أغنية الوداع.. حين لا يأتي المُخلص يكون الانتظار عبثيا

أغنية الوداع..     حين لا يأتي المُخلص يكون الانتظار عبثيا

العدد 544 صدر بتاريخ 29يناير2018

هناك أسطورة شهيرة تقول إن البجعة تغرد تغريدتها الأجمل قبل موتها وتعتبر هذه الأسطورة هي السبب الرئيسي وراء تسمية مسرحية أنطوان تشيخوف الكاتب المسرحي والمؤلف القصصي الروسي، بأغنية البجعة، أغنية البجعة مسرحية من فصل واحد تحكي عن ممثل بعد انتهاء العرض وجد نفسه وحيدًا مع الملقن المسرحي ولا يجد أمامه شيئا سوى أن يتذكر ما مر به من نجاح وفشل في حياته ورحلته الفنية.
بعد أن مر الكثير من العقود على كتابة هذا النص جاء مصطفى سعيد بإعداد درامي مُغاير بعض الشيء للنص الأصلي حيث قدم العرض المونودرامي “أغنية الوداع” باستوديو أوزوريس العرض إخراج وتمثيل ريمون خليل كما أنه قد سبق أن حاز على جائزة أفضل عرض في مهرجان الساقية للمونودراما.
يدور العرض حول ممثل عجوز أفقده الخمر وعيه فقد غاض في النوم بعد انتهاء العرض المسرحي يستيقظ الممثل وما زالت زجاجة الخمر في يده ليجد نفسه وحيدًا في غرفة مبعثرة ببعض الملابس والديكورات والأكسسورات المسرحية، أغلق المسرح أبوابه بعد أن انصرف الجميع وما من أحد في الغرفة بل والمسرح ككل سوى هذا العجوز الذي حاول مرارًا أن يخرج من تلك الغرفة الموحشة ولكن دون فائدة، فقد باءت كل المحاولات بالفشل فلا سبيل للخروج من هذه الغرفة إلا بوصول نيكيتا - الملقن المسرحي - ليفتح له الباب، يستسلم الممثل العجوز لهذا الأمر الواقع ويبدأ في استرجاع ما مضى من حياته وإنجازاته في التمثيل بين نجاح وفشل إلى أن تمر هذه الليلة ويأتي نيكيتا (المخلص) ليفتح باب الخلاص لهذا الممثل العجوز، فهل سيأتي نيكيتا أم ستتحقق أسطورة البجعة وتصبح هذه هي أغنية الوداع الأخيرة في حياة هذا العجوز.
فهذا الممثل الذي قام بأداء أعظم الأدوار على خشبة المسرح بدأ يستعيد مجده ليقوم مرة أخرى باسترجاع الأدوار التي قدمها على خشبة المسرح، والتي طالما قُدمت حازت على إعجاب الجماهير الذي كان دائمًا يصفق له بحرارة، وكأن القدر وضعه في هذه الغرفة ليساعده على تذكره الماضى حيث يبدأ الممثل في استخدام هذه القطع والملابس المبعثرة مستعينًا بالإضاءة الموجودة في الغرفة فهو هاملت تارة ويوليوس قصير تارة أخرى، وغيرها من الأعمال العظيمة التي لاقت نجاحًا لا مثيل له على خشبة المسرح، ولأن حياة هذا العجوز الشخصية لم تكن بالقدر الناجح نفسه الذي حققه بالتمثيل كانت نهاية قصة الحب الوحيدة التي عاشها في صباه الفشل حيث يسرد العجوز أن الفتاة التي أحبها كثيرًا لم تقبل بعمله كممثل وكان عليه الاختيار بين أكثر شيئين يحبهما، ويظل الممثل يسرد ما مر به في حياته بين نجاح وفشل إلى أن ينتهي العرض بتحقق الأسطورة حيث يسقط الممثل قبل أن يأتي نيكيتا فمثلما انتظر فلاديمير واستراجون جودو عبثًا في المسرحية العبثية في انتظار جودو للكاتب صمويل بيكت كان انتظار الممثل العجوز لنيكيتا عبث فقط مات العجوز قبل أن يأتي.
تكمن صعوبة المونودراما كونها تعتمد على شخص واحد حيث يحمل هذا الممثل وحده عبء العرض، فمشاهدة مسرحية لا يظهر فيها سوى ممثل واحد يؤدي دورًا أو عدة أدوار بين عدة حوارات درامية مختلفة أو حتى بحركات جسدية فقط مثل عروض البانتومايم، إما أن تسبب الملل للمتلقي أو تجذب المتلقي وتحرك مشاعره لاستكمال العرض، ويأتي هذا من قدرة الممثل وإمكانيته على التمثيل. والجدير بالذكر أن ريمون خليل استطاع أن يقدم دوره ببراعة شديدة فلم يتسبب في ملل المتلقي. وفى حقيقة الأمر، لم يكن ريمون خليل يحمل عبء التمثيل والحوار الدرامي فقط الذي يحمله أي ممثل مونودراما فحسب، بل كان عليه أن يهتم بالإضاءة، فبينما يُمثل ريمون دور العجوز وينتقل بين هاملت ويوليوس قيصر والعاشق استطاع أن يثبت كفاءته في تغير الإضاءة تبعًا للحالة التي يُمثلها، فلم يكن هناك مصمم إضاءة، وربما كان السبب في هذا هو الظروف المحيطة بمكان العرض، فقد قدم العرض في غرفة باستوديو أوزوريس كما ذكرنا من قبل؛ حيث انقسمت الغرفة إلى نصفين؛ أحدهما للجمهور والآخر للتمثيل، وهو ما لم نره على خشبة المسرح من قبل أن يتحكم الممثل في الإضاءة أثناء العرض، ويمكننا القول إن هذا خدم فكرة العرض بشكل كبير، فقد ظهر الممثل كما لو كان بالفعل في الغرفة وحده يتذكر الماضي ليمر الوقت إلى أن يأتي مخلصه (نيكيتا)، أما المتلقي فهو يشاهد قصة هذا الرجل من خلال الحائط الرابع.
فنحن أمام مونودراما غير تقليدية حيث قدم المخرج ريمون خليل مونودراما أغنية الوداع بشكل حديث، فالإضافة إلى فكرة أن يتحكم الممثل في الإضاءة لم يعتمد على سرده فقط للأحداث ككل، فبدلاً من أن يسرد الممثل ما قالته حبيبته كما اعتدنا في المونودرامات التقليدية استخدم صوت الفتاة في الخلفية - صوت مسجل - كما آتى الممثل بفتاة من الجمهور ليرقص معها، فهذه حبيبته التي فقدها منذ زمن بعيد قد عادت من جديد.

 


رنا أبو العلا