العدد 847 صدر بتاريخ 20نوفمبر2023
مقدمة
يقول جاك ليكوك : «أنا لا أحد ،أنا نقطة محايدة تعبر خلالها من أجل التعبير بشكل أفضل عن صوتك المسرحى ،فأنا أضع العقبات حتى تجد طريقك الخاص فى الالتفاف على العقبات»
هذا أبلغ ما يمكن قوله اذا أردنا التعبير عما أحدثه «جاك ليكوك» من تغيير فى فن الاخراج و التمثيل المسرحى بل و الأهم تدريس أسلوب جديد اعتمدته أغلب مدارس المسرح المعاصر، وتدريباته الحركية والتى أصبحت من الاسس الهامة لتدريس المسرح باتجاهه المعاصر حول العالم للطلاب و المتدربين و أهمهم آريان مونشكين مؤسسة مسرح الشمس و ياسمينا رضا المؤلفة، وتلاميذه ممن عثروا على طريقهم الخاص بهم
فمسرح الشمس الذى أنشأته آريان مونشكين (1) هو من أهم المسارح فى فرنسا بل و فى العالم، بل و يعتبر هيئة مسرحية و ليس مجرد مسرح مجهز يقدم مسرحيات طقسية معاصرة
و أما كتابات ياسمينا رضا المسرحية فهى مزيج بين عدة اتجاهات مسرحية و كأنها نتاج معمل مسرحى خاص بها
فما الذى فعله جاك ليكوك ليصل لهذه النتيجة خاصة انه أختار بمحض أرادته التدريس و فضله على السعى وراء النجومية كممثل بل وفضل خلق جماعة من الطلاب التى ستغير فيما بعد التقنية المسرحية عن طريق الانتشار حول العالم وعمل ورش تدريبية تترك أثرا ممتدا هو التمهيد لأنتشار أسلوب مسرحى جديد مضاد تماما للتيار الواقعى السائد فى زمانه و الذى ساهم فى أفرازه و تطويره المعمل المسرحى لستانسلافسكى و مبادئه التى ظلت حاكمة لقرون، و الجهود التى ساهمت فى خروج شكل نهائى مختلف تماما للمسرح و له سماته و خصائصه المعروفه تعود بالمسرح لأصوله البدائية
حيث ان الطريقة المعاصرة التى أتبعها “جاك ليكوك” فى التمثيل و الاخراج هى وليدة اواخر القرن العشرين و هى طريقة اقرب للبدائية منها للشكل المنتشر فى التيار السائد للمسرح بعيدا عن سيادة الكلمة و البناء الارسطى المسيطر على انجلترا و الاتحاد السوفيتى .. الخ .. ففى هذا المسرح وعودته للبدائية .. العنصر المتسيد فيه هو تطوير تكنيك التمثيل بالاعتماد على الخيال imagination الجامح و شاعرية الجسد le corps poetique وهذا المصطلح وثيق الصلة بمنهج “جاك ليكوك “ الذى يصنع فى النهاية طقس مسرحى و ليس مسرح بالشكل المتعارف عليه !
هذه الظاهرة المسرحية البدائية المعاصرة يمكننا ان نعتبر “أنتونين آرتو “ هو سيدها و أول من خرج عن القواعد ليضع حجر الأساس لهاو تناقلها التلاميذ ووصلت لجاك ليكوك معلم آريان مونشكين خالقين مسرح الشمس بصورته الحالية و هو أهم مسرح لازال يصدر النموذج الطليعى الحقيقى للعالم كله الآن فى قرننا الواحد و العشرين !
من آرتو، الى جاك ليكوك:
فى بدايات القرن العشرين كان الطبيعين و الواقعيين هم المسيطرين على المسرح الا انهم قد أستنفذا طاقتهما الابداعية وهذا سنة كل مذهب منذ ثارت الرومانتيكيية على الكلاسيكية و هذا لان العالم أنفتح على مصراعيه، تطورت الطائرات و الخطوط الجوية و الملاحية .. فكيف ستنغلق ثقافة الدول على نفسها ؟! .. أمر مستحيل !
الا ان هذه الطبيعية و الواقعية بدت انها بأحتكارها للمسرح تقتله، و بأحتضار المسرح نظرت العقول لفترات شبابه و نموه، حيث المسرح اليونانى الاغريقى القديم و أهم سمه من سماته انه مسرح «طقسى « ! .. فلقد ولد المسرح داخل رحم طقوس عبادة الاله ديونسيوس “الدينية” ثم تطور و شاخ و أصبح يفصل بينه و بين جمهوره حائط رابع !
الى ان نصل للقرن العشرين و المسرحية صارت مقسمه لخمسة فصول بينها استراحات يلتقى خلالها الجمهور من الرجال و النساء فى ملابس سهرة اى ان المسرح اصبح طقسا اجتماعيا بعدما كان طقسا دينيا و وطنيا فى بداياته، فرأت العقول الطليعية مثل “آرتو “ بمسرح القسوة او جروتوفيسكى “المسرح الفقير “ انه لابد من العودة و الارتداد بالمسرح الى طقسيته الاولى(2) .. و لكن الطقسية انتحرت من الغرب منذ زمن تحت حكم عقود من “ العقلانية و الديكارتيه و الوجودية و العدمية “ .. الا ان الشرق الآسيوى تحديدا كان لا يزال يحتفظ بطقسيته المسرحية البكر غير متأثرين بالبابوية المسيحية و لا الخلافة الاسلامية !
وحدث الاكتشاف عام 1931 عندما عرضت فى فرنسا فرقة مسرح بالى داخل باريس فحازت على أعجاب آرتو ودفعته للمزيد من حيث (3)اكتشاف المسرح اليابانى و السنسكريتى الهندى اوبرا بكين الصينية ثم أنهال المخرجين الطليعين على مسرح الشرق حتى يومنا هذا خالقين ما يسمى بالمسرح المعاصر !
البداية و الرحلة الشخصية:
جاك ليكوك لم يبدأ بداية معتادة كممثل أو مخرج أو مؤلف بل رياضى يدرس فى مدرسة التربية البدنية عام 1941 تعلم السباحة و العدو و الجمنيستيك بسبب اهتمام عائلته بالرياضة البدنية و لكنه التقى فى طريقه بفنانين هم أصدقاء شخصيين لآرتو شخصيا و بداخل المدرسة تغير وعيه و أدراكه لشئ آخر تماما كان داخل نفسه و يجهل و جوده و هو “ الآداء “ performing و لم يكن يعلم انه سيكون من اسباب أضافة صفة جديدة للمسرح و هو انه فن من فنون الآداء .. يقول ليكوك عن بداية مشواره فى كتابه “شاعرية الجسد” و الذى اعتبر “عقيدة “ عمله المسرحى و الذى ينقسم لثلاثة اقسام رئيسية أولهم “الرحلة الشخصية” وهى جزئين: «من الرياضة إلى المسرح» و «الرحلة التعليمية». ثم القسم الثانى ليكوك يكتشف “هندسة الحركة” و الاخير يذكر فيه تطبيقات داخل المعمل المسرحى و يقول ليكوك عن بداياته :
« كنت طالبًا في مدرسة باجاتيل للتربية البدنية عام 1941 عندما قابلت جان ماري كونتي وهو رقم واحد في فصله في البوليتكنيك بل و لاعب كرة سلة دولي ،وكان كونتي حينها صديقا شخصيا لأنطونين أرتو وجان لويس بارولت وكنت مهتمًا جدا بالعلاقة بين الرياضة والمسرح. وبفضل الرياضة و كان جان ماري كونتي يأصل “التعليم من خلال المسرحية الدرامية»، وهي مدرسة تقوم على أساليب غير تقليدية، أسسها جان لويس بارول مع روجر بين وأندريه كلافي وماري هيلين داستي وكلود مارتن. في عام 1947 ولقد قمت بعدها بتدريس التعبير الجسدي هناك. و حضرت دروس المسرح الأولى في Work and Culture Association. مع كلود مارتن، تلميذ تشارلز دولين، تجاوزنا خوفنا من الارتجال مع جان سيري، راقص سابق في الأوبرا، رقصنا مرتجلًين لأننا كنا رياضيين و كان أحد رفاقي، غابرييل كوزين، الشاعر والمؤلف الدرامي، وهو عداءًا جيدًا جدًا، كنا دائمًا نستخدم إشارات الرياضة كلغة أولى: سبحت، لقد ركض. وبهذا فالرياضة والحركة والمسرح، بالنسبة لي، كانت عملية متصلة و مترابطة بالفعل» (4).
الرحلة الفنية تأثره ثم تأثيره فأعماله :
أولا : التأثر
لقد تأثر ليكوك بشكل مباشر بجان لويس بارولت كممثل مايم فرنسى و اشترك بشكل مباشر فى تجارب تتبع مدرسة جاك كوبو ومكث فترة فى ايطاليا و مارس الكوميديا ديلارتى و جعله داستى يجرب رقص النو اليابانى و نراه يقول :
يقول جاك ليكوك :» شاركت جزئيًا في معمل او مختبر جاك كوبو، الذي كان داستي طالبًا فيه و هناك اكتشفت روح ورغبة في مخاطبة الجمهور الشعبي بمسرح بسيط ومباشر. كان كوبو مرجعًا لي، وكذلك تشارلز دولين، وغادرت غرونوبل في نهاية عام 1947»
من فرنسا لألمانيا إلى إيطاليا ثم العودة ..
يقول «جاك ليكوك» ذهبت إلى كوبلنز، في ألمانيا، حيث كنت رسامًا دراميًا للرسوم المتحركة في إطار مجموعة الشباب الفرنسية الألمانية. لمدة ستة أشهر، كنت أقوم بإلقاء أول محاضرة - معرض في المدارس الابتدائية في راينلاند، باستخدام القناع النبيل لجعل المعلمين والطلاب يكتشفون الحركة والتعبير الدرامي. !(5) .. ثم شاركت كممثل في تصوير أول عرض متنوع على التلفزيون الإيطالي وقدمت العديد من عروض التمثيل الإيمائي الهزلي.
وعن العودة إلى باريس يقول جاك ليكوك “ عدت إلى باريس عام 1956 باكتشافين أساسيين من الفترة التي قضيتها في إيطاليا: من ناحية، أعادت اكتشاف الكوميديا ??الإيطالية، ومن ناحية أخرى، المأساة اليونانية والجوقة. ولقد أعطاني أمليتو سارتوري، بمناسبة مغادرتي، جميع الأقنعة الجلدية الخاصة بـالكوميديا دى لارتى commedia del arte، والتي سمحت لي بجعلها معروفة في فرنسا ولاحقًا في العالم. فتحت المدرسة بسرعة، مع مجموعة صغيرة من الطلاب، لمواصلة العمل الإبداعي.
و كانت المدرسة تنمو بسرعة وكان علي الاختيار. ثم قررت بعد ذلك أن أكرس نفسي بالكامل لعلم التربية، ليس فقط لإعطاء دورة تدريبية، ولكن لتأسيس مدرسة . في الحقيقة، كنت أرغب دائمًا في التدريس وأحببته دائمًا، لكن التدريس قبل كل شيء للتعلم. من خلال التعليم يمكنني متابعة فرضيتى في معرفة الحركة. . من خلال التعليم اكتشفت أن الجسد يعرف أشياء لا يعرفها الرأس بعد ..
مدرسة على الطريق
تأسست مدرسة جاك ليكوك في 5 ديسمبر 1956، في رقم 94 شارع أمستردام في باريس، وانتقلت بعد شهر إلى استوديوهات الرقص في 83 شارع دو باك، حيث بقيت هناك لمدة 11 عامًا. بدأ التدريس بالقناع المحايد والتعبير الجسدي، وكوميديا ??الفن، والجوقة والمأساة اليونانية، والتمثيل الإيمائي الأبيض، والتشكيل المحاكي، والأقنعة التعبيرية، والموسيقى، وكقاعدة فنية، والألعاب البهلوانية الدرامية. التمثيل الصامت. وبسرعة أضفت العمل على الحديث والارتجال والكتابة. انتقلنا من الصمت إلى الكلمة، من خلال ما كان سيصبح الموضوع العظيم للمدرسة،وفي عام 1968، بعد أن اضطرت إلى التوسع، تخلت المدرسة عن ضيق استوديوهات الرقص للانتقال إلى مصنع بالون قديم تم تحويله إلى مهمة بريتون، في شارع دي لا كوينتيني. في هذا الفضاء الجديد
مفاهيم جديدة :
أولا : السينوغرافيا التجريبية ومختبر دراسة الحركة (LEM):
تضم المدرسة، منذ عام 1976، قسمًا للسينوغرافيا التجريبية، تم إنشاؤه بالتعاون مع المهندس المعماري كريكور بيليكيان. تستمر الدراسة فيه عامًا دراسيًا واحدًا وهي مفتوحة لكل من طلاب المدرسة المهتمين بهذا الموضوع والأشخاص من الخارج: المهندسين المعماريين ومصممي الديكور والرسامين.ويقترح دراسة مجالين يتكاملان ويتداخلان الاول النشاط الحركى للجسد المدرب والثانى نشاط الجسد الابداعى متفاعلا مع الانشاءات السينوغرافيه .(6)
يقول جاك ليكوك “ بدأت بحثي حول المساحات المبنية والتكيف من الحركة إلى تدريب المهندسين المعماريين واستمرت هذه التجربة عشرين عامًا وساهمت كثيرًا في أصول التدريس في المسرح، خاصة فيما يتعلق بمساحة الأداء. سيؤدي هذا العمل إلى إنشاء قسم سينوغرافي داخل المدرسة: LEM (مختبر دراسة الحركة).. ومن عام 1972 إلى عام 1976، ارتدنا من مكان إلى آخر، من مسرح المدينة إلى المركز الأمريكي (مساحة ضخمة غير مدفأة، قمنا فيها بالتدريس داخل بطانيات)، في هذه الظروف الصعبة بشكل خاص، رأيت مناطق درامية جديدة تنفتح أمامي فلقد حل التمثيل الإيمائي للصور محل الكلمات. حارب الميلودراما ضد كليشيهاتها المنمقة وكشفت عن المشاعر الخفية الكبيرة.
ثانيا: من شاعرية الرياضة للماسك الحيادى و شاعرية الجسد
أولا :شاعرية الرياضة
يعتبر ليكوك الرياضة ليست مجرد ميكانيكية اليه كما افترضها مايرهولد فى مبدأ البايوميكانيك أو مجرد تعبير حركى و كريوجراف ممعن بأخلاص مثل ما قدمه جروتوفيسكى و لا مسرح طقسي كما هو عند أنطونين ارتو بل أمتدت لتصبح قصيدة شعر، الكلمة يمكن خلقها بالحركة كما سبق و قلنا ان هذا ما كونه فى فرقته مع جان سيرى الشاعر و داستى المعلم الذى ارفق الحركة بالتمثيل ولذلك فلقد توصل لخلطة خاصة أسماها “ شاعرية الرياضة” عندما كان طالبا يتعلم الرياضات البدنية المختلفة و لكن بتأثر مباشر كما أوضح بجان لوى بارولت اخذ المصطلح منحنى آخر جاء صديقه الفنان التشكيلى “أمليتو سارتورى” ليضع اللمسة الاخيرة بصناعته للماسك المحايد ليتطور مصطلح “شاعرية الجسد” فكيف بدأ وتطور المصطلح؟
هو يقول عن شاعرية الرياضة:
«من سن السابعة عشرة، في نادٍ للجمباز، على القضبان المتوازية وتحت العارضة العالية. اكتشفت هندسة الحركة. عند القيام بقفزة ألمانية أو قفزة جانبية، فإن حركة الجسم في الفضاء تكون مجردة تمامًا. ,هناك اكتشفت أحاسيس غير عادية طالتنى في حياتي اليومية. في مترو الأنفاق مثلا، فإذا أعدت الحركات التي بداخلي، أصبحت على دراية بكل أيقاعها و الأوقات بالضبط، أكثر بكثير حتى مما كنت عليه في الواقع. تدربت في ملعب رولاند جاروس Roland-Garros. كنت أقوم بالقفز العالي، لكننى أجرب القفز وكأننى أقفز مترين. أحببت الجري، لكن قبل كل شيء كنت حساس لشعر الرياضة، عندما تطيل الشمس أو تقصر ظل العدائين على المضمار، عندما يتم تحديد إيقاع السباق. لقد عشت بشاعرية الرياضة هذه بشكل مكثف»(7)
نشأة الماسك المحايد
كان مجرد صورة من صور تأثر داستى بأقنعة مسرح الشرق اليابانى وتحديدا النو و هو مسرح طقسي دينى مترفع عن الكابوكى و الذى هو أكثر شعبية و لكن عندما أستخدمه ليكوك أكتشف له معنى جديد له علاقة بالتطهير من كل الانفاعلات بغرض التركيز على داخله و التعبير بجسده بعيدا عن اى انفعال زائف أو تباكى أو أصطناع فكيف تطور الماسك الحيادى الى ان اصبح جزء هام من تدريب الممثل حتى يصل لشاعرية الجسد بعد شاعرية الرياضة !
ولقد كانت لى تجربة فى ورشة اجريت بالمعهد العالى للفنون المسرحية سنة 2019 عندما جربت تمارين الماسك الحيادى مع المدرب التشيلى كارلوس دياز تعلمنا ان للجسد مركز يطلع به على الاشياء ولابد ان يكون مركز جسد الانسان يقظ ومتفاعل ومتوجه .. هذا ما كان يقوله لنا ثم توضع ماسكات على وجوهنا فلا نرى شيئا و لكننا نتفاعل بجسدنا مع من وما حولنا و يطلب مننا ان نذهب الى رحلة الانسان البدائية الاولى عندما طرد من الجنة بشكل متخيل وهذا تمرين تفاجأنا فيه جميعا بما يحمله جسدنا من حركات وانفعالات مختبئه !!
وتساءلت هل يعقل ان يكون ال MASK هو ما يسبب ال UNMASK او التجرد من أقنعة شكلناها بأرادتنا ؟ هل يعقل ان يختبئ النور داخل اجسدنا و نحجبه بظلمة قناع غير مرئى من انفعالات زائفة ؟! .. و كيف أكتشف جاك ليكوك هذه التقنية من الاساس ؟
يقول جاك ليكوك»جعلني جان داستي أكتشف التمثيل بقناع والرقص الياباني، وهما مصدران أثراني بعمق. في مسرحية “الخروج” The Exodus، وهو آداء مقنع من تأليف ماري هيلين وجان داستي، تمت تغطية جميع الممثلين بما يسمى بالقناع النبيل، والذي نطلق عليه اليوم القناع المحايد. .»
ثم يكمل تحت عنوان المغامرة الايطالية : “ في عام 1948، بناءً على طلب جيانفرانكو دي بوسو ولييتا بابافافا، وهما طالبان إيطاليان جاءا إلى باريس للدراسة، وذهبت إلى إيطاليا لمدة ثلاثة أشهر لإلقاء نظرة ... وانتهى بي الأمر بالبقاء لمدة ثماني سنوات ! كنت محظوظًا للعمل أولاً في المسرح في جامعة بادوفا، مع إمكانية الجمع بين التدريس والإبداع. هناك اكتشفت كوميديا ??الفن. نظرًا لأننا كنا بحاجة إلى أقنعة، قدمني دى بوسو De Boso إلى النحات أمليتو سارتوري، الذي افتتح لنا ورشته. فصممت بنفسي أول أقنعة من الورق المقوى، باستخدام تقنية داستى Dasté، إلى أن اقترح سارتوري عليّ صنعها بنفسه. مبادرة سعيدة! كنا أول من استعاد صناعة الأقنعة الجلدية فى الكوميديا دى لارتى commedia dell›arte، وهي تقنية كانت قد اختفت تقريبًا.»
تدريبات الممثل
تدريبات الممثل هى النقطة المحورية التى أستند عليها جاك ليكوك و لقد تميز عن سابقية بكونه دارس ل « الاكروبات « و « الباليه « و هذا ما يجعل الاحماء يتضمن تمارين اكروباتيه قاسية و ايضا تمارين الباليه .. و بالتالى فلقد أدخل الرياضة البدنية والألعاب العضلية في عالم المسرح، وأعطى الدور الكبير للصمت والحركة والقناع على حساب اللفظ من أجل تغيير المسرح الأوربي الذي كان مرتبطا أيما ارتباط بالكلمة الحوارية، و تشبه ثورة جاك ليكوك التجديدية ما قام به كل من جاك كوبوه وأنطونين أرطو حينما رفضا المسرح الغربي ودعيا إلى مسرح حركي بديل .. و بعد الاحماء البدنى يأتى الجزء الثانى و هو تمرينات الخيال ..
ويقول الدكتور شاكر عبد الحميد عن هذه المدرسة:” أنشأ ليكوك مدرسته الخاصة لتدريب الممثلين عام 1956م في باريس، وقد كان ليكوك يقول: (إن الممثل يكتب بجسده في الفضاء المسرحي، مثلما يكتب المؤلف المسرحي بقلمه على صفحة بيضاء، وربما لأنه بدأ حياته لاعبا رياضيا، فإنه كان مهتما بالقدرات الخاصة للجسد الإنساني. ومن ثم، فإنه خلال اهتمامه بالمسرح وتطويره لأساليبه المسرحية كان يشير كثيرا إلى أن أي حركة تقوم بها تحمل معنى ما، سواء كنا نقصد ذلك أو لانقصده، وكذلك أن الدافع الجسمي، دافع الحركة والتعبير الحركي، هو من الأمور الملازمة على نحو أصيل لتفكيرنا وانفعالاتنا وأداءاتنا بشكل عام )(8) ويدرس الطلبة في مدرسة ليكوك سنتين متتابعتين.
أهم المبادئ الخيال و الحب
أولا : الخيال :
بأبسط الامكانيات يمكنك ان تصنع بحارا وجبال شاهقة .. هكذا كان يقول مخرج مسرح الشمس .. فمثلا كانت الحجرة خالية الا من قطعة قماش رمادية طويلة ملقاه على الارض جعلنا نحركها لنخلق بها تموجات تشبه البحر و نرتفع بها لتخلق بحر و جبل و نبنى بها بيوت و نحتمى بها من البرد بالخيال و التقطت عدة صور لنا فكانت رائعة، قطعة القماش تشكلت بخيالنا لما هو ابعد بكثير ! ..
و مثال حى تعرضنا له .. هو ان التدريبات كانت تدور فى حجرة بيضاء فارغة فكان يحكى لنا قصة تفاعلية فإذ بنا داخل قصته و كل منا يتخيل العالم بتفاصيله و شكله ثم نتحرك كأننا نركب على ظهر حصان او مترجلين من سفينة او ندخل الى منزل داخل الحكاية و نصبح أقزام فى خيالنا أو وحوش و لكن كيف سينطبع خيالنا على أجسادنا ..
ثانيا : الحب
لن تتغير و لن تغير بدون الحب .. هذا ما قاله سباستيان بروتيه مايكل الوافد الينا فى ورشة عن شاعرية الجسد من مسرح الشمس الفرنسي ليدرب الطلاب فى ورشة المهرجان الدولى للمسرح التجريبى عام 2019 ،ولقد استمر لثلاثة ايام يدربنا على الحب مذكرا ايانا انه ليس علينا ان نخترق حدود عاداتنا او تقاليدنا الشرقية وانما طلب مننا ان نعبر عن اننا نحب ..
ان ننظر للنقطة و نراها من نحب و فوجئ بالنحيب و البكاء و اصبح يصرخ «اقول لكم حبوا و لم اقل لكم اصرخوا و ابكوا « حتى اضطر لوقف التمرين بسبب خروجنا عن مسار التمرين بالنحيب و البكاء و بدأ يسألنا عن مشكلتنا مع الحب و انقلبت الورشة لجلسة نفسية و أصبحنا جميعا فى النهاية نبتسم للنقطة و نحبها اليوم الثالث فقال لنا انه وقت نسبيا معقول حيث انه اخذ فى الصين 5 ايام ليجعلهم يتسامحون مرة اخرى مع قيمة الحب.
التحديات :
يعتبر جاك ليكوك المسرح الرقمى و طغيان التكنولوجيا هى عدو المسرح الطقسى و يقول : لقد عانينا من فترة من المسرح الرقمى و الجماليات الخارجية للغاية. مع العديد من الأزياء المثيرة. اليوم، يريد بعض المنتجين نشر بعض البرامج مهما كان الثمن ،تجعل من المسرح ايفنت حدثًا، لتفاجئ الجمهور. يرفض الطلاب الجدد عن حق هذا النوع من المسرح: فهم يلجأون إلى أشكال أبسط ولكن أكثر قوة، متجذرة في جوانب الحياة التي يمكن لأي شخص فهمها. إنهم يبحثون عن الحقيقة في الخيال وليس في الأكاذيب و الافتعال.
من ناحية أخرى، لماذا يأتون إلى المدرسة؟ لماذا يعبر الفنانون الشباب العالم أحيانًا لمتابعة فصولي، ألا يمكنهم العثور على شيء في بلدهم يرضيهم؟ في مواجهة هذه الأسئلة، التي غالبًا ما أسألها لنفسي، الإجابة بسيطة: إنهم يبحثون عن الحقيقة، والأصالة، والأساس الذي يدوم إلى ما بعد الموضة. لهذا الطموح، علي أن أستجيب بأكبر قدر من الصدق دون أي غوغائية. إنهم بحاجة إلى أن يجدوا أمامهم كلمة حازمة، ومرجع
مفهوم جاك ليكوك لنص الممثل:
ويبدو لنا من كل هذا أن طرائق تدريب الممثل كما طورها جاك ليكوك على امتداد ثلاثين سنة أو يزيد عبارة عن أساليب:” غير مألوفة وجديدة في تشجيع الممثل على اكتشاف أسلوبه الخاص، بدلا من فرض أسلوب معين في الأداء عليه. وقد طور ليكوك أساليبه هذه في ظل أفكار تنامت في فرنسا في بداية سبعينيات القرن العشرين، فحواها أنه من المهم التركيز على العملية المسرحية أكثر من الاهتمام بالناتج فقط، أي ضرورة الاهتمام بالعملية التي يتطور من خلالها النص المسرحي وليس المنتج النهائي الذي يؤدي أمام الجمهور. وقد تطلب ذلك أن يعاد تعريف مفهوم النص في المسرح فقيل: إن ذلك التعارض الثنائي القديم الذي يميز بين نص الكاتب وأداء الممثل لم يعد تمييزا مقبولا، وإن الممثل نفسه يقوم بتوليد نصه الخاص، وإن هذا النص، خاصة عندما يفهم جيدا، وعندما يندمج مع الكلمات والحركة والإيماءة والرقص والموسيقى والإضاءة وغيرها من المكونات المسرحية سيكون له تأثيره البالغ والمهم في الجمهور. ويقصد بهذا أن أهم نص مسرحي ليس هو نص المؤلف الذي يمكن الاستغناء عنه، بل هو نص الممثل الذي يحوله عن طريق الحركة الحية إلى عرض سينوغرافي ساحر ورائع.
إذا، يقول جاك ليكوك:» بمجرد بداية الأداء قد يكتب نص جديد، وإن الارتجال والإيماءات الحرة أو الموجهة، قد تكتب نصا خاصا، يؤدي، تكون ولادته الأولى والوحيدة مع بداية الأداء، من دون نص مكتوب سابق، وقد تكون له ولادته الثابتة إذا كان هناك نص مكتوب يمثل نقطة الانطلاق لهذه الولادة الثانية على خشبة المسرح.»
ختام :
ان الطريقة التي ابتدعها جاك ليكوك مخالفة لطريقة قسطنطين ستانسلافسكي وأستوديو الممثل لكونها تركز بشكل أساسي على طاقات الممثل الجسمية وشعرية جسده وحركاته الذاتية ومقوماته العضلية والبدنية،» فمع تزايد اهتمام المخرجين المؤدين والجمهور بالإبداع الخاص بالممثل، تزايد الشعور بالحاجة إلى استكشاف أساليب مختلفة في التدريب للممثلين. وقد شعر البعض أن أسلوب ستانسلافسكي لن يكون مفيدا بدرجة كبيرة بالنسبة إلى الممثلين الذين يحاولون خلق(إبداع) مادتهم الخاصة، أسلوبهم الخاص، بدلا من البداية من نص مكتوب. هنا، كانت أفكار ليكوك أكثر إلهاما. هنا، اكتشفوا قدرا كبيرا من الإيماءات والتعبيرات الجسدية التي تمثل تراثا ثريا يعود إلى أساليب متنوعة خاصة بالبانتومايم (التمثيل الصامت) والكوميديا الارتجالية (كوميديا دي لارتي)، وفن المايم وفناني المايم الحديثين في فرنسا خاصة في بداية القرن العشرين، إضافة إلى عالم الأكروبات والمهرجين ومسرح الأقنعة القديم والحديث والكوميديا بأنواعها، وغيرها من الأساليب التي تعتمد على الحركة.»
هكذا، فإنه بينما كان ستانسلافسكي يؤكد “ الواقعية النفسية” للأداء، فإن ليكوك يؤكد الواقعية الجسدية والحركية له،أي قدرة الحركة على التعبير حتى لو كانت صامتة، فاللغة هنا لغة الإيماءة التي تقوم على أساس التحرير للخيال الجسدي للممثل عن طريق العودة للجذور الطقسية و البدائية التى أعتمد فيها الممثل على أدواته الانسانية بعيدا عن بهرجة المنظر المسرحى والتقنيات الرقمية التى لم يعرفها المسرح فى بداياته اليونانية القديمة.
الهوامش
1 - أريان منوشكين، الفرنسية الروسية الأصل، التي ارتبطت باسمها فرقة “مسرح الشمس” في فرنسا منذ تأسيسها في باريس عام 1964.
عشقت أريان منوشكين فن المسرح وهي طالبة جامعية، وقررت أن تهبه حياتها، وهذا ما دفعها إلى تأسيس فرقة “مسرح الشمس”، مع جماعة من أصدقائها في جامعة السوربون، والتي لا تزال إلى اليوم تقدّم عروضا استثنائية معتمدة على نصوص كتّاب كبار من بينهم شكسبير وأسخيلوس ويوربيديس وموليير وهيلين كيسكوز.
يشير اسم الفرقة إلى معنى مجازي هو أن المسرح ينير الطريق للعاملين فيه وللجمهور نحو مستقبل أفضل، لذا فإنها، أي منوشكين، تعتمد كل ما يدعو إلى الحرية ويثير إلهامها.
وقد أكدت ذلك في رسالتها التي كتبتها في يوم المسرح العالمي لعام 2005 “المسرح يحررني، وإذا كنت نائمة يوقظني وإذا تهت في الظلام يقودني إلى شمعة، وإذا كسلت يحركني، وإذا كنت خائفة يشجعني، وإذا كنت جاهلة يعلمني، وإذا كنت متوحشة يجعلني إنسانة، وإذا كنت شريرة يعاقبني، وإذا حاولت الهيمنة والقسوة يحاربني، وإذا صرت سوقية يهذبني، وإذا لذت بالصمت يحرك لساني، وإذا توقفت عن الحلم يسميني حمقاء، وإذا ما نسيت شيئا يذكرني به، وإذا شعرت بالشيخوخة يعيدني طفلة، وإذا كنت حزينة يفرحني، وإذا عميت يوقد أمامي كلّ الأضواء.. هذا هو المسرح الحقيقيّ”.
2 - كريستوفر اينز – المسرح الطليعى – ترجمة :سامح فكرى – 1994 - ص ( 111-163)
3 - م.ن – ص 27
4 - Jacques lecoq-el cuerpo poetico-una pedagogia de la creacion teatral-alba editorial-1997- P(20-22)
5 - - Jacques lecoq-el cuerpo poetico-una pedagogia de la creacion teatral-alba editorial-1997- P(21)
6- Jacques lecoq-el cuerpo poetico-una pedagogia de la creacion teatral-alba editorial-1997- P(225)
7 - Jacques lecoq-el cuerpo poetico-una pedagogia de la creacion teatral-alba editorial-1997- P(20)
8 - د. شاكر عبد الحميد- الخيال من الكهف إلى الواقع الافتراضي-سلسلة عالم المعرفة- الكويت،-عدد:360- فبراير 2009م – ص 29