هوية المسرح الشعبي وأصول السامر في  الجلسة البحثية الأولى

هوية المسرح الشعبي وأصول السامر في  الجلسة البحثية الأولى

العدد 566 صدر بتاريخ 2يوليو2018

في الجلسة الأولى التي أدارها الدكتور محمود نسيم ضمن الملتقى الأول لفنون المسرح الشعبي الذي أقيم بالمجلس الأعلى للثقافة قدمت  أطروحتين للناقد  جرجس شكري،  والدكتور رضا غالب، وكان محورهما  المسرح الشعبي وهويته.   
قال د.محمود نسيم: يمكننا اعتبار ماورد في الكلمات الاستهلالية للملتقى، و التي قدمها د.  هدى وصفي والكاتب محمد أبو العلا الاسلاموني بمثابة  جلسة بحثية مهمة، أكثر منها استهلالا إنشائيا  للملتقى كما هو شائع أو متعارف عليه،  فقد لاحظنا في هذه الكلمات  أن قضية المسرح الشعبي في جوهرها تعني وجود الثقافة العربية وهي ليست قضية مرتبطة بفن من الفنون بقدر ارتباطها بالبناء المعرفي للثقافة العربية، سواء على مستوى العلاقة مع  الذات أو بالتراث أو علاقتنا بالغرب أو العلاقة بالأشكال المسرحية ذاتها، مضيفا أن المسرح الشعبي من القضايا  شديدة الأهمية والخصوصية  في تاريخ الثقافة ابتدءا من الحملة الفرنسية وإشارة الجبرتي في كتابه عجائب الآثار عن المسرح واندهاشه من وجود مسرح مخصص لأماكن مخصصة وجمهور يذهب خصيصا  لمشاهدة  هذا المسرح  وهو ما أفرز ما سمي بعد ذلك  بصدمة الحداثة، فالمسرح من الفنون الأولى الذي فجر هذه الأزمة ونحن إزاء علاقة إشكالية مع الغرب وهذا الموضوع  يثير قضايا متعددة سيتم تناولها في جلسات المؤتمر المتعاقبة وفي هذه الجلسة “ هوية المسرح الشعبي” من قبل  دراسة د .رضا غالب” التي سيقدمها عنه الكاتب محمد أبو العلا السلاموني،  وأطروحة الشاعر والناقد جرجس شكري  الذي يقدم بحثه بعنوان  صادم ومفاجئ وهو “ الخوف من المسرح الشعبي “ أملا أن نزيل هذا الخوف من خلال تجربته وبحثه .
تساؤل دون إجابة من تسعينات القرن الماضي 
*شاهد عيان 
قال جرجس شكري : ورقتي البحثية هي “ الخوف  من المسرح الشعبي “ و سوف أرصد هذا الخوف من خلال  تساؤلاتي، وسؤالي الشخصي الذي  يؤرقني كمشاهد للمسرح المصري منذ تسعينات القرن الماضي، والأسئلة التي قمت بطرحها على نفسي منذ هذه الحقبة حتى الآن، وقد قررت أن ابتعد عن الاتجاه  التاريخي   والدراسات المتاحة من قبل الباحثين  ويتوافر  في الكتب والمراجع عن مناقشة وتأصيل المسرح الشعبي، وقضاياه وعناصره وكل ما هو متاح. المشكلة ممثلة بشكل واقعي في اختفاء المسرح الشعبي في هذه الحقبة التي عاصرتها كمشاهد للمسرح المصري، و منذ هذه الفترة ونحن نسمع عن المسرح الشعبي أو نشاهده بشكل رمزي وبشكل محدود جدا، و هذه محاولة لقراءة الأسباب التي أدت إلي تراجع المسرح الشعبي  في السنوات الأخيرة وبالتحديد منذ تسعينات القرن الماضي و الخوف من هذا النوع  من المسرح حتى وصل الأمر إلي إزالة المبنى الذي يرمز إلي هذا المسرح وهو السامر، وغالباً كان صعود وهبوط هذا النوع من المسرح  الشعبي مرتبطاً بالظروف السياسية، ويتضح لي من الدراسة أن هناك واقعتين تدلان بقوة على الرغبة في التخلص من المسرح الشعبي، الأولي هدم مسرح السامر بعد الزلزال عام 1992 م، والثانية وأد الملتقي العلمي  للمسرح العربي في مهده بعد  الدورة الأولى والتي كانت الأخيرة في ديسمبر عام  1994وكنت محظوظا في مقتبل عمري بالعمل في المسرح و أن أكون مشاركا بعد أن شاركت بالعمل في الدورة السادسة مع د.هدى وصفي عام 1994  في المهرجان التجريبي أن أشارك أيضا بعد شهرين في هذا الملتقى العلمي مشاركة فعالة وأن أضع مقارنة موضوعية بين اتجاهين هما المهرجان التجريبي وملتقى المسرح العربي خلال هذه الحقبة وبالحديث عن هاتين الواقعتين وما أعقبها، تبلورت فكرة المسرح الشعبي في الغرب كردة فعل على المركزية في الثقافة والمسرح وعلى توجه المسرح البرجوازي للنخبة واقتصار الريبورتوار على نوعية معينة من المسرحيات المسرحية. 
تابع جرجس شكري : لكن الأجمل عربياً أن المسرح  نشأ شعبياً، أو لنقل أن الظواهر الشعبية كانت ومازالت النواة الأولي لفن المسرح من فنون الأراجوز وخيال الظل والمحاكي والسماجة وغيرها من الظواهر، وفيما بعد انطلق الرواد الأوائل من هاجس إرساء قواعد الفن المسرحي الجديد وقدموا أفكاراً كان من الممكن عبر تاريخ نشأة المسرح العربي أن تجعل المسرح يتحول إلي تقليد شعبي وهذا ما كان في ذهن الرواد على بعد زمني طويل، لكن التصميم على الارتباط بالمدن وبفئة محددة من المتفرجين وأسباب أخرى حال دون ذلك، وبين الحين والحين- ولظروف غالباً سياسية - يتقدم المسرح الشعبي الصفوف الأمامية كما حدث 1956 م حين تم طرح السؤال حول هوية المسرح المصري وأحدثت هذه الأسئلة حراكاً كبيراً أجاب عنه يوسف إدريس من خلال مسرحية “الفرافير” التي وضعها في قالب كوميديا السيرك، ووضع توفيق الحكيم أطروحته  في كتاب “قالبنا المسرحي “حول استخدام طريقة المسرح الشعبي أو الروي في تقديم المسرح العربي. تابع شكري: 
وكان من الطبيعي أن يزدهر المسرح الشعبي في تلك الفترة لارتباطه تاريخيا  بالوعي  الأيديولوجي الذي يرافق الحركات الثورية وهذا ما حدث بعد يوليو 1952  مع المد الفكري اليساري في تلك الفترة، هذه عوامل أدت إلى أن يكون المسرح الشعبي منذ 1956وعلى مدى عقدين أو ثلاث عقود في المقدمة بتأثير الظروف السياسية غالبا، لكن كانت المفاجأة بالنسبة لي هو أننا في  التسعينات وجدنا إهمالاً معلناً  وصريحا للمسرح الشعبي، وسنجد هناك رغبة قوية في الاتجاه لصناعة المسرح البرجوازي والتوجه إلي النخبة ممثلاً في العروض التجريبية، فمن يتأمل فترة التسعينات سنجد فيها ازدهار في العروض التي تشاهدها شرائح ونخب محددة  ولكنها لا تتحول إلى عروض شعبية تتماس مع الجماهير إلا قليلا، وسنجد اتجاهات  منها التجريبية والمسرح الراقص، وكان من الممكن أن يتطور المسرح الشعبي في وجود هذه المدارس الحديثة ولكن ماحدث في التسعينات هو استبدال بالمسرح الشعبي العروض الحديثة، امتدت هذه الموجه من القاهرة للأقاليم التي تأثرت بها وبدلا من ان تقدم لنا الثقافة  الجماهيرية المسرح الشعبي أصبح لدينا جيلا كبيرا يقدم عروض التعبير الحركي، متأثرا بما يشاهده في القاهرة رغم أن الثقافة الجماهيرية  تأسست حتى لا تنحاز إلى مسرح  المدينة وتقدم مسرحها.
أوضح شكري إن خطورة المسرح الشعبي تكمن في توجهه الذي  يستهدف جماهير عريضة و له علاقة وثيقة جدا بالمسرح  السياسي، في كلاهما يكون الجمهور شريكا أساسيا في  العرض، وكل هذه العوامل تؤكد انه كانت هناك رغبة في حصار المسرح داخل القاعات وألا يكون هناك مسرحا يتماس مع الجماهير كالمسرح الشعبي لانه يرتبط  بهم ويقدم دور تحريضي وتتفاعل كل الطبقات مع الحراك الثوري الذي تبنى المسرح وآمن بأهميته ودوره المؤثر في الحياة. أضاف: كان المسرح بشكل عام للشعب  وامتد التأثير إلى السبعينات والثمانينات، وكانت تجربة مسرح الطليعة التي قدمها سمير العصفوري مع شوقي  عبد الحكيم ويسري الجندي خير دليل علي تطور التجربة،لكن ماحدث في التسعينيات  يؤكد علي أن هناك نِّية مبيتة للتخلص من هذا النوع من المسرح .
وعن تجربة مسرح السامر قال جرجس شكري : تزامن في التسعينات ان غضبت الطبيعة على مسرح السامر فتم إزالته لكنا نضع علامة استفهام كبرى أمام  التوقف أو الامتناع عن بناء مسرح السامر مرة أخرى والذي أراه  يؤكد رؤيتي عن السامر  أنه نتاج الحالة المسرحية المصرية الحقيقية التي جاءت من حفلات السمر ومن أشكال الفرجة المصرية وهو الشكل الأكثر اكتمالاً والذي  يقدم عرضاً مفتوحاً يساهم فيه أبناء القرية وخاصة في أمسيات الصيف ومواسم الحصاد ولهذا العرض طابع الارتجال الذي يتم وفق سيناريو محدد للعرض، ومن خلاله يطرح العرض وينتقد من خلال المحاكاة التهكمية أحداثاً من الحياة اليومية والأوضاع السياسية والاجتماعية الحالية،  وقد بدأت هذه الصيغة في ستينات القرن الماضي بمصر و نادي بها يوسف إدريس تحت عنوان “ نحو مسرح عربي “ وتزامن هذا مع الرغبة في خلق مسرح جديد بعيد عن ثقافة المدينة “العاصمة” في محاولة لاكتشاف أشكال الفرجة الشعبية في المجتمع المصري مع الرغبة في استلهام الموضوعات المعروفة في الذاكرة الشعبية ومن خلال الضواحي والقرى،  و في تلك الفترة  كانت هناك دعوة قوية لتأسيس مسرح وطني شعبي يصور الوجه الحقيقي للشعب المجهول في الضواحي والأقاليم وفي تلك الفترة أيضاً كانت أصوات عديدة تدافع عن هذا الاتجاه الذي من شأنه إثراء الحياة المسرحية وظهر العديد من المسرحيات لكبار الكتاب لتؤسس لهذا وتدعمه  فكتب توفيق الحكيم مسرحية” الصفقة” ونعمان عاشور “ وابور الطحين” وسعد الدين وهبة “ المحروسة وثلاثية “ نجيب سرور “ بالإضافة إلي رائعة محمود دياب “ ليالي الحصاد” 
وتبارى كتاب المسرح  في وضع  مفهوم للسامر على المستويين النظري والإبداعي فطالب يوسف إدريس في 1964 في الفرافير بتأصيل هويتنا المسرحية وذلك من خلال استلهام الأشكال التمثيلية الشعبية التي شاعت في عصور مضت، ولفت النظر إلي السامر الشعبي وعرفه محمود دياب بأنه حفل مسرحي يقام في المناسبات الخاصة سواء أكانت أفراحاً أو موالد، ملتمساً أفعال المضحكين والكوميديا المرتجلة في القرن التاسع عشر وكتب مسرحيتى ليالي الحصاد ثم الهلافيت على غرار السامر الريفي الذي  يجتمع من خلاله مجموعة من الفلاحين يتسامرون في حلقة  وقد أخذ الأشخاص يقلِّدون  بعضهم البعض ومن خلال هذا التقليد يُّظهر المقلد خفايا الشخصية، وقال محمود دياب بعد ذلك إنه حين شاهد مسامرة الفلاحين وأفعالهم أنه اكتشف صورة  المسرح المصري الأصيل، حيث يتباري المشخصون في تقديم مواقف مختلفة يقلدون ويحاكون الناس والأشياء في حركات موحية محررة تنبع من الخاطر بلا  منطق أو قيود وقد عاد محمود دياب إلي فلاحي مصر في ستينات القرن الماضي، ليستلهم منهم فكرة السامر 
أما توفيق الحكيم فقد عاد في كتابه “قالبنا المسرحي” إلي الحكواتي المدَّاح رواي السيرة ورأي فيه بذور مسرحية مصرية تعبر عنا، إذن لم يكن السامر مجرد مسرح قررت الحكومة إنشاءه بعد أن ألغت فكرة مسرح الجليد الذي كان سيقام على هذه الأرض في أوائل سبعينات القرن الماضي، بل كان حاجة ضرورية بعد أن أصبح اتجاهاً مسرحياً نتج عن جدل عميق حول المسرح  وهويته  فكان من الطبيعي أن يتم بناء مسرح السامر عام 1971، ليحتضن هذا الاتجاه المصري في المسرح والذي تم التخلص منه بقرار  1992 ومازال السؤال غامضاً حتى الآن ! لماذا لم يتم إعادة  بناء مسرح السامر حتى الآن. وأكمل  جرجس شكري : لا أتساءل هنا فقط عن المبنى. فالسامر هو المبنى  المعنى، هو رمز للمسرح الشعبي، فمن يشاهد عروض الثقافة الجماهيرية في السنوات الأخيرة سوف يجد المبررات والأعذار لهذا النوع من المسرح الذي يعتمد على عروض مسرح الصورة و القاعات والعروض الحداثية، فهم لم يشاهدوا عروض المسرح الشعبي وإن كان منهم من سمع فقط عن هذه العروض. وهذا الاتجاه جاء كنتاج طبيعي بعد استقلال  الدول العربية الأخرى ورحيل الاستعمار وبتأثير الأفكار الثورية  في مصر وكذلك الدول العربية الأخرى  اليسارية،  ثم تم طرح سؤال المسرح الشعبي  لترسيخ الهوية في محاولة لإيجاد صيغ مسرحية مستمدة من التراث المحلي  والاحتفالات الشعبية كصيغ السامر والاراجوز وخيال الظل .
ولعلنا نجد أنه من الغريب ان مسرح السامر قد احترق بعد تأسيسه  بأربع سنوات، لكن تم إعادة بنائه وقد بذل الراحل سعد الدين وهبه  مجهودا كبيرا جدا  في إعادة ترميم وبناء مسرح السامر بعد عدة شهور من حريقه وهذا يؤكد أن إجابة السؤال مازالت غامضة منذ 1992 وحتى الآن لماذا لم تتم إعادة بناء مسرح السامر؟ تابع: يحزنني كثيرا أنه لم يتبق من مسرح السامر سوى وصفه بقاموس المسرح وصفا تفصيليا محزنا بالمعمار وبعدد الكراسي ..الخ  
تابع شكري ايضا: كان المخرج عبد الرحمن الشافعي أول مدير لفرقة مسرح السامر الذي قدم من خلالها أهم عروض المسرح الشعبي المأخوذة عن السير الشعبية لشوقي عبد الحكيم ويسري الجندي وتولي الثاني إدارة فرقة السامر وهو الذي كان شاهداً على إخلاء  المسرح وفشلت كل محاولاته في المقاومة وما تبقي أيضاً من السامر أنه قدم  خلال السبعينات والثمانينات مئات العروض ونضع تحت مئات العروض خطوط عديدة ونسأل مرة أخري ومرات: لماذا هدموا مسرح السامر ؟ ومن هذه العروض “ أدهم الشرقاوي، على الزيبق، شفيقة ومتولي، أبو زيد الهلالي، أيوب وناعسة، البعض يأكلونها والعة،  زعيط ومعيط، اليهودي التائه، شكوى الفلاح الفصيح، حكاية من وادي الملح،  الزوبعة، الهلافيت، رسول من قرية تميرا، باب الفتوح، حسان وكلمة الموال،  راجل بميت ألف،  العمر لحظة، الأرض، الدخان،  لعبة الزمن، جحا باع حماره،  مولد يا سيد، الشحاتين، ليلة في قصر الرشيد،  القصير، حكاية قابيل وهابيل، مدرسة العساكر،عنتر في الساحة،تحت التهديد، سلطان زمانه “ وعرض عاشق المداحين عن الشاعر بيرم التونسي الذي كتبه يسري الجندي وأخرجه عبد الرحمن الشافعي وكان أول عرض يحضره الرئيس السادات وينقله التليفزيون المصري على الهواء مباشرة، ومن أسماء هذه العروض نعرف أن السامر قدم كبار الكتاب محمود دياب ميخائيل رومان، يسري الجندي، عبد الرحمن الشرقاوي، أبو العلا السلاموني، و النتيجة أنه تم إزالة مسرح السامر أو قل هذا الاتجاه أثناء مسرحية “ سلطان زمانه”  تأليف يسري الجندي وإخراج عبد الرحمن الشافعي وبعد أن قدم العديد من العروض المسرحية المصرية المؤثرة في المجتمع المصري، و التى جاءت ناتجًا طبيعياً للحالة المسرحية التى حاولت الوصول إلي صيغة مسرحية مصرية نتيجة لأسئلة لحظة تاريخية شهدت نهضة ثقافية استيقظ فيها ضمير مثقفي هذه الأمة، وطرحوا على أنفسهم والمجتمع سؤال الهوية الثقافية، وكان من نتاجها هذا الاتجاه المسرحي.  وفي لحظة تاريخية لاحقة مات فيها ضمير مثقفي هذه الأمة . أضاف جرجس: ولم أقصد مما سبق أن نكتفي بمسرح السامر أو التراث الشعبي ونهمل المدارس المسرحية الحديثة والمعاصرة  ولكنني كنت شاهد عيان على الاتجاهين في نفس المسار، فلقد شاهدت  أيضا دورات المهرجان المسرح التجريبي منذ بداياته وكان له تأثير كبير، شكل  ثقافتي المسرحية في المشاهدة والقراءة، لكني كنت أتمنى أن يكون إلى جانبه المسرح الشعبي،  كان يجب أن نسير في الإتجاهين معا ولا نستبدل نوعا مسرحيا مكان الآخر، ولكن ما حدث أن وزارة الثقافة في ذلك الوقت قررت أن يلغي أحدهما الأخر، تستورد الثقافة من الخارج وتغلق مصانع المنتج المحلي في منطقة الأزبكية،  فعلي سبيل المثال أغدقت الوزارة في تسعينات القرن الماضي وفي نفس التوقيت الذي هدمت فيه السامر على فرقة الرقص المسرحي الحديث التي أسسها  اللبناني وليد عوني في دار الأوبرا بالملايين وغالباً ما كانت هذه الفرقة تمثل  مصر في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي وهي فرقة جيدة وخلقت حالة  مؤثرة، ولكن كنت أتمني أن يمثل مصر عرضاً ينتمي إلي الثقافة، المصرية “ صنع في مصر “ وما أن بلغنا نهايات التسعينات حتى كان المسرح المصري الذي يستلهم التراث الشعبي والفولكلور أقرب إلي البازار يعرض مجموعة من الأنتيكات للأجانب،  ومن يعود إلي عروض التجريبي التي استلهمت  التراث سيعرف حجم الكارثة. تابع : انتهت الأسئلة والبحث عن الهوية الثقافية، وخرج جيل  مسرحي في هذه الأجواء بيدين وساقين وجسم كبير ولكن دون رأس. يقلد المدارس  الحديثة دون وعي  ودائماً ما كنت أسأل نفسي ...ماذا لو أن هذا الجيل شاهد التجريبي إلي جوار مسرح السامر دون شك كانت النتيجة ستختلف كثيرًا. 
وانتهى جرجس شكري بالحديث عن بعض التوصيات التي خرج بها  المؤتمر العلمي للمسرح العربي  في ديسمبر 1994 م والذي شارك فيه عدد من  الاتجاهات المسرحية في مصر وفي الوطن العربي، وكان من هذي التوصيات التأكيد على أن يكون المسرح العربي متواجدا ومؤثرا في الساحة القومية والعالمية،  وهو ما لا يتأتي إلا بالتأصيل والتطوير معا، وأن خطر طمس الملمح الخاص وطنيا وقوميا في الإبداع لا يقل عن الخطر الذي يمكن ان يتهدد بالعزلة والقطيعة تحت أية ادعاء، وفيما يتعلق بقضية الهوية أكدت على  أنه من العسف أن يتم تجميد الهوية وتحويلها إلى شق ثابت مهمش وجامد، وأنه لكل مرحلة تاريخية هوية معبرة عن معتقداتها وأفكارها وإن كانت ممتدة في المراحل التالية، في إشارة إلى أن  
تطور الهوية يغنيها ويجعلها قيمة فاعلة وهذا هو جوهر الإنسانية،  وكان من أجمل التوصيات – أضاف- الدعوة لحركة مسرحية خارج المؤسسات الرسمية  لخلق تيارات حرة جديدة لها القدرة على التأثير  والتفاعل، و أن نقيم مراكز قومية للمسرح على غرار المركز القومي للمسرح المصري في كل الدول العربية وان يتم تشكيل أمانة دائمة  لمتابعة هذه الأنشطة، و لم يطالب المؤتمر فقط على التركيز على المسرح الشعبي ولكن العمل على تطويره و الاستفادة من المدارس المسرحية الحديثة في ضوء تطور المجتمع العربي نفسه . 
وأعاد شكري طرح السؤال : لماذا أصبح مسرح السامر لغزا ولم يتحرك أحد وزير أو مسؤل لإعادة بنائه، في حين تم افتتاح العديد من المسارح وإصلاح العديد،  وطالب  بعودة الملتقى العلمي للمسرح العربي للحاجة الضرورية إليه .

«مسرحنا الشعبي وهويتنا المسرحية» 
اعتذر عن عدم حضور الفعالية الدكتور رضا غالب فألقى الكاتب محمد أبو العلا السلاموني بحثه الذي حمل عنوان “مسرحنا الشعبي وهويتنا المسرحية “ قال السلاموني  مستعرضا البحث:  الباحث يحاول في دراسته أن يستخرج عناصر هامة في شكل المسرح الشعبي من خلال قراءة تاريخ المسرح الشعبي منذ الإغريق حتى الآن،  بمعنى ما هي العناصر التي يجب أن نستند عليها لنقر أن ما نشاهده هو مسرحا شعبيا،  فبعد أن استعرض دعوة يوسف إدريس ودعوة  د. علي الراعي ثم الدعوات التي ظهرت في مصر وفي الثقافة الجماهيرية كنموذج، منها  مسرح السرادق ومسرح الأماكن المفتوحة ومسرح الجرن،  وكل هذه التجارب التي تمت في المرحلة السابقة والتي تلت دعوة الكاتب يوسف إدريس وعلي الراعي.أضاف دراسة د. رضا غالب في طرحها تستعرض أيضا نماذج للمسرح الشعبي قدمت في دول أخرى بالوطن العربي كنموذج المسرح الاحتفالي بالمغرب وكذلك التجارب التي كانت بالمشرق العربي: مسرح الحكواتي اللبناني وأورد  تجربة وأطروحة “الفوانيس” في الأردن،  وتجربة سليمان  قطاية في سورية.
أشار إلى أن بحث الدكتور رضا غالب يتضمن أربعة عناصر استخرجها من فنون الفرجة الشعبية، الدرامي منها وغير الدرامي وهي: العنصر الملحمي، ويعتمد على القصص المستمدة من الملاحم والسير العربية، والعنصر الثاني من عناصر المسرح الشعبي هو الإبعاد: حيث لا يوجد اندماج في الدور من قبل الممثل الذي  ينحي ذاته عن الدور الذي يقدمه وكذلك  الإسقاط ومن سمات المسرح الشعبي  التي يرصدها أيضا تقديم المسرح الشامل: حيث المزاوجة بين الكلمة والأداء وفنون الموسيقى والغناء والرقص والحركة  المستمدة من حلقات الذكر وخيال الظل والحكواتي.... إلخ. وتابع : من خلال البحث يمكن إجمال الخصائص الفنية المشتركة والحاكمة لتقاليد المسرح الشعبي من خلال أشكاله وصوره الفنية في التالي :
أ : ما يخص  النص المسرحي أو الفكرة الدرامية فهناك الارتجال أي إن النص المسرحي لا بد أن يعتمد على  الارتجال أو أن يكون نصا مكتوبا يتيح الفرصة للارتجال وإضافات الممثل للنص،  ومن خصائص المشرح الشعبي أيضا  الشخصية النمطية كشخصية الخواجة، والفلاح، الفرفور، ابن البلد، شيخ الحارة،  وكل هذه أنماط  استخدمها  كثيرا يعقوب صنوع . وكذلك  وجود الراوي من خلال اللعبة المسرحية، الذي ينشئ علاقة وحوار مع الجمهور، وكذلك وجود الموسيقى والرقص والغناء ومزجهم بالعرض المسرحي الشعبي، ومن خصائص المسرح الشعبي أيضا التي يقدمها البحث أن تتضمن  لغة العرض الخطابة والسجع والجناس والشعر، مشيرا إلى  أن السير الشعبية تنتمي لهذه اللغة، وكذلك عدم التقيد بالزمان والمكان أو الحقبة التاريخية، وأيضا القوة الخارقة فلا مانع ان يستخدم القوة الخارقة والأساطير والخرافات داخل نص وقصة المسرح الشعبي. تابع أبو العلا ومن خصائص المسرح الشعبي التي يرصدها غالب أيضا  النهاية السعيدة أو النهاية الخلقية التي تحمل موعظة أو حكمة والجانب الخلقي بها واضح تماما وأيضا وجود الكوميديا، و أن تخلو من الجانب التراجيدي،  وإن ضم النص  جوانب سوداوية أو مأساوية يقوم العرض  بالتخفيف منها بالكوميديا التي تعقبها  في التقديم. أما في ما يخص علاقة الممثل بالدور (الشخصية الدرامية) فيعد المؤدي في المسرح الشعبي هو الذات المبدعة وفي الوقت نفسه الذات التي تراقب إبداعها وأثره على الجمهور تجاوبًا أو رفضًا له، والمستعد دومًا للرد بذكاء وخفة على تعليق  المتفرج أكثر من اندماجه في اتجاه الدور، ومن ثم يصبح  أداؤه متضمنًا لفواصل من التمثيل التي تتداخل مع أخرى من اللاتمثيل.تابع أبو العلا عرضه لبحث د. رضا غالب بالحديث  عما يخص الفضاء في المسرح الشعبي بأشكاله الفرجوية المختلفة مشيرا إلى أن الفضاء فيها  غير محدد فهو مجرد منصة أو ساحة أو صالة غير ثابتة 
فقد يكون فضاء الحضور حلقة السامر أو المداح أو المحبظ في الساحات العامة أو الأسواق، ويتميز بحرية حركة الجمهور بالدخول إليه والخروج منه، إضافة إلى اتصال أماكن التجمع للفرجة بمشاغل الناس من بيع وشراء على أطراف تلك الحلقة، مما يسمح للفنان المؤدي بالاتصال بهم، وقد يقيم حوارًا معهم. كما أن طبيعة الحلقة تتيح للمتفرج أن يختار ويحدد زاوية الرؤية الأكثر مناسبة له كي يتابع العرض من خلالها إضافة إلى عدم تمايز المتفرجين في الحلقة على أساس اقتصادي .ومن الممكن ان يكون المكان متعدد فيقدم العرض  في قهوة وشوارع، ولدينا تجارب عديدة ومتميزة في الثقافة الجماهيرية كتجارب هناء عبد الفتاح وتجارب عبد العزيز مخيون للمسرح الشعبي. أضاف : كما طرح د. رضا غالب في  نهاية دراسته عددا  من الخصائص الفنية المشتركة للمسرح الشعبي فما يخص علاقة الجمهور بالعرض و هي علاقة تتفاوت درجاتها بين الإيهام بواقعية الأحداث المعروضة واندماج المتفرج فيها، وكسر الإيهام وعدم الاندماج بالتباعد عنها والنظر إليها على أنها أحداث فنية وليست الواقع بعينه. ففي عروض التعازي يتخيل البعض من الجمهور حقيقة وواقعية أحداثها كما يحدث في إعادة تمثيل استشهاد الحسين، عندما يخرج بعض الجمهور عن طوره ويرجم ممثل دور “شمر” بالحجارة، والأمر كذلك مع راوي السيرة الشعبية، إذا كان الجمهور يطلب منه أن يستمر في أداء السيرة حتى تزول غمة البطل، بل وصل الحال إلى أن بعضهم كان يعاود بيت الشاعر كي يفك أسره مثلاً؛ لأنهم لا يستطيعون النوم وبطلهم في مأزق ما. ويصف “دانشنكو” في إحدى مشاهداته لفن الحكواتي حال اندماج المتفرج في الأحداث لدرجة أنه يصبح وسيلة لتنفيذها.
 


همت مصطفى