جمال ياقوت: المسرح التجاري «مات» والمشاريع التي تقدم الآن للصفوة

جمال ياقوت: المسرح التجاري «مات» والمشاريع التي تقدم الآن للصفوة

العدد 601 صدر بتاريخ 4مارس2019

تنوعت مواهبه بين التأليف والإخراج فقدم من تأليفه «عيلة دهب» من نوعية الفصل الواحد، «آه يا بلد»، «السترة»، «كلابنا في لندن»، «الذئاب تجتاح المدينة»، وشارك بالتمثيل في عروض منها «شهرزاد، حدث في مستشفى المجانين، باب الشعرية، حرية المدينة، مس جوليا»، كما أخرج عددا من العروض منها على سبيل المثال لا الحصر، «الدنيا رواية هزلية، رحلة حنظلة، تاجر البندقية، البوتقة، القرد كثيف الشعر، القفص، القصة المزدوجة للدكتور بالمي»، بالإضافة لإعداده لعدد من المسرحيات، ومشاركته في عدد من لجان التحكيم خارج مصر، بجانب الورش المسرحية الكثيرة والمختلفة في بعض من الدول الأجنبية كورشة صناعة المسرح في اليونان، أيضا من القلائل المهتمين بمجال الإنتاج المسرحي، بالإضافة لمشاركاته المتنوعة في الكثير من المهرجانات العربية والدولية، وصاحب فكرة مهرجان مسرح بلا إنتاج الذي يقام كل عام في مدينة الإسكندرية الذي اختتمت دورته التاسعة مؤخرا.. عن المهرجان والجديد به وقضايا مسرحية أخرى، كان لنا هذا اللقاء مع د. جمال ياقوت.
 - ما الجديد هذا العام في مهرجان بلا إنتاج؟
تحمل الدورة اسم الفنان الراحل محمد شرف كونه أحد أبناء الإسكندرية وشارك في الكثير من العروض بقصر ثقافة الأنفوشي، والجديد أن وزارة الثقافة متمثلة في د. إيناس عبد الدايم دعمت المهرجان هذا العام في سابقة لم تحدث من قبل من أي وزير ثقافة، حيث دخل المهرجان اللجنة العليا للمهرجان ووضع على قائمة المهرجانات الدولية التي تمثل مصر، وتحملت الوزارة إقامة الوفود، بالإضافة لحصوله على الدعم من خلال قطاع العلاقات الثقافية الخارجية، وأتوجه لها بالشكر على هذا الجهد، أيضا تشارك دولة العراق لأول مرة في المهرجان، بالإضافة لمصر والكويت والمغرب والجزائر وتونس والأورجواي وسلوفاكيا، بالإضافة لورشة الفنان اليوناني إيفدوكيموس تسولاكيدس «تاريخ التمثيل من النظرية إلى الممارسة».
 - ما الهدف من تلك الورشة؟
موضوع الورشة هو تاريخ التمثيل من النظرية إلى الممارسة وقد صممت لتعطي المدربين مقدمة جذابة لأساطير المسرح الحديث والمعاصر أمثال ستانسلافسكي، مايرهولد، تشيكوف، ماميت، تعتمد على تدريب المشاركين ودمجهم وطرق هؤلاء لتحسين وتطوير مهاراتهم في تركيز الانتباه والتواصل مع الآخرين من خلال السمع الفعال وفهم معنى الحضور المسرحي وتنشيط خيالهم من أجل لعب الأدوار التمثيلية وتعامل المتدربون خلالها مع الظروف المعطاة والنيات والظروف والأهداف، المعوقات وكذلك الصراعات.
 - ما الآليات التي اختيرت بناء عليها العروض المشاركة؟
يمر المهرجان بأربع مراحل للوصول للمهرجان الدولي، أولا يتقدم عدد من العروض يقرب من المائة وأربعين عرضا من خلال استمارة التقديم وبعد استبعاد العروض التي لا تتلاءم مع فلسفة المهرجان، تأتي المرحلة الثانية وهي مرحلة المناقشة مع مقدمي المشاريع التي اختيرت حول أفكارهم ورؤيتهم المقدمة، ثم المرحلة الثالثة وهي المهرجان المحلي الذي أقيم في ديسمبر الماضي والمؤهل للمشاركة في المهرجان الدولي وقد اختير عشرون عرضا، كما اختيرت العروض العربية والأجنبية من خلال لجنة المشاهدة التي تشكلت من أعضاء اللجنة العليا للمهرجان.
 - وما هي الأسس التي اختير بناء عليها أعضاء لجنة التحكيم؟
يرأس لجنة التحكيم الفنان اليوناني إيفدوكيموس تسولاكيدس بعضوية المخرج الكويتي عزيز صفر، السعودي إبراهيم العسيري، المخرج المصري محمد مرسي، وأخيرا مصمم الاستعراضات محمد ميزو، أرى أن الاختيارات موفقة جدا خاصة وأن تسولاكيدس سيقدم ورشة في فن التمثيل ونتاجها سيقدم في صورة عرض «هيلين» للكاتب الإغريقي «يوبيديس» مدته نصف ساعة في حفل الختام، كما أنه صاحب مدرسة مسرح التغيير بأثينا، وهي مدرسة تهتم بالتدريب، وتقيم مهرجانًا سنويًا للورش التدريبية يسمى «المهرجان الدولي لصناعة المسرح» حيث يجتمع فيه أكثر من خمسة عشر مدربًا من دول العالم كافة من أجل التدريب التفاعلي وأشارك به بشكل منتظم منذ سبع سنوات، وتتلخص فلسفة هذا المهرجان في أن صناعة المسرح تتم من خلال الورش التدريبية، يخلق المهرجان تفاعلا بين المتدربين والمدربين بحيث أدرب وأتمكن من الاطلاع على المناهج التدريبية لباقي المدربين من خلال حضوري لبرامجهم التدريبية ملاحظًا.
 - وسط مشاركة العروض العربية كيف يتمكن إيفدوكيموس من التواصل وفهم ما يرمي إليه العرض؟
المسرح في أساسه لا يعترف باللغة المنطوقة، هو بالأساس يعتمد على لغة الصورة التي يمكن تفسيرها بعيدًا عن الكلمات، فمن المعروف أن الصورة بألف كلمة، وفي حالة وجود معلومات حيوية يتحتم عليه معرفتها، فإن مقرر لجنة التحكيم يعطيه نبذة مختصرة قبل بدء كل عرض، كما يمكن شرح بعض المواضع باختصار أثناء العرض.
 - تعتمد فلسفة المهرجان على الإنتاج قليل التكلفة فهل يمكن للخيال التغلب على المادة وخلق صورة مبهرة على خشبة المسرح؟
بالتأكيد «فالحاجة أم الاختراع» حين يجد الشباب أنه لا يملك تمويل ومجبر على العمل بهذا الشكل سيخلق صورة مبهرة، وأتذكر على سبيل المثال في الدورة الأولى للمهرجان عرض اعتمد على مجموعة من الحبال صنعوا منها سفن ومنازل وأشياء أخرى مبهرة، أيضا الدورة السابقة حصل العرض الألماني على جائزة أفضل حلول خلاقة التي يقدمها المهرجان عندما جسدوا صورة طائرة مروحية تطير باستخدام قطعة خشب صغيرة جدا ودوبارة قصيرة، فأصدروا الأصوات التي تعبر عن الطائرة، وتزامن الصوت مع حركتهم، واستطاعوا خلق الكثير من الصور في خيال الجمهور باستخدام أدوات بسيطة من البيئة، وفي الدورة السادسة استخدم العرض الكويتي «حنظلكم واحد» خمس شماسي سوداء صنعوا منهم السفن والمنازل، والكثير من الأشكال فاستحقوا أيضا جائزة أفضل الحلول الخلاقة، وهو ما يؤكد أن الإبهار لا يرتبط بالمادة بقدر ما يرتبط بالتفكير والخيال.
 - قلت إن المهرجان يعتبر عودة لمكانة المؤلف المصري هل هناك شروط معينة يتم وضعها لذلك؟
لا توجد أية شروط فقط يشجع المهرجان ويخلق فرصًا لكتابنا – خاصة الشباب منهم - أن يكتبوا ويشاركوا من خلال مرحلة المهرجان المحلي يكون لديهم مساحة كبيرة للمشاركة من خلال عشرين عرض.
 - في رأيك كيف يمكن حماية المؤلف من سرقة نصوصه خاصة مع انتشار ظاهرة تعديل النص وكتابة مؤلف آخر عليه؟
في البداية هناك قواعد لا يجوز تجاوزها فالمؤلف هو خالق الفكرة، ويمكن للمخرج أو المعد أن يغير في النص – في حدود – شريطة أن يحفظ اسم المؤلف، أما مسألة أن يعدل ويكتب اسمه بوصفه مؤلفًا، فهذا سلوك غير محترم، فهناك مصطلح دراماتورج طالما عدلت وعالجت النص دراميا، والدراماتورج لا يرتبط فقط بالنص بل بأشياء أخرى كثيرة جدا، أيضا لدينا ما يسمى بالإعداد في حالة جنس أدبي آخر لنص مسرحي، وهنا لا بد للمؤلفين من تسجيل إنتاجهم الأدبي في مكتب حقوق المؤلف ضمانًا لحمايته، وحتى لا يتم الاعتداء عليه، أما فكرة حقوق الأداء العلني، والعرض في الميديا، فهي مسألة شائكة وتحتاج لتعاون الكثير من الأطراف حتى تتهم بشكل ممنهج يضمن حقوق الجميع. وعمومًا، نحن لدينا مشكلة في التعامل مع حقوق الملكية الفكرية، وكما نرى، يمكن لأي شخص استغلال موسيقى دون ذكر اسم صاحبها، أو حتى نقل عروض كاملة منشورة على شبكة الإنترنت، كما حدث لعرض «القرد كثيف الشعر» الذي نشرته على الإنترنت، وقام أحد المخرجين بنسخه وتقديمه في أحد مهرجانات المسرح الجامعي وحصل به على جوائز في جامعة إقليمية، وعندما تقدمت بشكوى سحبت الجامعة منه الجائزة وأهدوني إياها، ومنع هذا اللص من دخول الجامعة، المسألة شائكة، وتتطلب تشريعات ولوائح تطبق على الجميع.
 - تعاونت مع الفنان أشرف عبد الباقي في عرض «صياد العفاريت» فهل هناك مشروع يتم استكماله؟
أنا فخور جدًا بهذه التجربة، فالتعاون مع فنان بحجم وفكر الفنان أشرف عبد الباقي، هو أمر رائع، هذا الرجل منظومة فكرية عاشقة للمسرح، ويستحق الكثير من النجاح يتعادل مع ما يفكر به، وما ينفقه من وقت ومال في سبيل المسرح، نعم نحن نقدم عروضا بالتعاون مع مسرح مصر للأطفال، والمشروع ما زال قائما لكن المشكلة تكمن في ظروف انشغالاتي التي منعتني من تقديم العدد الكافي الذي يؤكد هذا المشروع الوليد، لكن في المستقبل القريب سوف يشهد تقديم خمسة عروض من إنتاجنا المشترك بإذن الله.
 - بمناسبة مسرح الطفل هل ما زال في حاجة لتطوير؟
عدد الأطفال في مصر أكبر مما يتخيل القائمون على العملية المسرحية، إنهم لا يولون هذا النوع من المسرح الاهتمام الكافي، وهم يجرمون في حق الطفل الذي يستحق عناية أكثر في مجال المسرح الذي يمكنه أن يشكل وعي الأطفال منذ الصغر، ويجعلهم قوة لبناء المجتمع وتطويره ودفعه إلى الأمام من خلال اعتيادهم على مسرح وفنون تدعم قيم الخير والجمال، من ناحيتي، أحاول دائما الاهتمام به من خلال عمل مدرسة كريشين للفنون Creation Art School CAS حيث نقيم ورشًا تدريبية لمسرح الطفل تتضمن فنون التمثيل والغناء والرقص والعرائس بأنواعها المختلفة، تخرج في المدرسة أربع دفعات، قدمنا بهم عروض «خيال المآته»، و«صراع في الغابة»، و«خرابة تيتو»، و«حكاية توتو وجوجو»، و«صياد العفاريت»، والآن نحن بصدد قبول أطفال الدفعة الخامسة التي ستتكون من خمسين طفلاً سنقدم بهم عرض «السنافر».
 - تهتم دائما بورش الإنتاج المسرحي والتسويق هل ترى أنه بالغ الأهمية لدرجة إقامة قسم خاص به كالتمثيل والإخراج؟
في السينما يتعاملون معها كصناعة ولهذا هناك قسم بمعهد السينما للإنتاج، بينما المسرح لا يتعاملون مع المسرح كصناعة تتأسس على منظومة إنتاجية احترافية لأن البعض – للأسف الشديد - يحصرون الإنتاج المسرحي في المعنى الضيق المرتبط بإعداد المقايسات وتنفيذ العناصر المادية للعرض، وهم بالتالي يرون أن المحاسبين – وفقط المحاسبين - هم من يجب عليهم ممارسة الفعل الإنتاجي وهذا المفهوم الضيق للإنتاج المسرحي، وهو مفهوم قاصر بكل ما تحمل الكلمة من معنى، ولهذا المسرح ليس ناجحا في مصر ولن ينجح، الإنتاج المسرحي هو الاهتمام بمراحل العملية المسرحية كافة من بداية دراسة احتياجات الجمهور وخلق المسرح للجمهور وربط المسرح باحتياجاته وطبيعة المنتج الذي تقدمه وتخطيط المشروعات الإنتاجية والتوظيف والتسويق وخلق مجتمع يسعى لحب المسرح وتحويله من مجرد هواية وموضوع تافه إلى ظاهرة اقتصادية تدر أرباحا وتحقق المتعة لدى المتفرجين، فهذا ما يشمله الإنتاج المسرحي.
 - لك تجارب متعددة في لجان التحكيم حدثنا عنها؟
شاركت في الكثير من لجان التحكيم خارج مصر في البحرين والكويت واعتذرت العام الماضي عن عضوية لجنة تحكيم مهرجان قرطاج لارتباطي بتقديم عرض – في نفس التوقيت - بمهرجان المسرح الصحراوي بالشارقة.
 - بمناسبة المهرجانات في رأيك هل ما زالت مصر في حاجة لإقامة مهرجانات دولية تليق بها؟
نحن نقيم المهرجانات لتشجيع الشباب على الإنتاج والمهرجانات الدولية التي تستعين بفرق كبيرة تخلق نوعا من التمازج والخبرة، لكن لعمل حركة مسرحية حقيقية علينا الاهتمام بالكتابة المسرحية وورش التدريب بشكل عملي وتطوير المناهج في المعاهد والكليات المتخصصة في المسرح مع إيجاد فرص عمل للخريجين.
 - إذن تتفق مع أن يرفع أي من المهرجانات المحلية شعار المؤلف المصري كل فترة في دورة من دوراته؟
بالتأكيد أتفق معك شرط ألا تكون مجرد دورة مؤلف مصري لكن تسبقها بعام ورش تدريبية في الكتابة المسرحية ويتبعها ورش عمل مع متخصصين للموهوبين من شباب الكتاب، فنخرج بعدد من النصوص الجيدة ونقدمها في المهرجان، وهنا تكون الفكرة نفذت بشكل كامل صناعة كاتب مصري، فمآساتنا في عدم إقامة ورش للكتابة المسرحية طويلة الآجل وإنتاج نصوصها وتقديمها في المهرجان وهذا هو الحل، يشارك الكبار في تعليم الشباب وتوجيههم، ففي السويد على سبيل المثال أقاموا مسابقة في التأليف المسرحي بين طلاب المرحلة الثانوية واستعانوا بأفضل عشرة نصوص كتبت، وأقاموا ورشة عمل جماعية للشباب مع كبار المؤلفين لتحليل وشرح نصوصهم وتقويمها حتى يصل بالنص لأعلى مستوى، ولم تنتهي المسألة هنا بل أنتجت العروض في دار الأوبرا في جوتنبرج وشاركهم التمثيل والإخراج زملائهم في المدرسة تحت إشراف من الكبار، هنا يمكننا القول إننا نطور حركة الكتابة في المجتمع، فلا بد من إقامة الورش بمشاركة الكبار حتى لا يشعروا دائما بالتهميش والاضطهاد.
 - هل ما زال المسرح الصيفي بالإسكندرية في حالة انهيار؟
المسرح التجاري مات في مصر كلها على الرغم من وجوده في دول أخرى متأخرة مسرحيا عنا كثيرا، فالإسكندرية كانت تعرض ما يقرب من ثلاثة وعشرين عرضا في الصيف اختفت تماما، والسبب الأساسي في اختفائه هو أجور النجوم التي تعدت الملايين في السينما، والمسرح لا يمكنه منح هذه المبالغ إطلاقا.
 - رأيك في ظاهرة عودة الشركات الخاصة للإنتاج المسرحي وتدخل ترك آل شيخ في صناعة المسرح؟
إنه مسرح الصفوة، وليس مسرحًا للشعب، وبالتالي، لن يحل أزمة المسرح التجاري في مصر، فكم أسرة ستتمكن من حضور عرض تصل تذكرته لسبعمائة وخمسون جنيهًا؟، نريد نجم يملك من الشجاعة ما يجعله يقدم مسرحية لا تتعدى تذكرتها الخمسين جنيها، هذا هو ما يعيد المسرح التجارب.
من خلال متابعتك للعروض المقدمة هل تهتم بالتعبير عن مجتمعنا؟
سيظل المسرح صورة تعكس أفكار الناس وواقعهم حتى في العروض العالمية، فدائما سيظل الوسيلة التي تعبر عن أفكارنا، فمن المعاناة يخلق الإبداع، فلا نملك أم كلثوم أو عبد الوهاب لأن المجتمع أصبح خاملا ومستقرا، بينما حين يكون المجتمع متأججا ويمر بتغيرات، أو حتى معاناة، تخرج الشخصيات المهمة ويولد الإبداع من رحم المعاناة.

 


روفيدة خليفة