العدد 755 صدر بتاريخ 14فبراير2022
تعد تجربة المخرج والفنان المغربي الطيب الصديقي واحدة من أهم تجارب المسرح المفتوح في العالم العربي، حيث سعى منذ بداية عمله في المسرح ربط الذاتي بالموضوعي، بمعنى أن مسرحه لا ينفصل عن سيرته الذاتية ومحيطه الاجتماعي، فقد ارتبط بالمسرح منذ نعومة أظافره من خلال مشاهداته للطقوس الاحتفالية التي كان يشاهدها في قريته الصغيرة المطلة على المحيط الأطلسي، وهذا ما أشار إليه في مقالة له نشرت في مجلة «الآداب» البيروتية في مارس 1987، حيث يقول:
«أتذكر طفلا ولد في شبه جزيرة، واكتشف وهو لم يتجاوز السادسة من عمره في افتتان هذا العالم العجيب. أتذكر أنه أقسم أن يصبح في يوم ما جزءا من هذه الشخصيات التي تحترف الخيال».
وقد ولد «صديقي» سنة 1937 لأب عالم وفقيه، له عدة مؤلفات منها «إيقاع السريرة في تاريخ الصويرة»، ثم رحل إلى الدار البيضاء والتحق بإحدى مدارسها الثانوية الإسلامية، وبقى فيها إلى أن بلغ سن السادسة عشر من عمره، ثم سافر في بعثة إلى فرنسا للدراسة، ليعود إلى وطنه، وفي تك الأثناء تصادف أن أعلنت الجرائد المغربية على أن هناك ورشة عمل للتدريب على الفنون المسرحية، ومن ضمنها «فن الهندسة المسرحية» مما صادف هوى لديه، فاشترك في الورشة بداية من عام 1954، وهناك التقى مجموعة من الطلبة الذين أصبحوا من رواد الحركة المسرحية في المغرب – بعد ذلك – أمثال أحمد الطيب العلج ومحمد عفيفي، ونظرا لأن «صديقي» كان يتقن اللغة الفرنسية فقد اختاره أستاذ المسرح الفرنسي «أندري فوازان» لترجمة بعض الدروس النظرية في المسرح.
وقد ولد «صديقي» سنة 1937 لأب عالم وفقيه، له عدة مؤلفات منها «إيقاع السريرة في تاريخ الصويرة»، ثم رحل إلى الدار البيضاء والتحق بإحدى مدارسها الثانوية الإسلامية، وبقى فيها إلى أن بلغ سن السادسة عشر من عمره، ثم سافر في بعثة إلى فرنسا للدراسة، ليعود إلى وطنه، وفي تك الأثناء تصادف أن أعلنت الجرائد المغربية على أن هناك ورشة عمل للتدريب على الفنون المسرحية، ومن ضمنها «فن الهندسة المسرحية» مما صادف هوى لديه، فاشترك في الورشة بداية من عام 1954، وهناك التقى مجموعة من الطلبة الذين أصبحوا من رواد الحركة المسرحية في المغرب – بعد ذلك – أمثال أحمد الطيب العلج ومحمد عفيفي، ونظرا لأن «صديقي» كان يتقن اللغة الفرنسية فقد اختاره أستاذ المسرح الفرنسي «أندري فوازان» لترجمة بعض الدروس النظرية في المسرح.
وقد اختير «الصديقي» – وقتها – لتمثيل بعض الأدوار الثانوية في «فرقة المعمورة» والتي كانت تعرف باسم «الفرقة الوطنية للمسرح»، والمعمورة غابة توجد قرب مدينة «الرباط»، ويوجد بها المركز الوطني للشباب، حيث تنظم التدريبات التكوينية في المسرح، وقد حلت هذه الفرقة سنة 1974، إلا أن طموحات «صديقي» كانت أكبر من ذلك فسافر إلى فرنسا، وهناك نوهت به الصحافة الفرنسية، بل واختير كأحسن ممثل من قبل «هوبير جينو» والذي قدمه بدوره لجان فيلار والذي كان يعمل وقتها مديرا للمسرح الشعبي بفرنسا.
ومن خلال احتكاكه المباشر بالتجريب المسرحي في باريس تعمقت لديه فكرة «تكوين مسرح شعبي» يستمد وهجه من التراث المغربي القديم، في محاولة لخلق حالة من «الاحتفالية» التي تحتضن الفنون المتنوعة لهذا التراث، فكان اختياره لساحة «جامع الفنا» كمكان للعرض، وهي ساحة عمومية توجد وسط مدينة «مراكش»، وتعرف بوجود مجموعة من الحلقات الواسعة التي يمكن من خلالها تقديم «فرجة» مختلفة، بحيث تمثل كل حلقة فرجة تنتمي لإحدى القبائل المغربية.
ويبلغ عدد الحلقات في اليوم الواحد أكثر من عشرين حلقة، الأمر الذي يتيح تقديم أكثر من عشرين فرجة، تقدم في مسارح دائرية في الهواء الطلق. وقد أطلق «صديقي» على هذه التجربة «مسرح الشارع» وهذا ما نراه جليا في تقديمه لمسرحية «الشامات السبع»(1).
وعن اختياره لساحة «جامع الفنا» يقول «الطيب صديقي»: «جامع الفنا مسرح يتجاوب مع حاجيات جمهور شعبي تلقائي حي، هذا المسرح أو لنقل هذه المسارح ساهمت وتساهم في خلق، أو إعادة خلق مسرح وطني، فكل أبحاثنا من سنة 1965، مرتبطة بجامع الفنا، منذ مسرحية «ديوان سيدي عبد الرحمن المجذوب» سنة 1965، إلى الملحمة التاريخية «نحن» التي أعددناها خلال صيف 1986، كل أبحاثنا حول النص أو في موضع لعب الممثلين، أو بصدد الإخراج أو الديكور أو الملابس، أو التوابع، يزكيها جامع الفنا منبعها الأصلي ونعتبر هذه العناصر أساسية لأي عملية إبداعية، ترتوي من جذور شعبية كمنطلق لكل تجربة تهدف إلى أن تجعل من المسرح وسيلة للقاء بالناس» (2).
وفي محاولاته الدؤوبة لتفتيت العلاقة بين الجمهور وآليات العرض أطلق «الصديقي» على فرقته اسم «مسرح الناس»، وأراد من البداية أن تكون لها استقلاليتها عن المؤسسة الرسمية، يقول عنها: «مسرح الناس فرقة خاصة لا تنتمي لأي قطاع عام أو بلدية أو حكومة .. فئة قليلة من الناس(13 تقريبا) حاولت أن تمارس مسرحا آخر بعدما مرت بمرحلة الاقتباس وأحيانا الاختلاس ومرحلة الإعداد والترجمة فاتضح لنا بعد بضعة سنوات أن هذا المسرح المنقول والمنسوخ لا يمكن أن يؤدي بنا إلا إلى الفشل فليس باستطاعتنا أن نمثل موليير أحسن من الفرنسيين ولا شكسبير أحسن من الإنجليز ولا كالديرون أحسن من الأسبان.. فكان من واجبنا أن نحاول أن نجد نوعا جديدا من المخاطبة مع الجمهور المغربي والعربي.. هناك في الساحات وفي البطحاء منذ ما يقرب من 9 أو10 قرون ما يسمى بالحلقات كل حلقة ينشطها مثلا مغنون أو راقصون أو مداحون ومروضو حيوانات.
وكذلك هناك الراوي والحكواتي والمداح، وهناك من يحكي الأزليات وقصص رأس الغول وما إليها. وهذه الأشكال حاولنا أن نتعامل معها فيما يمكن تسميته بمسرح الشارع.
ويصف الناقد المسرحي السوري رياض عصمت في مقال له بمجلة «الحياة المسرحية» عدد خريف 1977، تحت عنوان «تجربة العمل الجماعي في المسرح العربي»، يصف مسرح «الطيب صديقي» قائلا: «إن تجربة الطيب صديقي لا تعتمد على النص الثابت, بل تكسر الأشكال التقليدية للمسرح لتضفي طابعا احتفاليا، إنها تعتمد على عملية خلق النص من خلال التدريبات، تعتمد على تفجير قدرات الممثل ليحل الإيماء والصراخ والرقص محل الكلمة أو على الأقل ترفضها بقوة» (3).
ويشير عصمت في نفس المقال إ»لى مسرحية «السفور» للصديقي والتي يؤكد على أنها «ترسم الملامح الأساسية لمسرح عربي تجريبي حديث يمزج الغرب بالشرق بشكل مدهش ومثير. إنها المسرحية التي لا يميز المرء بين هذا وذاك بل ينصهر الاثنان في بوتقة واحدة». (4)
ويسمي د. سالم أكويني الأستاذ بجامعة اليرموك هذا المسرح بمسرح «المثيل» حيث يقول: «نستحضر الترابط في مسرح الطيب الصديقي، الذي ليس مسرحا خاصا، كما يتبادر إلى الذهن، بل إن علاقة النسب هاته ليست إلا نتيجة لعلاقة الترابط بين السيرة الذاتية والمسرح، وقانونا عاما لمسار مسرح الطيب الصديقي، الذي نعتناه بمسرح المثيل، حيث يتحدد نسب هذا الاسم للمسرح تمييزا لهذه التجربة. ومعنى التمييز هنا ليس إلا خصوصية مسرحية، أعني خصوصية المغرب في تعدده وتنوعه، حيث فيه البربر، الأفارقة، العرب، المسلمون.. إلخ، هذه الخصوصية التي أراد لها، صاحب التجربة، الصديقي، أن تعبر عن جذورها المتمثلة في ساحة جامع الفنا، بوصفه مسرحا وطنيا شعبيا.
بهذا التحديد نتعرف على مفهوم المسرح في تجربة الطيب الصديقي، وهو مفهوم لا يخرج عن القوانين العامة لهذا الفن. إلا أن هذا الاعتبار لا يمكنه أن يصبح كذلك، إلا عندما يمتلئ بما هو محلي وخاص للتعبير عن الوطن ثم القومي، من خلال الفردي الذي هو حالة التخيل. وهنا، يدل جوهره أو انتمائه إلى العصر الذي يوجد فيه، وهذا لا يتم إلا بالإنصات إلى كل ما يحقق ماهيته ويصوغها. وفي عملية الإنصات هاته، يأتي الافتتان بالمسرح، الذي هو افتتان المأخوذ، أليس المسرح طقسيا؟(5).
ومن هنا نستطيع أن نشير «إلى أن تجربة «الصديقي» لم تولد من فراغ بل جاءت عن دراسة واعية للفضاء المسرحي فحقق ما أشار إليه «كروتشاني» في كتابه «فضاء المسرح» حين قال: في دراسة الفضاء المسرحي لمسرح الشارع يتطلب الأمر تركيزا أكبر على الناحية الاجتماعية والأنثروبولوجية للمسرح، وذلك أكثر من الاهتمام بالشكل، موضوع الاهتمام هو ذلك التحول للفضاء المعاش يوميا من خلال غرابة فضاء التمثيل وطريقة عمله؛ والقيمة التي تؤسس، وتجاوز وتجدد تاريخ الفضاء المسرحي تكمن في واقع أن مسرح الشوارع هذا هو في الأساس فضاء نسبي، إنه فضاء اجتماعي، وتحدد العلاقة بين العرض والأرض، تلك العلاقة التي خلقتها مناورات الواقع البيئي وفكرة تجذير الفضاء المسرحي كمساحة خاصة» (6).
الهوامش:
1- الطيب الصديقي: الشامات السبع – منشورات إيديف – الدار البيضاء 1991.
2- مجلة الآداب – بيروت –يناير 1987.
3- رياض عصمت: تجربة العمل الجماعي في المسرح العربي -الحياة المسرحية – خريف1977.
4- رياض عصمت: مرجع سابق.
5- د. سالم أكويني: الطيب الصديقي أو مسرح المثيل – مجلة فصول – القاهرة – ربيع 1995.
6- فابر يتزيو كروتشاني: فضاء المسرح –ترجمة أماني فوزي حبشي – مراجعة سعد أردش – مطبوعات مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي –القاهرة 2001.