العدد 646 صدر بتاريخ 13يناير2020
شرفت بحضور مؤتمر" مسرح الطفل والتنمية في عالم متغير " والذى عقد في نقابة اتحاد كتاب مصر في الثامن والعشرين من ديسمبر 2019، وقد أثار بداخلي العديد من الشجون ، وحملني بكثير من الهموم ، نحو معشوق لى عشقته طوال عمرى ، منذ كنت تلميذا بالمدرسة الابتدائية ، فالإعدادية ، فالثانوية ، وتحول العشق إلى هيام مع دخولي الجامعة وتخرجي منها ، ثم عملي في مجال المسرح كناقد ، و مؤلف ومخرج ، وأخيرا استاذا لفن المسرح في كليات التربية للطفولة المبكرة ، والتربية النوعية قسم الاعلام التربوي شعبة المسرح ، وعضوا في الجمعية البريطانية للمعالجين بالدراما ، أي تحول الهيام إلى اقتران .. بفنون المسرح .. في المؤسسات لتعليمية ، من مرحلة الحضانة الى الجامعة .
لذلك لم يكن غريبا أن أشعر بالأسى والغيرة لما أصاب المسرح في المؤسسات التعليمية من تعثر ، قد تكون عدوى من المسرح العام ، او له اسبابه ، بعد أن كان المساعد للكثيرين في التنشئة الاجتماعية والثقافية ، والوطنية ، والتميز العلمي والمعرفي ، والمهني .
لقد خرج من عباءة المسرح ف المدارس الثانوية الكثير من نجوم المسرح والسنيما في الستينان خاصة مع إنشاء فرق التلفزيون المسرحية ، وأذكر منهم سعيد صالح رحمه الله ، محى الدين عبد المحسن ، وعادل امام ، ومحمود ياسين وحسن يوسف ، وسناء شافع وغيرهم مما لا تسعفني الذاكرة بتذكر مناملتهم لى في مسرح المدارس الثانوية ، حيث لم يكن هناك ورش لتدريب الممثل ، او دورات تدريبة خاصة لأعداد الممثل .
كانت المدرسة والمسرح المدرسة آنذاك ، فكيف وصل به الحال ليوم ؟ أو ما هو الواقع الذى يعيشه ومعاناته اليوم ؟
هذا ما سنحاول التعرف علية من قراءة لبعض الأبحاث التي قدمت في المؤتمر بواسطة بعض المتخصصين والعاملين في مجال المسرح في المؤسسات التعليمية .
أولا : مشكلة اضطراب الهوية والمصطلح :
ما لاشك فيه أن التعامل مع أي منهج علمي للتفكير ، أو اسلوب فنى للتعبير ، أو وسيط للتواصل ولنقل خطاب ثقافي للجمهور ، لابد له من هوية ومصطلح يتفق عليه الجميع ليشير في استخدامه لطبيعة وخصائص واسلوب عمال المنهج أو الاسلوب أو الوسيط ، وكلما كان المصطلح واضحا بلا لبس ، كانت الهوية محدده بشكل علمي دقيق ، يساعد على الفهم والتفاعل معه والاستفادة منه ، وبالتالي يعتبر اضطراب المصطلح من أهم معوقات التعامل مع المسرح في المؤسسات التعليمية ، وسوف نحاول قراءة بعض اوراق المؤتمر للتعرف بما يدور في ذهن المتخصصين حول مفهوم مسرح الطفل ، والمسرح في المؤسسات التعليمية .
• في كلمة امين المؤتمر الشاعر عبده الزراع ، يقول ":يعد مسرح الطفل من اهم انجازات القرن العشرين ،لما يحدثه هذا الفن الرفيع من تأثير مباشر على عقل ومخيلة الطفل المتلقي من خلال عناصر العرض المختلفة " ( ص 3 )
ثم يشير الى ان "مسرح الطفل رغم ايماننا بأهميته يعانى معاناة شديدة ،ويمر بأزمات يلمسها كل متخصص ومهتم في المسرح ،متمثلة في ندرة النصوص الجيدة ،وقلة الميزانية ...وندرة المخرجين الموهبين ...ومن ثم اخترنا أربعة محاور مهمة وهى ( المسرح المدرسي- آفاقه واشكالياته ) ،(القضايا التوعوية في مسرح الطفل )، (مستقبل المسرح وتحدياته )،( والتجارب المسرحية للطفل )"( ص 3-4).
فعدم تحديد المقصود بمسرح الطفل ، وادماج المسرح المدرسي مع مسرح الطفل ، مع اختلاف القضايا والاشكاليات ، كل هذا يسبب ارتباك في تحديد المصطلح ، وربما في ورقة رئيس المؤتمر المزيد من التحديد .
• تحدد رئيس المؤتمر ا. فاطمة المعدول المصطلح بالقول "وكلمة مسرح الطفل تعنى فى الاساس المسرح الكلاسيكي التقليدي الذى يقدم على مسارح العلبة الإيطالية في الكيانات المسرحية للمحترفين :مثل :البيت الفني للمسرح او في بعض قصور الثقافة "( ص 6 )،
ثم تضيف "انه المكون الأساسي الذى تنبثق منه كل الاشكال المسرحية الاخرى التي تمارس مع الاطفال ،مثل المسرح البسيط ،او المسرح كنوع من اللعب ،او التجارب والورش المسرحية ،وبالطبع المسرح المدرسي او مسرحة لمناهج ..وهى صيغ موازية وليس بديلة " ( ص 6 ).
هنا نجد قص مسرح الاطفال على الشكل التقليدي للمسرح كعمارة ترتبط بالعلبة الإيطالية ،وقصره على المحترفين فقط ، ثم تعدد الأشكال المسرحية ، وتقصد بالضرورة – الدرامية _ التي تمارس عن طريق الهواة طالما أن المسرح التقليدي احترافي ، وتجمع في سلة واحدة الانشطة الدرامية ( اللعب الدرامي ولعب الادوار ) مع المسرح المدرسي ( في المؤسسات لتعليمية ) ومسرحة المناهج ، باعتبار أن مسرحة المناهج شيء والمسرح المدرسي شيء آخر .
• في ورقة بحثية بعنوان "حتمية الرقابة الادارية على المسرح المدرسي "تشير الدكتورة :اميمة منير جادو ،وهى اخصائية تربوية في المركز القومة للمناهج ،التابع لوزارة التربية والتعليم ،تشير إلى ان "المسرح المدرسي يعد وسيلة فنية من وسائل الاثارة والجذب للتلاميذ ،كما يشكل النص مرتكزا اساسيا ..بما يتضمنه من مقومات تربوية ونفسية "( ص 12 ). ثم تعرف المسرح في المؤسسات التعليمية بعد ان قدمته كمسرح مدرسي بانه المسرح التربوي ،فتشير الى ان:
المسرح التربوي :اسلوب يجمع عناصر المسرح والتعليم ،ذلك لأنه يستعمل وسائل مسرحية لتقديم تجربة ،الهدف منها تربوي ،فهم يحتوى على عناصر المسرح (من جمهور ومكان )"والمسرح في التعليم ( التربوي )ليس صورة اخرى للمسرح العادي ،بل انه يختلف اختلافا جوهريا من حيث الإعداد والاهداف والمضمون " ( ص 18 )
ثم تعرف المسرح في مؤسسات لتعليمية اجرائيا بانه :
المسرح المدرسي وهو "الوسيط التربوي الذى يتخذ من المسرح شكلا ومن التربية وتعاليمها مضمونا ،ومن خصوصياته عرض الموضوعات والقضايا التربوية والدينية والتاريخية التي تهم الطالب ...كما يعما على صقل شخصية الطاب وتهذيبها وتعليمها السلوكيات الايجابية ،وتنفذ عروضه المسرحية ضمن نطاق المدرسة ،من خلال فريق يتألف من المعلم والطلاب " " وعلى ذلك فالمسرح المدرسي هو تربوي بالدرجة الاولى والاخيرة "( ص 19 ).
اما مسرحة المناهج فإنها "وضع المواد الدراسية في حوار تمثيلي مشوق للطلاب "(ص 19 ).
ثم تحدد أنواع المسرح المدرسي الى "أنواع عدة منها :المسرحية ،التمثيلية الحرة ،اللعب التمثيلي ،الاستعراض التاريخي ،التمثيلية الصامتة " ( 40 ).
يبدو اضطراب المصطلح هنا في الخلط بين المسرح التربوي كهدف ، والمسرح المدرسي كمكان لممارسة النشاط المسرحي ، ولم تحدد الباحثة هنا ما المقصود بعناصر المسرح او عناصر التعليم وأغلب الظن انها تقصد فنون المسرح ، من نص ، واداء واعداد للمكان ، باستخدام المناظر والاضاءة والمؤثرات ، فعناصر المسرح ليست (جمهور ومكان فقط) ، كما ذكرت .
ثانيا بالنسبة لمسرحة المناهج هي تعتمد على اعداد المادة الدراسية في حوار فقط ، اما اعدادها في نص مسرحي او خبرة حياتية تقدم في اطار مسرحي من منظر ومؤثرات عن طريق مؤدين قد يكونوا من الطالبة او المعلمين ، علما بأنه يوجد في العالم الغربي الآن ما يعرف بفرق المسرح التعليمي Theatre in Education التي تتخصص في تقديم عروضها كما سنعرف بعد في المؤسسات التعليمية .
• أما عفت بركات ،وهى مدرس للغة العربية وتقوم أيضا بالإخراج في المسرح في المؤسسات التعليمية فتشير الى مصطلح المسرح المدرسي بانه "ذاك المسرح الذى يقوم بالتمثيل فيه الاطفال انفسهم ،فضلا عن انه موجه للطفل "( ص 55 ) .كما ان له "فلسلفته الخاصة التي تميزه عن المسرح عامة ،ذلك أنه يسهم في تحقيق التقدم الدراسي الدائم ،ويعين على التحصيل والتزود العلمي والأدبي والفني "( 57 ).
كما تتبنى التريف الذى يقول به البعض بأنه نوع من انواع مسرح الطفل و " لون من النشاط يؤديه الطلاب تحت اشراف معلميهم داخل الفصل ا او خارجه في صالة المدرسة وعلى خشبته او خارج الصالة في حديقة المدرسة او ساحتها "( 57 ).
هنا بخلاف الخلط بين المسرح كنشاط يعتمد على فنون المسرح ، يوصف بانه مساعد للتلاميذ في العملية التعليمية والتحصيل الدراسي ،كما انه قد جرى العرف على وصف الاطفال المقيدين بالمدارس بعد مرحلة ما قبل المدرسة بالتلاميذ ، وبعد الثامنة عشر بعد الالتحاق في الجامعة بالطلبة ، وهذا خلط ثان ،قد ندرك اسبابه عندما تحدد انواع المسرح المدرسى من وجه نظرها .
فتصف المسرح في المؤسسات التعليمية ( داخل المدرسة )بأنه نوعا من الأنشطة المدرسية " التى يمارسها الاطفال يتدربون من خلاله على ممارسة أنواع متعددة من فنون الأداء ، كالألقاء ، والخطابة ، والنشيد والتمثيل ومواجهة الجمهور ...وممارسة العمل الجماعي وتحمل المسئولية .... الخ " ( ص 58 ) .
تقسم الباحثة في دراستها انواع المسرح المدرسي الى :
ا- المسرح التربوي :وهو نشاط يقوم به الطلاب بأشراف معلم التربية المسرحية
ب- المسرح التعليمي :وهو نشاط يقدم لطلاب الفئات الخاصة ، بأشراف معلم
النشاط المسرحي ومعلم متخصص في الإشارات والايماءات ... وهو يقوم على
لغة، الاشارة والإيماءة. ... وإتاحة الفرصة لذوى الفئات الخاصة في التعامل مع
البيئة " ( 59 ) .
ج – مسرح العرائس : نشاط مسرحي ( يسمى مسرح العرائس) يقدم للأطفال قبل
دخول المدرسة ، ويعتمد على النصوص المكتوبة باللغة العربية الفصحى
ويقدمه الممثلون الكبار المحترفون مرتدين ملابس الشخصيات (الأقنعة)( 59 ).
د –المسرح الغنائي : وهو الذى يعتمد على حوار غنائي عن طريق الاناشيد والحوار
شعرا .
نلاحظ هنا أن هناك خلطا بين وظيفة المسرح التعليمي ومسرح الفئات الخاصة ، فالمسرح الذى يقدم للفئات الخاصة هو مسر ايضا مع الاختلاف في توظيف فنون المسرح من نص ، وأداء ممثل ،لكنه ليس تعليميا فقط .
ثانيا المشكلات :
• تحدد اميمة جادو المشكلات الى "غياب الرقابة والضمير ،الكثافة الطلابية ،تكدس المناهج ،فوضى التعليم ،وضعف الميزانية ،...كل هذه التحديات أدت الى تراجع دور الأنشطة ....وعى راسها المسرح المدرسي "( 13 ).
• اما عفت بركات كممارسة للإخراج المسرحي فالمشكلات من وجهة نظرها تحدد في :
• عدم اقتناع ادارة المدرسة احيانا بممارسة النشاط المرحى .
• ضعف الامكانات المادية .
• عدم وجود أخصائي مسرح مدرسي في المدارس .
• اعتماد التوجيه المسرحي على نفس الخطة السنوية التي لا تتغير تقريبا .
• غياب الوعى النفسي والتربوي من قبل القائمين على العمل المسرحي والمدرسي .( 65-66 ).
هذا بعض من الخلط في المفاهيم والمصطلحات الموظفة للتعريف بالمسرح داخل المؤسسات التعليمية ، واعتبار المسرح التربوي ، هو المسرح التعليمي أو مسرح العرائس ، او الانشطة الدرامية ، هكذا يتضح من استخدامها بالتبادل عند الحديث عن توظيف المسرح داخل المؤسسات التعليمية ، "كما قرأنا في بعض الاوراق البحثية في محور المسرح المدرسي- آفاقه ومشكلاته " ، كذلك تعددت المشكلات التي يعانى منها المسرح داخل المؤسسات تعليمية واكتفينا بما ورد في الدارستين التي تم قراءتهما ، ألأمر الذى كان لابد له من نظرة لتوحيد المفاهيم والمصطلحات بشكل علمي ، ووضع اساس علمي لكيفية توظيف المسرح بفنونه المختلفة ، داخل المؤسسات التعليمية ، من خلال منظور علمي يشمل كافة الأنشطة الدرامية والمسرحية ، التي تمارس داخل المؤسسات التعليمية .
وسنبدأها بالتفكير في لماذا المسرح في المؤسسات التعليمية ؟ وهذا محور الجزء الثاني .