العدد 600 صدر بتاريخ 25فبراير2019
هذا الموضوع، هو في الأصل بحث علمي اشتركت به في الملتقى الدولي الأول لقسم الفنون بكلية الآداب واللغات والفنون بجامعة الدكتور مولاي الطاهر سعيدة بالجزائر، والذي عقد يومي 26 و27 أبريل 2016 تحت عنوان “الوان مان شو .. ظاهرة فنية عابرة أم لون مسرحي جديد؟” .. ومن خلال هذا العنوان العام – أو السؤال – كتبت بحثي تحت عنوان “أصول ظاهرة ون مان شو One Man Show في تاريخ المسرح العربي)!! ولأنه بحث لم يُنشر حتى الآن، فضلت نشره في جريدة مسرحنا لإفادة الجميع بما فيه من معلومات وآراء.
تمهيد
بناء على إشكالية الملتقى، والمنشورة في موقعه، ونصها يقول: “إن المتتبع للساحة الفنية والمسرحية منها على وجه الخصوص، يلمس بوضوح مدى انتشار ظاهرة (ون مان شو) التي اكتسحت في الفترات الأخيرة الفضاء المسرحي، واستطاعت أن تزاحم الأجناس المسرحية الأخرى لتستقطب الجماهير بقوة، ولتحقيق ذلك اقترح (ون مان شو) نفسه للجماهير العريضة على أنه عرض ذو طابع كوميدي، وقد تكرس هذا الانطباع نتيجة تكرارية مركزة لعروض ساخرة، بحيث نلمس أن مجمل عروض ما يسمى بـ(ون مان شو) كانت في غالبيتها كوميدية، سواء من حيث المضامين التي تناولتها، أو حتى على مستوى أسلوب شكل تقديمها، والذي وظف الحركة والإشارة، لدعم هذا الطابع الفكاهي للعرض”.
بناءً على ذلك – وعلى بعض المعارف والقراءات - يمكن تحديد تعريف عام لظاهرة “ون مان شو One Man Show “؛ بأنها: عرض ذو طابع كوميدي – في الأغلب الأعم - يقوم به شخص واحد بصورة ارتجالية في بادئ الأمر. وهذا العرض يتكرر تقديمه بصورة مركزة ساخرة، مع توظيفه للحركة والإشارة والموسيقى دعماً لطابعه الساخر من أجل تحقيق هدفه الرئيسي، وهو البوح على خشبة المسرح - عن أحداث يومية اجتماعية أو سياسية – بصورة ساخرة تهكمية فنية.
وهذه الظاهرة – بهذا المفهوم – لها إرهاصات أجنبية ظهرت في مصر، وتحديداً عند افتتاح السيرك، الذي كان يقع خلف الأوبرا الخديوية بقبته الضخمة السوداء! فقط نشرت جريدة (الوقائع المصرية) يوم 31/3/1869 إعلاناً ضخماً، تحت عنوان (ألعاب سيرك المسيو رانسي)، ومن خلال الفقرات الأجنبية لهذا السيرك، نقرأ عن مدام برتبيولد، الآتي: “ تركب الحصان، وفوقها جملة ملابس، وكل ملبس منها مخصوص بفصل من الفصول الأربعة. مثلاً تكون في أول الأمر لابسة ملبس فصل الربيع، ثم تقلعه وهي فوق الحصان فيتراءى عليها لبس فصل الصيف، ثم تقلعه وهي فوق الحصان فيتراءى عليها لبس فصل الخريف، ثم فصل الشتاء”. ونقرأ كذلك عن مدام بوني، الآتي: “ تركب الحصان وهي متشكلة في شكل عجوز لابسة ملابس الفقر والمسكنة، وترمح فوق الحصان رماحة خفيفة في أول الأمر، ثم تقلع ملابس الفقر شيئاً فشيئاً حالة الرماحة حتى تظهر عليها ملابس الغنى والسعد وعند ذلك ترمح رماحة جميلة”.
والشاهد في هذا الإعلان، أن شخصاً واحداً يقوم بالفقرة الفنية بصورة كاملة، من خلال الحركة والإشارة بقصد إضحاك الجمهور، مما يعني وجود بعض ملامح عرض (ون مان شو) في فقرات السيرك! تلك الفقرات الأجنبية انتقلت من السيرك إلى المسرح في مصر بعد سبع سنوات! فقد نشرت جريدة (الأهرام) في 16/12/1876 الإعلان الآتي:
“ يوم الخميس القادم الساعة 8 أفرنجي ليلاً يصير ألعاب سيماوية وسحرية وروحانية المعروفة (بالسبيريتزمو) ومغناطيسية (أي التنويم الكهربائي) وذلك في تياترو زيزينيا من القومبانية السحرية الملوكية وهي بوسكو ورومية. أما مواضيع الألعاب فخمسة فصول: الفصل الأول يحتوي على معجزات فوق الطبيعة ومحاربة عناصرها. الفصل الثاني في عجائب السحر للمعلمة مدام تريزينيا. الفصل الثالث سرد قصة الكونت كاليوسترو ويلعبها الشيطان الصغير الذي عمره ست سنين. الفصل الرابع إتقان فن التنويم وفيه ثلاثة فصول. الفصل الخامس قرار مجلس البرلمنتو وأسرار الوزارة. فمن يرغب مشترى الأوراق فليطلبها من محل الخواجا مازيتي تاجر البيانو بشارع شريف باشا. [توقيع] سزار جيراردو”.
وهذا الإعلان يقول: إن فنوناً متنوعة أجنبية، يتم عرضها على المسرح في مصر من أجل الإضحاك والسخرية، يقوم بها مجموعة من الفنانين. وبعض الفقرات يقدمها سخص واحد، كما جاء في الإعلان عن الفصل الثالث “حيث قام طفل عمره ست سنوات بتمثيل قصة كاملة بمفرده”، مما يعني توفر أهم عنصر من عناصر عروض (ون مان شو)، وهو قيام ممثل واحد بأداء فصل تمثيلي بمفرده. كما أن الإعلان المنشور يتحدث في الفصل الخامس عن عرض لقرار البرلمان وأسرار الوزارة، وهذه الأمور السياسية سيتم عرضها بصورة فنية، مما يعني عرضها بصورة ساخرة، أي أن العرض ينتقد الأحوال السياسية والاجتماعية بصورة فنية! وهذا هو هدف عروض (ون مان شو)، كما سيتبين لنا في نهاية البحث!!
الفصل المضحك
الفقرات الفنية السابقة - بوصفها أحد أشكال أصول عروض (ون مان شو) - تشترك مع ما يُعرف بالفصل المضحك، الذي كان يُعرض في ختام المسرحيات؛ بوصفه أهم أصل خرج منه عرض (ون مان شو). وأقدم إشارة وجدناها لتمثيل الفصل المضحك في مصر، كانت في أوائل عام 1869، وذكرها لنا (نوبار باشا) في مذكراته – المنشورة بدار الشروق - عندما زار مسرح (الكوميدي الفرنسي) بالعتبة في القاهرة – ومكانه الآن مبنى بريد العتبة - قائلاً:
“ اصطحبني الوالي - [يقصد الخديوي إسماعيل] - إلى المسرح وكانوا يعرضون مسرحية من فصل واحد باللغة الفرنسية، وكانت القصة عبارة عن أن أناساً من بيت كريم وحسن السمعة، يستغلون غياب سيدهم عن المنزل، ويدعون أصدقاءهم لقضاء سهرة عندهم؛ حيث استعاروا أسماء سادتهم وقلدوهم في كل حركاتهم وتصرفاتهم ..... وتنتهي المسرحية بفاصل هزلي ضاحك عند حضور أصحاب المنزل بغتة. يمكن أن نقول إنها مسرحية تعرض فكرة الصدفة ...”
عروض الفصول المضحكة الأجنبية في مصر؛ أصبحت عربية عام 1878، عندما نشرت جريدة (الأهرام) إعلاناً بتاريخ 25/10/1878 تحت عنوان (التشخيص العربي في تياترو زيزينيا)، ونعلم منه أن فرقة يوسف الخياط، ستعرض مسرحية (الأخوين المتحاربين) على مسرح زيزينيا بالإسكندرية، وهي من تأليف راسين. وقالت الجريدة: “ ويتبعها رواية مضحكة ذات فصل واحد “. وهذا الفصل المضحك، تكرر ذكره في إعلانات الجريدة، حتى أسهبت في توضيحه بتاريخ 7/4/1881، عندما أعلنت الجريدة نفسها عن قيام فرقة يوسف الخياط بعرض مسرحية (حفظ العهود). وفي نهاية الإعلان قالت الجريدة: “ .... وتُشفع برواية مضحكة ذات فصل واحد يقال لها (لا تنسى أن تقفل الباب). وأقل ما في هذا الفصل الوحيد أنه يتكفل بإضحاك الفيلسوف الرزين، فضلاً عن العامة؛ لما يتضمنه من المضحكات والنكات اللطيفة والأساليب الغريبة”.
إذن الفصل المضحك (لا تنسى أن تقفل الباب) عام 1881، هو أول عنوان لأول تمثيل، يتمتع ببعض ملامح عروض (ون مان شو) – رغم عدم تأكدنا بأن ممثلاً واحداً قام به - حيث إنه فصل تمثيلي مضحك، يشتمل على نكات وأساليب غريبة مضحكة. ومن خلال تتبعي للفصول المضحكة، التي كانت تُعرض في هذه الفترة، أستطيع أن أقول: إنها فصول مضحكة ارتجالية، يتم عرضها بعد انتهاء عروض المسرحيات الكلاسيكية المأسوية من أجل إضحاك الجمهور، وترك الأثر الفكاهي عليهم، بدلاً من أثر الحزن الناجم عن مشاهدة المسرحيات المأسوية!! ومثال على ذلك، ما أخبرتنا به جريدة (المقطم) بتاريخ 13/9/1892، عندما قالت: “مثل جوق إسكندر أفندي فرح مساء أول أمس رواية (أوتلو) الشهيرة ........ وقد ختم التمثيل بفصل مضحك أذهب ما تركته الرواية من أثر الحزن والكآبة؛ إذ هي من الروايات المشهورة بتأثيرها المحزن في النفوس بين تآليف شكسبير”.
وكانت جريدة (الأهرام) تتفنن في وصف هذه الفصول في إعلاناتها؛ جذباً لجمهور المشاهدين. وهذه بعض أقوالها المنشورة في أعداد كثيرة من عام 1884 إلى 1886: “ وتعقب الرواية تمثيل فصل مضحك راق للجلوس ما تخلله من الإشارات والحركات”. وقولها أيضاً: “... وقد تلاها تمثيل فصل مضحك رشيق الحركات لطيف الإشارة”. وقولها كذلك: “... وسيتبع تشخيص هذه الرواية تمثيل فصل مضحك لطيف الأسلوب”. وقولها أخيراً: “ ... وقد تلاها فصل مضحك كان له بهجة لدى الناس”.
محيي الدين الدمشقي
ومما سبق نستنتج أن بعض ملامح عروض (ون مان شو)؛ متوفرة في الفصل المضحك، الذي كان يُعرض بعد انتهاء عرض المسرحية العربية؛ ولم يبق لنا سوى التأكد من وجود أهم عنصر، وهو أن الفصل المضحك – أحياناً - يؤديه ممثل واحد!! وكان هذا العنصر كثيراً ما يتحقق، وتتحدث عنه بعض الصحف في إعلاناتها، مثل جريدة (الأهرام)، عندما قالت في عددها المؤرخ في 22/1/1886: “ شَخّص أمس جوق قرداحي أفندي ورومانو أفندي رواية (تليماك) ............ وقد أعقب التمثيل فصل مضحك قام بإدارته محيي الدين أفندي، الذي اشتهر بهذا الفن، فسر العموم ما شهدوه”.
وعندما تتبعت أخبار فرقة سليمان القرداحي، وما قدمته من عروض وفصول مضحكة – خلال عدة أشهر - وجدت أن بطل الفصول المضحكة، هو محيي الدين الدمشقي، وكانت أغلب فصوله المضحكة عبارة عن تمثيل بانتومايم! وكانت الإعلانات الصحفية لا تذكر اسماً غير اسمه، وفي بعض الأحيان تذكر اسمه منفرداً بجانب عنوان الفصل المضحك، ومن أهم عناوين فصوله المضحكة، التي ذكرتها جريدة الأهرام في شهر يناير 1886: فصل الصيدلي، وفصل السكران، وفصل البخيل، وفصل النسيم.
وخلال عدة أشهر، بلغ محيي الدين الدمشقي شهرة كبيرة لدرجة أنه قام بمفرده بإحياء ستة فصول بانتومايم مضحكة، وعرضها في ليلة فنية واحدة بالأوبرا الخديوية، مساعدة منه لإحدى المدارس. ومن يقرأ الإعلان الذي نشره محيي الدين الدمشقي – بخصوص هذه الحفلة - سيقرأ إعلاناً عن عرض تتوفر فيه أغلب عناصر عروض (ون مان شو)!! وهذا الإعلان تمّ نشره في جريدة (القاهرة) تحت عنوان (تياترو الأوبرا الخديوي) بتاريخ 11/4/1886، وهذا نصه:
“ إنه في مساء الأربع الموافق 14 إبريل سنة 1886، ستقدم ستة فصول بانطوميم مضحكة جداً للغاية، ويتخلل كل فصل تخت آلات عليه أعظم مغنين مصر وأشهرهم. وذلك تبرعاً منّا إعانة للمدرسة الخيرية المؤسسة برمل الإسكندرية، وذلك إجابة لطلب العموم تشخيص هذه الفصول. وقد جعلنا أجرة الدخول زهيدة جداً بالنسبة لتيسير الأمور، وعلى الله الإتكال. فنرجو من أولي الفضل والإحسان بتشريفهم في هذه الليلة المبهجة المنظهر، المسرة للخواطر. ولهم جزيل الشكر والمنة ....... ولأجل اعتماد تبرعي بذلك قد حرر منّا هذا الإعلان. ومبيع التذاكر يكون يوم الأربعاء المذكور على شباك التياترو من الساعة 9 أفرنكي صباحاً لحد الظهر، ومن الساعة 3 بعد الظهر لحين انتهاء التشخيص. [توقيع] مدير البانطوميم محيي الدين الدمشقي”.
ومع مرور الوقت، أصبح الفصل المضحك عنصراً أساسياً وختامياً لأغلب عروض الفرق المسرحية في مصر، وأصبح لكل فرقة بطلها المختص بالفصول المضحكة، وتحديداً في عام 1894!! فكما كان محيي الدين الدمشقي هو بطل الفصول المضحكة لفرقة سليمان القرداحي، كان الفنان علي عبد الله بطل الفصول المضحكة لجوق السرور، ومن أشهر فصوله (القرعة العسكرية)، و(لفافي السجائر) كما ذكرت لنا جؤيدة الأهرام طوال شهر مارس 1894. أما الفنان حسين الأنبابي فكان بطل الفصول المضحكة لجوق الاتحاد الوطني، ومن أشهر فصوله (من جاءني بالليل)، كما قالت جريدة (السرور) في أبريل 1894.
الجوق الشامي
هذا الاهتمام بالفصول المضحكة - وما تقدمه من فقرات كوميدية – نتج عنه ظهور أول فرقة متخصصة في الفصول المضحكة، وهي (الجوق الشامي) لصاحبه نقولا مصابني، وبطله (جورج دخول) – المشهور فنياً بكامل الأصلي أو كامل الأوصاف – وهذه الفرقة جاءت إلى مصر في مارس 1896، وبدأت تعرض فصولها في برنامج شامل، وهذا ما نقرأه في أول خبر نشرته جريدة (المقطم) عنها في 30/3/1896، قائلة:
“مثل البارحة الجوق الشامي الجديد بإدارة نقولا أفندي مصابنى فصولاً مضحكة في مرسح مصر العربي بشارع عبد العزيز، منها فصل (الأخ الخائن)، وفصل (الدب). ودار الرقص الدمشقي الأدبي على نغمات العود والدبكة. وقد غصّ المرسح بالمشاهدين وسروا كثيراً. وسيمثل هذا المساء فصل (القهوجي)، وفصل بانطوميم وغيرها من الفصول المضحكة، فنحث محبي الملاهي الأدبية على الحضور ترويحاً للنفس”.
وظلت هذه الفرقة في مصر خمسة أعوام (1896 – 1901)، تولى رئاستها وإدارتها نقولا مصابني ثلاث سنوات، ثم أصبحت الفرقة برئاسة وإدارة وبطولة كامل الأصلي – أي جورج دخول – في آخر سنتين. وهذا نموذج من إعلانات الفرقة تحت إدارة كامل، نشرته جريدة (الأخبار) يوم 6/12/1899، تحت عنوان (كامل أفندي):
“ إذا أردت أن تزيل همك، وتشرح صدرك، وتضحك كثيراً، وتدفع دراهم قليلة؛ فأذهب إلى مرسح كامل أفندي. وهناك تشاهد الرقص المتقن، والتمثيل الهزلي المضحك، ولعب الدربك المشهور. وأجرة الدخول هي غرشين لا غير”.
وإذا أردنا أن نلخص نشاط هذه الفرقة؛ بوصفها أول فرقة فنية لعروض الفصول المضحكة، وبعض الفقرات الفنية، التي تعكس بعض ملامح ظاهرة (ون مان شو)، سنقول: إن أهم أعضائها: نقولا مصابني، كامل الأصلي، نمر شيحة، جورجي مصابني، السيدة نظيرة. وهذه الفرقة، قدمت فصولاً مضحكة كثيرة، من أهمها: الوزير الخائن، الجزائر، أصلان بك، اللوكاندة، الدب، القهوجي، الطبيب، الخاطبين، الوابور، الطبيب والمريضة، وذلك بناء على إعلانات الصحف المصرية من عام 1896 إلى 1899.
أما الفقرات الفنية، التي كانت تقدمها الفرقة بجانب الفصول المضحكة – أو من خلالها – فهي: الرقصات الشرقية، والرقصات الشامية (الدبكة)، وألعاب السيف، وبعض الأغاني بمصاحبة الآلات الموسيقية، وذلك بناء على ما نشرته جريدة المقطم في شهري مارس وأبريل 1896. أما المسارح التي عملت عليها هذه الفرقة، فهي: مسرح شارع عبد العزيز بالعتبة، ومسرح القباني بالعتبة، وتياترو ألف ليلة وليلة، وتياترو السكاتنج رنج بالأزبكية، وتياترو الابتهاج بشارع كلوت بك، ومسرح الدانوب بالإسكندرية، ومسرح البراديزو بالإسكندرية أيضاً.
نصان منشوران
من الواضح أن الجوق الشامي، نجح نجاحاً كبيراً في عروضه المضحكة، وأصبح الفصل المضحك فقرة رئيسية ضمن العروض المسرحية. واللافت للنظر أننا لم نقرأ ملخصاً لأي فصل مضحك تمّ تمثيله، أو تمّ الإعلان عنه في الصحافة، التي لم تذكر مضمونه أو فكرته، رغم تأكيدها على إظهار هدفه، وهو الإضحاك والتسلية، وربما السخرية في بعض الأحيان!! كما أننا حتى الآن لم نجد قولاً قاطعاً؛ يقول إن الفصل المضحك، يقوم به ممثل واحد!
هذا الأمر، ربما يكون الفيصل فيه هو اطلاعنا على نص كامل لأي فصل مضحك!! والحمد لله إنني نجحت في الحصول على نصين لفصلين مضحكين منشورين: الأول بعنوان (العفريت) ومنشور عام 1893، والآخر بعنوان (لا أتزوج ولو شنقوني) ومنشور عام 1903.
فصل (العفريت)، منشور في نهاية مسرحية (الملكة بلقيس)، التي ألفتها السيدة لطيفة عبد الله – بوصفها أول مؤلفة مسرحية عربية عام 1893 - وهذا النص أعدت نشره مع دراسة له عام 2001 - في سلسلة نصوص مسرحية التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة – ورغم ذلك لم أتحدث عن فصل (العفريت)؛ بوصفه فصلاً مضحكاً وقتذاك!
وبناء عليه، اٌقول: إن فصل العفريت يقع في عشر صفحات من القطع الصغير، وأبطاله أربعة: الصعيدي، والخواجة، والست، والعفريت. ويدور حول الصعيدي الذي يعمل خادماً في بيت الخواجة وزوجته، وهذا البيت به عفريت. وحوار الفصل بأكمله، يجري بين الجميع بصورة مضحكة من خلال اختلاف اللهجة بين الصعيدي، وبين الخواجة الذي يتحدث العامية المصرية، مع تبديل الحروف ومخارجها، مما يتسبب في الفهم الخاطئ عند الصعيدي، والعكس صحيح. هذا بجانب مواقف الإضحاك والكوميديا، عندما يظهر العفريت في بعض المواقف .. إلخ.
أما فصل (لا أتزوج ولو شنقوني)، فقد عُرض لأول مرة عام 1899، وأخبرتنا بذلك جريدة (مصر) يوم 18/2/1899، قائلة: “عزم حضرة الأديب سليم أفندي سركيس محرر جريدة المشير الغراء على إحياء ليلة خصوصية للعائلات مساء 26 فبراير الجاري في التياترو المصري الكائن بشارع عبد العزيز بمصر، يمثل فيها جوق حضرة إسكندر أفندي فرح رواية (الغيرة الوطنية)، ويختمها بفصل يضحك الثكلى موضوعه (لا أتزوج ولو شنقوني)”.
ومع البحث في فهارس دار الكتب، وجدت في الملحق الثاني لقسم الروايات والقصص الواردة في الجزء الرابع لفهرس آداب اللغة العربية بدار الكتب المصرية المطبوع عام 1938 ص317، الآتي: “ (لا أتزوج ولو شنقوني): رواية مضحكة فكاهية لم يعلم مؤلفها. نسخة في مجلد طبع مطبعة التمدن بالقاهرة سنة 1903، بها نوادر مضحكة هزلية في 32 صفحة في حجم الثمن”. ومن خلال هذا الوصف، حصلت من دار الكتب المصرية على صورة من نص هذا الفصل المنشور عام 1903، ومكتوب على غلافه – رغم وجود قطع في أسفله – الآتي: “رواية - لا أتزوج ولو شنقوني – مضحكة جداً فكاهية – ويليها – جملة نوادر مضحكة هزلية – حقوق الطبع محفوظة – طبعت على نفقة السيد محمود شبانة [قطع] – ثمنها 2 صاغ – طبع بمطبعة التمدن [قطع]”.
وموضوعها يتلخص في أن الخواجة (نسيم) بخيل جداً، لدرجة أنه لا يريد أن يتزوج حتى لا ينفق على زوجته. فيتآمر عليه أحد الأصدقاء ويتنكر في هيئة جنرال قائد الجيوش، الذي يقتحم بيته بحثاً عن شقيقته (ملكة) فلم يجدها. وعندما ينصرف الجنرال، يكتشف نسيم أن (ملكة) شقيقة الجنرال مختبئة في بيته دون علمه. ومع توالي المواقف الكوميدية، نعلم أن ملكة لها ابن، وزوج، ومربية .. أي أسرة كاملة هاربة من بطش شقيقها الجنرال، لذلك تأتي بهم إلى بيت نسيم. وبعد ساعات يقتحم الجنرال بيت نسيم مرة ثانية، وثالثة .. إلخ. فيقرر نسيم طرد ملكة وأسرتها من بيته، فيطلبون منه أموالاً حتى يهربون ويتركون بيته، فيوافق مرغماً خوفاً من بطش الجنرال. وبالفعل تأخذ ملكة مبلغاً كبيراً من نسيم البخيل، وينتهي الفصل بهذه الخديعة، التي جعلت البخيل مفلساً، لأنه لا يريد أن يتزوج.
من خلال هذين النصين، يتضح لنا أن الفصول المضحكة – في القرن التاسع عشر - لا يؤديها ممثل واحد، بل مجموعة من الممثلين. وربما وجود هذين النصين المنشورين – وربما غيرهما – هما نتيجة طبيعية لانتشار الفصول المضحكة، ووجود فرقة مختصة بتقديمها، مثل الجوق الشامي، الذي سجل نجاحاً كبيراً.
أعقب هذا النجاح الكبير للجوق الشامي – بوصفه أول فرقة متخصصة في الفصول المضحكة – اختفاء دام أكثر من اثنتي عشرة سنة – ربما بسبب عودة جورج دخول إلى الشام، أو بسبب عروضه في أقاليم مصر – حتى نقرأ في جريدة الشعب يوم 16/5/1913: إن كامل الأصلي يقدم فصلاً مضحكاً في تياترو برنتانيا. وبعد عامين نقرأ إنه يقدم فصولاً هزلية في (بار العائلات) بمنطقة الظاهر، كما أخبرتنا جريدة مصر في يونية 1915!! ثم تختفي أخباره عدة سنوات، لتظهر في عشرينيات القرن المنصرم، ونعلم أن جورج دخول أو كامل الأصلي، أصبح صاحب كازينو مونت كارلو بروض الفرج، كما ذكرت مجلة ألف صنف في أغسطس 1926.