تسجيل دخول البحث عن العبثية بالإكراه

تسجيل دخول البحث عن العبثية بالإكراه

العدد 585 صدر بتاريخ 12نوفمبر2018

عادة ما تستلهم عروض اليوم أفكارها من واقع الشباب المعاصر ولغتهم ومشكلاتهم وأزماتهم، مما أدي إلي تكرار الأفكار وتشابهها مع مرور الوقت، حتي وصل الأمر إلي النقل البين بحجة أنعكاس المجتمع مسرحيا، دون إضافة لمسات فنية لابد من وجودها حتي يتم تصنيف العمل كعمل فني لا كمرآه عاكسة لما نعلمه جميعا ونعاصره يوميا، مما يؤدي إيضا إلي انحصار مفاهيم ورمزيات العمل بين فئة عمرية معينة مقصودة وموجه إليها الخطاب المسرحي دون غيرها من من سبقها أو من لاحقها.
تسجيل دخول هو أحد أحدث العروض المقدمة حاليا علي خشبة مسرح الهناجر بدار الأوبرا المصرية إخراج “هاني عفيفي”، ففي وسط حالة من الإيقاع المشدود نقلا عن الرتابة وإستهلاك الوقت تنكسر القاعدة المقصود تقديمها بشكل مبدأي، حيث أن زمن العرض قرابة ساعة وربع من الكوميديا والإيقاع المشدود وفي الوقت ذاته يريد أن يقدم حالة متكررة وحياة رتيبة تؤدي بإنتحار أحد الأبطال و خروج أحد المشاهدين في منتصف العرض، فكيف لحياة رتيبة لا جدوي منها ولا فائدة أن تحتوي علي كل هذة الكوميديا التي تتمكن من شد الإيقاع بصورة جيدة كهكذا!، ليكون حالة الإيقاع المشدود هنا هي أحد المأخذ علي العرض و ليست لصالحه.
ومع مرور الوقت يتضح أن من قام بترك صالة العرض أثناء التقديم و أراد الخروج ماهو إلا حيلة ممسرحة من قبل الممثلين للإحالة بأنه “كسر للإيهام” و إشراك الجمهور و تورطه في أحداث العرض، ولكن في واقع الأمر هي لعبه مقصودة للتحايل علي القاعدة البرختية وليس لتنفيذها، لتنكسر و للمرة الثانية فكرة الرتابه التي لم تتحقق بعد؛ و من ظن من الجمهور أنها لعبة توريط الغرباء في حدث قاموا تسجيل الدخول فيه بكامل إرادتهم و أنساقوا داخله شيئا فشئ، تلاشت الفكرة من أمام عينه عندما رأي قرينه المتورط في الحدث هو أحد الممثلين داخل العرض.
أما عن الحدث فهو حدثا متكررا وليس دائريا لا يمت للعبثية بصلة بل هو فقط تعبيري لإثارة فكرة الركود وتكرار الأيام و أنتظار الغد مع عدم مجيئه تعبيرا عن واقع ملموس و متعايش و ليس عبثيا.
أستخدم عفيفي فيه طريقة أستخدمها كل من جينيه و خوزيه تريانا في مسرحهم عندما أرادوا نقل معاناه نفسية داخل نصوصهم وهي لعبة “ تبادل الأدوار” ووصول الذات لفقدان ماهيتها التي لا تهم بالضرورة بقدر ما يهم الحدث الذي يقع علي كل شخص من شخصيات المسرحية سواء كانت “مي او عمر او يحي أو، أو ... “ فالتميز لا وجود له و التشابهه هو المسيطر الأول و الأخير لأن الجميع يعيش نفس الحالة و الظروف ليصل التشابهه لحد أنه لا مكان بينهم للهوية.
كما كان للديكور أثر بالغ الأهمية في نقل هذا الواقع المتلعثم عن طريق الفوضوية التي تعم خشبة المسرح المنافية لما هو عبثي ومازالت محتفظة بقصدية التعبير محتوية ديكوراتهم علي سرير و ثلاجة و قاعدة دورة مياة و كنبة و شاشة عرض و ساعه في الخلفية تمر ساعتها في أقل من ثانية تعبيرا عن ضياع الوقت و الإستهلاكية المفرطه له
كما تم توظيف الديكور في لعبة تبادل الأدوار عن طريق تبديل مواضع الجلوس عندما تحتل كل شخصية مرتبة الأخري بنفس الأسم.
وعن القضايا المتناولة داخل موضوع العمل فهي لا تتعدي ما يتم دائما تداوله سواء مسرحيا أو تليفزيونيا أو حتي شفهيا، فهي متكررة في كافة الوسائط و المجالات، متجهه نحو تتبع أثر مواقع تواصل الأجتماعي علي الشباب، و مدي تحكمها في حياتهم، منساقون وراء ما ينساق فيه القطيع المحاوط لهم
و أطروحات أخري كحقوق المرأة و المساواة و الأكتئاب الناتج عن نذالة الأخرين، و أشكالية الحجاب و الفكر السياسي و الأنتماءات الكروية و تواري الحقائق، و الزيف المستتر وراء شخصية إفتراضية مقنعة عبر شاشة صغيرة أرادت أن تظهر بالطريقة التي كانت تود أن تكون عليها في عالمها الواقعي.
وكانت اكثر الأليات توضيحا لفكرة الظاهر و الباطن هذة، هي إحتلال البلاستك أجزاء من ملابس الممثلين
ذلك البلاستك الشفاف الذي يظهر ما يخفيه الشكل الخارجي ويدل علي هشاشة و ركاكة المحتوي القابل للتمزق في أي وقت وتحت أي ضغط، أو من الممكن أن يحيل إلي الوصول لأخر وأضعف ما يصل إليه الإنسان بعد إهدار وقته فيما لا يفيد
حتي شخصية الساحر و التي تعتبر الركيزة الأساسية للعرض والمتحكم الأول في تحريك الأحداث و تحريك الشخصيات والمتحكم أيضا في إيقاف الحدث و التعليق عليه، ينجذب مع مرور الوقت داخل عالمهم و تنتهي كلماته “بالصمت” الناتج من كثرة الصخب المتكرر.
للوصول في النهاية لفكرة اللاجدوي التي إذا تناصت مع العبث ستتناص في الأطروحة العامة وفكرة الأنتظار بعض الشئ، و لكنها غير موظفة إخراجيا فحسب، وكأن تلك الأفكار تقتحم عالم العرض لتطبق فيه العبثية رغما عنه، ولكن نتاج العمل يظهر متبرئا منها و تظهر العبثية كدخيلة عليه تريد الظهور بشتي الطرق بين ثناياه التعبيرية


منار خالد