العدد 566 صدر بتاريخ 2يوليو2018
عقدت في بداية الملتقى جلسة افتتاحية أدارها الكاتب محمد أبو العلا السلامونى وتحدث بها الكاتب محمد عبد الحافظ ناصف رئيس الإدارة المركزية للشعب بالمجلس الأعلى للثقافة ود. هدى وصفى ، ورحب الكاتب محمد أبو العلا السلاموني بالسادة الحضور، وأشار إلى ان الملتقى يعتبر تلبية لدعوة بعض المسرحيين المصريين منذ ستينات القرن الماضي وربما أقدم من ذلك، قد يعتبرها البعض دعوة مضى زمنها، إلا أن الحقيقة التي لانستطيع أن نغفلها هي أن المسرح نشأ في البداية نشأة شعبية وسيظل كذلك مهما جرت عليه موجات وتيارات تجريبية أو طليعية حتى آخر صيحات الدعاية للحداثة ومابعد الحداثة .أضاف: ونذكر أنه في الدورة الثانية من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي قدمت مسرحية “المحبظاتية” التي تعتبر إحدى نماذج المسرح الشعبي لتمثل مصر في المهرجان ، ومما أكد هذه البصمة الشعبية أن أهم العروض المصرية التي فازت بالمهرجان التجريبي كانت عروضا تنتمي بشكل ما إلى فلسفة المسرح الشعبي المصري على عكس ما كان يقدم من عروض في هذا المهرجان وهذا اعتراف صريح بقيمة وأهمية الصبغة الشعبية في المسرح المصري .
الكاتب المسرحي محمد عبد الحافظ ناصف قال : في البدء كانت الكلمة وكان السؤال، والسؤال الآن عن المسرح الشعبي، ولماذا فكرت لجنة المسرح في دراسة تلك المسألة الآن ؟ هل شعرت اللجنة أن ثمة خطر ما على هذا المسرح الذي قل كتابه وقل مخرجوه وقل عدد المهتمين به عن ذي قبل، حتى رمزه المكاني متوقف منذ فترة طويلة! وهل المسرح الشعبي شكل واحد تمثل فيما يعرف بمسرح السامر أم أن أشكاله تتعدى إلى عناوين كثيرة؟ أضاف: لا شك أن من طرحوا هذه الفكرة القوية لديهم الكثير من الأحلام لاستعادة هذا الفن : الذي كان يلف مصر على ربابته أوبصندوق، وكذلك المحبظاتية، أو شنطة العم فوزي الحاوي الذي يقدم لنا حكايات مختلفة من حكايات الوطن. وتمنى ناصف أن تصدر عن الملتقى توصيات مهمة قابلة للتنفيذ عن هذا المسرح الأجدر بالاهتمام، وأن يسعى الجميع لانتشاره لأنه روح مصر .
أصول المسرح المصرى والعربي
و قالت الدكتورة هدى وصفي إن مسألة أصول المسرح المصري و العربي كانت محلا للجدل منذ زمن بعيد، و كان الفكر السائد أن المسرح نشأ عند قدوم الحملة الفرنسية وأنه ظهر منذ احتكاك الثقافة العربية بالفرنسية وكان هناك اعتقاد ان العرب لم يعرفوا التمثيل إلا مؤخرا، وكانت الإشارة إلى أن ترجمة مصطلحات الكوميديا والتراجيديا على أنهما القبح والمدح في فن الشعر لأرسطو من الأمور التي اعتبرت تأكيدا لعدم معرفة العرب للمسرح، و كان مارون النقاش في مسرحية البخيل 1847 م في رأي الدراسين هو البوابة، وكان المنطق السائد أن تسقط صفة المسرح على العديد من شكول الفرجة الشعبية وما يسمى بالنظائر المسرحية المحلية مثل السامر والمحبظاتية والمقامات وخيال الظل أو حتى بابات ابن دانيال، فيما بعد كذلك الأشكال المسرحية عند المصريين القدامى مثلما وجد عن أزوريس في معابد أبيدوس أو حجر ثباته أو طقوس ونص بردية الرامسيوم التي تخللها نصا مسرحي عبارة عن دراما دينية، واستمر هذا التوجه من الباحثين العرب أمثال مصطفى بدوي، ويوسف نجم، ولويس عوض ومحمد مندور ونحا العديد من النقاد إلى تداول نفس الفكرة، ويقول مندور “ أنه لم يوجد مسرح منتظم منذ القرن التاسع عشر” ويقول “ توفيق الحكيم “ “ الفن المسرحي لدينا بدأ بالنقل والاقتباس عن المسرح الأوربي وسادت عملية النقل عن أوروبا ثم بعد ذلك جاءت مرحلة السامر ومرحلة الترجمة ثم التأليف ويقول نجم “لم يكن هناك مسرح عربي لكننا عثرنا على بعض المراجع وفيها إشارات تفيد وجود نشاط مسرحي، وهذا منتهى التناقض عند أحد الرحالة الغربيين، وتابعت هدى وصفي: للأسف هذه النظرة الضيقة استبعدت فنون الأداء الشعبي رغم أن الغرب نفسه لا يستبعدها من تاريخ مسرحه على سبيل المثال تراث كوميديا دي لارتي ولنا في تأثير ألف ليلة وليلة على الغرب دليل على الزخم و التأثير الشرقي على الغرب، ومن الغريب أن ذلك لم يلفت انتباه الباحثين العرب إلا مؤخرا وأيضا هناك تراث الحكواتي ويقول “خليل الموسى” إن مسرحيات كثيرة في هذه الفترة القرن التاسع عشر استخدمت االتراث العربي والواقع التاريخي والاجتماعي والتراث الشعبي وهذا يعني أن اتهام صناع المسرح بأنهم لم يلتفتوا لتراثهم الشعبي ظلما لهم،ويؤكد “ نجم “ إذا أردنا الحديث عن المسرح بوصفه له أصوله وآدابه علينا أن نسقط من حديثنا ألوان الملاهي الشعبية التي قد تحتوي على المشابهات من هذا الفن لكنها تختلف عنه اختلافا جذريا .أما “مندور” فهو لايعتد بما يسميه فنون المسرح الشعبي ويقول : هكذا نجد أن الفنون الشعبية التي تشبه فن المسرح لم تخلق أدبا ولا خلقت تراثا أدبيا ولكنها بلا شك مهدت العقول والحواس للإقبال على فن التمثيل الذي أخذناه من الغرب ومن الجدير بالذكر أن صناع المسرح قاموا بالاقتباس من ألف ليلة وليلة ومن الحكواتي ومن مصادر شرقية أصيلة ومن الغريب أن نقادنا مجدوا الحضارة الإغريقية ولم يلتفتوا إلى الحضارة الفرعونية أو التراث الشعبي ويقول “ مندور “أيضا أن العقلية اليونانية اهتمت بالانسان والإيمان به واتخدته محورا للحياة كلها على عكس المصريين الذين لم يهتموا بمحورية الإنسان، وفي المقابل تعلو أصوات ضد هذا الكلام وتسعى إلى كتابة تاريخ للمسرح المصري مختلف أوكتابات بديلة لتلك السرديات المهينه، فمثلا علي الراعي، أحمد شمس الدين حجاجي اهتما بالأدب الشعبي وبأشكال المسرح التراثي وبعض الأصوات النقدية بدأت تهتم بإعادة تاريخ المسرح العربي مثال ذلك خالد مبارك يخصص فصلا كاملا في كتابه عن “خيال الظل” بوصفه نوعا أدبيا تم تجاهله ولم يلتفت إليه والتفت إليه فقط الألمان في مطلع القرن العشرين،ونذكرابراهيم حمادة الذي قام بنشر بابات ابن دانيال ويقول “مبارك “ : المزاعم أن تاريخ المسرح العربي بدأ في القرن التاسع عشرغير دقيقة “ وينفي عن” مندور ونجم “ بصفتهما أستاذين كبيرين نفيهما لوجود مسرح عربي .
اضافت د. هدى وصفي :يعود هذا التحول الى ظهور فكرة السرديات الكبرى وكما يقول “ليوتار”أن ثقافة ما بعد الحداثة فقدت الإيمان بالسرديات الكبرى بسبب أن العلم أصبح في الصدارة، وبتبسيط شديد أستطيع أن أزعم أن مابعد الحداثة تتسم بفقدان الاهتمام بالسرديات الكبرى أي أنه هناك تغيير بدأ في طبيعة المعرفة فقد بدأت اساطيرالغرب المهيمن تنزوي أوعلى الأقل اذداد الوعي بزيف تلك الادعاءات واتسع الأفق تجاه الثقافات الأخرى وتقبل اختلافها،وختمت وصفي كلمتها قائلة : كنت أود أن أشير الى كتاب فيرمان عالم الأثار المصرية الألماني حيث حقق مسرحية “ انتصار حورس “ و قدم تحليلا في كتابه لمسرحية أسرة حورس” بعنوان انتصار حورس في مقتبل السبيعينات وقدم المسرحية ليس فقط من خلال النص المسرحي ولكن أيضا من خلال السينوغرافيا المصاحبة للنص وللعرض ويقول أنها قدمت في إدفو عام 110 ق.م ولم يكن هناك فاصل بين الممثلين والجوقة والجمهور المتلقي والمتحلق حول البحيرة المقدسة فكان جزءا لايتجزء من العرض ولم يكتف الجمهور بالمشاهدة وإنما شارك الجوقة الغناء والإنشاد ويعلق معبرا عن خلجات ذاته بحرية وعفوية .