الزناتي.. (السيرة الهلالية برؤية معاصرة للواقع العربي)

الزناتي.. (السيرة الهلالية برؤية معاصرة للواقع العربي)

العدد 567 صدر بتاريخ 9يوليو2018

للوهلة الأولى بوصفك متلقيا عند دخولك لأي عرض مسرحي لفرق هواة أو قصور ثقافة، تهيئ نفسك لفكرة تقبل مشاهدة أخطاء كثيرة بالعرض ومشاهدة ممثلين محدودئ الموهبة والخبرات، ولكن ما أن تدخل العرض المسرحي “الزناتي” من تأليف: د. محمد أمين عبد الصمد، ومن إخراج حسن سعد، على قصر ثقافة الجيزة، ستتغير فكرتك تماما عن تلك الفرق للهواة أو قصور الثقافة بمجرد أن تجد نفسك أمام مجموعة كبيرة جدا من ممثلين وممثلات على درجة عالية من الموهبة التلقائية الحقيقية، فكل متقمص لدوره بكل تركيز وأداء متمكن من أكبر لأصغر ممثل استحقوا معه أن يكونوا جديرين بذكر أسمائهم جميعا مثلما نذكر أسماء نجوم عروض مسرح المحترفين: أحمد البوشي، دعاء الخولي، أحمد مرسي، عبد السلام بدر، فاطمة منصور، أحمد حال، إمام الطائي، رجب حامد، إسلام سعد، أيمن الشريف، محمد علي، مجدي عبد العزيز، صلاح عبد المنعم، رضوى طاهر، إسماعيل شعراوي، حسام الجن.. مجموعة شباب أعجبني حماسهم وطموحاتهم وإيقاعهم في العرض، الرواية كما كتبها د. محمد أمين عبد الصمد هي السيرة الهلالية للزناتي كما نعرفها جميعا، ولكن برؤية وقراءة درامية للواقع السياسي والاجتماعي الآني والمعاصر من خلال نموذج البطولة العربية الزائفة المتمثل في شخص الزناتي بطل العرض المسرحي، بعد ما يسمى بالربيع العربي، والإرهاصات عبر الأزمنة الفائتة وتجسيد الصراع العربي العربي، وكذا الصراع مع العدو الأزلي والصراع في الدين، وفي المقابل كان الآخر والمتمثل في القوى العظمى الأقوى ثقافيا وعلميا، فكانت هي الغازي للعقل والوجدان، فنجحت في هدم كل المعابد التي يختبئ بها البطل على يد أهله وعشيرته وأبنائه، فكان بطلا من ورق.
الديكور والملابس لمحمد الشيتي كان بسيطا للغاية في حدود إمكانيات الإنتاج المتاحة لمثل تلك العروض، ولكنه في ذاك الوقت عملي جدا يسهل تغييره بين لوحات العرض واستخدامه في أكثر من لوحة من خلال بانرات وموتيفات بسيطة ترمز لقصر الزناتي، وغرفة نوم الأميرة ابنة الزناتي، والخيمة التي تدور من خلالها مؤامرات أهل القصر على الزناتي. 
أما الملابس فإن دلت فهي تدل على أن مصممها قرأ جيدا عن تاريخ ملابس هذه الحقبة الزمنية، فجاءت في غاية التوفيق والإبهار. 
الاستعراضات لسيد البنهاوي جاءت موفقة ومعبرة تماما عن حالة العرض البدوية، فاستلهم رقصات البدو الشهيرة والممتعة من خلال أحداث العرض المسرحي متوائما مع موسيقى وألحان العرض المبهجة والمعبرة التي وضعها سيد رمضان، والتي جاءت هي أيضا متسقة ومشتقة من الطابع البدوي الذي اتسمت به أغاني العرض التي كتب كلماتها: جمال السيد في لغة بدوية بديعة ومفهومة وممتعة. 
جاءت الإضاءة التي صممها عصام سعد لتخدم كل ذاك من خلال توظيفها جيدا مع الحركة والاستعراضات ودلالات ورموز العرض المسرحي، كما جاءت الإضاءة أيضا موفقة في التعبير عن كل تلك المواقف التي تدور بها المؤامرات من خلال الخلط اللوني بين الأحمر والأزرق. 
أما الإخراج المسرحي لحسن سعد، فكان هو حلقة الوصل الإبداعية لكل مكونات العرض المسرحي، فدوما يشتهر حسن سعد بتفرده وإتقانه في استخدام لغة الرموز والدلالات الحركية التي تعبر عن أفكار النص السياسية والاجتماعية، وذلك من خلال تدريب الممثلين على حركات صعبة ومعقدة من أجل بلورة الهدف المنشود من العرض المسرحي أمام المتلقي، فهو ينتي بثقافته إلى مدرسة الكباريه السياسي.
وفي النهاية، يتبقى أمران أثارا دهشتي وتساؤلي، علمت أن اللهجة البدوية الصعبة التي تحدث بها الممثلون طوال العرض المسرحي من كتبها وقام بتدريب الممثلين عليها هو حسن سعد نفسه دون الاستعانة بمصحح لهجة بدوي، والمدهش أنها جاءت لغة موفقة وسليمة وصحيحة مما يدل على امتلاك المخرج لثقافة ذاخرة.
أما ما أثار تساؤلي، فكان هو هل من الممكن أن يصل التوحد بين الممثل والشخصية إلى درجة الأذى أنه عندما يقتل في النهاية ليموت، فيسقط في الحقيقة مغشيا عليه في العرض، وتلغى تحية الجمهور بسبب أن البطل من قام بشخصية الزناتي سقط مغشيا عليه في مشهد القتل في نهاية العرض المسرحي متأثرا ومتوحدا مع تلك الشخصية التي يؤديها، هل هذا توحد مع الشخصية أم هو إرهاق ومجهود بدني وذهني بذله في العرض وظل صابرا عليه حتى النهاية، في كلتا الحالتين فهو ممثل بطل له مستقبل واعد في المجال الفني وعلى مسئوليتي الشخصية يستحق كل التحية والتقدير والتكريم على المجهود الواضح الذي بذله في العرض المسرحي وانعكس على براعة وقوة أدائه وتقمصه للشخصية المسرحية، إنه الممثل أحمد البوشي من قام بأداء شخصية الزناتي.
 


اشرف فؤاد