«صدى الصمت» جرائم السلطة التي يحصد آثارها الشعوب

«صدى الصمت» جرائم السلطة التي يحصد آثارها الشعوب

العدد 579 صدر بتاريخ 1أكتوبر2018

ما ذنب الشعوب في سياسات الدول وحروبها؟ لماذا تحصد كراهية بعضها من دون أن ترتكب أية ذنوب؟ فالقاتل والقتيل لا يعرف كل منهما أي ذنب ارتكبه الآخر، فقط هو يستسلم لقرارات ساسة يتخذونها بينما هم يعيشون في قصور بعيدة كل البعد عن حياة شعوبهم التي تدفع أثمانا باهظة لتلك القرارات، وهل يستطيع الفن أن يصلح ما أفسده الساسة؟
بينما يشاهد المتلقي العرض المسرحي الكويتي «صدى الصمت» - الذي عُرض على خشبة المسرح القومي خلال فعاليات مهرجان «القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي» - يطرح على نفسه هذه الأسئلة، التي لم يشر العرض إليها مطلقا، بل هو بعيد كل البعد عن المباشرة، بينما يجسد حالة جار وجارة لاجئين في دولة واحدة يعاني كل منهما حالة الوحدة والاغتراب عن الوطن، خاصة بعد أن فقد كل منهما ابنه في الحرب، التي دارت رحاها بين دولتيهما.
ورغم افتقادهما للغة واحدة مما يجعل التواصل بينهما مستحيلا، فإنهما ينجحان في التعايش معا ثلاثين عاما، حيث يدور الصراع المذهل بينهما للتواصل إنسانيا على الرغم من أنهما لا يتحدثان اللغة نفسها، وعلى الرغم من معرفة كل منهما بمأساة الآخر، ومن تسبب بهذه المأساة، فظروفهما ومعاناتهما الواحدة تجعلهما يتغلبان على اختلاف اللغة وانعدام التواصل، حيث يشعر كل منهما بالأمان والونس في وجود الآخر، وتستمر الحكاية التي صنعتها الصدفة بين الاثنين، حتى يعيشا معا إلى لحظاتهم الأخيرة، ولم يعرفا لغة منطوقة للتواصل بعد.
بينما تدور الأحداث في عمق الخشبة نجد في الخلفية شخصا قعيدا على كرسي متحرك، طوال زمن العرض، لا يتحرك ولا ينطق بكلمة ليجسد حالة العجز والموت وقلة الحيلة التي تحياها هذه الشعوب، حيث ينتهي العرض بسقوط ستائر بيضاء لتوحي بمستشفى كمحاولة أخيرة لإنقاذ هذا المريض، بينما يظهر من خلف الستائر المقعد خاليا، كنهاية حتمية لهذه الحروب والصراعات التي تؤدي إلى هذه النهاية المأساوية.
لم تكن هذه هي قصة العرض الرئيسية، بل هو عرض مسرحي يقدم على خشبة المسرح يتناول هذه القصة، في غياب المخرج والرقيب أيضا مما يجعل «الدراماتورج» - الذي يشعر دائما أنه مهمش ولا وجود له على خشبة المسرح - بفرصته الحقيقية في الوجود على الخشبة والتحكم في تفاصيل العمل، وإيقاف الفعل الدرامي والتعديل عليه وإعادة كتابته متى يشاء وأمام الجمهور المتلقي، ليكون معادلا موضوعيا موازيا لرفض حالة القهر والثبات والموت الإجباري بينما يمارس سلطة التحكم في سير الأحداث وأقدارها.
استخدم المخرج عدة مدارس في صناعة هذا العرض، فكان مجربا حين أضاف للعرض بعدا مختلفا فجعل الدراماتورج نفسه هو من يصنع موسيقى العرض ومؤثراته الصوتية باستخدام النفخ بطرق مختلفة في المايك أو الاستعانة ببعض الأدوات التي تحدث أصواتا مختلفة، من دون إحداث أي ارتباك أو خطأ، بل أضاف أيضا إلى فكرة الكاتب الراحل قاسم مطرود التي مزج فيها بين الاستسلام والرفض والتمرد، والأداء الأكثر من رائع للممثلين، عنصرا جديدا هو الدهشة، كما استعان بالرمز حين جعل صورة الابن الشهيد سوداء بلا أية ملامح، فالشهداء والضحايا كُثر، ومن الصعب حسرهم، كما استعان بممثل لم يفعل أي شيء سوى الثبات على كرسي متحرك يظهر فارغا في النهاية، وحين أبعد المسافة بينهما وجعلهما يشاهدان الصور معا فهو ينظر للصورة وهي تعلق عليها، في إلغاء تام للمسافة التي تفصل بينهما.
ورغم مأساوية الأحداث فإن الكوميديا كانت حاضرة بقوة وفاعلة، فكما يقول المثل «شر البلية ما يضحك» حيث تم توظيفها بروعة في حوارات الجارين التي تفتقد للتواصل والفهم الصحيح.
الديكور عبارة عن منضدة وكرسيين ويظهر من خلفهما نافذة وبابان يشيران إلى المطبخ والحمام، فهو بسيط معبر عن حالة الوحدة والفراغ التي تعيشها السيدة، وألوانه قاتمة، بينما الإضاءة ساكنة وهادئة طوال زمن العرض باستثناء مشهد النهاية الذي أراد به تعرية الحقيقة.
عرض «صدى الصمت» للكاتب العراقي الراحل قاسم مطرود، تمثيل فرقة المسرح الكويتي، إخراج وبطولة فيصل العميري ويشاركه البطولة سماح وعبد الله التركماني، وقد حاز على عدة جوائز في مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي في فبراير من العام الحالي، من بينها أفضل إخراج لـ«فيصل العميري» وأفضل ممثلة لـ«سماح» وأفضل سينوغرافيا لـ«فيصل العبيد» وأفضل مؤثرات لـ«عبد الله التركماني».
 


نور الهدى عبد المنعم