم على التبرع لها، وهذا المبلغ البسيط يجب أن يكفي لدفع إيجار المسرح الذي تقدم عليه المسرحية وأجور أفراد الفرقة المسرحية الذين تحتاجهم المسرحية وهم ستة وعشرون ممثلا، هذا بالإضافة إلى تكلفة الديكورات، ولم تكن هناك مشكلة في المخرج لأن هكلر قام بإخراج المسرحية، وعلى مدى شهرين قام مؤسس الفرقة ومخرج المسرحية باختيار هواة قبلوا العمر بأجور رمزية أو بدون أجر لعشقهم للمسرح، وكان منهم عازف يبلغ من العمر 71 عاما رفض تقاضي أي أجر، وكان من بين المتطوعين الممثل الهاوي برنت برهايم الذي جسد شخصية كلود زعيم الهيبز والبالغ من العمر 53 سنة وهو نفس سن هكلر، وكان ذلك رغم أن المفروض أن يكون من يجسد هذه الشخصية شاب، بل إن المسرحية كلها شبابية، لكن المخرج وجده قادرا على تجسيد الشخصية كما أن شكله يوحي بعمر يقل بشكل ملحوظ عن سنه الحقيقية ويقوم الماكياج بالباقي، كما يتمتع برهايم الذي يعمل موظفا بأحد البنوك بلياقة بدنية وحيوية تناسب الشخصية التي يجسدها، وكان بعضهم لم يقف على خشبة المسرح من قبل لكن هكلر أشركهم في العرض بعد أن استشعر قدرتهم على تجسيد شخصيات العرض وقدرتهم على أداء المشاهد الراقصة، وكانت هناك ميلبا هنسيل البالغة من العمر 73 سنة وهي ممثلة معتزلة منذ 38 سنة.
ذكريات
وبالنسبة للديكورات قام المخرج بإعداد ديكور بسيط بمكونات بسيطة استوحاه من الديكور الأصلي للعمل الذي ظهر في أول عرض للمسرحية عام 1967، وتم حل مشكلة المسرح باستئجار مسرح جامعة منيسوتا بإيجار رمزي كما أسلفنا.
ويقول هيكلر إن العمل المسرحي علمه الكثير عبر سنواته العشرين مع مسرح الطفل، لكن تجربته مع «مسرح 55» علمته أكثر مما تعلم في سنواته العشرين السابقة لأنها كانت بمثابة مغامرة قام بها ولا يزال يقوم.
وبقي عليه انتظار حكم الجماهير والنقاد وإن كانت النتائج المبدئية لا بأس بها خاصة بعد أن أبدى الناقد المسرحي للواشنطن بوست إعجابه بمشهد إقدام بطلة المسرحية على حرق بطاقة الخدمة العسكرية الخاصة بأبيها بعد أن عاد من فيتنام ووصفته بأنه قاتل الأطفال.
وكان من اللافت للنظر بعض كبار السن الذين حرصوا على حضور العرض لأنه ذكرهم بهذه الفترة المضطربة من التاريخ الأمريكي وحرب فيتنام.


ترجمة هشام عبد الرءوف