وداعا العمة سامية الفلسطينية .. عاشقة المسرح

وداعا العمة سامية الفلسطينية .. عاشقة المسرح

العدد 755 صدر بتاريخ 14فبراير2022

فى يناير الماضى رحل أكثر من 15 من الفنانين الأمريكيين لكن قليلا منهم من توقفت عندهم الصحافة وغطت حياتهم ووفاتهم بعمق. من هؤلاء النجمة الأمريكية “كاترين كيتس” التى رحلت عن 73 عاما بعد حياة فنية قصيرة نسبيا فى السينما والتليفزيون  لم تزد عن 30 عاما بدأت فى سن كبيرة نسبيا (43 عاما).
ولم يكن هذا هو سبب الاهتمام بوفاتها،كان السبب هو التجربة الصعبة التى مرت بها عندما أصيبت بسرطان الرئة منذ عشرين عاما وشفيت. لكن المرض عاد وارتد قبل عام واحد ولم يمهلها طويلا. 
شاركت كيتس فى أكثر من سبعين عملا فنيا فى السينما والتليفزيون  فى هذه الحياة الفنية القصيرة نسبيا لكن يظل ابرزها “البرتقالى هو الأسود الجديد“ وهو مسلسل كوميدى (سيت كوم) عرض على مدى ست سنوات بين عامى 2013 و2019. 
وكانت أطرف العبارات التى قيلت فى رثائها “كانت تملك قدرا كبيرا من الصبر وحب المهنة الذى ورثته عن أبويها الممثلين يملأ عشر سفن.

غير معروفة
وكان من الغريب أن إنجازاتها فى المسرح لم تكن معروفة للجميع رغم أنها إنجازات كبيرة. ربما يرجع ذلك إلى أنها كانت فى لوس أنجلوس وليس فى برودواى عاصمة المسرح الأمريكى. وربما لأنها كانت فى بداية حياتها الفنية ولم تكن قد تجاوزت الثلاثين من عمرها. وكان ذلك عام 1975 عندما شاركت مع مجموعة من زملاء الدراسة فى تشكيل فرقة مسرحية أطلقوا عليها اسم “مسرح الأستوديو” فى ضاحية “سيلفر ليك” بلوس أنجلوس. وعلى مدى 35 عاما وحتى بعد اقتحام مجال السينما استمر نشاطها مع الفرقة قدمت مع الفرقة العديد من المسرحيات التى حققت نجاحا وفازت بالعديد من الجوائز. وكانت المديرة الفنية للفرقة قبل دخولها مجال السينما فضلا عن المشاركة فى التمثيل. وكان من الطرائف أنها مثلت أمام النجم جون لاروكيت دور الزوجة والأم والابنة والعشيقة فى مسرحيات مختلفة مثل “الدخول ضاحكا“ و”شركة القديسين“ و”ليس للحريق”.  
وقدمت الفرقة عروضا مسرحية فى عدد من الدول الأوروبية وفى نيويورك نفسها لكنها لم تقدم أي مسرحية فى برودواى حتى بعد أن انتقلت للحياة فيها عام 2006 رغم أنها قدمت اكثر من عشرين مسرحية.
وعملت فى عدد من الأفلام الناجحة مثل  “مقابل لولا” و”أوديل”  و”الطباخ المتشدد” و”قصة بياتريس” و”خلاف مسرحى “. وكانت مسرحياتها . وكل أعمالها كانت تناقش قضايا المجتمع الأمريكي مثل “أوديل” أو حتى قضايا إنسانية عامة مثل “خلاف مسرحى”.
صديقة فلسطين
ويذكر لكاترين أنها كانت من أنصار الشعب الفلسطينى وهو ما جعلها تشارك فى مسرحية “فدوى والطعام“ التى عرضتها فرقة مسرحية عربية أمريكية تعرف باسم فرقة “نور” بالتعاون مع  مسرح الورشة فى نيويورك الذى عرضت المسرحية على خشبته عام 2012 وكان لها اسم موسيقى باللغة الانجليزية Food and Fadwa. قامت كاترين كيتس بدور سامية عمة فدوى ودلال وهو دور غلب عليه الطابع الكوميدى لتخفيف الأحداث المأساوية للعمل المسرحى. وظهرت طوال المسرحية وهى تضع على أذنيها هاتفا محمولا وتتحدث إلى البرنامج الشهير “أراب أيدول”.

عرض سريع
ولا بأس من تقديم عرض سريع   للمسرحية التى تعرض صورا من صمود الشعب الفلسطينى وإصراره على الحياة رغم مرور هذه الفترة على عرضها لارتباطها بقضية فلسطين .
المسرحية من تأليف وبطولة  “لميس إسحاق” وهى ممثلة وكاتبة مسرحية أردنية أمريكية من أصل فلسطينى وهى أيضا المدير الفنى لفرقة مسرحية عربية أمريكية تعرف باسم فرقة “ نور”. وسبق لها المشاركة فى عدد من المسرحيات والأفلام.
تدور المسرحية حول “فدوى فرانيش” وهى فلسطينية فى الثلاثينات من عمرها غير متزوجة تهتم بأسرتها تعيش فى بيت لحم التى تعانى من قيود الاحتلال الإسرائيلي. وهى معروفة بطعامها اللذيذ وإخلاصها لأسرتها وأبيها المسن (ليث نقلى وهو فنان بريطانى المولد وسورى الأصل). وعندما يقترب موعد زفاف شقيقتها الصغرى دلال (مها شيلاوى )إلى أمير (الممثل الأمريكي الإيراني المولد أريان مؤيد)   تصر على إكمال كافة الاستعدادات لفرحها ومنها إعداد الطعام للمدعوين رغم قيود الاحتلال الإسرائيلى. 
وتختلط السياسة مع الحياة الأسرية لتخلق مواقف حزينة أحيانا وترسم الابتسامات على الشفاه أحيانا أخرى. وفى النهاية يتأكد عزم الأسرة التى ترمز إلى الشعب الفلسطينى على أن يتحلى الشعب بالحب والبسمة والأمل. وخلال المسرحية يتم عزف الموسيقى الفلسطينية وبعض الأغاني الشعبية باللغة العربية رغم أن المشاهدين لا يفهمونها بل يقف شخص فلسطينى ليقدم شرحا سريعا بالإنجليزية لمعانى الأغنية.  

كيف يقتلون
ومن أبرز التعليقات على المسرحية ما ورد على صفحات نيويورك تايمز التى قال فيها أنها تلقى الضوء على كيف يعيش الفلسطينيون فى ظل الاحتلال الإسرائيلي أو كيف يموتون بمعنى أصح فى الحياة المأساوية التى فرضها عليهم الاحتلال الإسرائيلي والتى هى نوع من الخنق.
ويتوقف ناقد الجريدة ليشير إلى أن مسرح الورشة وافق على التعاون مع فرقة نور لإنتاج المسرحية لإزالة الصورة السيئة التى انطبعت فى أذهان جمهور المسرح الأمريكي بعد أن رفض التعاون مع فرقة مسرحية عربية أخرى لتقدم مسرحية عن المتضامنة اليهودية الأمريكية “راشيل كورى” التى قتلت برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي أثناء احتجاجها على تدمير منزل فلسطينى فى قطاع غزة. وقدمتها بعد ذلك الفرقة على مسرح أخر وبالجهود الذاتية.
ومن الصور المأساوية التى عرضتها المسرحية لمعاناة الشعب الفلسطينى حالة أمير عزام خطيب دلال الذى يرغب فى الهجرة لأمريكا بحثا عن عمل بعد أن دمر اليهود مطعما تملكه أسرته فى المدينة المقدسة ليعمل ميكانيكيا وحيث يعيش شقيقه  يوسف(الممثل اللبنانى الأمريكي حسن سليمان)

حياة 
وهنا تبرز شخصية ابنة عمها حياة التى هاجرت مع أمها إلى أمريكا منذ فترة طويلة واندمجت فى المجتمع الأمريكي وتخصصت فى الطعام التى تقوم بزيارة مفاجئة إلى بيت لحم وتبدى استياءها من المطبخ الفلسطينى وتسخر من فدوى فتنشب خلافات بين الإثنين خاصة بعد أن اكتشفت أن يوسف الذى سبق وخطبها يسعى لخطبة حياة. وتتوالى الأحداث . 
ويشيد ناقد النيويورك تايمز بالتفاصيل الدقيقة التى نجحت المؤلفة فى إبرازها رغم صعوبة هذا الأمر فى تلك المسرحيات ذات الطابع الاجتماعي. ونجحت فى عرض انعكاسات القيود الإسرائيلية على حياة الأسرة الفلسطينية سواء كانت سطحية أم عميقة. 
وحتى حياة جسدت ببراعة شخصية الفتاة التى تشعر بالرعب من أصوات إطلاق الرصاص ثم اعتادت عليها مع جوانب أخرى من حياة الحرمان والمعاناة. وقالت أنها على الأقل ليست أسوأ من الحياة فى نيويورك التى تشيع فيها الجريمة.


ترجمة هشام عبد الرءوف