مهرجان نقابة المهن التمثيلية أفكار جيدة وطاقات شبابية عالية

مهرجان نقابة المهن التمثيلية أفكار جيدة وطاقات شبابية عالية

العدد 589 صدر بتاريخ 10ديسمبر2018

 فتح لنا مهرجان نقابة المهن التمثيلية نافذة؛ لنطل منها على التجربة الأولى لشباب المخرجين الذين تلقوا دراسة فنون التمثيل والإخراج طوال أربع سنوات بالمعهد العالي للفنون المسرحية. ويمكن من خلال هذه التجارب استلهام مدى انعكاس أساليب الدراسة الأكاديمية على أدوات الفعل المسرحي.
 جاءت عروض المهرجان متنوعة على عدة مستويات، فبين عروض مُغلفة بالتعبيرية مثل هاملتهن وكلمات بلا معنى، ومش إلكترا، وإسكوريال، وغارقة في الواقعية مثل شق القمر، وروكاجو، والرهان.
 وسادت هذه العروض بعض النغمات المميزة التي يسعى لها المسرح المصري المعاصر دائمًا، وجاءت العروض عن كلاسيكيات من نصوص عالمية؛ ماعدا عرضي شق القمر وروكاجو، وهما تأليف مصري خالص، مع غياب أي تواجد لعروض عن كلاسيكيات نصوص المسرح العربي تماما.
 عمليات خاصة جدا لتحرير أوفيليا
 تدور الحكايات عن هاملت أمير الدانمرك عبر التاريخ ولا تتوقف، وقد رأت الكاتبة سعداء الدعاس أن لهاملت زوايا أخرى لم يعرضها لنا شكسبير، فكل من أحب هاملت أو تعامل معه بخير او بسوء، يراه بشكل مختلف، ولديه ما يحكيه عنه.. هذا ما قدمته لنا المخرجة هدير عبد الرحمن في تجربتها الأولى “هاملتهن”.
ما علاقة الديكور بدراما العرض؟ دائرة كبيرة أشبه بكوة في جدار، تفضي إلى أشجار وسماء وغيوم تتراقص في المدى الأزرق، ولعل هذه الأبعاد الديكورية قد تخلق فضاء تجريديا من الأفكار الإنسانية الكبرى حول بداية الخلق ومناقشة الغراىز البشرية على عواهنها، إلا أن الشباك الخشبي الواقعي الذي في الخلفية أتى على كل هذه الأفكار فبددها، وعلى كل هذه الدلالات فحصرها في حيزها الآني، ولم يصبح أمامنا سوى أن نتقبل أننا في حديقة قصر.
الأداء التمثيلي كان مبالغا فيه في بعض المواضع، خاصة تلك التي تجاهد فيها الممثلتان لتقديم شخصيات ذكورية، مثل هاملت أو الملك، ولعل بعض مواضع التجسيد أظهرتهم بكاريكاتورية غير مقصودة صنعها افتعال التمثيل.
يربط بين السيدة هاملت وأوفيليا ضفيرة طويلة ممتدة عبر رأسيهما، ورغم بساطة “الموتيفة” إلا أنها ساهمت في إيصال دلالات محددة تنحصر معظمها بين نقطتين “القيد - السوط” أي بين العبودية والتسلط، في النهاية سنجد مع تتبع الحوار جيدا، أن هناك حرية مأزومة وضحت منذ رقصة البداية، وتشبث أوفيليا بالملكة بوضع أشبه بوضع اللجوء للأم، ونبذ الملكة لأوفيليا كانها لغم موقوت.. كل الحكايات التي شاهدناها عن هاملت على لسان الملكة، لا تقنع أوفيليا وتجعلها تتمرد وتقرر قطع كل ما يربطها بهذا القصر، بعدما قطعت كل الأمل في شفاء هاملت.
محاولات خاصة لتحرير ملكة
يبدأ الراوي قصته بالحديث عن ملك في مدينة إسكوريال في إسبانيا يكره الكلاب، ثم يظهر الملك رابضا على كرسيه ككيس من القطن في تراخ وحوله جدران القصر تحمل في نهايتها صورا لكلاب تتأهب للافتراس، وأول ما يتسلل لمسامعنا صوت كلاب تنبح في حدة وغضب، فيصرخ الملك محفزا حراسه على قتلهم ثم يبدأ في تقديم نفسه بأغنية بصوته (لايف) ويعرض فيها كرهه للكلاب أيضا.
ولعل الراوي الذي ظهر صوته في بداية العرض هيأنا لأنه يحكي لنا حكاية هذا الملك البائس الذي يقتل الكلاب بلا أي شفقة، لم يظهر مرة أخرى طوال العرض، حتى انتهت المسرحية دون أن يختم لنا حكايته، ونتساءل ماذا يضير لو اكتفينا بأغنية الملك كبداية دون الاستعانة براو خارجي؟
لماذا قد يلجأ المخرج لحشو مسرحيته بأدوات لا تقدم جديدا؟ حيث جاءت، الكلاب التي حملها الديكور مكررة لنفس الأثر الذي أحدثه صوت الكلاب في القاعة، وربما كان المثير الصوتي أكثر قوة وتأثيرا، كما أن بعض مناطق الحوار كررت حديثا عن ظلم الملك واستبداده، لاحظنا ذلك في حديثه مع الراهب، وكيف كان خطابه متسلطا، وشاهدنا ذلك في حواره مع المهرج، ولعل الملاحظة الأبرز في هذا العمل هي عشوائية الرؤية الإخراجية التي سقطت في فخ التكرار والترهل؛ مثلما كان دخول الدخان أكثر من مرة بشكل غير متقن ودون أن يقدم جديدا، ولعل المخرج أراد أن ينقلنا حين يتحدث المهرج إلى وعيه، لكن الإضاءة لم تعطِ هذا الإحساس، بل احتاجت أن تكون خافتة قليلا، كي يظهر المهرج وحده على الخشبة لحظة البوح الداخلي، لا أن يتقاسم معه الملك (وعيه) كما لاحظنا.
شق القمر
 تتصل الجدران الرمادية، بباب خشبي قديم نستطيع أن نستوعب هذا الريف الذي يقع فيه البيت عبر موتيفات كالمصطبة والعجين والطاول الخشبية والمناضد، بل وقد ساهمت ملابس نساء العرض في تقليص الفجوة، فهو ريف ليس بعيدا عن المدنية بكثير، بل هو ريف طرقته المدنية والعلم، فمن خلال الابنة قمر التي تظهر في افتتاحية العرض نعرف أنها فنانة تعرض لوحاتها على جدران غرفتها، وتشرع في رسم لوحة لم تكتمل بعد.
 الجدة الجالسة على المصطبة معظم الوقت ممسكة ببندقيتها، قدمت نفسها على انها حارس هذا البيت وحاميه من أي شر يدخل لزوجة ابنها او اختها او حفيدتها، حتى عودة الابن المنتظر ليستلم مهمته، ولا غيرها هي التي تنتظره، فلا أحد يقتنع بأن أم الهنا تحميهم، يظهر هذا من الإيماءات الساخرة للشخصيات من أم الهنا، ما عد الحفيدة، ولعل هذا التأسيس غير القوي لشخصية الجدة، جعل غيابها “غير المبرر دراميا” بعد دخول “آدم” الذي أنقذ البيت من الحريق واستقرار حياته معهم، غير ملفت، ولم تظهر إلا لتحمي الحفيدة فقط.
إن الممثلين قدموا تكوينات أبرزت دور الغريزة كدافع لخضوعهن لآدم وتسلطه على الزوجة وأختها، واتخاذهن خليلتين. لكن التأسيس الدرامي ومناطق الحوار لم تحمل لنا هذه المبررات، بل يتضح لنا ان دوافع آدم لدخول هذا المنزل وتدنيسه هو دافع الثأر من رؤوف الابن الذي فتك بأسرة آدم لأسباب لم تعلن لنا، وهو منحى اجتماعي مميز في معظم كتابات سامح عثمان، لكن المخرجة ارتبك لديها تضفير الرؤيتين، فخرجت دلالات شخصية آدم مرتبكة بين كونه الثائر الشريف، وبين كونه الشيطان المدنس بالشر المطلق، وكونه فيلسوف الحياة والغريزة وإن جاز التعبير عن هذا الجزء بالتكوين “الزوربي” نسبة إلى زوربا اليوناني.
روكا جو
منة بدر تيسير قدمت شخصية “روكا” مدمنة المخدرات والتي تتوسل لمصطفى “جو” كي يحافظ على ابنها الذي في بطنها منه، بزواج شرعي، ماطل في تنفيذه طوال سبع سنوات من العلاقة المحرمة الساقطة في أغوار سحيقة من الممارسات غير الشرعية ولا القانونية كالنصب والسرقة والاحتيال ومن تجارة المخدرات إلى أن أصبحا مدمنين.
 تكشف إضاءة إبراهيم الفرن لنا منزل “روكا” أو “جو” وهو منزل عصري، متوسط، تتناثر على البار زجاجات البيرا وعلى المنضدة تبغ وأوراق وزجاجات عديدة، فنحن في الصالة ولا نرى سوى تقسيمات لغرف مغلقة طوال العرض ما عدا غرفة النوم التي استبدل بابها بستارة استخدمت مرة واحدة عند لقاء جو بروكا على السرير بأعمق نقطة في المسرح، في مشهد موحٍ.
 لكن التمثيل معظم العرض جاء متكئا على النص الحواري، لدرجة أن وضع الممثلين قد يثبت لدقائق دون أي متغير سوى الإضاءة التي تبدلها الكلمات لا أكثر من ذلك، ولعلنا لا نغفل أنه لم يكن هناك تصميما لحركة مسرحية واضحة بالمفاهيم الأكاديمية، وإن جاءت بعض التكوينات الجسدية المألوفة موحية بمعان كالانهزام والتحدي والأمل واليأس، إلا أن الظلال على يمين المسرح، كانت في أشد سكون الممثلين عند جلوسهم على مقدمة الخشبة؛ تتسع وتنكمش وتعوض جزءا من الحركة المسرحية المفقودة. وعلى إثر هذه العوامل تحولت خشبة المسرح في بعض المناطق إلى ميكرفون كبير، استطاع ابراهيم الفرن في مناطق كثيرة أن يعوض هذا الغياب، لكن في مناطق أخرى يصاب المشاهد بنوع من “الكسل البصري”، فتنشط حاسة السمع أكثر من الرؤية ليستقبل بها كافة دلالات العرض المسرحي، مما يردنا لمراجعة مفهوم الأداء المسرحي.
الاستهلاك الدرامي
 هناك مشكلة نواجهها طوال الوقت عندما نقدم عملا اجتماعيا، حيث تتزاحم فيه أصوات التجارب السابقة، حتى يصبح في بعض الأحيان العمل المسرحي مجردة إعادة تقديم نفس الصحن الذي تناولنا منه بالأمس.
 فعند التعامل مع حالة الرجل الذي تتنافس على غوايته الأختان بدافع من الحرمان الجنسي، فنحن أمام تجارب عديدة نهلت منها السينما كـ “الراعي والنساء” و”رغبة متوحشة”، مثلما رأينا في عرض شق القم، مع مراعاة تدوير الدوافع في كل تجربة على حدة. والمجهود الكبير الذي بذله سامح عثمان في ضخ جذور جديدة لجريمة في حزيرة الماعز، ببراعة ملفتة، فهي جذور مصرية خالصة، بداية من اختيار شق القمر كعنوان يتضح مدلوله على لسان الجدة، وهو أنه يجب التمييز بين شق القمر في القصب، والذي يكون طعمه حلوا شهيا، وبين شق السوس، إلا أن البناء الدرامي كان يحمل إمكانات كثيرة لو توفرت -مثلا- ليوسف إدريس الآن، هل سيكتب بيت من لحم مرة أخرى؟
عندما تصبح السموم البيضاء عائقا في استمرار حياة عاشقين بطريقة طبيعية، فتمارس البنت محاولة الحث على التطهر والتخلص من القيود، فنحن أمام تناول عرفته السينما سابقا وقدمه احمد زكي في المدمن، أو عادل إمام في النمر والأنثى رغم أنه كان حدث فرعيا، لكنه يتشابه كثيرا مع عرض روكاجو، والذي كان على مؤلفه “أحمد الأباصيري” أن يضخ في نصه أبعادا درامية أكثر تجددا وحداثة من أن يكون صدى لأعمال سابقة، فشخصيات العرض أحياها الممثلون وقتلتها الدراما.
استطاع المحامي الروسي في عرض “الرهان” أن يتحمل السجن 15 عاما في قبو أسفل منزل صديقه تحقيقا لرهانه أن انعزال الإنسان عن الجميع أفضل من الإعدام، وأن يصل بقراءاته طوال تلك المدة الى تعلم العربية، فينغمس في قراءة معارفها الدينية والروحية، ويعلن صوته الداخلي اقتناعه بعبارات مقتبسة من الإمام الغزالي، ولعل السؤال هنا موجه بدقة لمعد الدراما ما هو الداعي إلى تغيير ثقافة إيفان المسيحية في نص تشيكوف الأصلي، دون المساس ببيئته الروسية؟


محمد علام