«حدث في بلاد السعادة» العبث السلطوي مقابلا لسلبية الشعوب

«حدث في بلاد السعادة» العبث السلطوي مقابلا لسلبية الشعوب

العدد 581 صدر بتاريخ 15أكتوبر2018

أن تقديم قضايا المجتمع على خشبة المسرح أحد أهم الاهتمامات المسرحية الأكثر تقديما وروجا بما تثيره من قضايا وطرح لإشكاليات تثير جدلا داخل المجتمع، فنجد بين الفنانين من يقدم الصورة بشكل مباشر ومنهم من يقوم باللجوء إلى التحايل المشروع مسرحيا كالإسقاط على بلاد أخرى أو الرجوع إلى التراث أو إسناد الوقائع لأزمنه وعوالم مختلفة وما شابه.
عرض «حدث في بلاد السعادة» للمخرج «مازن الغرباوي» يعتبر من أحدث العروض المسرحية المعروضة حاليا على خشبة مسرح السلام لفرقة المسرح الحديث التابعة للبيت الفني للمسرح - وزارة الثقافة، لجأ العرض للنوع الثاني من تصوير المجتمع الذي يعتبر النوع الأنضج والأكثر ذكاء من المباشرة وهو «فن التحايل» كما ذكرت.
تدور أحداث العرض في اللازمان واللامكان، ولكن وفقا لما يقتضيه المنهج السيسيولجي للمسرح وإقامة علاقة ربط بين موضوع العرض والمجتمع المقدم فيه، تتضح علاقة قوية ونقل واقعي بشكل كبير لاستعراض قضايا وإشكاليات متجذرة داخل المجتمع المصري وعلى الأخص استهداف علاقة السلطة بالشعب، في تقديم حاكم يعبث بالسلطة ويتخذها كملجأ للراحة واللهو، عن طريق الكوميديا التي وظفها «سيد الرومي» لتخدم دوره وتبرز تفاصيل تلك الشخصية المستهترة ليحيل هذا العبث القائم بالسلطة القيادة الفعلية في يد كل من المستشار الذي قام بدوره العراقي «راسم منصور» ووزير الدولة الذي قام بدوره الدكتور «علاء قوقة» والذي على يده تقام صورتان للسلطة، «سلطه شكلية» و«سلطة تنفيذية».
وعلى الصعيد الآخر وانعكاسا لذلك العبث السلطوي، تنقل صورة للشعب المتعسف المحتاج الذي يهتف دائما للملك مكبلي الأيدي مكممي الأفواه، خوفا من حراس الملك المكممين هم أيضا، ليتوالى الخرس وقطع الألسن ويتدرج الصمت من أعلى لأسفل، وللتأكيد على ذلك الخرس الرمزي استخدم إكسسوارا بوضع شريط لاصق على أفواه الحراس، واستخدام السيوف أيضا كأسسوار وظهورها بمجرد حديث أي من الشعب عن حال السلطة، وكان للسقا الذي قام بدوره دكتور “أسامة فوزي” دورا هاما لبلورة العجز التام عن الإفصاح بالحقيقة ومحاولة التخلص من خوفه ومواجهة السلطة ولكنه كان دائما أضعف منها، وعند الإفصاح بها تم التخلص منه ليلقي مصيرا لا يعلمه أحد ويصبح مثله مثل الحكيم الذي قام بدوره الفنان «حسن العدل» والشاعر الذي قام بدوره الفنان الشاب «حسن خالد» ويجب الوقوف أمام هذين الدورين تحديدا من حيث الأداء التمثيلي الذي وصف وبدقة شديدة كل ما وقع على الشعب إجمالا من ظلم وجبروت وأن ما عانوا منه ونقلوه مسرودا في الفلاش باك ما هو إلا حاضرا مكررا وتاريخا يعيد نفسه.
لتأتي شخصية بهلول المتمثلة في صوت الشعب الحالم بالتغيير وقام بدوره الفنان «مدحت تيخا»، وبلعبة ممسرحة من المستشار يستطيع بلهلول بلوغ الحكم طامعا في كسب ثقة الشعب لإيجاد حلول كافية بهدف تغير معاناتهم وتحويل تلك البلاد التعيسة لبلاد السعادة الحقيقة.
ليظهر هنا الحدث الأكثر مراوغة وتوازنا كفتي الميزان وعدم إحالة الخطأ لعاتق محدد لكل من السلطة والشعب، وهو حدث رفض الشعب لحب بهلول ورغبته في مساعدتهم، ظنا منهم أنه مثله مثل كل من سبقه من حكام وتكرار الهتافات المحفوظة وقدرة سيطرة الوزير عليهم حتى نهاية المسرحية.
هذا النوع من الحياد هو ما يجعل أذهان الجمهور تتأرجح لتبحث عن الحل، فهو عرض يعبث فقط في عقولهم وينتهي برمزية المقولة الشهيرة «يبقى الوضع على ما هو عليه» وعليك التفكير حتى تصل إلى الخلاص.
فهي ليست رسالة بعينها أو توجه مباشر لأحد بل إنه حالة متكاملة الأركان ذات إيقاع مشدود وصورة مرئية منضبطة من حيث الديكورات التي صممها المهندس «حازم شبل» تأكد على هيمنة السلطة داخل الفضاء المسرحي وسيطرة وجودها في الأحداث.
والإضاءة التي لعبت دورا مكملا للشخصيات وإبراز جوانب الخير والشر عن طريق الألوان الباردة والنارية.
وكما لعب العرض على حاسة البصر لعب أيضا على حاسة السمع عن طريق «الراوي الغنائي» وحالة المزج بين صوت ذكوري وصوت نسائي وهما المطرب «وائل الفشني» والمطربة «فاطمة محمد علي» وبث روح المقاومة والشجاعة في كلمات أغانيهم للتحفيز على الفعل واستمرارية المقاومة.
فهذه النوعية من العروض تحديدا عادة ما تكون دقيقة فيما تقدمه حتى لا تلقي بتهم على أحد بعينه من الممكن أن يعتبرها البعض مزايدة والبعض الآخر يعتبرها نقصانا، وأن ما زال هناك قلق ما داخل المسرح المصري لحسم الموقف، ولكن من وجهة نظري أعتبر أن ذلك هو الحل الأمثل حتى وإن لم يكن هو اتجاه المخرج الشخصي فهذا لا يهم بالضرورة. ولكن الأهم هو إخراج حالة مسرحية مستوفية العناصر دون اللجوء للرسالة المسرحية الأسهل والأكثر مباشرة وترك الحرية للجمهور التي يبحث عنها أبناء ذلك العرض طوال الأحداث وتغلق ستارهم دون الوصول إليها.


منار خالد