العدد 588 صدر بتاريخ 1ديسمبر2018
لم تكن المرأة العربية بمعزل عن قضايا الوطن السياسية والاقتصادية والدينية أيضا، إضافة إلى قضاياها الخاصة، فدائما تتقدم صفوف الجهاد، وتحمل المشعل لتنير الطريق للأجيال القادمة، وقد تدفع في سبيل ذلك أثمانا باهظة.
المونودراما المغربية “الحكرة” إنتاج فرقة المشهد المسرحي بقنيطر المغربية، تأليف الكاتبة الصحفية بديعة الراضي إخراج محمد الزيات، التي استضافها مسرح ميامي في إطار التبادل الفني بين اتحاد الفنانين المغاربة والجمعية المصرية لهواة المسرح، أكدت على هذه الحقائق التي لا يمكن التشكيك فيها، فهي موثقة تاريخيا، وعدد السيدات العربيات اللائي وقفن لتصدي الظلم في كل المجالات معلوم.
و”الحكرة” هي مفردة متداولة بالمغرب وتعني الظلم، وإذا رجعنا إلى المعاجم العربية نجدها تعني الاحتكار، وفي هذا السياق فهي تعني احتكار الأموال والحرية والكرامة، أي حجبهم عمن يستحقونهم؛ مما يظهر مدى الظلم الواقع على الشعوب العربية التي خرجت عن بكرة أبيها مطالبة بالحرية والعيش والعدالة الاجتماعية.
تجسد الفنانة ماجدة زبيطة دور المرأة العربية التي تقص علينا، بوصفنا متلقين، قصة كل امرأة مغربية وكل امرأة عربية يقع عليها ظلم، التي عبرت من البداية عن حجم الضياع الذي تعيشه القضية، تلك التي يعانيها وطن يرفع شعارات كالديمقراطية غير الموجودة على أرض الواقع، وكذلك المساواة والحقوق الضائعة، وجرائم السياسة والحكومات وتجار الدين، مع تذكر الشخصيات التي كان لها أياد بيضاء على القضايا العربية الذين غادروا الحياة ومنهم: عمر بنجلون وفرج فودة وفرحات حشاد ومصطفى العقاد.
كما ذكرت أحداث معينة منها حركة 20 فبراير وما تلاها، ووحدوية الأهداف النضالية الشبابية التي أحدثت قطيعة مع الفكر الجامد، أو “الفكر الجائع” كما أسمته المسرحية. واستعانت بأبيات شعرية من التراث لتربط الحاضر بالماضي، في انتظار مستقبل مجهول لم تتضح ملامحه بعد.
من خلال أدائها الأكثر من رائع الذي بدأته من الصالة في وسط الجمهور، وكأنها تبحث عن شيء ما أو شخص ما عبرت ماجدة زبيطة عن حالة الضياع والتوتر والفزع التي تعيشها المجتمعات العربية ولا سيما المرأة العربية، بأدائها المضطرب غير المفتعل ولا المنفعل، وإشعال السيجارة التي تلقي بها من دون أن تدخنها في رمزية الرغبة في الحرق أو التدمير فحسب.
اعتمد المخرج مع الموسيقى على مؤثرات صوتية أخرى وهي الاستعانة بصوت يلقي أشعارا، كما كانت الإضاءة موظفة توظيفا جيدا حيث عبرت عن حالة التوتر والقلق التي تعيشها البطلة.
كما احتل الرمز مساحة كبيرة جدا في العرض حيث استخدام شرائح من القماش متدلية فوق خشبة المسرح تم توظيفها بشكل احترافي وظائف عدة، فكانت السجون التي تغتال الحريات وتذبح الأفكار، والمشنقة التي تقتل الأحلام، والشباك التي توقع تخنق وتقيد كل ما هو حر وطليق، وطرحة الزفاف التي تحلم بها كل فتاة.
فرقة «المشهد المسرحي» لم تقتصر على الجانب الإبداعي فقط، لكنها طرحت أيضا الكثير من الأسئلة نحو موضوع الدعم المسرحي، والاهتمام بالعناصر الشبابية المسرحية في توجهاتهم وضبط مساراتهم وترشيد طاقاتهم، كما أنها تتبنى قضاياها التي تطرحها من خلال ما تقدمه من عروض مسرحية، لذا فإن عرض مونودراما «الحكرة» سيقدم أيضا على خشبة المسرح بكل من الإمارات العربية المتحدة – الشارقة، وألمانيا وإيطاليا وبلجيكا، في إطار العروض المبرمجة من طرف الوزارة المنتدبة المكلفة المغاربة المقيمين في الخارج وشؤون الهجرة.
الحقيقة، إنه لم يكن من الإنصاف، خاصة ونحن بصدد الحديث عن عرض مسرحي يتناول قيم الحق والعدل، أن نسقط حق الجمعية المصرية لهواة المسرح في الإشادة بدورها، فلولاها ما شاهدنا هذا العرض الذي جاء في إطار جهد القائمين عليها وعملهم الدائم على تنسيق العلاقات الخارجية مع الدول العربية، حيث جاء في إطار الاحتفال بعقد تآخي بين الجمعية واتحاد الفنانين المغاربة، وقد سبق للجمعية أن وقعت تآخيا مع مهرجان مستغانم بالجزائر، ومسرح الشباب بالكويت، والمسرح الحر بالأردن، كما أنها تعمل دائما على التنسيق داخليا بين فرق الهواة المختلفة وتقديم كل الدعم الممكن لهم.