«أبو كبسولة» لافتة كامل العدد ومعيارها الخادع

«أبو كبسولة» لافتة كامل العدد ومعيارها الخادع

العدد 575 صدر بتاريخ 3سبتمبر2018

الفنان سامح بسيوني مخرج مسرحي متميز جدا، شاهدت له عرض «هاملت» الذي حصد معظم الجوائز في الدورة الأخيرة للمهرجان القومي للمسرح، حيث حصل على جائزة أفضل عرض مسرحي كما حصل مخرجه (سامح بسيوني) على جائزة أفضل إخراج، كما حصل عدد من الممثلين على جوائز التمثيل.
شاهدت العرض قبل المهرجان ولفتني قدرة مخرجه على (الغزل برجل حمار) كما يقول المثل، فالإنتاج ضئيل والعرض في قاعة صغيرة بدون كواليس طبعا، وبالتالي لا تصلح لعمل ضخم مثل «هاملت»، لكنه بحرفية عالية استغنى عن الكواليس بل واستخدم الممثلين غير المشاركين في المشهد بديلا عن قطع الديكور غير الموجودة بالطبع لضيق المكان وقلة الميزانية، ولم ينجح العرض فحسب بل حصد الجوائز أيضا.
لذا حين صدر له قرار بتولي رئاسة فرقة الإسكندرية المسرحية ومقرها مسرح بيرم التونسي، توقعت له نجاحا كبيرا في هذه المهمة الصعبة وتقديم عروض تليق به كفنان، وبتاريخ مسرح بيرم التونسي الذي قدم عليه عروضا مسرحية كمخرج.
لكنه للأسف دخل تحديا كبيرا مع نفسه وربما مع آخرين، فقدم عرضا مسرحيا بعد شهرين من توليه هذه المسئولية، هو عرض «أبو كبسولة» تأليف محمد الصواف، إخرج محمد مرسي، بطولة مصطفى أبو سريع، حسن عبد الفتاح، علاء زينهم، نورين كريم، إسلام عبد الشفيع، أحمد السيد، وأبطال فرقة الإسكندرية، ألحان كريم عرفة، توزيع موسيقي أيمن التركي، أشعار مصطفى أبو سريع، ديكور وملابس وائل عبد لله، إضاءة إبراهيم الفرن، استعراضات محمد ميزو. وحقق العرض نجاحا جماهيريا وحصد أعلى الإيرادات ورفع لافتة كامل العدد. ولكن هل هذا هو المعيار الوحيد لنجاح عرض مسرحي؟ نعم، لكن بمعايير المسرح التجاري البحت الذي يقف وراءه رجل أعمال يستثمر أمواله ولغته الوحيدة هي الأرقام ومفرداته تنحسر في الأرباح والخسائر، ولا يمكن أن تكون معيار فنان كبير بحجم سامح بسيوني لكنه الرهان أو التحدي.
فكرة العرض تدور حول اختراع كبسولة تغني عن تناول الطعام فمن يتناولها يشعر بالشبع، ويتعرض مخترع هذه الكبسولة لإغراءات وضغوط إسرائيلية للاستيلاء على هذا الاختراع، وهي فكرة مستهلكة لكن لا بأس فنحن في حاجة لغرس قيم الوطنية والانتماء، أما الجديد فهو ضغوط الجماعات المتطرفة أيضا ودخولها في المنافسة للضغط على المخترع، لكنه يرفض بإصرار؛ مما يعرضه لمحاولة اغتياله. اللامنطقي واللامعقول هو أن تكون الجهة الثالثة في هذا الصراع هي الجهات الأمنية التي تقوم بإلقاء القبض عليه وتعذيبه لإجباره على أعطائهم المعادلة النهائية لهذا الاختراع، وتقوم بمراقبته، ثم يتحول هذا الدور فجأة لتأمينه وحمايته بمتابعة كل تحركاته، في الداخل والخارج حيث يتم اختطافه بزعم تسليمه جائزة السنبلة الذهبية في الولايات المتحدة الأمريكية، ويصر على اصطحاب مساعديه معه، ليكتشف هناك أنه محاصر من رجال المخابرات الإسرائيلية والدواعش وتهديده بالقتل من الطرفين، لولا تدخل المخابرات المصرية التي تعطيه أقراصا منومة على أنها الاختراع للجميع حتى يتسنى لها تخليصه من بين أيديهم، لكنه يعطيهم أيضا أقراص الصراحة – وهو جزء مقتبس من فيلم “أرض النفاق” - ليفضح أمرهم ويأخذ منهم اعترافات بجرائمهم.
استغرق زمن العرض أربع ساعات تخللها استراحة. ورغم ذلك، فكل هذه تفاصيل جاءت في الفصل الثاني، أما الأول فلم يكن به سوى حوارات بلهاء وكوميديا مفتعلة وإيقاع بطيء وممل للغاية، فلم تكن الأحداث تستحق كل هذا الزمن.
ولأنني لست من متابعي الدراما التلفزيونية فلم أكن أعرف بطل العرض الفنان مصطفى أبو سريع من قبل، الذي جاءت نجوميته من الدراما التلفزيونية ليثبت مجددا أن أبو الفنون المسرح يمكنه أن يقدم أبطالا ونجوما في كل مجالات العمل الفني، وليس العكس فنجاحه في الدراما التلفزيونية وحده ليس كافيا ليقوم ببطولة عمل مسرحي بجوار من أكثر منه موهبة وشهرة وتاريخ بأدائه الرتيب المفتعل.
يتسم العرض ببعض الإيجابيات منها ديكور وائل عبد الله الذي اتسم بالبساطة والجمال حيث اعتمد على مجموعة لوحات تعبر عن مكان الحدث وبعض قطع الأثاث البسيطة، إضاءة إبراهيم الفرن التي تنوعت بين الـ(فوول لايت) والألوان التي تناسب كل مشهد، كذلك استعراضات محمد ميزو، ووجود الفنان خفيف الظل علاء عوض الذي رغم صغر مساحة دوره فإن مجرد وجوده كان يكسر حالة الملل التي تغلف العرض، وكذلك حسن عبد الفتاح، ونورين رغم أن حواراتها معهما بالفصل الأول اتسمت ببطء الإيقاع. الفنان علاء زينهم محبوب جدا وله تاريخ لكن هذا الدور لم يظهر كل إمكانياته.
الإشكالية الأكبر تقع على النص الذي جاء مهلهلا رتيبا، اعتمد على الكوميديا غير الهادفة باستثناء بعض الجمل الخطابية في النهاية لكشف حقيقة الكيان الصهيوني والكيانات الإرهابية التي تتخفى في الدين، وهي أيضا جمل مكررة.
وفي محاولة لتفسير هذا الإقبال الجماهيري نجد أن بطل العرض سكندري وقد ظهر في الدراما التلفزيونية، فمن الطبيعي أن يكون هذا الإقبال، وهي طبيعة الجمهور السكندري الذي يحتفي بفنانيه، ويضم نجوما متميزين خاصة في الكوميديا: علاء عوض، حسن عبد الفتاح، علاء زينهم، نورين كريم الفنانة الواعدة التي ظهرت بقوة في الدراما الرمضانية في العامين السابقين.


نور الهدى عبد المنعم