رؤية نحو المسرح   في المؤسسات التعليمية مسرحة المناهج(3)

 رؤية نحو المسرح   في المؤسسات التعليمية مسرحة المناهج(3)

العدد 562 صدر بتاريخ 4يونيو2018

تشكل مسرحة المناهج أو توظيف المسرح في العملية التعليمية، المجال الثاني الهام من مجالات أنشطة المسرح داخل المؤسسات التعليمية، والتي اصطلحنا عليها «بالمسرح التعليمي»، وناقشنا حتى الآن معنى التربية المسرحية، وسوف نناقش الآن ما يعرف بمسرحة المناهج، والتي تعني في شمولية المصطلح، «توظيف تقنيات فن المسرح (الكتابة، والعرض) للمساعدة في العملية التعليمية، بتقديم أجزاء من أو كل لمقرر من المقررات الدراسية، في بناء درامي (فيما يعرف بالمسرحية التعليمية) وإطار مسرحي بسيط (نشاط تمثيلي) داخل حجرة الفصل أو الأنشطة».
وعلى ذلك فأن محاور دراستنا لمسرحة المناهج هنا، سوف تهتم بجانبين:
الأول: ما يرتبط بالنص أو المسرحية التعليمية، ونعني بت النص الدرامي المتضمن موضوعا تعليميا أكاديميا، كتب خصيصا لتقديمه داخل الفصل أمام مجموعة من التلاميذ، بهدف تعميق الفهم، والتفسير»
الثاني: العرض التمثيلي للمسرحية التعليمية داخل الفصل. ونعني به الاستعانة ببعض تقنيات فن العرض المسرحي لتقديم مسرحية تعليمية أمام التلاميذ داخل الفصل.
ما المقصود بمسرحة المناهج؟
رغم اتفاق الجميع على أن أهم ملمح لمسرحة المناهج، هو تقديم مادة أكاديمية، في إطار مسرحي داخل الفصل، ورغم اتفاق الجميع على أهمية هذا النشاط من المسرح التعليمي، داخل المؤسسات التعليمية.
إلا أن معظم الإسهامات العربية في هذا المجال، لم تستطع أن تضع تعريفا إجرائيا، يصور بشكل دقيق، ما المقصود بمسرحة المناهج، وجاءت معظم التعريفات لتصف الظاهرة، دون التوصل لتحديدها إجرائيا.
سنحاول أن نضع تعريفا بسيطا لتلك العملية التي تعرف بمسرحة المناهج، والتي يكون نتاجها النهائي المسرحية التعليمية، وبصياغة بسيطة يمكن أن نعرف مسرحة المناهج بأنها: «إعادة تقديم الموضوع التعليمي بشكل غير مباشر من خلال وضعه في خبرة حياتيه، وصياغته في قالب درامي، لتقديمه إلى مجموعة من التلاميذ، داخل المؤسسات التعليمية، في إطار من عناصر الفن المسرحي، بهدف تحقيق مزيدا من الفهم والتفسير».
 من هذا التعريف الموجز نرى أن «مسرحة المناهج» تعتمد على عدد من العناصر التي نحددها في:
موضوع تعليمي.
ربط الموضوع التعليمي بخبرة من الحياة.
صياغة الموضوع والخبرة في قالب درامي.
الاستفادة بفن المسرح بعناصره لتقديم هذا القالب.
وجود جمهور من التلاميذ المستهدفين بهذا العرض.
يتم العرض داخل المؤسسات التعليمية (غالبا الفصول الدراسية).
المنتج النهائي مزيدا من الفهم والتفسير.
وتشكل العناصر الثلاثة الأولى ما يعرف بمحتوى النص المسرحي التعليمي، والذي يتضمن موضوعا تعليميا يتضافر مع خبرة حياتيه يشكل معها نسيجا متسقا، يصاغ في قالب درامي، ويعتبر هذا المحتوى من أهم عناصر المسرحية التعليمية.
أما بالنسبة للموضوع التعليمي فهو يبدأ من محاولة تعليم الأطفال نطق بعض الكلمات أو تفسير بعض المفاهيم والمعارف الأولية، والتي قد يرى المعلمون أهميتها لمرحلة عمرية معينة، إلى تجسيد بعض الشخصيات والأحداث التاريخية والاجتماعية والسياسية المرتبطة بالمناهج الدراسية والحياة عامة،  أما بالنسبة للإطار الذي يقدم فيه الموضوع التعليمي، فيجب أن يكون إطارا من خبرات حياتيه، تعكس اهتمامات التلاميذ، ويتضمن شخصيات ومواقف مألوفة، ومن خلال هذه المواقف القريبة من الواقع يمكن تقديم الموضوع التعليمي بشكل غير مباشر.
  أما العناصر (من الرابع حتى السادس) فتشكل الإطار الفني الذي يتم من خلاله تجسيد النص التعليمي أو المسرحية التعليمية في عرض مسرحي ويتكون هذا الإطار من تقنيات فن المسرح التي تستخدم لتجسيد النص / العرض وأهمها، المؤدون.. (الممثلون) وهم بالضرورة من غير الطلبة أو من الطلبة أصحاب الموهبة ومعهم المعلمون، أو ممثلون محترفون كما تتكون بعض الفرق المحترفة المتخصصة في هذا النوع من المسرح في الغرب، أيضا لا ننسى هنا المنظر المسرحي والملابس والمؤثرات الصوتية، والتي يفضل في استخدامها مراعاة البساطة والاقتصاد في التكلفة. وبالنسبة لصغار الأطفال والأطفال ذو الاحتياجات الخاصة، نجد أن يكون مسرح العرائس، بعرائسه الجميلة عامل جذب هام للعملية التعليمية داخل الفصل لو استخدم كوسيلة لتقديم المسرحية التعليمية.
 وطبعا يمتاز المسرح هنا بوجود مشاهدين، وهم جمهور التلاميذ المستهدفين من العرض الذي يتم داخل حجرات الفصل، أو في أي مكان، داخل المؤسسة التعليمية يمكن أن يصلح أو يعد لمثل هذا النشاط. هذا هو المسرح البسيط الذي يمكن استخدامه في مسرحة المناهج.
 أما العنصر الأخير، فهو الذي يبلور الهدف من توظيف مسرحة المناهج ويلخص الإجابة على سؤال «ولماذا مسرحة المناهج؟» والتي نجيب عنه، من اجل:
 - تغير في فهم واتجاهات المتلقي للموضوع التعليمي.
 - إثارة حب الاستطلاع والرغبة في المعرفة بموضوع تعليمي أو قضية تتناولها.
 - المساعدة على مزيد من التفسير.
كيف نكتب مسرحية تعليمية؟
يمكن حصر خطوات كتابة المسرحية التعليمية في مرحلتين أساسيتين:
1 - مرحلة ما قبل كتابة النص: وهي المرحلة التي يحاول فيها الكاتب الإلمام بموضوعه والتعرف على أهم جوانبه وتحديد مفاهيمه، وجمع الآراء والنقاش فيما يجب أن يكون عليه هذا الموضوع
وفي هذه المرحلة يحاول الكاتب المسرحي، الإجابة على عدد من التساؤلات المرتبطة بفكرة وموضوع المسرحية التعليمية، ووسيلته في الحصول على الإجابة عليها، الاطلاع على مزيد من المراجع والخبرات السابقة، أو من خلال ورش العمل واللقاءات المتعددة مع التلاميذ والمعلمين والتربويين والفنانين..
وتتنوع هذه التساؤلات إلى:
- ما يمكن أن يضيفه الكاتب للمادة الدراسية لتلقي القبول من التلاميذ؟
- ماذا يهدف المعلم أو إدارة المدرسة من الإضافات التي قد يقترحوها إلى موضوع المسرحية؟
- هل يمكن أن يتضمن موضوع المسرحية عوامل جذب قوية وكافية لجذب انتباه التلاميذ؟
- هل ما تحاول المسرحية إضافته – سواء من وجهة نظر الكاتب أو المعلم – يتوافق مع الأهداف التعليمية بالمنهج الدراسي؟
- ما هي الاحتياجات الفعلية للتلاميذ لمثل هذه الإضافات؟
- هل الإضافات والمعلومات المنتقاة لصياغة الموضوع، قادرة على إثارة التفكير النقدي للتلاميذ، أم ترتبط بما يعرفونه فعلا من معلومات فقط؟
- ما هي العناصر التعليمية اللازمة للمناقشة والمتابعة، خلال ورش العمل؟
- كيف يمكن أن يتحقق التوازن المطلوب بين المادة الدراسية، وعناصر البناء الدرامي المسرحي؟
- هل تصلح المادة الدراسية، لإقامة مواقف درامية جيدة؟
وتشكل الإجابة على هذه الأسئلة ما نسميه الخطة العامة التي يجب أن ينطلق منها الكاتب للعمل، واضعا نصب عينيه، أهداف الفرقة التي يكتب لها، وأهداف المدرسة والمنهج الذي يتعامل به، ووجه نظر ورؤيا المعلمين، والأمر بهذا الشكل يختلف بالضرورة عند كتابة مسرحية تعليمية عن كتابة موضوع عام لمسرح الأطفال والذي قد يكون للكاتب به خبرة سابقة. حتى يكتب لجمهور كبير متنوع المراحل العمرية، وبدافع تعليمي أقل.
من هو الجمهور المستهدف؟من جانب آخر، وحتى يستطيع الكاتب أن يعادل الفكرة الدراسية، بموضوع أو خبرة حياتية، تلقي الاهتمام من التلاميذ، يجب أن يكون ملما بهم، بظروفهم، ومشكلاتهم، وتوقعاتهم بالنسبة للموضوعات العامة والدراسية.
2 - مرحلة كتابة النص: Scripting phase
تأثر المسرح التعليمي بجهود ومناهج الكثير من الكتاب والمؤلفين، ولكن مع ذلك فهناك بعض الأساسيات العالمية التي تحدد أسلوب كتابة المسرحية التعليمية، ويمكن القول في هذا الصدد مع أرسطو بضرورة وجود الحبكة جيدة البناء، التي تتضمن الأفكار الأساسية المحددة، والشخصيات، والحوار والأغاني، والرقص، ومع ذلك لا بد أن نضع في الاعتبار أيضا وثائقية بريخت وآرائه، خاصة تلك التي تدور حول مفهوم الإيهام المسرحي، واعتقاده في المواجهة المباشرة للمشكلة الدرامية أمام الجمهور.
ومثل أي عمل مسرحي فإن النص التعليمي يجب أن يكون جيد البناء، له بداية متماسكة واضحة ويتصاعد الحدث بها لوسطه ونهايته، وفعل مترابط وحبكة واضحة، وشخصيات محددة الأبعاد والصراع، والأزمة، التي تتصاعد إلى الذروة والانعكاسات، والسخرية، والمزاج العام وتكرار الفكرة الأساسية، والحل. وجميعها تشكل العناصر المعتادة والتقليدية للبناء الدرامي، إلا أن أهميتها هنا تأتي من استخدامها كإطار للمسرح التعليمي الذي يضع في اعتباره المحتوى التعليمي.
وقضية «المحتوى التعليمي» تشكل دوما مشكلة مستمرة تؤدي إلى طرح السؤال التالي «هل المسرحية التعليمية ببساطة، دراما تقليدية، يخفف من دراميتها اهتمامات تربوية وتعليمية؟»
وأفضل طريقة للإجابة على هذا السؤال ستكون مثال محدد من عروض ال (CAT) قصة مسرحية (Last Year) وموضعها الرئيسي يدور حول انتحار بعض البالغين (المراهقين) والضغوط التي تؤدي إلى قيامهم بمثل هذا الفعل. (132 - 81). يعتبر المحتوى من أهم عناصر المسرحية التعليمية، فبجانب القصة الدرامية المؤثرة، التي تشكل عصب العمل، هناك الموضوعات التعليمية التي تجئ متضافرة مع نسيج القصة الدرامية بشكل كبير.
ويتدرج المحتوى التعليمي من نطق بعض الكلمات التي قد يرى المعلمون أهميتها لمرحلة عمرية معينة، إلى تجسيد شخصية تاريخية ممن تدرس في المنهج المدرسي، والذي تتناوله المسرحية بشكل أكثر نقدا أو تحليلا.
اللغة: dialogue
إن الخطأ الشائع الذي يقع فيه كل من يكتب لمسرح الأطفال، وبالمثل أي فرد يحاول أن يكتب لمستمعين من الصغار، محاولته أن يبسط بشكل كبير الموضوع بحبكته، وفعله، وحواره.
مع أن اللغة في المسرحية التعليمية يجب أن تكون كالمرآة التي تعكس الجمل، والأساليب العامية، والرموز التي يتعامل بها المشاهد المعاصر، وفي نفس الوقت تقدم للمشاهد كلمات وأساليب مناسبة للحوار، تساعده على أن يفهم، سلوك الشخصيات المختلفة، التي عاشت في الأزمنة المختلفة، وبالنظر إلى استخدام اللغة المعاصرة في النص، يجب أن يكون كاتب المسرحية التعليمية قادرا على استخدام التعبيرات المميزة للجماعات المختلفة، واللغة الشائعة، والمعاني التي يمكن أن تعبر عنها الكلمات، واللهجات المعاصرة، التي يختارها، من وسائط الإعلام والثقافة، والتلاميذ أنفسهم. كل ما سبق من شأنه أن يغلف المسرحية بالإطار الواقعي الذي تحققه اللغة. مما يخلق توحدا مباشرا لدى التلاميذ عند استخدامهم هذا النوع من اللغة المعاصرة خلال تدريس الدراما.
لكن ومع ذلك يجب أن يكون هناك إبداعا للغة جديدة، لغة دقيقة تعكس اللغة التي يتحدث بها الكثير من التلاميذ. لكن بأسلوب تربوي، 
الشخصيات: Characters
قد تكون الشخصيات في المسرحية التعليمية تاريخية أو من الواقع أو رمزية، ومع ذلك يجب تجنب أي غموض للشخصيات وعدم وضوح أبعادها بالدرجة التي قد يصعب على المشاهدين من التلاميذ فهمها وبالتالي فهم الحدث.
وعند كتابة المسرحية التعليمية يجب الاقتصاد في عدد الشخصيات التي تجسد الحدث، لجانب تربوي وآخر فني، أما التربوي فيرجع إلى قدرة التلاميذ على الانتباه والتركيز، والفني لقلة عدد العاملين في مثل هذه الفرق، حيث إن معظم الفرق المسرحية التعليمية لا يزيد أفرادها عن ستة أفراد.. وفي مثل هذه الحالة قد نلجأ إلى قيام المثل الواحد بدورين أو ثلاثة في المسرحية، مع التركيز على أن يستثنى من ذلك الشخصيات الرئيسية التي يجب أن يقوم بها ممثل واحد لا يؤدى غيرها من الأدوار، حتى لا يسبب ذلك تشويشا لدى التلاميذ، التي تتوحد غالبا مع الممثل الذي يقوم بالدور الرئيسي.
وبالنسبة للشخصيات الرئيسية في المسرحية التعليمية، فيجب أن تكون واضحة، يتعرف المشاهد على دورها في الصراع وكيف ترتبط بالمسرحية منذ البداية. ذلك أن تأخر ظهور البطل أو الأبطال في الدخول في الصراع مباشرة قد يربك المسرحية، وهذا لا يعني التبسيط المفرط أو الإسراع الفائق لعرض المشكلة.
والشخصية المضادة والشخصيات المساعدة لا يفضل أن تكون أحادية البعد بل لا بد وأن تكون شخصيات إنسانية تثير الانفعالات والعواطف.
والتحول في حياة الشخصيات المختلفة، يجب أن يكون واضحا ليساعد على الحفاظ على القدرة التحليلية لدى التلاميذ المشاهدين لتحليل الاختيارات المختلفة التي اتخذتها هذه الشخصيات، والأجزاء التي عانوا منها في المسرحية.
وأخيرا يجب أن تمر كل الشخصيات في المسرحية التعليمية بعملية التحول في أسلوب حياتهم، أو مواقفهم السابقة.
يساعد هنا على أن يفكر التلاميذ، في الشخصيات التي تقف أمامهم على خشب المسرح، ومصائرهم، مما يشجع على تنمية التفكير الناقد لديهم. كما يسمح لهم هذا بإعادة النظر في دوافعهم الشخصية، وأن يروا كيف تكون الأفعال نتاج للاختيارات، وكيف يتبعها نتائج ترتبط بها. يساعد على التأكد على كل هذه الجوانب ما يتم من نقاش في ورش العمل وحلقات النقاش التي تتم قبل وأثناء وبعد العرض.

أساليب إخراج المسرحية التعليمية
داخل الفصل؟
لا يكتسب النص المسرحي التعليمي أهميته، إلا من خلال تجسيده في عرض مسرحي فني، يتضمن عناصر العرض المسرحي المعروفة من إطار تشكيلي، وأداء ممثل، ومؤثرات، يجمعهم واحد من المناهج والأساليب الفنية المناسبة لذلك النوع من العروض. وهناك ثلاث اختيارات لمناهج إخراجية، يمكن الاختيار منها لأسلوب العرض، وإن كانت مساحة الإبداع المسموح بها لا حد لها، وهذه الأساليب هي:
1 - الأسلوب التقليدي للعروض المسرحية.
2 - الأسلوب التسجيلي الوثائقي.
3 - الأسلوب الملحمي.
 وهذا قد يكون محورا للقاء آخر.


كمال الدين حسين