العدد 588 صدر بتاريخ 1ديسمبر2018
الفنانة القديرة برلنتي عبد الحميد اسمها الحقيقي نفيسة عبد الحميد حواس، وهي من مواليد 20 نوفمبر عام 1935 بمحافظة بني سويف، ثم انتقلت مع أسرتها بعد ذلك للإقامة بحي السيدة زينب بالقاهرة. تقدمت بعد حصولها على دبلوم التطريز للالتحاق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وبالفعل انضمت أولا إلى قسم النقد ولكن سرعان ما أقنعها الفنان زكي طليمات بأن تلتحق بقسم التمثيل في المعهد، لتتخرج منه بحصولها على درجة البكالوريوس عام 1953، وذلك ضمن دفعة ضمت مجموعة من الزملاء الفنانين الذين نجحوا في تحقيق النجاح والشهرة بعد ذلك ومن بينهم: نظيم شعراوي، إحسان القلعاوي، أنور إسماعيل، بدر نوفل.
ويجب التنويه في هذا الصدد إلى أن المعهد ومنذ تخرج أول دفعاته عام 1947 لم يقدم للوسط الفني قبلها سوى ثمانية نجمات هن الممثلات: نعيمة وصفي (1947)، ناهد سمير (1949)، ملك الجمل (1950)، زهرة العلا، كريمة مختار (1951)، سميحة أيوب، روحية خالد، هدى عيسى (1952)، وذلك بالإضافة إلى سبع اعتزلن التمثيل (وهن: الكاتبة أمينة الصاوي دفعة 1947، وكل من الزميلات: نبوية حامد، هند القواص، افتخار علي، فوزية مصطفى، فوزية عبد القادر، نجاح الشامي).
بدأت نشاطها الفني بالعمل على المسرح وكان أول أدوارها في مسرحية «المنقذة والصعلوك» بفرقة «المسرح المصري الحديث»، وقد شاهدها الفنان العالمي بيبر زريانللي في هذا العرض واختارها للعمل في أول ظهور سينمائي لها من خلال فيلم «شم النسيم» عام 1952، ثم حققت في نفس العام أيضا بداية انطلاقتها السينمائية من خلال فيلم «ريا وسكينة»، وذلك حينما اختارها للمشاركة ببطولته المخرج الكبير صلاح أبو سيف، ومن بعد ذلك توالت أعمالها السينمائية التي جذبتها أضواؤها فركزت نشاطها بالمجال السينمائي، وإن كان هذا لم يمنعها من المشاركة من حين لآخر في بطولة عدد من المسرحيات، وذلك بداية من مشاركاتها بعروض فرقة «المسرح المصري الحديث» عقب تخرجها.
تميزت الفنانة برلنتي عبد الحميد بجمال تقاطيعها الشرقية ورشاقتها وصوتها المعبر القوي ذي النبرات المميزة ومخارج الألفاظ السليمة فمنحت فرصة القيام بالبطولات المسرحية في فترة مبكرة من عمرها، وتضم قائمة أعمالها المسرحية عددا من المسرحيات المتميزة والمتنوعة، فقدمت بعض النصوص العالمية ومن بينها: «البخيل» لموليير، و«السر الهائل» لفرنسوا كوبيه، و«قصة مدينتين» لتشارلز ديكنز، وأيضا بعض النصوص المحلية لكبار الكتاب ومن بينها: «الأيدي الناعمة»، و«العش الهادئ» لتوفيق الحكيم، «المزيفون»، «المنقذة والصعلوك» لمحمود تيمور، و«بعد أن يموت الملك» لصلاح عبد الصبور، وإن برزت قدراتها بصورة واضحة جدا في مسرحيات: الأيدي الناعمة (عام 1954، إخراج يوسف وهبي)، العش الهادي (عام 1962، إخراج كمال يس)، بعد أن يموت الملك (عام 1974، إخراج نبيل الألفي)، أقوى من الزمن (عام 1974، إخراج نبيل الألفي).
وإذا كان المسرح قد أتاح لها فرصة الكشف عن موهبتها كما منحها فرصة التألق في عدة بطولات فإن السينما قد حققت لها الجماهيرية والشهرة المنشودة، كما أتاحت لها فرصة كبيرة لتنوع الشخصيات التي قامت بتجسيدها، فتميزت في أداء أدوار بنت الحارة المصرية أو المعلمة الشعبية قوية الشخصية وكذلك بأداء أدوار الإغراء. ويكفي أن نذكر لها نجاحها في منافسة ملكة أدوار الإغراء هند رستم في بعض الأدوار (وكذلك بقية ممثلات ذلك الدور كسميحة توفيق وسناء مظهر ونعمت مختار)، خاصة بعدما استطاعت أداء أدوار الإغراء بمختلف الطبقات الاجتماعية سواء بالأحياء الشعبية أو بالملاهي الليلية أو بالانتماء لبعض الطبقات الأرستقراطية. وقد استفادت كثيرا بقدراتها في تلوين صوتها ومهارتها في توظيف لغة العيون والإيماءات وأيضا استغلال رشاقتها وجمال ووسامة تقاطيعها الشرقية. والحقيقة، إن قائمة أفلامها تضم عددا كبيرا من الأفلام المتميزة إلا أنها قد نجحت وتألقت بصفة خاصة في الأفلام التالية: درب المهابيل، رنة الخلخال، ريا وسكينة، متحف الشمع، سر طاقية الاخفاء، فضيحة في الزمالك، العش الهادي، الشياطين الثلاثة، حياة غانية. وتجدر الإشارة إلى أن الحظ قد حالفها في تجسيد بطولة «العش الهادئ» رائعة الكاتب القدير توفيق الحكيم في كل من المسرح أمام عمر الحريري (عام 1962)، والسينما أمام محمود ياسين (عام 1976).
- حياتها الخاصة:
تزوجت الفنانة برلنتي عبد الحميد من المنتج محمود سمهان، وهو الزواج الأول لها (وكانت العصمة في يديها بناء على رغبتها)، وقد أنتج لها زوجها فيلم «حياة غانية» عام 1957، وحين اشتدت غيرته عليها طلب منها إنهاء حياتها الفنية والاعتزال، الأمر الذي رفضته بشدة، وحينما وصل الأمر بينهما إلى طريق مسدود في النهاية اتخذت برلنتي قرارها الأخير بضرورة الانفصال، ولأن العِصمة كانت بيدها فقد قامت بتطليق نفسها من المنتج سمهان الذي كان يعشقها، ولم يتحمل قرارها فحاول الانتحار وقام بقطع شريان يده، ولكن ستر الله كتب له عمرا جديدا حيث هرع إليه شقيقه وتوجه به على الفور لأقرب مستشفى لإسعافه، وذلك وفقا لما نشرته جريدة الأخبار عام 1958.
جدير بالذكر أنها قد تزوجت بعد ذلك من نائب رئيس الجمهورية الأسبق المشير عبد الحكيم عامر في 15 مارس عام 1965، وأنجبا ابنهما الوحيد عمرو عبد الحكيم، وقد كتبت كتابا عام1993 حول هذا الزواج بعنوان “المشير وأنا”، كما أصدرت عام2002 كتابا آخر بعنوان” الطريق إلى قدري.. إلى عامر”، وبعد وفاة المشير بما يقرب من اثني عشر عاما تزوجت مرة ثالثة من المهندس أمين عامر أحد القيادات العليا لشركة «بتروجيت» للبترول.
وفي نهايات عام2010 تعرضت الفنانة برلتني عبد الحميد لجلطة في المخ نقلت على إثرها لمستشفى «القوات المسلحة» بالمعادي، وقد توفيت بالمستشفى في أول ديسمبر عام 2010.
هذا ويمكن تصنيف مجموعة الأعمال الفنية التي شاركت في بطولتها طبقا لاختلاف القنوات الفنية مع مراعاة التتابع الزمني كما يلي:
أولا: أفلامها السينمائية
شاركت الفنانة برلنتي عبد الحميد في إثراء مسيرة الفن المصري ببطولة ما يزيد على ثلاثين فيلما خلال ما يقرب من أربعين عاما، حيث كانت أولى مشاركتها بفيلم «شم النسيم» عام1952 من إخراج فرنيتشو، في حين كانت آخر أفلامها فيلم «جواز في السر» عام 1988 من إخراج حسن حافظ. ويجب الإشارة إلى أن قائمة أفضل مائة فيلم في ذاكرة السينما المصرية - حسب استفتاء النقاد عام 1996 - قد تضمنت فيلمين اشتركت ببطولتهما الفنانة برلنتي عبد الحميد وهما: «ريا وسكينة» عام 1953 و«درب المهابيل» عام 1955، وكذلك يجب ذكر أنها ساهمت بتأسيس شركة للإنتاج السينمائي.
وتضم قائمة مشاركاتها السينمائية الأفلام التالية: شم النسيم، ريا وسكينة (1952)، الحياة والحب، أسعد الأيام، دايما معاك (1954)، درب المهابيل، رنة الخلخال، قصة حبي (1955)، حب وإنسانية، إزاي أنساك، متحف الشمع، هارب من الحب (1956)، حياة غانية، حملة أبرهة على بت الله الحرام (1957)، بنت البادية، سلطان، قلوب العذارى (1958)، فضيحة في الزمالك، سر طاقية الإخفاء، أحلام البنات، سمراء سيناء (1959)، غرام في السيرك، نداء العشاق (1960)، صراع في الجبل، زيزيت (1961)، أيام زمان (1963)، شادية الجبل، الشياطين الثلاثة (1964)، العش الهادي (1976)، من الذي قتل هذا الحب (1980)، الهانم بالنيابة عن مين؟ (1987)، جواز في السر (1988).
ويذكر أنها قد تعاونت من خلال مجموعة الأفلام السابقة من نخبة متميزة من كبار مخرجي ورواد السينما العربية وأيضا بعض المبدعين من الأجيال التالية وفي مقدمتهم الأساتذة: أحمد بدرخان، يوسف وهبي، نيازي مصطفى، صلاح أبو سيف، فرنيتشو، هنري بركات، عز الدين ذو الفقار، حسن الإمام، يوسف شاهين، محمود ذو الفقار، عاطف سالم، حسين فوزي، إبراهيم عمارة، حسن رضا، سيف الدين شوكت، توفيق صالح، حسام الدين مصطفى، عيسى كرامة، أحمد الطوخي، سيد عيسى، أحمد ضياء الدين، يوسف معلوف، أحمد يحيى، أحمد خضر، حسن حافظ.
ويلاحظ من خلال القائمة السابقة لأعمالها السينمائية أن نشاطها الفني قد توقف منذ عام 1964، وذلك نظرا لارتباطها بالمشير عبد الحكيم عامر (والذي رحل عن عالمنا عام 1967)، ثم عاودت مرة أخرى ممارسة النشاط الفني عام (1976) بعد تسعة سنوات من وفاته.
ثانيا: أعمالها التلفزيونية
لم تشارك الفنانة برلنتي عبد الحميد إلا في بطولة عدد قليل جدا من المسلسلات والتمثيليات والسهرات التلفزيونية، وذلك نظرا لكثرة ارتباطاتها السينمائية في بداية الستينات حينما بدأ البث والإنتاج التلفزيوني عام (1962)، خاصة وأن العمل بالمسلسلات التلفزيونية كان مرهقا جدا في فترة البدايات حيث يتطلب الأمر التفرغ الكامل والحفظ الجيد لضرورة تصوير الحلقة كاملة دون توقف نظرا لعدم وجود مونتاج، ويضاف إلى ما سبق اضطرارها لاعتزال العمل الفني بعد زواجها من المشير عبد الحكيم عامر (1965) ولمدة تزيد على عشر سنوات. هذا وتضم قائمة أعمالها التلفزيونية عدد من المسلسلات المتميزة ومن بينها المسلسلات التالية: نهاية القصة، حارة الشرفا (1986)، مخلوق اسمه المرأة (1988).
ثالثا: مشاركاتها الإذاعية
يصعب بل ويستحيل حصر جميع المشاركات الإذاعية لهذه الفنانة القديرة والتي ساهمت في إثراء الإذاعة المصرية ببعض المسلسلات الدرامية والتمثيليات والسهرات الإذاعية المتميزة على مدار مايقرب من نصف قرن، وذلك لأننا نفتقد للأسف الشديد لجميع أشكال التوثيق العلمي بالنسبة للأعمال الإذاعية، وتضم قائمة أعمالها الإذاعية مشاركتها ببطولة بعض المسلسلات المتميزة وفي مقدمتها على سبيل المثال: مسلسل نساء من شمع.
رابعا: مشاركاتها المسرحية
ظل المسرح هو المجال المحبب للفنانة برلنتي عبد الحميد، فهو المجال الذي تفجرت هوايتها لفن التمثيل به، كما أثبتت وأكدت موهبتها من خلاله بعدما تعلمت أصول التمثيل بفضل نخبة من أخلص أساتذته (في مقدمتهم الأساتذة زكي طليمات، يوسف وهبي، فتوح نشاطي، نبيل الألفي). ويمكن تصنيف مجموعة أعمالها المسرحية طبقا للتتابع التاريخي مع مراعاة إختلاف الفرق المسرحية وطبيعة الإنتاج كما يلي:
1- بفرقة «المسرح القومي»:
تضمن قائمة أعمالها بالفرقة عدد من المسرحيات المتميزة التي شاركت في بطولتها ومن بينها: المنقذة والصعلوك، البخيل (1951)، قصة مدينتين، السر الهائل، الشهيدة، كفاح شعب (1952)، يا تلحقوني يا متلحقونيش (1953)، الأيدي الناعمة، المزيفون، بابا عاوز يتجوز (1954)، أقوى من الزمن، بعد أن يموت الملك (1974).
2- بفرق مسرحية أخرى:
(العش الهادي) مسرح التلفزيون - 1962، (واحدة من إياهم) مسرح الشباب – 1988.
وقد شاركها بطولة تلك المسرحيات نخبة من كبار المسرحيين من بينهم الأساتذة: يوسف وهبي، دولت أبيض، حسين رياض، فاخر فاخر، منسى فهمي، عبد الرحيم الزرقاني، فردوس حسن، عمر الحريري، سعيد أبو بكر، عدلي كاسب، سميحة أيوب، عبد المنعم إبراهيم، محمد رضا، صلاح قابيل، نور الشريف، عبد الرحمن أبو زهرة.
هذا ويجب الإشارة إلى أنها ومن خلال مجموعة المسرحيات التي شاركت في بطولتها قد تعاونت مع نخبة من كبار المخرجين الذين يمثلون أكثر من جيل ومن بينهم الأساتذة: زكي طليمات، يوسف وهبي، فتوح نشاطي، نبيل الألفي، سعيد أبو بكر، كمال يس، أبو بكر خالد.
وجدير بالذكر أنها قد شاركت أيضا في إنتاج بعض المسرحيات المصورة ومن بينها مسرحية «13 ليه؟» من إخراج محمود الألفي، وبطولة أبو بكر عزت، سهير الباروني، فاروق فلوكس، فادية عكاشة.
رحم الله هذه الفنانة القديرة الذي نجحت في ترك بصمة فنية خاصة بها وسط كوكبة من كبار النجوم في زمن النهضة المسرحية والفن الجميل، واستطاعت أن تثبت وبصورة عملية قدرتها على تحمل البطولات الفنية بجميع القنوات الفنية (السينما، المسرح، الإذاعة، التلفزيون).
ويحسب لها بلا شك خلال مسيرتها الفنية مهاراتها في التمثيل باللغة العربية الفصحي بنفس إجادة أدائها باللغة العامية. ويكفي أن نذكر لها نجاحها في الوقوف على خشبة المسرح ومشاركة كبار النجوم بأداء مجموعة من الأدوار المركبة المهمة في عدد كبير من المسرحيات العالمية والمحلية، وأيضا حرصها على اكتساب الخبرات الفنية بصفة دائمة وتطوير أسلوب أدائها خلال مسيرتها الفنية، فنجحت بمهارة في التخلص من مدرسة الأداء المسرحي الكلاسيكي وحققت الانتقال إلى مدرسة الأداء الطبيعي التلقائي الذي يتناسب مع لغة العصر وتكنيك العمل بالأفلام السينمائية.