كيف تفاعل المسرح المصري مع أحداث 23 يوليو 1952؟!

كيف تفاعل المسرح المصري مع أحداث 23 يوليو 1952؟!

العدد 569 صدر بتاريخ 23يوليو2018

اليوم ختام المهرجان القومي للمسرح المصري، ويوافق الذكرى الخامسة والستين لثورة 23 يوليو 1952، ومقالتي اليوم ربما ستكون مختلفة!! فجميعنا يعلم جيداً أثر هذه الثورة على المسرح المصري، لا سيما ظهور مسرح الستينيات، الذي نفتخر وسنظل نفتخر به مئات السنين؛ بوصفه أهم مرحلة في تاريخ المسرح المصري!! وعذراً عزيزي القارئ؛ لأنني سأخالف توقعاتك ولن أتحدثك عن مسرح الستينيات، بل سأتحدث عن كيفية استقبال المسرح المصري لما حدث يوم 23 يوليو - قبل أن يُطلق عليه ثورة - خلال الخمسة أشهر الأولى، وتحديداً من أغسطس إلى ديسمبر 1952. وفي هذه الأشهر، كان المسرح المصري يتمثل في ثلاث فرق عاملة، هي: الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى بإدارة الدكتور فؤاد رشيد، وفرقة المسرح المصري الحديث بإدارة زكي طليمات، وفرقة الريحاني بإدارة بديع خيري. هذا بالإضافة إلى فرق الصالات ومن أشهرها: فرقة المطربة ملك، وفرقة فتحية محمود.
الفرقة المصرية
عندما نجحت حركة الجيش يوم 23 يوليو، واستتب لها الأمر، بدأت تنظر إلى مؤسسات الدولة، ومنها المسرح؛ بوصفه وسيلة إعلام مهمة ومؤثرة، حيث أعلنت الصحف بأن مندوباً من القيادة العامة للجيش سيتقابل مع مديري الفرق المسرحية المصرية “وذلك للمناقشة في الوسيلة التي يمكن أن يُستخدم بها المسرح في خدمة الوطن والحركة الجديدة المباركة” .. هكذا قالت مجلة (الفن) يوم 18 أغسطس. ومن المؤكد أن لقاء المندوب لم يكن إيجابياً مع الدكتور فؤاد رشيد مدير الفرقة المصرية - بوصفه منتمياً إلى العهد الملكي البائد – والدليل على ذلك ما نشرته جريدة (أبو الهول) يوم 19 سبتمبر بأن مدير الفرقة في حيرة أمام المسرحيات الجديدة، التي جاءت عكس ما يتطلبه العهد الجديد؛ حيث إنها مسرحيات “تعالج أموراً اجتماعية لا غنى للعهد الجديد عن عرضها على الناس، ولو إنها لا تتناول التعريض بالعهد البائد أو التمجيد للعهد الجديد”. ونتج عن ذلك صدور قرار وزاري يوم 23 سبتمبر بتعيين جورج أبيض مديراً عاماً للفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى، بدلاً من الدكتور فؤاد رشيد المحسوب على العهد البائد!!
وفي أول حوار مع جورج أبيض؛ بوصفه مدير الفرقة المصرية، الذي عينته القيادة العسكرية – والحوار منشور في جريدة (أبو الهول) يوم 6 نوفمبر – وجدناه يصول ويجول مباركاً ما حدث يوم 23 يوليو. وسنجتزئ من الحوار هذه العبارات التي ذكرها جورج أبيض، ومنها قوله: “.. لقد أعددت عدتي لأن أقوم بنهضة مباركة أزيل فيها ما علق بالمسرح من شوائب العهد الماضي وأدرانه .... والبحث عن المسرحيات الممتازة التي تتلاءم والعهد الجديد ..... ومسرحية (غروب الأندلس) للشاعر الأستاذ عزيز أباظة سأفتتح بها موسمنا هذا العام يوم 15 نوفمبر سنة 1952، وسيكون إيراد هذه الحفلة لصالح جمعية مشوهي الحرب وسيفتتحها الرئيس اللواء محمد نجيب إن شاء الله ..... إنني كنت غير مساير للعهد الماضي، عهد الفساد”.
وإمعاناً في مباركة جورج أبيض لحركة الجيش، طبع في مقدمة بروجرام مسرحية الافتتاح (غروب الأندلس) كلمة للواء محمد نجيب – مع صورته – قال فيها نجيب: “إن ركب الحرية ماضٍ في طريقه، وعجلة التحرير تسحق العقبات وتمهد الطريق”. أما كلمة جورج أبيض في البروجرام نفسه، فنقتبس منها هذه العبارات: “... يسر الفرقة المصرية، أن تكون سباقة إلى مسايرة النهضة الفكرية المباركة، والرائد الأول لخدمة الانقلاب العظيم .... وفي العهود السابقة، كنا نحاول دائماً أن نتحرر من نير الطغيان .... وقد نفضنا الثوب القديم الذي تعلقت به أدران العهد الغابر .... داعين أن يوفق الوثبات الناهضة لخير هذه الأمة الكريمة”.
أما كلمة أعضاء الفرقة المصرية المنشورة في بروجرام المسرحية، فتعدّ وثيقة مهمة، يجب نشرها كاملة، وفيها قال الممثلون: “كان لوثبة الجيش العظيم، وقيامه بالحركة المباركة، التي كانت تجيش في صدر كل مصري وطني، صدى في جميع المرافق العامة والخاصة، وتبع هذه الحركة انقلاب شامل، عمّ الأوساط الفنية بصفة خاصة .. إذ أن أقلام الأحرار كانت مقصوفة، وأفكار الكتاب محبوسة، وامتد كابوس الطغيان إلى البيئات الفنية، فبطش بكل ذي فكر، وكمم أفواه الحق التي حبست أناتها على مضض .. وكلما تعاقبت الأيام، زاد المرجل غلياناً، واشتعلت النيران لهيباً، تغطيها كومة من الرماد .. حتى إذا جاء اليوم، يوم الانطلاق والخلاص والحرية، اندلعت النيران من مكمنها، وانفجر البركان من مستقرة .. وارتفعت أصوات الحق عالية مدوية، كأنها قصف الرعود .. فخرجت الأقلام من مكمنها تسطر صفحات الظلم، وصفحات الفخار، لا رقيب عليها ولا حساب .. ونفض الفنانون عن كاهلهم أدران الماضي البغيض، وانطلقوا يتنفسون عبير الحرية، لا يعرفون توان أو كسل .. كل فرد كأنه جندي من جنود الوطن .. يعمل في ميدانه، ليخدم الحركة الوطنية المباركة، وبدافع من نفسه، ووحي من ضميره، يبغي وجه الحق والفن الخالص .. فالكل في خدمة الفرد .. والفرد في خدمة المجموع .. كل ذلك سيظهر أثره واضحاً جلياً ملموساً، فيما سنقدمه إلى الجمهور الكريم الذي طالما حبانا بتشجيعه وعطفه ... وإنا إذ نعمل جميعاً في خدمة القضية الوطنية الكبرى، لا يسعنا إلا أن نقدم الفن الجديد للعهد الجديد .. والله ولي التوفيق”.
وكتبت جريدة (الأهرام) يوم 19 نوفمبر مقالة عن العرض، شملت هذه العبارة الكاشفة: أن عزيز أباظة استطاع “أن يرسم صورة شعرية رائعة لفترة من أدق الفترات في تاريخ الأندلس، بل في تاريخ العرب، واستطاع إلى جانب ذلك أن يخرج في هذا الرسم صورة تكاد تكون تصويراً حقيقياً للفترة الأخيرة التي عانت فيها مصر ما عانت من طغيان الملك المخلوع وفساد حاشيته، لولا أن أراد الله أن تختلف النهاية، فظفرت مصر بما لم تظفر به الأندلس في محنتها، وهب جيشها الباسل فرد عنها ما أوشك أن يصيبها من وبال، وحقق لها ما كانت تصبو إليه من كبار الآمال”.
والجدير بالذكر إن الرئيس اللواء محمد نجيب حضر عرض الافتتاح بصحبة الوزراء وأعضاء الوفد الليبي، وقد هنأ الرئيس أعضاء الفرقة على مجهودهم الكبير. وبعد انتهاء العرض بأيام – وتحديداً في 12 ديسمبر - زار مصر العقيد أديب الشيشكلي – من سورية - الذي أراد أن يشاهد الأوبرا الملكية، وكانت مسرحية (الغيرة) هي المعروضة لصالح جمعية أصدقاء الشعب، فاتصل محمد نجيب بمدير الأوبرا سليمان نجيب، الذي أمر الفرقة بعرض مسرحية (غروب الأندلس) – بدلاً من الغيرة – لأنها تناسب الأحداث، وتناسب شخصية ضيف مصر وحضوره بصحبة الرئيس اللواء محمد نجيب.
وإيماناً من إدارة الفرقة المصرية برجال الحركة المباركة، بدأت في نوفمبر تدريباتها على مسرحية (أم رتيبة) للبكباشي يوسف السباعي، وقد أسند مخرجها فتوح نشاطي دور البطولة إلى السيدة فردوس حسن؛ “ولكن مؤلف الرواية البكباشي يوسف السباعي متمسك بأن تقوم بدور أم رتيبة ممثلة السينما وداد حمدي وقال يوسف: إن شخصية وداد حمدي كانت تملأ خياله وهو يرسم خطوط شخصية أم رتيبة. وقد استجابت الفرقة إلى رغبة المؤلف واتفقت مع وداد على تمثيل الدور”، هكذا قالت مجلة (الجيل الجديد) في ديسمبر 1952.
فرقة المسرح المصري الحديث
قبل مرور شهر على أحداث 23 يوليو، سارع زكي طليمات – مدير فرقة المسرح المصري الحديث – بالإعلان عن تغيير برنامج الفرقة بأن تفتتح برنامجها بمسرحية (الزعيم) لمحمود تيمور، ثم يعقبها مسرحية (البكباشي حلمي) لحسين كامل المحامي، وذلك من أجل تسخير جهود الفرقة لخدمة الوطن في ظل الحركة الوطنية التي قام بها الجيش .. هكذا أخبرتنا مجلة (الفن) يوم 11 أغسطس، وهي المجلة نفسها التي نشرت نص مذكرة طليمات إلى اللواء محمد نجيب يوم 18 أغسطس، وفيها أعلن طليمات مباركته للحركة المباركة التي حمل لواءها محمد نجيب، واقترح عليه “القيام برحلة تمثيلية إلى بلاد الوجهين القبلي والبحري وعواصم المحافظات يخصص إيرادها لأسر شهداء الجيش أو مشوهي الحرب أو لأية ناحية أخرى” يراها اللواء نجيب. ويقول طليمات في المذكرة: “الفرقة إذ تتقدم بهذا الاقتراح لا ترجو إلا أن تعبر به عن شعورها لجيش مصر الباسل، هذا الجيش الذي حملتم لواءه، وأقام بحركته المباركة البرهان القاطع على أن مصر تنجب البطل المرتقب في الوقت المناسب”.
والجدير بالذكر إن زكي طليمات هو أول من طالب القيادة العامة للجيش بحركة التطهير في مؤسسات الدولة، للتخلص من فساد العهد البائد، ونشر هذا في مجلة الفن في أغسطس 1952، ومما جاء على لسانه: “إن الحركة المباركة التي قام بها جيش مصر، تتلخص في معنى واحد، هو أن مصر تريد أن تبني مجتمعاً جديداً، على أنقاض مجتمع قديم، استشرى الفساد في نواحيه، وترعرعت الفوضى في مواقفه. وما كان الجيش – وهو من الشعب – ليثب وثبته هذه في غفلة عن الساهين إلا عن مصالح الشعب، لو لم تحس مصر حاجتها إلى تغيير الأوضاع القائمة، وإلى الإصلاح والتطهير يشملان جميع نواحي الحياة فيها. إلا أن هذه الحركة المباركة لن تؤتي ثمارها المرجوة فيما ترمي إليه، ما لم تحس هذا الإحساس، إحساس الحاجة إلى الإصلاح وتطهير جميع الهيئات القائمة على شئون الحياة في مصر، وذلك في مختلف نواحيها ومرافقها، فتهب متساندة متكاتفة، تؤدي واجب المساهمة في هذه الحركة الإصلاحية الشاملة”. وبالفعل تم تنفيذ التطهير، وأهم شخصية أصيبت في مقتل جراء هذا التطهير هو زكي طليمات نفسه؛ بوصفه من العهد البائد، فتم إبعاده – بالإقالة أو بالاستقالة - من إدارة الفرقة، ومن عمادة المعهد ومن إدارة المسرح المدرسي ومن كافة مناصبه!! وقصة جحود تلاميذه وما كتبوه في شكواهم ضده معروفة للجميع.
تولى إدارة الفرقة – بعد طليمات – دريني خشبة وقرر عرض أربع مسرحيات، وستكون مسرحية الافتتاح (كفاح الشعب) تأليف أنور فتح الله ومحمود شعبان ومن إخراج الأستاذ نبيل الألفي، الذي قال عنها: إنها “تمجد الشعب، وتمجد كفاحه وتضحياته بين الآلام والدماء والدموع .. فالشعب هو السيد الجديد الذي ولد مع العهد الجديد وحري بالمسرح أن يتغنى بهذه العقيدة فيربط الماضي بالحاضر ويعرض صفحات فنية يصور فيها للشعب فجر كفاحه ويذكره ببعض مظاهر قوته وعظمته”، هكذا قالت مجلة الفن في أكتوبر 1952. بعدها عرضت الفرقة مسرحية (نزاهة الحكم) بدار الأوبرا، التي قالت عنها جريدة (أبو الهول) في نوفمبر 1952: إن اختيارها “يتمشى مع الظروف الحاضرة وما تتطلبه نزاهة الحكم”.
فرقة الريحاني
كانت فرقة الريحاني آخر الفرق المسرحية التي سارت في ركب حركة الجيش؛ حيث لم تهتم بها القيادة العسكرية بوصفها فرقة خاصة وليست حكومية مثل الفرقة المصرية أو فرقة المسرح المصري الحديث؛ لذلك لم يتم تغيير مديرها بديع خيري؛ بوصفه من العهد البائد!! وتشاء الصدف أن تنشر مجلة (الجيل الجديد) في سبتمبر 1952 مقالة بعنوان (حكم قراقوش) هاجمت فيها الملك فاروق ووصفته بأنه قراقوش وروت قصصاً عجيبة منها زيارته إلى مخازن الأوبرا عام 1939 حيث “انتقى خلالها بعض التحف من بينها آلات موسيقية يرجع تاريخها إلى عهد الرومان، وهذه الآلات لا تقدر بثمن بالنسبة لقيمتها الأثرية”. كما زار فاروق الأوبرا مرة أخرى عام 1950 “ولمح وهو في طريقه صورة زيتية للخديوي إسماعيل .... فأمر بخلعها وإرسالها إلى قصر عابدين فوراً”.
هذه المقالة – ربما – استغلها بديع خيري في إعادة عرضه لمسرحية (حكم قراقوش)، التي عرضتها فرقة الريحاني عام 1936. ومما يؤكد هذا الظن أن جريدة (الأهرام) قالت بعد عرضها في نوفمبر 1952: “كان أمس موعد افتتاح الموسم التمثيلي لفرقة نجيب الريحاني، فقدمت المسرحية الفكاهية الخالدة (حكم قراقوش) التي تكشف عن مظالم العهود السابقة”. ومن الواضح أن بديع خيري أراد مواكبة الأحداث الجارية، فقام بتغيير أحداث المسرحية، لتتناسب مع ما صرّح به في مجلة (الجيل الجديد) في أواخر نوفمبر 1952، عندما أوضح أن الريحاني – عندما عرض المسرحية عام 1936 – كان يقصد الملك فاروق بشخصية قراقوش، وعلقت المجلة قائلة: “وقد أجرى الأستاذ بديع خيري عدة تغييرات في الفصلين الثاني والثالث تصور قراقوش كما كان يريده الريحاني حقيقة في صورة الملك الظالم المستبد برأيه الذي يستمع دائماً لآراء حاشية السوء الذي تفسده وتقضي عليه”.
الصالات وفرق أخرى
لم تقتصر مباركة حركة الجيش في 23 يوليو على الفرق المسرحية الكبرى العاملة، بل تخطتها إلى الصالات والفرق الصغرى والناشئة. فعلى سبيل المثال عرضت المطربة ملَك في مسرحها - المعروف بأوبرا ملك – مسرحيتها الوطنية الحماسية (أفدية)، خصصت إيراد عدة حفلات منها لصالح مشوهي حرب فلسطين؛ بوصفها آخر حرب خاضها الجيش المصري. ثم أتبعتها بمسرحية (سعدية)، التي تدعو إلى محاربة الظلم والطغيان، وخصصت إيراد الثلاث حفلات الأولى لمشوهي حرب فلسطين وأسر شهدائهم. كذلك فعلت فتحية محمود عندما عرضت الاستعراض الوطني (اشهدي يا دنيا)؛ بوصفه “صورة صادقة لحركة تحرير الوادي المباركة”.
ويُعدّ المسرح الشعبي أهم دعائم حركة الجيش مسرحياً، حيث قالت مجلة (الفن) في أغسطس 1952 تحت عنوان (الحركة المباركة في المسرح الشعبي): “صدرت الأوامر في إدارات المسرح الشعبي المختلفة، بوجوب مراعاة الظروف الحالية في مصر وانتصارات الجيش المصري في سبيل تدعيم حياة الاستقرار والإصلاح في بلادنا. ولذا طالبت إدارات المسرح الشعبي شُعبها والكُتّاب الذين يكتبون لها بوجوب تأليف مسرحيات جديدة لعرضها في رحلات المسرح الشعبي، تؤيد حركة الجيش المباركة، وتعلي حب الوطن والرغبة في الإصلاح، والتمسك بمكارم الأخلاق والفضائل على كل اعتبار آخر”. ونتيجة لهذا، اهتم الجيش بالمسرح الشعبي وخطورة رسالته، فاعتمد مبلغاً كبيراً من ميزانية الدولة. وعلقت مجلة (الفن) على ذلك بقولها: “نهنئ القيادة بهذه اللفتة الكبيرة نحو مدرسة الفلاح الروحية، فهذه اللفتة إن دلت على شيء فإنما تدل على بعد نظر ولاة الأمور لرسالة المسرح الشعبي وأثرها وخطرها في نفوس الفلاحين، بل ونفوس جميع المواطنين”. هذا الموقف من الجيش تجاه المسرح، أغرى إسماعيل رسلان المفتش بمراقبة التمثيل بوزارة المعارف للتقدم بمشروع تأليف فرقة مسرحية عسكرية من متطوعي الجيش، وقوبل مشروعه بالترحاب، وبدأت الفرقة العسكرية للتمثيل برئاسة اليوزباشي صلاح المصري تدريباتها في ثكنات قصر النيل على مسرحية (الاستعباد) ليوسف وهبي!!
كما أخبرتنا جريدة (البصير) في أكتوبر 1952 بأن فريقاً من خريجي المعهد العالي لفن التمثيل العربي تقدم إلى الوزارة بطلب للموافقة على إنشاء فرقة جديدة باسم (المسرح الحر)، وذلك على أثر الحركة الجديدة المباركة وزوال القيود التي كانت تكبل الفكر الحر في العهد السابق!! وبالفعل وافقت الوزارة، وبدأت الفرقة بروفاتها لمسرحية الافتتاح (الأرض الثائرة)؛ حيث إنها “تصور طغيان كبار الملاك على صغار المستأجرين واستبدادهم حتى يقيض لهم الله النجاة على يد حركة التحرير فتقلم أظفار الإقطاع ويسود الهدوء الأرض الطيبة بعد ثورتها على الطغيان”.
متفرقات أخرى
خلافاً لما سبق، هناك أمور مسرحية كثيرة حدثت خلال الشهور الخمسة التي مرت على أحداث 23 يوليو، من الصعب الحديث عنها تفصيلياً في هذه المقالة المقتضبة، لذلك سأكتفي بالإشارة إليها، ومنها: اقتراحات لوزير الدولة فتحي رضوان – نشرتها مجلة (الجيل الجديد) في أكتوبر – أهمها دعوته لكُتّاب المسرح للكتابة في الموضوعات الجديدة، التي أتاحها العهد الجديد ومنها: “مقتل حسن البنا، وعزل الملك السابق، وتحديد الملكية، وحل الأوقاف الأهلية، وتحول البلاد من عهد إلى عهد”.
كما أخبرتنا مجلة (الفن) في نوفمبر إن مراقبة المسرح المدرسي أرسلت إلى الرئيس اللواء محمد نجيب اقتراحاً بتمثيل مسرحية (الوطن) في جميع أقاليم مصر، وتخصيص إيرادها إلى مشوهي حرب فلسطين، أو إلى أي جهة يختارها الرئيس محمد نجيب. أما مجلة (الجيل الجديد) فنشرت في نوفمبر، قائلة: قرر مجلس إدارة الممثلين الهواة “تكوين فرقة من أعضاء الاتحاد لتقديم مسرحيات ترمي إلى تحقيق أهداف العهد الجديد وتستمد موضوعاتها من صميم الحركة الوطنية ويشرف على تكوين هذه الفرقة لجنة مكونة من أحمد سعيد خريج معهد التمثيل العالي وبعض أعضاء مجلس إدارة الاتحاد”.
خاتمة
هذه إطلالة سريعة عن تفاعل المسرح المصري - طوال خمسة أشهر - أمام أحداث 23 يوليو 1952، حيث وصف المسرحيون ما حدث بالحركة المباركة والانقلاب العظيم، الذي قام به اللواء محمد نجيب وأصبح رئيساً لمصر!! وربما من سيتتبع الأحداث بعد ذلك، سيكتشف الأسباب الحقيقية وراء إطلاق المسرحيين لفظ الثورة على هذه الأحداث، التي وصفوها في بدايتها بالحركة المباركة أو الانقلاب العظيم، وكذلك سيكتشفون اسماً سيلمع بعد ذلك – بدلاً من الرئيس اللواء محمد نجيب - وهو جمال عبد الناصر!!

 


سيد علي إسماعيل