العدد 617 صدر بتاريخ 24يونيو2019
تدوير الخامات هو نظام معمول به في معظم دول العالم، حيث إنه يؤدي أكثر من غرض، أولهم هو التخلص المفيد من الزيادات، ثم توفير أماكن تخزين وتشوين، ثم والأهم هو إعادة استخدام ما يصلح بشكل أو بآخر.
وفيما يخص الديكورات المسرحية المنتجة بمسارح الدولة فإن الحاجة إلى وجود مخازن بالمسارح تشكل عقبة كبرى لعدم وجود أماكن للتخزين بالمسارح، إضافة إلى هاجس الحماية المدنية المرعب الذي يتسبب في إغلاق الكثير من المسارح. والمخازن المملوكة للبيت الفني للمسرح موجودة في مدينة السادس من أكتوبر، بينما جميع دور العرض المسرحية تقبع في القاهرة.
وقبل أن أسرد تجربة عملية تمت بالفعل أثناء تولي مسؤليتي كمدير عام للإنتاج بالبيت الفني للمسرح، يجدر بي أن أتخطى مبدئيا فكرة حقوق الملكية الفكرية للمبدعين أصحاب التصميمات، مؤكدا أن إعادة التدوير لا تجور على حق المبدع، حيث إنه ومن البديهي أنه لا يمكن استخدام قطعة ديكور أو إكسسوار كما هي - بوضعها الأول – ضمن ديكور آخر، حيث إنها جزء من منظومة متكاملة (وحدة الديكور أو وحدة المشهد) بما تحمل من تصميم ومنهج، وألوان وتفاصيل، تجعلها غير قابلة للاندماج في وحدات أخرى وفق تصميم آخر.
إذن ما نعنيه هو تدوير أو الاستفادة من الكتل والبانوهات المجردة (أو التي يتم تجريدها). فالبانوه مثلا (وهو الوحدة الأساسية في معظم الديكورات) عبارة عن شاسيه خشبي مكسو بالأبلكاش أو mdf كوحدة تأسيس يبنى عليها التفاصيل، من ألوان، أو ورق حائط، أو حفر، أو زخارف، أو تجسيم، أو تنجيد، أو أي شيء آخر. والمقصود بالتدوير أو إعادة الاستخدام هو تجريد البانوه من كل ما سبق، وجعله وحدة بناء مجردة يعاد تشكيلها أو التشكيل بها أو التشكيل عليها من جديد، وفي أسوأ الاحتمالات تفكيك البانوهات وتحويلها إلى مراين حرة (قطع خشبية) من السهل استخدامها وتشكيلها.
كذلك فالمستويات الخشبية والحديدية (البرتكابلات) والسلالم لا يمكن أن تتشابه، فهي في النهاية مستويات يمكن استخدامها في أي عرض، وكذلك الدوائر الحديدية (القرص الدوار) أجزم أن هناك في مخازن أكتوبر الكثير من تلك القطع المكلفة، بجميع المقاسات وبحالة جيدة.
أما عن التجربة، فقد قمت بها أكثر من مرة أثناء مسئوليتي عن الإنتاج بالبيت الفني للمسرح، وفق ما تنص عليه اللوائح الحكومية، التي تقضي بضرورة تكهين الديكورات والملابس التي يمر على تصنيعها خمس سنوات، وأحيانا ثلاث، وبناء عليه قمت بعمل مراجعة لعدد الديكورات التي انطبق عليها القانون (لكل المسارح)، وكونت فريق عمل مشكل من عدد من الفنيين ممثلا عن كل فرقة، وتوجهنا بمأمورية عمل إلى مخازن السادس من أكتوبر وكانت خطة العمل كالتالي:
تحديد وفرز الديكورات المراد تكهينها
فرز وتجنيب البانوهات المجردة التي لا تحمل تصميما خاصا أو تفاصيل (وهي كثيرة)، ووضعها في مخزن منفرد (مخزن عام يمكن لأي مصمم الاستعانة بما يحويه).
فك وتنظيف الديكورات والقطع التي يصعب استخدامها كما هي وتحويلها إلى مراين خشبية أو قطع حديدية أو عجل، وضمها للمخزن العام.
إعادة إثباتها في محضر التكهين كإضافة مخزنية من نواتج الفك.
نواتج الفك والتكهين والتكسير والتمزيق، التي تحولت إلى نفايات ليست ذات قيمة مالية وبالتالي ضرورة التخلص منها عن طريق عربات نقل النفايات، الأمر الذي يتطلب صرف مبالغ مالية على هذا الإجراء، لكن الذي حدث هو عكس ذلك حيث تم مقايضة أحد تجار الخردة والنفايات على استخدامه لهذه النفايات (الورقية والفوم والأخشاب الكسر والأقمشة والخيش وخلافه) مقابل توريد بعض الأخشاب الجديدة.
بما لا يخالف القانون.
وتم الاستعانة بهذه النواتج في أكثر من أحد عشر عرضا مسرحيا، بل ربما ما زال بعضها موجود حتى الآن.
وكانت المهمة هي كيفية عرض وإقناع مصمم الديكور بتوفير تلك الخامات، عند البدء في عمل جديد، فكان هناك نظام متبع وهو أن تعرض مقايسة الديكور بتفاصيلها على إدارة الإنتاج وعند مراجعتها أقوم بتحديد ما يتوافر منها أو ما يتناسب منها مع الموجود بالمخازن وعرضها على المصمم (من خلال صور على جهاز الكومبيوتر، أو زيارة من المصمم لمخازن أكتوبر) وبالتالي يتم خصم قيمتها المالية من المقايسة لتوفير المال العام.