إعادة تدوير الديكور المسرحي يراه البعض أحد الطرق المهمة والحلول لمواجهة ضعف الميزانيات وارتفاع أسعار الخامات بإعادة تشكيل الديكور بما يناسب عملا مسرحيا جديدا وإيجاد حلول للفراغ المسرحي.. رصدنا آراء بعض مصممي الديكور في فكرة إعادة تدوير الديكور المسرحي لنتعرف على وجهات نظرهم التي تباينت بين من يؤيد التجربة ومن يرفضها.. حول أسباب الاتفاق مع الفكرة ورفضها كان لـ”مسرحنا” هذه المجموعة من اللقاءات.قال د. نبيل الحلوجي إن فكرة إعادة تدوير الديكور المسرحي نوع من ادعاء المعرفة، ولغو تجاه فن يعتقد البعض أنه عملية نجارة.. في ضوء معطيات العصر تعتبر تلك النظرة بيروقراطية تحكمها فكرة العهدة. وتابع: الديكور المسرحي فن لا يجوز التعامل معه على أساس مبدأ ومفهوم الهالك والمستهلك والدائم لأنه عالم خاص في فن متداخل ومركب.أما التدوير فيكون لما يصلح من خامات ويعاد تشكيلها من جديد لتناسب الرؤية الجديدة في حالة إذا ما توافرت المعايير في الخامة، وليس شراء الأرخص والإصرار على تطويع بعضه، وفي نفس الوقت يتم الصرف على بنود أخرى بشكل لافت.أضاف: إن فكرة إعادة التدوير قائمة في مجالات كثيرة ولكن على المادة الخام وصياغة الصالح منها (الصالح منها فقط في بعض الجوانب التنفيذية)، أما إعادة استخدام مناظر سواء على مستوى الكل أو حتى الجزء، فهذا ضرب من الخيال ونحن في القرن الواحد والعشرين. نعم، توجد وحدات في المسارح المختلفة وبعض النظم تستخدم وحدات بنائية مساعدة لتحقيق جوانب ما، كما توجد وحدات الأثاث من طرز مختلفة يمكن إضافتها في العروض التي تتطلب رؤية يكون للأثاث دوره فيها.استطرد قائلا: فكرة إعادة التدوير للتخفيض الجزئي في التكلفة يكون في حالة قوة الخامة بالمواصفات القياسية مع إعادة التصنيع في هيئة جديدة دون مشكلات.. ويكون التدوير في تنفيذ عناصر لا تفسد الهيئة التشكيلية والوظيفية للتصور الجديد المستهدف.وأضاف: من سلبيات التدوير إجبار بعض المصممين على قبول شروط لا تليق في مجال الإبداع، وفي نفس الوقت لا يتم خفض التكلفة في عناصر أخرى غير الديكور والملابس، وقد شاهدت ذلك في تجارب كثيرة، فجهات الإنتاج التي ما زالت ترى في الأخشاب والقماش الخلاص جهات عاجزة، فنحن في حاجة إلى منظومة إدارية تتفهم معطيات العصر وما يطرأ على العالم كل لحظة بعيدا عن الضمور الذي يفسد آليات الإنتاج ويحشوها بالمعوقات.تابع: وهناك تساؤل آخر يجب أن نطرحه وهو “أليس إعادة تدوير الديكور بهيئته نوعا من الاستيلاء على رؤية مصمم آخر؟” إنه انتهاك ملكية فكرية لمصمم آخر وغير ذلك تجاوز وأقل توصيف له اللصوصية. أما فك ما يصلح من ديكور سابق تم به العرض وانتهى بهدف الحصول على (ما يصلح من خامات)، فهذا وارد ومطلوب شرط أن يخرج بهيئة أخرى .ومن منظور آخر قال مهندس الديكور عمرو الأشرف: مفهوم إعادة تدوير الخامات واستخدام كل ما هو قديم هو مفهوم متعارف عليه في العالم وهو قائم على استخدام الخام المستهلك وإعادة توظيفه في إنتاج عمل ما سواء كان عملا فنيا أو مسرحيا، ولكن فكرة إعادة التدوير الخاصة بالديكور المسرحي لها قواعد فمن غير المعقول أن يتم استخدام قطعة ديكور في عمل مسرحي بنفس هيئتها وشكلها الذي تم استخدامه ويجب أن يتم تغيير شكل قطع الديكور والتعامل معها بصورة مخالفة. وتابع قائلا: إن مفهوم إعادة التدوير بمسماه الصحيح هو إعادة التعامل مع الديكورات كخام يتم تفكيكه وإعادة تركيبه في ما يتعلق بالتصميم الجديد لمهندس الديكور.وأضاف: لا أميل للتعامل مع فكرة إعادة التدوير ولكن هناك حالات من الممكن أن يتم بها الاستعانة بالفكرة، ففي بعض الأحيان نجد الخامات المستهلكة القديمة يخرج منها إنتاج فني ذو قيمة كبيرة، ولكن هناك بعض المناظر المسرحية التي لا تستوجب فكرة إعادة التدوير على سبيل المثال المناظر المسرحية التي تتسم بالنضارة، وبالتالي في هذه الحالة من الصعب تطبيق فكرة إعادة التدوير، أما إذا كان المشهد المسرحي يدور في أحد الأماكن القديمة أو المهجورة ففكرة إعادة التدوير تكون صالحة، على سبيل المثال عرض “القطط” الذي قدم في برودواي، تم الاستعانة فيه بخامات مستهلكة، وذلك لأن المنظر المسرحي كان في أماكن قديمة ومهجورة، وأخيرا هناك مجموعة من المميزات لإعادة التدوير ومنها أنها تخدم الميزانيات المحدودة وتعوض النقص في الخامات.الدائرة المغلقةبينما قال مهندس الديكور بكار حميدة: في البداية أود أن أقول إنني أؤيد فكرة تدوير الخامات المستهلكة والمستخدمة سابقا وتحويلها إلى قطع فنية يمكن تطويعها لخدمة السينوغرافيا والديكور والتشكيل الجمالي في الفضاءات سواء كانت داخلية أو مسرحية خارجية. وأضاف: مع تغير أسلوب وشكل الحياة وازدياد أسعار الخامات الجديدة استوجب على الفنان والسينوغراف والتشكيلي استغلال تلك المنتجات المصنعة مسبقا بغرض الوصول إلى أفضل النتائج حسب المدرسة التشكيلية التي يعمل عليها في تنفيذ العمل الدرامي بإبداع غير محدود، يخلق به موتيفة جديدة تماما تساهم في استكمال وتجميل العملية التصميمية وبالطبع التنفيذية.وتابع قائلا: يضفي هذا التطور في إعادة خلق المادة وإمكانية تطويعها مع العناصر الأخرى، جوا جماليا تكامليا ومريحا للرؤية التشكيلية، وهذا الاتجاه الفكري سوف يساعد بشكل كبير في رفع كفاءة المادة المستحدثة المنتجة والمساهمة في تقليص ميزانيات الأعمال الفنية واستخدام تقنيات عمل نظيفة تقوم على أساس الدائرة المغلقة (التدوير)، وهذا ما تعلمته على أيدي أساتذتي بقسم الديكور بالمعهد العالي للفنون المسرحية وأخذته اتجاها وأسلوبا في عملي كمصمم للديكور المسرحي أو غيره، وهو عدم إهدار المواد والموارد غير المتجددة في الوسائط الدرامية وأداة عملية التنفيذ والتصنيع والخروج منها بأقل فاقد.وعن حقوق الملكية الفنية، استطرد قائلا: في جوهرها تعطي الفنان أو المصمم حماية لما ابتكره وتمكنه من التصرف فيه، فلا يجوز أن تستخدمه الإ بإذنه، وبهذا يمنع التظليل والخداع ولكن يجوز استخدام قطع الديكور مرة أخرى ولكن بشرط إضفاء تعديل عليها. أساليب تخزين سليمةمهندس الديكور وائل عبد الله أوضح أن إعادة التدوير هي فكرة عظيمة ولكن تكمن الإشكالية في أن عروض مسرح الدولة على سبيل المثال البيت الفني للمسرح يتم بها إعادة التدوير بعد خمس سنوات، إذ يتم تكهين الديكور ويتم استخدام «حق الانتفاع» به بعد خمس سنوات وهو ما يتطلب تخزين سليم لخامات الديكور.أضاف: نعاني من فقدان طرق تخزين سليمة، فالتخزين الرديء يؤثر على قطع الديكور، وهذا بدوره يجعل من فكرة إعادة التدوير أمرا به صعوبة وغير ناجح، بالإضافة إلى أن الأخشاب التي من الممكن إعادة تدويرها مكلفة وتتطلب أجهزة وآلات خاصة.أمر يصعب تنفيذهاتفق مهندس الديكور حازم شبل في أن إعادة تدوير الديكور المسرحي أمر يصعب تنفيذه بشكل مهني على أرض الواقع، وخصوصا أننا نفتقد أساليب التخزين السليمة في جميع مسارحنا، وذلك لأن الأمر باهظ التكاليف، بالإضافة إلى افتقادنا الأنظمة في التعامل مع الخامات والديكورات القديمة التي تتطلب فك وتركيب، كما أن الأمر يتطلب وجود مدير تقني في المسارح. وضرب مصمم الديكور حازم شبل مثالا للمخازن التي في إسبانيا التي تحتفظ بالديكورات والإكسسوارات الخاصة بالعروض المسرحية وتقوم على نظام دقيق يعتمد على وجود بيانات دقيقة بكل المقاسات الخاصة بالأخشاب.ووصف المخرج والسينوغراف خالد عطا الله طريقة إعادة التدوير بأنها من الحلول المثلى، فهي تعد طريقة لتجنب إهدار الخامات والتخفيف عن ميزانية العروض المسرحية، واتفق عطا الله مع في أن الإشكالية الكبرى هي كيفية التخزين وذلك لوجود أماكن تقوم بالتخزين بطريقة سيئة وهو ما يعرض الخامات للتلف، وأشار إلى أن مزايا إعادة تدوير الديكور تتمثل في توفير الطاقة والمجهود، ومن الممكن أن تتوافر قطعة ديكور أو موتيفة مناسبة لعرض جديد لا يستطيع المنفذ أن يصنع مثلها.وتطرقت إلى مزايا إعادة التدوير ومنها استخدام خامات من المخازن من الخامات المعمرة التي تظل لسنوات وليست الأقمشة «الخامات المعمرة» هنا يقصد بها الحديد والخشب.وأشارت نهلة مرسي إلى أن أهميتها ترتكز على ثلاث نقاط مهمة، وهي أنها توفر الوقت بشكل كبير كما توفر الكثير من الأموال التي تساهم في استغلال الميزانية المخصصة للديكور لشراء خامات أخرى على سبيل المثال “إكسسوارات جلد ورق حائط” وهو ما يضيف للتصميم الخاص بالعرض المسرحي.وتابعت: إعادة التدوير تتطلب ما يسمى «بأمر التصنيع» وهو مشاهدة ما كانت عليه الخامات وحالتها الأولى والخامة التي سيتم استخدامها، ويتم الاستعانة بصور مرفقة بما سيتم استخدامه من الخامات بما يتلاءم مع العرض، ثم بعد ذلك يقوم مصمم الديكور بكتابة بيان تصنيع جديد.وأضافت: السلبيات التي تنجم عن إعادة التدوير من خامات مخزنة، في بعض الأحيان يضطر أو يفرض على مهندس الديكور أن يستخدم خامات من المخازن وهو ليس شرطا أساسيا، خاصة إذا لم يكن متلائما مع التصميم الخاص بمهندس الديكور، أيضا هناك بعض الحالات السلبية وهي استخدام قطعة ديكور بحالاتها دون التغيير بها وهو اقتباس أو سرقة فنية.وعن الضوابط التي يجب مراعاتها عند إعادة التدوير، أوضحت نهلة مرسي أن أولى الضوابط هي: يجب الفك وتركيب قطع الديكور تحت إشراف مهندس الديكور وليس بمعرفة المنفذين فقط، فيجب أن يطلع على ما سيتم الاستعانة به من قطع الديكورات التي سيعاد تدويرها مع كتابة بيان لماذا سيقوم باستخدام هذه الخامة بما يتلاءم مع تصميمه الجديد، وفي هذه الحالة لن يكون هناك استيلاء على أي أفكار.كما أن مهندس الديكور قبل اطلاعه على المخازن من المفترض أنه قام بقراءة النص واستطاع تكوين رؤية خاصة به وقام بعمل التصميم الخاص بعرضه، وبالتالي فهو ملزم بتنفيذ التصميم الذي قام به بما يتناسب مع الخامات الموجودة.