«بخيل» الشباب.. وأوبرا ملك

«بخيل» الشباب.. وأوبرا ملك

العدد 648 صدر بتاريخ 27يناير2020

عرض البخيل الذي يقدمه مسرح الشباب على مسرح أوبرا ( ملك). يثير لعديد من الأسئلة والقضايا التي كانت ومازالت تشغل العديد من محبي وممارسي المسرح في مصر، بل والدول العربية أيضا.
والحقيقة أن العرض مر بدون مصاعب ولم تكن هناك حالات كبيرة من ملل أو تساؤل أو استنكار . كما إن اختيار المخرج لممثليه الذين هم مجموعة جيدة من شباب المثلين بعضهم يقف على خشبات المسرح بالقاهرة لأول مرة ربما. وتمتعوا بقدر كبير من قبول وجودة / يكون في صف المخرج إذا حللنا اختياراته . ويكون في صف المؤسسة التي يخرج العرض تحت لافتتها ألا وهي ( مسرح الشباب) فمنح الفرصة لهؤلاء الشباب هو من صميم فلسفة الفرقة . وقد تم هذا.
وبما كان اختصار المخرج خالد حسونة لبعض المشاهد في النص الأصلي وتحجيم بعض الشخصيات يعود سببه لصغر مساحة خشبة مسرح ملك . إذن فعملية التفعيل من خلال الحركة المسرحية تكون محدودة طبقا لمساحة الخشبة . وعليه يتم تحديد العلاقات حتى تكون بسيطة غير مركبة. ولاتثير انفعالات متعددة تستلزم قدرا أكبر من مساحة. لذا اعتمد نص العرض في مجمله على محاولة تقديم النص بأبسط صورة ممكنة. وإذا كان هذا هو الرأي الأولي والنهائي عقب مشاهدة العرض . وبعد استرجاعه . ولكنه رأيا في العموم ولا يمنع ان هناك بعضا من تساؤلات تدور حول هذا العرض.
ولكن قبلا فإن نص البخيل للكاتب الفرنسي موليير هو أساسا من العروض التي تقوم أساسا على الكوميديا من خلال المواقف التي تتم بين أبطالها وشخوصها.
وللتعرف على النص في عجالة فهو يتناول شخصية ذلك الثري البخيل والمحب لاكتنازل المال وعدم إنفاقه حتى على نفسه وأبناءه . ونتيجة بخله وولعه بالمال يقف حائلا أمام سعادة ابنه وابنته في تزويجهما من الشخصيات التي يرتبطات معها بعلاقة حب. ويحاول أن أن يزوجهما من اغنياء بصرف النظر عن عدم التاكفؤ؛ خاصة من ناحية السن. ولكن في النهاية تكون النهاية السعيدة عندما يصل الوالد الحقيقي للفتاة والفتي طرفا مشروع الحب من أبناء الثري البخيل . ولثراء الوالد؛ تكون المشكلة قد حلت.
طبعا الحديث عن العلاقات المتشابكة والعلاقة بين الأب والابن ومحاولات التنكر الشائعة خاصة من جانب حبيب الابنة أو الابن ليقترض من أبيه ... الخ. ودحول لعلاقات في بعض الأوقات لمناطق شديدة الخطورة تهدد العلاقات نفسها وتكاد تتماس مع مع التراجيديا .. تجنبنا الحديث عنه. لأن عرض الشباب لم يتطرق لهذا. نتيجة أنه كان هناك تدخل من جانب المخرج على نص موليير وهذا من حفه كمخرج.
ولكن هذا التدخل كان تحت عنوان ( الإعداد). وبديهي أنا نعرف ان كلمة أو وصف(الإعداد) تكون في الأساس عل تهيئة نص من وسيط لآخر.
أما تهيئة نص ما؛ لكي تفدمه فرقا ما؛ في مكان ما؛ بزمان ما. فله وصف آخر. وأنا على يقين بأن خالد حسونة يعرف هذا الوصف. فيكون السؤال الأول هو: ما الذي دفعه لهذا مع المعرفة؟ هل هذا لسبب تعاقدي وأن المردود على  القائم بالإعداد أكبر من المردود على القائم بعمل (الدراماتورج)؟.
لو كان هذا السبب وأعتقد أنه هو. فيجب تغيير اللوائح إذن.
أقول هذا مع تأكيدي أن أي نص مسرحي يتناوله مخرج مهما كان لابد أن يقوم المخرج طبقا لرؤيته بالتدخل بشكل مقبول خاصة بعمليات الحذف هذه. والتأكيد على المناطق التي تتطابق مع وجهة نظره.
ثانيا قام حسونة بتعديل منطوق النص من الفصحى للعامية. ولكن لم يوضح لنا. هل قام بهذا نتيجة قيامه هو بترجمة النص من الفرنسية؟ أم اعتمد على نص مترجم؟. لو كانت الأولى فمن حقه . وكان من حقه أيضا أن يضع اسمه كمترجم. ولو كانت الثانية فلم يذكر لنا اسم المترجم الذي قام (بالإعداد) عنه؟!
ثالثا. من البديهي أنه وقت تهييء النص . كان هناك مشروعا شبه متكامل في ذهنه لما سيكون عليه العرض. وبديهي أيضا خاصة أنه من يقوم بتجهيز النص النهائي أنه يعلم جيدا أن الأشعاء والاستعراضات في أي عرض مسرحي من طبيعتها أن تكون جزءا من العرض ولو حذفت فبالتالي يكون هناك خللا في النص العام للعرض. وعليه طبيعي انه مادام في نيته أن يستعين بشاعر وملحن ومصمم استعراضات . أن يترك لهم في نص العرض المكان الذي سيكونون به.
ولكن من الواضح ان نص العرض لم يحفل بهذا . لذا جائت الاستعراضات بما تشمله من موسيقى وكلمات داخلة على العرض وليست جزءا به.
وبصرف النظر عن جودتها أو قبولها مجردا . فهي لم تضف إلا مزيدا من وقت العرض. حتى التنفيذ المفترض ان هذه الكلمات تأتي على لسان من أممنا وليست تعقيبا من ضمير عام مثلا.. ولكن الملاحظ أنخ حتى ول كانت الموسيقى التي ليست حية وتأتي عن طريق أجهزة التسجيل أن يقوم المؤدي الذي أمامنا بالغناء أو حتى تحريك شفتيه مع وقع الكلمات. ولكن هذا لم يحدث إلا مع أشرف طلبة فقط .
قلت قبلا أن العرض لو حكمنا عليه حكما عاما فهو عرض مقبول .  كماغلب عليه المخرج عنصر التسلية لا الرسالة . وتقديم حالة من الكوميديا الراقية . تقوم على عكس ماهو متواتر عن المسرح في أذهان بعض الشباب نتيجة مايرونه على الشاشات من عروض يقال عنها مسرحية وتقتصر على إلقاء النكات من الشخصيات على بعضها البعض . دون أدنى اعتبار لمضمون نص أو رسالة ما . فانص المسرحي عندهم ماهو إلا وسيلة لإيجاد مساحة من التنكيت والقفشات ... الخ . وهو غرض لو تعلمون عظيم وجيد وأتفق معه تماما
ولكن فيما بدو أن بعض المؤدين خافوا ألا يتقبل من أدمن هذا النوع السيء من الفن؛ العمل الذي نحن بصدده . فانجروا وراء مايرفضونه هم في جلساتهم العامة والخاصة وطبيعي اننا نرفضه ايضا . ألا وهو عدم الانتباه لمضمون العرض ورسالة المخرج وطبيعة العرض ذاته؛ سعيا وراء انتزاع بعض الضحكات؛ تمنع الاسترسال في تلقي العمل؛ وليست جزءا منه .
وكانت عملية الخروج هذه تتم في الغالب على العملية المسرحية نفسها. أي أنهم يكشفون أنهم ممثلون ويقدمون العرض . وتكون النكات على من يحفظ دوره أم لا؟. من أخطأ في مفتاح دخوله ؛ التطرق لاشياء خاصة بالممثل لا الشخصية.
ونسوا جميعا مع أنهم في الأغلب من الدارسين ويعرفون جيدا الفارق فيما ذهبوا إليه ؛ والمنهج الذي استخدمه المخرج وعناصره المساعدة من ديكور وملابس ... الخ. فكشفهم أهم فرقة مسرحية وأنهم ليسوا هم الشخصيات. بل يمثلونها. يفترض أأننا ساعون لما وراء الحدث ومايمكن عن طريق التفكير أو الإسقاط ؛ التوصل لحالة من الممكن أن نعيشها الان ونحن  لا الحدث نفسه .... الخ وصولا لكل مايعرفونه هم هذه المدرسة في الأداء وما تصبو إليه. ولكن لو وقفنا فقط على أنهم كشفوا أنهم ليسوا الشخصيات بل يمثلونها. فهم بهذا أحرجوا الديكور ومصممه . ومصمم الملابس . بل والمخرج والمهيء للنص عن الطريق. لأنه ساعتها لم يكن مفروضا هذه الواقعية في الديكور . ولاحتى سعي مصمم الملايس وراء أن تكون ملابسه متسقة مع المجتمع الفرنسي تاريخ الحدث... وكان هناك اكتفاء ببعض الإشارات أو الإكسسوارت التي تنبيء عن تمثيلنا للشخصية.
وفي النهاية أن هذا العرض الذي امتد لأكثر من ساعتين لو تم التخلص من كل ماهو دخيل عليه . أولا لاختصرنا زمن العرض. لأنه ربما لو كان يعلم حسونة بهذا ربما كان وضع بنص العرض الرسالة الاحتماعية . بل لو يكن سيقوم ساعتها بحذف مشاهد شك الأب في الجميع وعدم الوثوق بأحد ؛ خاصة عند اكتشاف سرقة نقوده من مخبأها(على سبيل المثال) بما يستدعي حالة كبيرة من السخرية /الضحك كانت أحق بالوقت الذي استنفذ في محاولة جذب البعض  ممن أدمنوا الفن السيء


مجدى الحمزاوى

mr.magdyelhamzawy@gmail.com‏