جمال الشيخ وداعا

جمال الشيخ وداعا

العدد 602 صدر بتاريخ 11مارس2019

الفنان القدير جمال الشيخ والذي رحل عن عالمنا يوم الأثنين الموافق 4 مارس (2019) - بعد صراع طويل مع المرض - فنان مسرحي متميز، وهو رجل مسرح بالدرجة الأولى حيث ساهم بإبداعاته ببعض فرق مسارح الدولة كمخرج وممثل وأيضا بتولي مسئولية الإدارة عدة سنوات. وتعود أصوله إلى محافظة الدقهلية فهو من مواليد مدينة “المنصورة” في نهايات النصف الأول من القرن العشرين، حيث رحل عن عالمنا في سن يناهز الثمانين عاما تقريبا.
وقد بدأ شغفه بالمسرح من خلال مشاهداته لبعض العروض المسرحية التي كانت تتجول بالأقاليم، ثم مارس هوايته للتمثيل من خلال المسرح المدرسي، ثم صقل موهبته بعد ذلك من خلال العمل عدة سنوات كممثل ومخرج بفرق الثقافة الجماهيرية (الهيئة العامة لقصور الثقافة حاليا) وخاصة بمحافظة الدقهلية، وبعد ذلك دفعه حب وممارسة المسرح إلى الإنتقال للإقامة بمحافظة الجيزة، وبعد زواجه من الزميلة أمنية العجيزى مدير الشئون المالية والإدارية بالمسرح القومى للأطفال حاليا (وكانت قبل ذلك تنتمي إلى أسرة فرقة “مسرح الغد” ثم فرقة “المسرح الحديث) استقر بحي الدقي وأنجبا ابنهما الذي ورث عن والده جينات الفن، فالتحق بمعهد الفنون المسرحية ثم أصبح حاليا الممثل والمخرج الشاب هيثم الشيخ.
وينتمي الفنان القدير جمال الشيخ إلى مخرجي جيل السبعينيات، وهو الجيل الذي يضم أسماء نخبة من المبدعين من بينهم الأساتذة: فهمي الخولي، عبد الغفار عودة، سناء شافع، هاني مطاوع، محمود الألفي، السيد طليب، مجدي مجاهد، عبد الغني زكي، رشاد عثمان، شاكر عبد اللطيف، مصطفى الدمرداش، نبيل منيب، ماهر عبد الحميد، جمال منصور، جلال توفيق، عوض محمد عوض، هناء عبد الفتاح، شاكر خضير، فتحي الحكيم. وهو الجيل الذي لم يحظ بفرص جيل الستينيات الذي حصل أغلبهم على بعثات للخارج وفرص للإخراج بكبرى فرق الدولة وأيضا بفرص تولي كثير من المناصب القيادية، وأعتقد أن تألق جميع مخرجي جيل الستينيات ونجاح كل منهم في وضع بصمة مميزة له كان عنصرا أساسيا في الظلم الذي عانى منه جيل السبعينيات والأجيال التالية لهم. فقد افتقد جميع مخرجي هذا الجيل (السبعينيات) لجميع الفرص الحقيقة للتألق المبكر، وكيف يستطيعون اقتناص الفرص للإخراج أو التمثيل أو حتى الإدارة في وجود العمالقة: فتوح نشاطي، نبيل الألفي، حمدي غيث، عبد الرحيم الزرقاني، السيد بدير، كمال يس، نور الدمرداش، سعيد أبو بكر، عبد المنعم مدبولي (جيل الخمسينيات)، وسعد أردش، كرم مطاوع، جلال الشرقاوي، أحمد عبد الحليم، حسن عبد السلام، أحمد زكي، السيد راضي، فايز حلاوة، حسين جمعة، سمير العصفوري (جيل الستينيات)!!
جدير بالذكر أن الفنان جمال الشيخ قد شارك بالتمثيل في فرق مسارح الدولة وبالتحديد فرقة “مسرح الجيب” بدءا من عام 1969، وذلك عندما شارك بمسرحية “التركة” في إطار سهرة من ثلاث مسرحيات من تأليف الأديب العالمي نجيب محفوظ وإخراج أحمد عبد الحليم، وقد تم تقديمها في إطار سهرة بعنوان “تحت المظلة” (وتضمنت عروض: التركة، النجاة، يحيي ويميت)، وقد شارك بطولة مسرحية التركة كل من الفنانين: محسنة توفيق، حمدي أحمد، عبد المحسن سليم. وبعد ذلك شارك الفنان جمال الشيخ بالتمثيل ببعض عروض فرق مسارح الدولة الأخرى ومن بينها: المتجول، الشباب، الغد، القومي للأطفال، الحديث، القومي. هذا وتعد المسرحيات التي شارك بالتمثيل بها بفرقة “المسرح المتجول” وبالتحديد مسرحيتي: جواز على ورقة طلاق (دور والد زينب عبلة كامل)، ورجال الله (دور أحد الأولياء الصالحين) من أفضل أدواره بمجال التمثيل، ويأتي بعدهما مباشرة دوريه في كل من مسرحية “العمر لحظة” (الضابط)، ومسرحية “المولوية” (الشيخ الصوفي).
وبخلاف مشاركاته في مجال التمثيل قام بشكل مواز بإخراج عدة مسرحيات لمسارح الدولة، وكانت أولى المسرحيات التي قام بإخراجها بعنوان: الطفل المعجزة لفرقة المسرح الحديث، وهي من تأليف عبد الله الطوخي (1977)، وشارك ببطولتها كل من الفنانين: حسن عابدين، عايدة كامل، شعبان حسين، أحمد خليل، وبعد ذلك شارك بإخراج عدة عروض لفرق: المسرح الحديث، المسرح المتجول، القومي للأطفال، مسرح الغد. والحقيقة التي يجب تسجيلها في هذا الصدد أنه برصد ودراسة قائمة العروض التي قام بإخراجها - وبرغم انخفاض عددها مقارنة بعدد المسرحياتي التي قام بتقديمها كل مخرج من رفاق جيله - إلا أنها تمثل تنوعا كبيرا فيما بينها، حيث تتضمن بعض العروض الجماهيرية وفي مقدمتها: الطفل المعجزة، واحدة بواحدة، الجازية، ثم بعض التجارب المتميزة ومثال لها في مجال “مسرحة المناهج” مسرحية: مدرسة المشاهدين، وفي مجال مسارح الأطفال مسرحية: الرحلة العجيبة، وأيضا في مجال التصوف مسرحية: المولوية.
ويمكن أن يضاف في رصيد الفنان جمال الشيخ - بخلاف إسهاماته في مجالي التمثيل والإخراج - مهاراته القيادية في الإدارة أيضا، حيث أتيحت له من خلال صداقته واقترابه من عالم الفنان القدير عبد الغفار عودة الفرصة كاملة للمشاركة معه في تأسيس فرقة “المسرح المتجول” (1982 - 1987)، فأصبح عضوا بالمكتب الفني للفرقة ثم نائبا للمدير، خاصة بعدما تشعبت أنشطة الفرقة بين العروض والندوات والورش الفنية والإصدارات الدورية، وأيضا افتتاح فروع بكل من محافظتي “الأسكندرية” و”الإسماعيلية”. وكان من المنطقي بعدما أثبت نجاحا وتميزا في إدارة فرقة “المسرح المتجول أن يسند له الفنان عبد الغفار عودة مرة أخرى مسئولية عضوية المكتب الفني ومنصب نائب مدير فرقة “الغد للعروض التجريبية” في منتصف تسعينيات القرن الماضي، وهي الفرقة التي تأسست في إطار قطاع “الفنون الشعبية والاستعراضية” عام 1992، وقد تولى إدارة الفرقة كل من الفنانين: د.هناء عبد الفتاح (1992-1993)، حسين عبد القادر (1994-1995)، سمير عبد الباقي (1995-1995)، وخلال تلك السنوات الثلاث ومع تلك التغييرات السريعة في الإدارة كان الفنان جمال الشيخ هو صمام الأمان بخبراته الإدارية الكبيرة ورجاحة عقله وهدوئه المحبب ودماثة خلقه ورحابة تعاملاته مع الجميع وقدرته على استيعاب طموحات شباب الممثلين بالفرقة.
هذا ويمكن تصنيف مجموعة الأعمال الفنية للفنان القدير جمال الشيخ طبقا لاختلاف القنوات الفنية (المسرح الدراما التلفزيونية) وطبقا للتسلسل الزمني كما يلي:
أولا - الإسهامات المسرحية:
ظل المسرح لسنوات طويلة هو المجال المحبب لهذا الفنان الأصيل ومجال إبداعه الأساسي، وهو الذي قضى في العمل به كممثل ومخرج محترف ما يزيد عن ثلاثين عاما، شارك خلالها بعضوية بعض الفرق المسرحية المهمة (ومن بينها: المسرح القومي، المسرح الحديث، مسرح الجيب، المتجول، الغد). ويذكر أنه كان يعمل في أحيان كثيرة ببعض الأعمال الفنية بالقنوات الأخرى كالإذاعة أو السينما أو الدراما التليفزيونية ولكنه كان سرعان ما يعود إلى “المسرح” (سواء كممثل أو مخرج)، حيث ظل المسرح بالنسبة له دائما مجال تخصصه الأول وعشقه الأساسي. هذا ويمكن تصنيف مجموعة الأعمال المسرحية للفنان القدير جمال الشيخ طبقا لاختلاف طبيعة العمل، مع مراعاة التسلسل الزمني كما يلي:
1 - الإخراج:
شارك الفنان جمال الشيخ بإخراج عدد كبير من المسرحيات بفرق الهواة سواء بالعاصمة أو بعض الأقاليم وخاصة تلك التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة، كما قام بإخراج ستة مسرحيات لفرق مسارح الدولة وبياناتها كما يلي:
- “المسرح الحديث”: الطفل المعجزة تأليف عبد الله الطوخي (1977)، واحدة بواحدة تأليف أحمد عفيفي (1979).
- “المسرح المتجول”: الجازية تأليف أحمد سعيد (1983)، مدرسة المشاهدين تأليف محمد أبو العلا السلاموني (1985).
- “القومي للأطفال”: الرحلة العجيبة تأليف درويش الأسيوطي (1991).
- “مسرح الغد”: المولوية تأليف السيد محمد علي (1995).
وقد شارك معه في بطولة المسرحيات السابقة نخبة من النجوم من بينهم على سبيل المثال كل من الفنانين: حسن عابدين، عايدة كامل، شعبان حسين، أحمد خليل، منى جبر، سعيد عبد الغني، آمال رمزي، عبد الحفيظ التطاوي، زوزو ماضي، ماجدة الخطيب، أحمد ماهر، كمال أبو رية، أحمد فؤاد سليم، حسن الديب، مخلص البحيري، سامي مغاوري، ناهد حسين، فلك نور، محمود عامر، فؤاد أحمد، أيمن عزب، عبد الله حفني، شريف صبحي.
2 - التمثيل:
بالرغم من أن هذا الفنان المسرحي الأصيل قد ترك بصمة مميزة في مجال الإخراج إلا أنه قد شارك أيضا بالتمثيل ببعض مسرحيات فرق الدولة ليشبع هوايته بالدرجة الأولى. والحقيقة أن ما شجعه على تكرار تجربة التمثيل هو تعاونه من خلال تلك المسرحيات مع نخبة من كبار المخرجين وأيضا كبار النجوم، وتضم قائمة المسرحيات التي شارك بها ممثلا المسرحيات التالية:
- “مسرح الجيب”: تحت المظلة - التركة (1969)، ليلى والمجنون (1970).
- “المسرح الحديث”: العمر لحظة (1974).
- “المسرح المتجول”: جواز على ورقة طلاق (1984)، رجال الله (1985).
- “مسرح الشباب”: الليلة الثانية بعد الألف (1989).
- “المسرح القومي”: الزير سالم (1990)، جاسوس في قصر السلطان (1992).
- “القومي للأطفال”: ممنوع يا كروان (1995).
- “مسرح الغد”: المولوية (1995).
ويذكر أنه قد تعاون من خلال مجموعة المسرحيات السابق ذكرها مع مجموعة من كبار المخرجين وفي مقدمتهم الأساتذة: عبد الرحيم الزرقاني، حمدي غيث، كرم مطاوع، أحمد عبد الحليم، عبد الغفار عودة، منصور مهدي، هناء سعد الدين، إيمان الصيرفي، كما تعاون أيضا من خلالها مع نخبة من كبار النجوم الذين يمثلون أكثر من جيل ومن بينهم الفنانين: سميحة أيوب، عزت العلايلي، محمود عزمي، صلاح السعدني، محسنة توفيق، حمدي أحمد، عبد المحسن سليم، شكري سرحان، محمد السبع، أشرف عبد الغفور، مديحة حمدي، سلوى خطاب، حمزة الشيمي، مدحت مرسي، عبلة كامل، أحمد فؤاد سليم، نبيل الحلفاوي، خليل مرسي، نجاة علي، محمد أبو العينين، منال سلامة، خالد الذهبي، فؤاد أحمد، مخلص البحيري، عبد الله حفني، أيمن عزب، شريف صبحي.
ثانيا - الإسهامات بالدراما التليفزيونية:
للأسف الشديد أننا نفتقد لجميع أشكال التوثيق العلمي بالنسبة للأعمال الإذاعية والتليفزيونية، وبالتالي يصعب حصر جميع المشاركات التليفزيونية (في غياب القوائم والفهارس الاسترجاعية) لهذا الفنان القدير الذي ساهم في إثراء الدراما التليفزيونية ببعض المسلسلات والسهرات والتمثيليات الدرامية على مدار ما يقرب من خمسة وثلاثين عاما، شارك خلالها ببطولة عدد من المسلسلات الاجتماعية والدينية، وإن تميز بمشاكاته بالمسلسلات الدينية والتاريخية التي قدمت باللغة العربية الفصحى، خاصة وأنه يجيد التمثيل بها بنفس كفاءة تمثيله باللهجة العامية، حيث يتميز بصوته الهادئ الرصين ومخارج ألفاظه السليمة وإجادته لفن الإلقاء مع الالتزام بجميع قواعد النحو. وتضم قائمة مشاركاته التليفزيونية المسلسلات التالية: موسى بن نصير (1983)، محمد رسول الله - ج4 (1984)، أولاد أدم، حارة الشرفا (1986)، فتى الأندلس (1989)، الدنيا وردة بيضاء (1990)، وذلك بالإضافة إلى مسلسل “الأنصار”، وهو المسلسل الذي برع في إخراجه المخرج القدير أحمد طنطاوي، وشارك في بطولته نخبة من كبار النجوم يندر تجمعها، حيث شارك بحلقاته المتتالية كل من الأساتذة: شكري سرحان، محمد الدفراوي، صلاح ذو الفقار، كرم مطاوع، كريمة مختار، حسين الشربيني، نوال أبو الفتوح، فاروق نجيب، عزيزة راشد، حمزة الشيمي، عادل المهيلمي، أسامة عباس، محمود التوني، محمد أبو العينين، فايق عزب.
وأخيرا لابد أن أعترف بأن ما يحزنني ويؤلمني فعلا هو أن هذا الفنان القدير قد رحل عن عالمنا دون أن يفوز بأي جائزة من الجوائز الكثيرة التي توزع أحيانا على جميع المشاركين، أو يحظى بأي مظهر من مظاهر التكريم، وربما يرجع السبب الرئيسي في ذلك إلى اعتزازه بنفسه وإصراره على الاحتفاظ بكبريائه وشموخه وصمته مهما ضاعت تلك الفرص التي قد لا تأتي للأسف إلا بالإلحاح أو الاستجداء !! فقد كان رحمه الله مؤمنا بموهبته ومستمتعا بعمله حتى ولو كان بعيدا عن الأضواء، وسعيدا كل السعادة باحتفاظه بحب واحترام جميع زملائه وأيضا بإعجاب جمهوره.
رحم الله هذا الفنان القدير وغفر له ذنبه وأدخله فسيح جناته جزاء ما أخلص في عمله، وسعى جاهدا في كل أعماله على بذل قصارى جهده لتقديم مسرحيات جادة هادفة، وذلك بالإضافة إلى حرصه الدائم على تقديم الدعم المستمر والمساندة المخلصة للمواهب الحقيقية من الأجيال التالية.


د.عمرو دوارة

esota82@yahoo.com‏