سناء مظهر الفتاة الشرسة

سناء مظهر الفتاة الشرسة

العدد 572 صدر بتاريخ 13أغسطس2018

الفنانة المصرية المتميزة سناء مظهر التي رحلت عن عالمنا يوم الاثنين الموافق السادس من أغسطس (2018) ممثلة قديرة لمعت في ستينات وأوائل سبعينات القرن الماضي. وهي من مواليد 17 أغسطس عام 1932، وقد ذكرت بعض المراجع أنها تزوجت أولا من المذيع الراحل محمد أنور الذي كان له فضل في تشجيعها على اقتحام عالم الفن. كذلك من المعروف أنها تزوجت بعد ذلك من خارج الوسط الفني، وبالتحديد من الطيار حربي حسن القصري، الذي استشهد خلال حرب أكتوبر المجيدة عام 1973، وأنها فضلت - بعد سنوات قليلة من استشهاده - اعتزال الفن وارتداء الحجاب والعيش في هدوء بعيدا عن بريق النجومية والشهرة،
وإن كانت قد شاركت بالحجاب في بطولة بعض الأعمال التلفزيونية بأوائل ثمانينات القرن الماضي، ولكنها عادت مرة أخرى في منتصف الثمانينات وفضلت أن تبتعد تماما عن الفن وتعتزله نهائيا، لتعيش حياتها كأي امرأة مصرية عادية. فكان آخر أعمالها هو مسلسل «بوابة المتولي» الذي ساعدها على اتخاذ القرار النهائي بالاعتزال بعدما وجدت أن المناخ الفني قد تغير تماما ولم يعد صحيا ولا ممتعا ولا مثاليا كما تعودت عليه.
ونظرا لاعتزالها منذ سنوات طويلة قد لا يتذكر البعض اسمها - وخصوصا من الأجيال الجديدة - ولكن بمجرد مشاهدة صورها يتذكرون على الفور جمالها المبهر وبعض أدوارها المتميزة التي لعبتها باقتدار. ونظرا للون شعرها الأصفر وملامحها التي تقارب ملامح النجمة العالمية فقد وصفها وشبهها الأديب الكبير يوسف السباعي بمارلين مونرو الشرق. والحقيقة، إن البعض قد يتساءل عن عدم فوزها بفرص البطولات المطلقة في السينما على الرغم من جمالها اللافت للنظر وتميزها وجودة أدائها، وأعتقد أن السبب الرئيسي - من وجهة نظري - هو وجود بعض التشابه بينها وبين الفنانة هند رستم التي سبقتها تاريخيا بتحقيق نجوميتها، بالإضافة إلى عدم توافق وانسجام طبقاتها الصوتية مع جمالها المثير، فصوتها لم يكن ناعما مثيرا كشكلها، ولذلك أرى أن أفضل الأدوار التي نجحت في أدائها هو دور الفتاة الشرسة بمسرحية «ترويض النمرة»، أو دور الزوجة الأولى الأرستقراطية في فيلم «أغلى من حياتي»، أو بصفة عامة أدوار الشر والشراسة التي تساعدها نظرتها الحادة وطبقات صوتها على تجسيدها.
بدأت الفنانة سناء مظهر حياتها الفنية من خلال السينما في نهاية خمسينات القرن العشرين، ثم نجحت في تأكيد نجاحها بعدد كبير من الأدوار المتنوعة، ومن بينها بعض أدوار الإغراء التي نجحت في تجسيدها دون ابتذال، موظفة خفة ظلها وجمالها وقدرتها الأدائية. وخلال مسيرتها الفنية انطلقت للمشاركة بباقي القنوات الفنية وخصوصا لعالم المسرح، فانضمت للعمل بفرق التلفزيون المسرحية وبالتحديد بفرقتي المسرح الحديث عام 1963، والمسرح العالمي 1965، حيث أتيح لها فرصة المشاركة ببعض أدوار البطولة المطلقة. وقد أهلتها تلك الخبرات السابقة للانطلاق بعد ذلك لعالمي الدراما الإذاعية والتلفزيونية وتأكيد تميزها بالمشاركة بعدة أعمال مهمة وراقية.
ويحسب للفنانة سناء مظهر مشاركتها في تقديم بعض الأعمال السينمائية المميزة، ومن أشهرها الشخصيات الدرامية التي نجحت في تجسيدها شخصية إحدى الفتيات الثلاث في فيلم «بياعة الجرايد» مع كل من النجمتين ماجدة ونعيمة عاكف، وشخصية عائشة الشقيقة الصغرى غير المتعلمة للفنانة هند رستم (نادية) في فيلم «مدرستي الحسناء»، وكذلك شخصية سهام الزوجة الأرستقراطية للفنان صلاح ذو الفقار (أحمد حمدي) في فيلم «أغلى من حياتي» بطولة الفنانة شادية.
هذا وتضم قائمة الإسهامات الدرامية للفنانة سناء مظهر عدة مشاركات ثرية ومهمة بمجال الدراما التلفزيونية وخصوصا مع كل من نجمي الإخراج الراحلين نور الدمرداش وأحمد طنطاوي. ويحسب للفنان أحمد طنطاوي الفضل في توظيفها الجيد من خلال بعض الأعمال التاريخية المتميزة، وتقديمها في شكل جديد مع توظيف مهاراتها في التمثيل باللغة العربية الفصحى، والتي اكتسبتها من خلال عملها ببعض المسرحيات العالمية باللغة العربية الفصحى وأيضا من خلال استمتاعها بقراءة القرآن الكريم الذي أجادت ترتيله خلال السنوات الأخيرة من حياتها بعدما وفقها الله في أداء فريضة الحج.
من أهم أدوارها التلفزيونية تجسيدها لشخصية الملكة «بلقيس بنت كسري بالمسلسل الديني «على هامش السيرة»، وشخصية هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان بمسلسل «الكعبة المشرفة»، الأميرة فلورندا التي أحبها القائد الإسلامي طارق بن زياد، وكذلك شخصية أم جميل زوجة أبي لهب عم الرسول (الذي جسده الفنان صلاح منصور)، وكذلك تفوقت في تجسيد بعض الشخصيات المعاصرة ومن بينها شخصية زينات في «بوابة المتولي».
وجدير بالذكر أن الفنانة سناء مظهر قد قابلت خلال مشوارها الفني كثير من الصعوبات والمعوقات، وللأسف فقد كان أغلبها معوقات شخصية وغير فنية كنتيجة للغيرة النسائية أو لبعض محاولات التحرش من الرجال العاملين بالوسط، وربما كانت تلك المعوقات من الأسباب التي دفعتها للاعتزال مبكرا. والأسباب الرئيسة في ذلك بلا شك كانت جمالها وجاذبيتها وشياكتها وحضورها القوي، حتى أن كونها شقراء ولون شعرها الأصفر قد سببا حساسية لدي بعض النجمات اللاتي طلبن منها تغيير لون شعرها وخصوصا من تحاولن التشبه بالشقراوات!!. وقد يضاف إلى ما سبق عامل آخر يعود إلى شخصيتها وهي أنها تحب وتعشق وتصر على أن تكون متميزة، وتحرص دائما على ألا تكون شبيهة بأحد أو أن أحد يشبهها، ولذلك كانت دائما تعرف بشياكتها وبتميز ألوان وتصميمات ملابسها وكذلك تميز تسريحات شعرها. وربما حقق اعتزالها المبكر لها فرصة العيش في هدوء بعيدا عن الصراعات، وكما صرحت ببعض أحاديثها الصحافية بأن قرار اعتزالها نهائي خاصة وأنها مقتنعة تماما بأنها اتخذته في الوقت المناسب وهي في قمة نجوميتها ونجاحها.
هذا وتضم قائمة أعمالها الفنية مجموعة متميزة من الأعمال بمختلف القنوات الفنية (مسرح، سينما، إذاعة، تلفزيون)، ويمكن تصنيف تلك المجموعة من الأعمال طبقا لإختلاف طبيعة الإنتاج مع مراعاة التتابع التاريخي كما يلي:
أولا: مشاركاتها السينمائية
شاركت الفنانة سناء مظهر في بطولة ثلاثة عشر فيلما سينمائيا، ويذكر أن أولى مشاركتها السينمائية كانت بفيلم «أنا بريئة» عام 1959 بطولة أحمد مظهر وررشدي أباظة وإيمان، ومن إخراج حسام الدين مصطفى، في حين كان آخر أفلامها قبل اعتزالها هو فيلم «مدرستى الحسناء» عام 1971، مع النجوم هند رستم، حسين فهمي، عبد المنعم إبراهيم، سعيد صالح، ومن إخراج إبراهيم عمارة.
هذا وتضم قائمة مشاركاتها السينمائية مجموعة الأفلام التالية طبقا للتابع الزمني: أنا بريئة (1959)، شجرة العائلة، رجال في العاصفة، المراهقات (1960)، النظارة السوداء، بياعة الجرايد (1963)، العنب المر، 6 بنات وعريس، أغلى من حياتي (1965)، شاطئ المرح، جريمة في الحى الهادىء (1967)، مدرستى الحسناء (1971).
ويذكر أنها قد تعاونت من خلال مجموعة الأفلام السابقة من نخبة متميزة من كبار مخرجي السينما العربية وفي مقدمتهم الأساتذة: حسن الإمام، السيد زيادة، إبراهيم عمارة، محمود ذو الفقار، حسام الدين مصطفى، فاروق عكرمة، شريف زالي.
ثانيا: أعمالها المسرحية
أتاح المسرح لهذه الفنانة القديرة الفرصة كاملة للقيام بعدة بطولات مطلقة سواء بفرق مسارح الدولة أو فرق القطاع الخاص، كما أتاح لها فرصة حقيقية لإكتساب الخبرات الفنية من خلال تعاونها مع كبار المخرجيم والنجوم، وتضم قائمة النجوم الذين عملت معهم على سبيل المثال كل من الفنانين: نعيمة وصفي، سعيد أبو بكر، محمد الدفراوي، نور الدمرداش، محسن سرحان، أمين الهنيدي، أبو بكر عزت، صلاح السعدني، محمد نجم، حسن حسني، فاروق نجيب، محمد رضا، عبد السلام محمد، مديحة سالم، آمال زايد.
والحقيقة أن الفنانة سناء مظهر قد اجتهدت كثيرا في تقديم أدوارها المسرحية، فنجحت بجدارة في تجسيد عدة شخصيات درامية ظلت عالقة بالذاكرة ومن بينها على سبيل المثال: شخصية «كاثرين» الشرسة في مسرحية «ترويض النمرة» للكاتب الكبير وليم شكسبير، وشخصية الفتاة سنية عاشقة الموسيقى في مسرحية «عودة الروح» رائعة الرائد المسرحي توفيق الحكيم. ويمكن أن يضاف لما سبق مشاركاتها بأدوار البطولة المسرحية لفرقة «ابن البلد» التي قام بتأسيسها الفنان محمد رضا مع الكاتب الكبير محمود السعدني.
ويمكن تصنيف مجموعة المسرحيات التي شاركت في بطولتها طبقا لطبيعة الإنتاج ونوعية الفرق مع مراعاة التتابع الزمني كما يلي:
1 - بفرق مسارح الدولة:
 - «المسرح الحديث»: حتى يعود القمر (1963)، عودة الروح (1965)، هوليوود البلد (1972).
 - «المسرح العالمي»: ترويض النمرة (1965).
 - «المسرح الكوميدي»: نجمة نص الليل (1971).
2 - بفرق القطاع الخاص:
 - «ابن البلد»: الأورنس (1970)، البولوبيف (1971).
 - «فرقة أمين الهنيدي»: يا عالم نفسي اتسجن (1975).
 - حسنين يعيش مرتين (إنتاج مشترك مع التلفزيون 1978).
وذلك بخلاف بعض المسرحيات التي أنتجت للتصوير والعرض التلفزيوني فقط ومن بينها: محترم لمدة شهر، الناس مقامات.
وقد تعاملت من خلال هذه المسرحيات مع نخبة متميزة من المخرجين ومن بينهم: السيد بدير، نور الدمرداش، جلال الشرقاوي، سعد أردش، كمال حسين، سمير العصفوري، محمود الألفي، رشاد عثمان، فوزي درويش، محمد شعلان.
ثالثا: الأعمال الإذاعية
يصعب بل ويستحيل حصر جميع المشاركات الإذاعية لهذه الفنانة القديرة والتي ساهمت في إثراء الإذاعة المصرية بعدد كبير من التمثيليات الدرامية والمسلسلات الإذاعية على مدار مايزيد عن نصف قرن، وذلك لأننا نفتقد للأسف الشديد لجميع أشكال التوثيق العلمي بالنسبة للأعمال الإذاعية، وتضم قائمة إسهاماتها الأعمال التالية: أبو سريع عامل خنفس، كلاب الحراسة، حب ونغم، أنا وأمي والطريق، ورود وأشواك، أصابع بلا بصمات، الحرافيش.
رابعا: الأعمال التلفزيونية
شاركت في بطولة عدد من الأعمال الدرامية والمسلسلات التاريخية والدينية ومن أهمها مسلسلات: فواكه الشعراء، البركان الهادئ، سنوات العمر، عزيزة ويونس (من سيرة بني هلال)، كذلك تضم قائمة أعمالها التلفزيونية مجموعة أخرى من المسلسلات ومن بينها على سبيل المثال: على باب زويلة (1970)، البحث عن فردوس (1973)، على باب زويلة (1975)، على هامش السيرة (1978)، محمد رسول الله - ج1 (1980)، الفتوحات الإسلامية، الكعبة المشرفة، محمد رسول الله ج 2 (1981)، بوابة المتولي (1985)، وذلك بخلاف بعض التمثيليات والسهرات التلفزيونية ومن بينها: علي بابا والأربعين حرامي،
رحم الله هذه الفنانة المتميزة التي رغم بداياتها الاحترافية بعالم الفن إلا أنها ظلت طوال مشوارها الفني تتعامل بسلوكيات الهواة ومثلهم وقيمهم السامية، فكانت على سبيل المثال تقوم باختيار وتصميم كل التفاصيل المادية لشخصيتها الفنية بنفسها بدءا من اختيار تسريحة الشعر والربطات المختلفة التي اشتهرت بها، وأيضا تحديد خامات وألوان وتصميمات الملابس والإكسسوارات بالاتفاق مع المخرج. كذلك كانت ترفض بشدة المشاركة بعملين في وقت واحد، كما كانت تحرص كل الحرص على الاحتفاظ بالعلاقات الطيبة مع جميع الزملاء، وعلى أن تظل كواليس جميع أعمالها هادئة يسودها جو من الألفة والمحبة وبعيدة عن كل المشاحنات. وقد ظلت رحمها الله رغم اعتزالها - وإصرارها على رفض جميع النصوص والسيناريوهات التي تعرض عليها - سعيدة بجميع الأعمال الجميلة والمتميزة التي شاركت بها، وفخورة بتلك الشخصيات الثرية والمتنوعة التي قدمتها من خلالها، وغير نادمة إطلاقا علي مشاركتها بأي عمل، لأنها قدمت جميع أعمالها بعناية واهتمام شديد، لدرجة أن المقربين منها كانوا يعرفون عنها جيدا مدى اهتمامها بالصدي الذي يتركه كل دور قدمته لدى الجمهور والنقاد، وكذلك مدى سعادتها واهتمامها بردود أفعال النقاد وبالكتابات عنها وعن أعمالها بالصحف والمجلات.
وأخيرا لا يسعني إلا أن التوجه إلى الله العزيز الجليل بالدعاء والرحمة لهذه الفنانة القديرة وأن يغفر لها ويدخلها فسيح جناته جزاء ما أخلصت في عملها وسعيها لإسعادنا بجميع أعمالها وخصوصا مجموعة أعمالها الدينية الأخيرة.


د.عمرو دوارة

esota82@yahoo.com‏