جيل السبعينيات في المسرح المصري.. تجريب بلا حدود(1-2)

جيل السبعينيات في المسرح المصري..   تجريب بلا حدود(1-2)

العدد 739 صدر بتاريخ 25أكتوبر2021

 مصطلح الجيل مصطلح عربي – في الأساس ولعل الفيلسوف الفرنسي “ أوجست كانط “ أول من طرح فكرة المجايلة، عند حديثه عن مسألة تحديد قوانين تطور المجتمع ، حيث أكد على أن تجدد الأجيال يؤثر في تطور الفكر الإنساني فتقدم الإنسانية مرتبط بالتعاقب التدريجي والمستمر ، وبتأثير كل جيل في الجيل التالي له .
واعتمد “ كانط “ في مقاربته لفكرة الأجيال ودورها في التطور الاجتماعي على الأسس التي وضعها لفلسفة التاريخ ونظرية العلوم ، فهو يرى أن تاريخ المجتمعات يقوم على قوانين مرتبطة أساساً بالطبيعة البشرية وشروط تطورها .
ويرى “ مونتيرى “ أن الجيل الإجتماعى يعمل على تطور الجماعة نظراً لما يربط بينهما من أحاسيس ومعتقدات .
وقد ظهرت فكرة المجايلة في الثقافة المصرية والعربية منذ منتصف القرن العشرين ، مع ظهور حركات التجديد الثقافي والفكري والإبداعي، وخاصة حركة شعر التفعيلة أو الشعر الحر ، على يد نازك الملائكة ، وبدر شاكر السياب في العراق ، وصلاح عبدالصبور وأحمد عبدالمعطي حجازي في مصر ، وبالتوازي مع هذه الحركة ظهرت “ جماعة شعر “ اللبنانية بشعرائها أنسى الحاج ومحمد الماغوط وأدونيس وشوقي أبى شقرا والتي دعت إلى كتابة قصيدة النثر ، معتمدين في ذلك على خلفية نقدية مأخوذه من كتاب “ قصيدة النثر “ للباحثة الفرنسية “ سوزان برنار “ .
كما ظهرت حالة من التجديد المسرحي المعتمد على فكرة تأكيد الهوية المصرية والعربية ، فظهرت عدة اتجاهات مسرحية ، منها المسرح الواقعي ، المتأثر بالأفكار الإشتراكية والماركسية ، تجلى ذلك في أعمال نعمان عاشور وميخائيل رومان ، والمسرح الشعبي ، كما في تجربة محمود دياب وسعدالدين وهبة ، والمسرح الذى عمل على إستلام التراث العربى ، لنقد الواقع الإجتماعى والسياسى المعاصر كما في أعمال “ ألفريد فرج “ وكذلك المسرح الشعرى عند صلاح عبدالصبور وعبدالرحمن الشرقاوى .
وقد تميز هذا المسرح بتنوع روافده وتعددت أشكاله مابين المسرح الواقعي والمسرح الشعري ، والمسرح العالمي الذي كان يعرض أهم النصوص الكلاسيكية من المسرح الأوروبي ، بالإضافة إلى إنشاء مسرح الحبيب على يد الفنان الراحل سعد أردش والذى يقوم بتقديم “ مسرح العبث “ الذي كان شائعاً في أوروبا في ذلك الوقت من خلال أعمال “ يوجين يونسكو “ و”دورنمات “ بالإضافة إلى كلاسيكيات “ إبسن “ و “شكسبير” وغيرهم ومع ذلك كان مخرجو ذلك الجيل يدركون تماماً أهمية النص المعروض ، ويقدرون دور المؤلف في العملية المسرحية باعتباره الخطوة لنجاح أي عمل مسرحي ، وهذا ما أكد عليه المخرج الراحل نبيل الألفي في مقال له تحت عنوان “ ذكريات إخراج .. إلي أصحاب الكهف “  حيث يقول : إننا نعتبر المسرحية كنص أدبي مكتوب بمثابة الجوهر أو المحور الذي ترتكز عليه حياة العرض المسرحي بأسرها ، وإننا نتوجه إلى كل الذين يتطلعون بعين الأمل إلى مستقبل المسرح المصري فنناشدهم أن يبحثوا معنا عن المؤلف المصري ، ويعملوا على تحقيق وجوده في العالم الحياة المسرحية .
إن فكرة الجيل ــــ هنا ــــ تعنى “ التحول الثقافي “ النوعي على مستوى الأفكار وعلى المستوى الفعل الإبداع ، وعلى مستوى تطور الشخصية فجيل الأربعينات ــــ مثلاً ــــ كان له دور في الحياة الثقافية والسياسية المصرية ، فهذا الجيل عاش تحولات الحياة المصرية سياسياً واجتماعياً وثقافياً قبل وبعد الحرب العالمية الثانية ، وكان له دور مهم في نقل الفكر الاشتراكي العلمي إلى مصر ، ونقل الفكر الغربي بشكل عام ، وكان له دور في نقل الأفكار السريالية في الأدب والفن إلى مصر ، وروج للأفكار الليبرالية والعلمانية .
من أهم المؤثرات في أفكار هذا الجيل هزيمة يونيو 1967 فقد كانت هزيمة 67 هي الحدث الأعظم الذى بدأ وعى أبناء هذا الجيل ينفتح عليه وفيه ، أقوى قوة ضاربة في الشرق الأوسط تهزم هزيمة ساحقة في ستة أيام أو ست ساعات.
وقد شهدت فترة السبعينيات ازدهار الفنون المختلفة سواء في السينما أولمسرح أو الغناء، من خلال ظهور جيل موهوب عمل على تطوير أدواته الفنية، من خلال ثقافة موسوعية واطلاع على فنون العالم المختلفة، كذلك تأكيده على فكرة الهوية والعمل الجماعي، مع التأكيد على عنصر التجريب الفني.
على اعتبار أن التجريب قفزة نوعية في عالم الحداثة وما بعد الحداثة لإنتاج أنماط مغايره من الفن في ظل التطورات التقنية التي تشهد ما بين لحظة وأخرى طفرات هائلة ، وبالتأكيد فإن فترة السبعينيات من القرن الماضي قد شهدت ظهور جيل مغاير في المسرح المصري ، حاول خلق حالة مسرحية تختلف عما قدمه جيل الستينيات –وهو الجيل الذي قدم نموذجاً فريداً في تاريخ المسرح المصري والعربي على السواء
وأعتقد أن مرحلة “ السبعينيات “ في المسرح المصري قد تميزت بعنصرين هامين :
أولهما : البحث في الموروث الشعبي لتقديم فرجة مسرحية شعبية ، تستفيد من الجذور العربية لفن المسرح، بإحياء فنون كادت أن تندثر مع التطور الحضاري مثل خيال الظل والأراجوز والعرائس القفازية، والتي شكلت في مراحل انتشارها ما أسماه د. على الراعي ب “ مسرح الشعب “ ، وهذا المنحنى الذي اتجه إليه كتاب المسرح في هذا الجيل أمثال محمد أبو العلا السلاموني ويسرى الجندي يعدا امتداداً لدعوة د. يوسف إدريس في مقدمة مسرحيته “الفرافير“ والتي أسماها “ نحو مسرح عربي“ والتي أكد فيها على ضرورة العودة إلى لمسرح السامر بما يحمله من معنى “جماعية الأداء“ وهو ما أسماه “ بحالة التمسرح “ والتي تقوم على حد تعبيره على “ التجمع “ فتلك الأشكال المسرحية كثيرة الحدوث في حياتنا اليومية في الأفراح والمآتم والمناسبات، في الاحتفالات الكثيرة التي ابتكرها الجنس البشرى كحجة “ أحياناً مضحكة ، مثل التجمع للاحتفال بطهور أحد الأولاد ، أو الاحتفال بأعياد الحصاد والمناسبات الدينية . أكثر هذه السهرات اليومية في البيوت بعد انتهاء اليوم والعمل، التجمعات التلقائية في الأسواق وبعد انتهاء البيع والشراء، بل إن الشعوب ابتكرت أماكن ثابتة لتجمعات مستمرة يذهب إليها الفرد استجابة لغريزته الجماعية مثل القهاوي والحانات والنوادي .
وقد تميز هذا المسرح بتنوع روافده وتعددت أشكاله مابين المسرح الواقعي والمسرح الشعري ، والمسرح العالمي الذي كان يعرض أهم النصوص الكلاسيكية من المسرح الأوروبي ، بالإضافة إلى إنشاء مسرح الحبيب على يد الفنان الراحل سعد أردش والذي يقوم بتقديم “مسرح العبث“ الذي كان شائعاً في أوروبا في ذلك الوقت من خلال أعمال “يوجين يونسكو“ و”دورنمات“ بالإضافة إلى كلاسيكيات “إبسن “ و“شكسبير” وغيرهم ومع ذلك كان مخرجو ذلك الجيل يدركون تماماً أهمية النص المعروض ، ويقدرون دور المؤلف في العملية المسرحية باعتباره الخطوة لنجاح أي عمل مسرحي ، وهذا ما أكد عليه المخرج الراحل نبيل الألفي في مقال له تحت عنوان “ ذكريات إخراج .. إلي أصحاب الكهف “  حيث يقول : إننا نعتبر المسرحية كنص أدبي مكتوب بمثابة الجوهر أو المحور الذي ترتكز عليه حياة العرض المسرحي بأسرها ، وإننا نتوجه إلى كل الذين يتطلعون بعين الأمل إلى مستقبل المسرح المصري فنناشدهم أن يبحثوا معنا عن المؤلف المصري ، ويعملوا على تحقيق وجوده في العالم الحياة المسرحية .
حول تجربته يقول “ السلاموني “ : “ لقد حاولت في معظم ما كتبت من مسرحيات أن أستمد أصول تجاربي الدرامية من أعماق المأثورات الشعبية المصرية واستلهام شكل اللعبة المسرحية من ظواهرنا المسرحية التي لم تتبلور في شكل مسرحي كامل ، وكان لدى الطبيعة التي تحولت ظواهرنا المسرحية البدائية إلى حقيقة مسرحية أو ابتكار جديد في القالب المسرحي والبنية المسرحية خصوصاً في النص المسرحي وفى اعتقادي أن الشعور بالحرية هو الذي دفعني للتحرر أثناء الكتابة دون شعور بالتعصب أو الانغلاق أو الوقوع في أسر الذات “ .
وقد يكون لجوء هذا الجيل إلى غربلة الموروث الشعبي بحثاً عن هوية مسرحية ، لمواجهة تداعيات هزيمة يونيو 1967 والتي أحدثت شرخاً عميقاً في الوعي الشعبي ، وكان هذا الشرخ أعمق عند النخبة المثقفة .
وهذا ما لمسه المخرج عبد الرحمن الشافعي في شهادة له حول تجربته المسرحية حيث يقول : “ لقد تراكمت لدى مفردات وأساليب وأماكن وأحاسيس وأفكار وخبرات في الممارسة المسرحية ، تناسلت وتوالدت عبر كل مسرحية وأخرى ، لا تتكرر ولا تتشابه ، وكل مسرحية تشكل بالنسبة لي خبرة خاصة في طريق طويل لم أنجزه بعد ، إنني أصبو إلى البحث في شخصيات السير الشعبية عن موضوع اتخذه عن قصد ركيزة لبنية جديدة في المسرح المصري “ .
وفى هذا الإطار شكل الشافعي مع الكاتب يسرى الجندي ثنائياً مسرحياً قدما من خلاله مجموعة من العروض التي لاقت نجاحاً جماهيرياً قدمت في أماكن مختلفة “ في وكالة الغوري وعلى خشبة مسرح السامر وفى مسرح الثقافة الجماهيرية “ ومنها مسرحية على الزيبق “ التي استمر عرضها عاماً كاملاً وظلت تعرض بمسرح السامر حتى انفجار معركة ثم تلاها “ سيرة بني هلال “ و “ عاشق المداحين “ وغيرها من الأعمال التي امتزج فيها التمثيل بفنون الغناء الشعبي والعزف الحي على الدفوف بدون زخرفة شكلية ، وكانت مثل هذه العروض البداية الحقيقية لإنشاء مسرح السامر.


عيد عبد الحليم