تجربة رائدة لموسيرى بعيدا عن الروتين خمسين ألف دولار من مدخراتها من أجل نجاحها

تجربة رائدة لموسيرى بعيدا عن الروتين خمسين ألف دولار من مدخراتها من أجل نجاحها

العدد 601 صدر بتاريخ 4مارس2019

 نلتقى اليوم مع تجربة مسرحية جديدة سعد بها عشاق المسرح فى الولايات المتحدة بأسرها وليس فى ولاية ميريلاند حيث دارت أحداثها.  صاحبة التجربة هنا هى الممثلة الأميركية –المسرحية بشكل رئيس – والمخرجة كريستين موسيرى.

قبل حوالى العام عينت موسيرى  مديرا لمسرح «ماريلاند إنسامبل» الذى يقع فى مدينة  بولاية ميريلاند اسمها فريدريك. وانتقلت من منزلها فى سياتل الى بيت فى ضواحى فريدريك . وكانت تشعر باحباط شديد لأنها كانت ترغب فى العودة إلى نيويورك مديرا لأحد مسارح برودواى عاصمة المسرح الأمريكى حيث بدأت مستقبلها فى عالم المسرح وتمنت أن تعود إليها يوما ما.  
وبدأت تمارس عملها فى فريدريك بشكل روتينى ولم تكن مستريحة للحياة فى تلك البلدة.  لكن فجأة تغيرت الأمور بالنسبة لها عندما نظرت إلى نصف الكوب الممتلئ بدلا من نصفه الفارغ.
لاحظت فى البداية وجود عدد كبير من المتقاعدين وأصحاب المعاشات من سكان البلدة.
ووجدت أنها مكان مفضل لأصحاب المعاشات من الولاية ومن ولايات مجاورة بسبب موقعها الجمالى الرائع الذى جعلها قبلة من يريدون الاستمتاع بشيخوخة هادئة.
وقدحت ذهنها لبعض الوقت فى التفكير فى وسيلة لخدمة هؤلاء فلم تجد نفسها قادرة سوى على الترفيه عنهم وهو العمل الذى تخصصت فيه وتجيده عن طريق المسرح.
ووجدت أنها يمكن أن تنشئ مسرحا بالجهود الذاتية يعتمد على المتطوعين فى المقام الأول. وسوف يكون  هذا المسرح فرصة طيبة للترفيه عن كبار السن وغيرهم. وفى الوقت نفسه سوف يتيح لها إنتاج وإخراج عدد من المسرحيات التى نالت إعجابها ولم تستطع انتاجها أو إخراجها خلال مناصبها السابقة  لسبب أو لآخر هذا رغم أنها كانت واثقة من قدرتها على الإبداع فيها. ولا بأس من تقديم عروض من تأليفها تعالج بعض الموضوعات المحلية.

حماس
وبالفعل وجدت حماسا كبيرا من كل من تحدثت معهم فى هذا الموضوع. فقد تحمس لها عمدة المدينة وخصص لها قطعة أرض صغيرة فى ضواحيها. ولم تشعر بالضيق واعتبرتها مساحة كافية يمكن أن تقدم من خلالها الكثير. وبدأت بعد ذلك مرحلة بناء المسرح فتبرعت بخمسين ألف دولار من مدخراتها مما شجع العديد من رجال الأعمال وحتى المواطنين العاديين على التبرع. كما حصلت على منحة من مجلس المدينة وبنت مسرحا بسيطا بمائة مقعد فقط لكنه يفى بالغرض.
 ولم تكن هناك مشكلة فى الاستعانة بمتطوعين بلا أجر أو بأجور رمزية للتمثيل فى مسرحياتها فضلا عن المهام الإدارية والفنية الأخرى. وتبرعت بعض المتاجر بلوازم الأعمال المسرحية من أقمشة للملابس وديكورات وأدوات كهربائية ومستلزمات ماكياج وغيرها أو قدمتها بتخفيضات كبيرة.
وحان الوقت لاختيار اسم للمسرح فاختارت موسيرى اسما غريبا وهو مسرح «الأنواع المهددة بالإنقراض» .
أخذت موسيرى هذا الاسم عن فرقة مسرحية فى سياتل وسمحت لها الفرقة باستخدامه دون أى مقابل عندما علمت بالغرض من انشائه. وكانت تقصد من وراء هذا الاسم أن هذا المسرح مخصص بشكل أساسى للأعمال المسرحية المنسية أو غير المعروفة على نحو كاف أو للكتاب الوهوبين الذين لا تجد أعمالهم فرصة للعرض. كما سعت إلى عرض المسرحيات الخاصة بالأقليات.

مساواة
ورغم أن الأجور رمزية فقد حرصت على المساواة بين الرجال والنساء فى الأجر عكس ما يحدث فى معظم المسارح الأمريكية وكذلك المساواة فى توزيع أدوار البطولة بين الجنسين مقابل 69 % للرجال و31 % للنساء فى المسارح الأمريكية. كما ساوت بين الممثلين من كل العرقيات ولم تترك البيض يطغون على ما عداهم. وكانت تخصص أدوارا للمتقدمين فى السن. وكانت تمزح مع زملائها وأصدقائها قائلة ...أنا من أنصار التنوع البيولوجى فى المسرح. وسوف يكون المسرح مركزا لمواهب جديدة تفرض نفسها على المسرح الأمريكى.
وانتهى بها الأمر إلى تقديم استقالتها من مسرح «ماريلاند إنسامبل» للتفرغ لهذا المشروع المسرحى والاعتماد على عملها فى السينما والتليفزيون. وبدأ عرض أولى مسرحياتها وهى “سيدات السرداب” للأديبة الأميركية الراحلة دوروثى باركر (1893 - 1967) التى ترى أنها كانت من أعمدة الأدب المسرحى الساخر فى الولايات المتحدة ولم تنل ما تستحقه من تقدير. وسيكون طاقم الممثلين بالكامل من الجنس اللطيف فوق سن الخمسين. وسيكون العمل القادم مسرحية ديانا اوف دوبسون للكاتبة والممثلة المسرحية الإنجليزية سيسلى هاملتون (1872  - 1952 ).
ولا تعد موسيرى حالة فريدة فى تلك المدينة التى يعشق أهلها المسرح فهناك ثلاث فرق أخرى نشأت فى العامين الماضيين وإن كانت على أساس تجارى مثل فرقة “البشر الأحرار” التى تخصصت فقط فى عرض المسرحيات التى تعرض فى برودواى بممثلين محليين. و هناك أيضا فرقة “بلا حدود” التى تعرض المسرحيات الغنائية فقط وفرقة “الظواهر” التى تركز على الشباب فقط.

عرض جديد لمسرحية السفيرة
كوزاك كانت خائفة وحققت نجاحا كبيرا
كان أحد مسارح نيويورك على موعد مع العرض الاخير لواحدة من العلامات المتميزة فى تاريخ المسرح الغنائى الامريكى وهى مسرحية «قل لى يامدام» Call Me Madam المأخوذة عن قصة شهيرة لاثنين من أدباء الولايات المتحدة هما هوارد لينزى وروسل كروس.  
ووافق العرض الأخير نفس يوم وفاة الممثلة إيثيل ميرمان (1908 - 1984) التى يصفها النقاد بأنها عميدة المسرح الكوميدى الغنائى فى الولايات المتحدة. قامت ميرمان ببطولة المسرحية الفكاهية الهزلية وبالشخصية الرئيسية فيها وهى سالى أدامز التى كانت تعمل ساقية فى أحد الملاهى فى واشنطن وتزوجت أحد أثرياء البترول وورثت عنه ثروة طائلة استخدمت جزءا منها فى التبرع للحزب الديمقراطى. وبعد فوز الرئيس حصلت على مكافأة عن تبرعها  بتعيينها  سفيرة للولايات المتحدة فى لوكسمبورج .وهى مأخوذة عن قصة واقعية كانت بطلتها سيدة تدعى بريل ميستا كانت تعمل نادلة فى أحد الملاهى وعينها بالفعل الرئيس هارى ترومان سفيرة للولايات المتحدة فى لوكسمبورج بعد فوزه فى انتخابات 1948. وقد رفعت ميستا دعوى قضائية تطلب التعويض من منتج المسرحية ثم منتج الفيلم وخسرت القضية فى الحالتين بعد أن أثبت المحامون أنه مجرد تشابه وأن سنة واحدة فقط لا تكفى لإعداد عمل فنى متكامل عن حدث لم يستطع أى مبدع مسرحى استيعابه بعد.

صوت قوى معبر
قدمت المسرحية لأول مرة عام 1950. وحققت نجاحا كبيرا حتى إنها فازت بأربع من جوائز تونى كبرى الجوائز المسرحية فى الولايات المتحدة رغم أنها لم تفز بجائزة أحسن ممثلة. وأرجع النقاد وقتها  ذلك النجاح إلى صوتها القوى المعبر الذى ساعدها فى الوقت نفسه على أداء العديد من الاغانى التى حققت مبيعات شرائطها التى تجاوزت 40 شريطا أرقاما طيبة. وأرجعه النقاد أيضا إلى روح الكوميديا التى تتمتع بها ميرمان وساعدتها على رسم البسمة على شفاه المشاهدين واضحكتهم من اعماق قلوبهم. ولم تفارقها هذه الروح الكوميدية  على المسرح  حتى بعد وفاة ابنتها المفاجئة عام 1967 بسبب تعاطى المخدرات والتى كانت بمثابة صدمة قاسية  لها. وادى نجاح المسرحية الى تحويلها لفيلم سنيمائى غنائى بنفس الاسم بعدها بثلاث سنوات. وقامت ميرمان بنفس الشخصية.
كانت المسرحية إذن نوعا من إعادة العرض أو الريبرتوار بلغة أهل المسرح. وجسدت شخصية  سالى أدامز الممثلة والمغنية الشابة «كارمن كوزاك».
وفى ذلك تقول كوزاك انها سعيدة بالنجاح الذى حققه الريبرتوار. فهى تدرك جيدا أن ميرمين كانت ممثلة شاملة لم ولن تتكرر. وفكرت فى الاعتذار عن بطولة العرض لكنها قررت فى النهاية أن تقبل التحدى وتقدم الشخصية بقدر ما تستطيع. واشترطت على الفرقة المسرحية ان تكتب على التذاكر دعوة للمشاهدين بعدم المقارنة بينها وبين  ميرمان . ورأى النقاد فى هذه الكلمات نوعا من التواضع. فقد تميز صوت كوزاك بالقوة بشكل يقترب من طبقة صوت ميرمين. وتم التعامل مع هذا الصوت بتعديلات بسيطة فقط فى الموسيقى ليبدو وكانه مثل صوت ميرمين تماما. وربما كانت فقدت الثقة بنفسها بعد فشل اخر مسرحية غنائية لها عام 2016 وهى «النجم البراق». ورأى النقاد أن مخرج العرض يقف وراء نجاحه بعد أن أمسك بمطرقة دقيقة ليعيد تشكيل العرض وفق قدرات أبطاله ومواهبهم وبمراعاة مرور نحو سبعين عاما على العرض الأول.  
وكان أول ريبرتوار للمسرحية فى عام 1995 حيث عرضت بمعالجة مسرحية عادية بدون موسيقى أو غناء وقامت ببطولتها الممثلة تين دالى التى احتفلت بعيد ميلادها الرابع والسبعين منذ أيام. 


ترجمة هشام عبد الرءوف