لمسرح التفاعلي..   مشروع مسرحي مطلوب فورا للأهمية  

لمسرح التفاعلي..   مشروع مسرحي مطلوب فورا للأهمية  

العدد 562 صدر بتاريخ 4يونيو2018

اظهرت في بدايات القرن العشرين صيغ مختلفة للمسرح التفاعلي منها المسرح السياسي ومسرح الشارع والمسرح الوثائقي والمسرح الشعبي وغيرها, لكن المسرح التفاعلي برز فعلا وتبلور على يد (أوجست بوال) حينما أنشأ مسرح المقهورين في بيرو, مع الفلاحين في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن الماضي, ويعتمد هذا النوع من المسرح على التفاعل المباشر مع الجمهور حيث يتم اختيار الجمهور المستهدف وتتم مناقشة قضاياه الخاصة التي تهمه بشكل أساسي ويحدث غالبا نوع من الارتجال مع إشراك المتلقي في الحدث بشكل إيجابي, وقد تطور المسرح التفاعلي فظهر منه عدة أشكال منها مسرح المقهى ومسرح الشارع ومسرح العربة ومسرح القرية ومسرح الجرن ومسرح العلاج النفسي وهكذا, ولم تكن تلك الأشكال سوى تأكيد على أهمية دور المسرح كرسالة للمجتمع وليس مجرد تقديم الفن للفن أو للمتعة فقط لمتفرج سلبي يستقبل موضوعا مفروضا عليه دون أن يعمل وعيه أو يبذل مجهودا أو يعمل على التخلص من مشاكله. وفي مصر نرى هذا الشكل المسرحي التفاعلي في عدة أعمال لبعض المخرجين مثل مسرح العربة الشعبية عند انتصار عبد الفتاح, مسرح العربة الكارو عند همام تمام, مسرح الجرن عند أحمد إسماعيل, مسرح الفلاحين عند هناء عبد الفتاح, مسرح السرادق عند صالح سعد, المسرح السياسي عند لطفي الخولي. و الآن توجد عدة فرق متخصصة في هذا النوع من المسرح منها فرقة خيوط للمسرح التفاعلي, وفريق محطات للفن المعاصر, وفرقة من كل حتة للفنون, وغيرها من الفرق. فهل يشكل اللجوء للمسرح التفاعلي ضرورة مجتمعية الآن ومستقبلا في ظل المشكلات التنموية والاجتماعية العديدة التي يعيشها المجتمع المصري؟ وهل يمكن أن يساهم بشكل عملي في تنمية الوعي لدى الفئات المظلومة ثقافيا وفنيا؟ وما هو السبيل لكي يكون المسرح التفاعلي مشروعا قوميا يصل لكل فئة وكل مكان في مصر؟ .. قمنا باستطلاع رأي نخبة من الفنانين الذين كان لهم نصيبا في إبداع المسرح التفاعلي.
أحمد محمد الشريف
البداية كانت مع المخرج همام تمام  الذي قدم مسرح (العربة الكارو)منذ أوائل الثمانينيات وحتى الآن، يقول: ما يعنينا في المسرح  التفاعلي هو سبب تقديم هذا النوع للناس, هل لسبب مادي أم موضوعي أرغب في توصيله للجمهور؟ أم لأستفز المتفرج ومشاعره والحدوتة التي بداخله وأنمي بداخله حاجة إمتاعية وثقافية أو ليكون نواة لممثل أو كاتب أو شاعر أو ملحن أو أي مبدع كان؟ هذا ما كنت أضعه في خطتي عند النزول لأماكن العرض. مثل العرض الذي أقمته في البدرشين سنة 1982 (حسن ونعيمة), تأليف عباس أحمد، فالعرض لم يكتب للشارع أو العربة الكارو وكان عرضا حافزا بالنسبة لي  ( وكان قد سبقه أربعة عروض) نحو الاستمرار في عروض الشارع, حيث أقمت العرض بعربة كارو يجرها حمار بالشارع وهو مالم تعتده الجماهير في الريف, بأن ترى عرضا مسرحيا في الشارع، هم اعتادوا على الأراجوز أو الساحر أو غيره مما شابه, ولتحاشي الاستهجان أو النفور أو الاستهزاء من الجمهور وضعت نقطتين هامتين, فأقمت مكان للعرض وصممت خطة تحرك من خلال طلبة المدارس الإعدادية و الثانوية حيث استعنت بهم لجذب الجمهور وتنظيم حضوره ووجدت تعاونا كبيرا منهم. وكان الجمهور يمثل جميع الفئات والأعمار والأسر. الآن تغيرت المعطيات بالتطور التكنولوجي وتعدد القنوات الفضائية, فما الذي يجذب الجمهور لمشاهدة العرض بالشارع أو المدرسة أو غيره, لابد أن يشعر بك الناس أولا, فما القيمة التي سيحصل عليها المتفرج. وكي تتفاعل لابد أن يكون لديك أدواتك الساحرة التي تجذب الأسرة كاملة, مثلا في العربة الشعبية أو العربة الكارو لا يمكن أن تكون بدون ممثلين أو محرك مثل الأراجوز أو خيال الظل أو الساحر وغيره, في أيام الثورة وما بعدها أخرجت عرض ست الحسن وقدمت موضوعا عن التوهان الذي كنا نعيشه، وهل كنا نحيا بشكل جدي وهل كنا مسيرين أم مخيرين. بالإضافة لموضوع آخر في عرض (بعزئيكا) والتي قدمته من خلال مسرح الغد بالبيت الفني للمسرح وتم عرضه بكل مكان في مصر, قدمت موضوعا استفزازيا للناس يدور حول اللعبة السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تدور حولنا وهل 99% منها في يد مجهول لا نراه ولا نعرفه يتحكم فينا كي نرضخ لأصحاب المصالح السياسية؟, بالطبع استفزاز الرأي يختلف عن استفزاز الملكات التي بداخلك, فاستفزاز الرأي أن أضعك كمتفرج في موقف وأضغط عليك حتى تدلي بالرأي الذي أريده, أما استفزاز الملكات التي بداخلك فهي أن أضعك في موقف ما وأداعبك حتى تغني أو تلقي نكتة  أو تبدع  قصيدة أو بيت شعر أو قصة أو مسرحية,  وكان هدفي مؤخرا أن أفجر طاقات وملكات الناس. منذ أوائل الثمانينيات أعمل على مشروع العربة ، أقمت حوالي 42 عرضا في ربوع مصر.ورغم التطور التكنولوجي فعندما تقدم فرجة شعبية بمعطياتها فإن الجمهور ينجذب من تلقاء نفسه لأنه يرى شكلا مختلفا, وحينها يستطيع الممثل  طرح أفكاره التي تغير وتنمي من سلوكيات الفرد في المجتمع, وهذا حدث معي في إصلاحية الجيزة (دار التربية) وقد أقمت فيها عروضا غيرت من سلوكيات  المقيمين بها. ولابد أن يعود دور الريادة للثقافة الجماهيرية فدورها الحقيقي هو الانتشار في كل قرى وربوع مصر. 
مسرح الحقيبة
ويرى المخرج والمؤلف أحمد شحاتة الذي ألف عدة مسرحيات لمسرح الحقيبة قدمت في شوارع القاهرة أن  المسرح التفاعلي أصبح ضرورة وخاصة بعد التجارب التي قدمت في السنوات الأخيرة والتي أثبتت أهميتها وأنها السبيل المضمون للوصول الى عقل ووجدان الجمهور من خلال مشاركته كعنصر فاعل في العملية الفنية. إن  طبيعة العمل المسرحي التفاعلي القائم على الارتجال هي توريط المتفرج في الدخول في سياق الحوار والأحداث بتلقائية وعفوية،  فهذه النوعية من المسرح تقتحم مباشرة عقلية المشاهد وبالتالي تكون الأقرب للتأثير والتوجيه . أذكر تجارب عديدة يمكن رصد بعض الإيجابيات من خلالها، منها مشروع مسرح الحقيبة الذي أسسه الفنان انتصار عبد الفتاح عام 2002 والذي يهدف فيه إلى تقويم السلوك بالفن وأيضا تجارب مسرح الشارع التي قدمها الكثير من الفنانين الشباب منذ سنوات . و من التجارب ايضا  مسرح العربة الشعبية التي تجوب القرى والنجوع لتقديم الفنون الشعبية التحبيظ وخيال الظل والأراجوز مع الموسيقى والغناء، اقتحمت هذه العروض عالم الفئات التي لا يشغلها الذهاب للمسرح لأسباب متعددة منها اجتماعية واقتصادية وأيضا ثقافية، فهذه العروض تستطيع أن تخلق حوارا جادا ومثمرا وتطرح القضايا وتستطيع أيضا أن تكون المتنفس للجمهور المحروم من وسائل التعبير عن الذات وبالتالي تصل إلى آفاق جديدة يكون فيها الجمهور عنصرا مؤلفا أحيانا وممثلا أحيانا وتستطيع بذلك أن تنمى الوعى لدى الفئات المظلومة ثقافيا وفنيا. لقد رصدت بنفسي هذا  الأثر الإيجابي خلال تجارب عملت بها بمشروع مسرح الحقيبة بالشوارع والميادين على نوعيات مختلفة الطبقات والثقافات. و تم رصد أطفال شوارع تغير سلوكهم بسبب مسرحية حقيبة، وكذلك  الباعة بالأكشاك ، وباختصار شديد فتحت مجالات من خلال الارتجال والحوار المتبادل مع الجمهور لا يتسع الوقت هنا لذكرها كانت بمثابة روشتة لعلاج مشكلات إنسانية وسياسية واجتماعية واقتصادية عديدة . لذلك ينبغي أن يكون المسرح التفاعلي مشروعا قوميا يصل لجميع الفئات لأهميته وقوة تأثيره . فتتبناه الثقافة الجماهيرية و وزارة الشباب والرياضة والبيت الفني للمسرح ومهرجانات الهواة .. الأفكار كثيرة لو توافرت النوايا على الفعل .
ضرورة اجتماعية  
ويؤكد المخرج أحمد ثابت الشريف أن اللجوء للمسرح التفاعلي ومسرح المقهورين في ظل مجتمع يعاني من الفقر والتهميش والتخلف عن ركب الحضارة يعد ضرورة ثقافية واجتماعية قبل أن تكون فنية، لأنه يضع مشكلات المجتمع وقضاياه هدفا أساسيا للالتقاء مع الجمهور ومحاولة استنطاقه لكشف مشاكله بصورة أكثر والبوح بما يحسه الأفراد في المجتمع وقد يقدم أحد المتفرجين أو بعضهم حلا ناجحا للقضية المعروضة ويكون  ورأيا عاما يساهم في إزالة عقبات مجتمعية كقضايا عدم توريث الإناث في الصعيد مثلا. فهو مسرح توعوي بالطراز الأول . مسرح أوجست بوال «المقهورين» يدفع عبر تكنيكه إلى  تغيير المقهور عبر مواجهة القاهر، ومحاولة تغيير مفاهيمه وتغليب الرأي الآخر عندما يشارك المتفرجون أبطال العرض في وضع حل للمشكلة القائمة وكذلك في مسرح الشارع عبر طرح قصة أو مشكلة اجتماعية ودفع جمهور العرض إلي الدخول لمساحة التمثيل لنسمع منهم أحلامهم وآمالهم ورغباتهم في تغيير ظروفهم المجتمعية. هذا النوع من المسرح وسيلة للفئات المهمشة ثقافيا وفنيا للتعبير عن أفكارهم وأحلامهم ومحاولة إيجاد الحلول ذاتيا عبر النقاش المجتمعي. هو ليس أكثر من أسلوب علاجي يستخدم الحكي والتمثيل كوسيلة لعرض الداء أو المشكلة فلا أستطيع أن أعتبره مسرحا كامل التوصيف لافتقاده الطرح الفني الكامل ولكنه يصلح جدا لمجتمع محروم ثقافيا وفنيا.
حيل الجمهور الدفاعية
كما توضح المخرجة الشابة منار زين أنه  في ظل المشكلات الاجتماعية التي نواجهها يعتبر المسرح التفاعلي من أنواع المسارح التي لابد أن نلجأ إليها،  لأنه  يعمل علي تفريغ طاقات الجمهور من خلال مشاركته الإيجابية داخل العرض المسرحي، و أحيانا كثيرة تكون تلك المشاركة سببا في أن الجمهور يتولد عنده نوع من المناقشة العقلية الداخلية تجعله يعيد التفكير في مشاكله. الجمهور عندما يطلب منه أن يتفاعل يهرب في البداية كنوع من الدفاع عن النفس ضد شيء مجهول بالنسبة له, ثم يندمج، ومن هنا نرى أن أحد أدوار المسرح التفاعلي خلق جدليات فكرية بين المتلقي وبين الممثلين و رفع الوعي الثقافي والفني وهو ما لمسته بنفسي في تجربة مسرحية (بلان سي) وكنت قد قررت من أول لحظة في التجربة أن أقدم رؤيتي الإخراجية بشكل قادر علي التفاعل مع الجمهور من خلال تجربة  لا يشعر فيها أبدا الجمهور بالغربة، ومن هنا جاءتني فكرة المتاهة وأن يتكون العرض من عدة لوحات داخل عدة غرف، ويبدأ الجمهور بالحركة داخل العرض، وفي لحظات كان يفاجأ بأنه لابد أن يقول رأيه، وفي لحظات أخرى كنا نسأله (نفسك تتكلم علي إيه؟) وحينها كنا نقيس أهم المواضيع التي تشغله ويود أن يتكلم عنها ويناقشها وفي هذه اللحظة  يتحول الجمهور من كونه مجرد متلقي إلي مشارك فعال في العرض، وأكثر شيء كان يؤثر فينا في تلك اللحظات  هو تفاعل الجمهور الذي ينتمي للفئات المظلومة ثقافيا سواء في  الأقاليم أو الجمهور العادي الذي ينتمي للمناطق الفقيرة ثقافيا،  ومن هنا أتمني أن تدعم الدولة هذا النوع من المسرح وان يتجول في محافظات مصر ويجد دعما لكل أشكاله، وهذا يحتاج بشكل كبير لتوفير التصاريح الأمنية والمتابعة من كل الفنانين الذين يرغبون في النزول للناس ويبدعون مسرحا لهم وبهم.
ويتفق المخرج الشاب إسلام سعيد قائلا: من المؤكد أن المسرح التفاعلي يشكل ضرورة مجتمعية حتمية لمجتمع يريد أن ينهض. هو مسرح ينشر الإنسانية والفكر يضع نفسه في مستوى المتفرج ويعبر عنه ببساطة، مما يحوله إلى مؤثر في السياق الدرامي، فعال على مستوى التغيير، قادر على إبداء الرأي، أحضر لمشروع مهم لمسرح الشوارع والمهمشين بالتعاون مع البيت الفني للمسرح ومسرح الشباب.
كما يقول  المخرج ماير مجدي مخرج فريق من كل حتة للفنون:
المسرح التفاعلي له ضرورة مجتمعية. لأن فكرته تقوم على المعايشة والإحساس بالآخرين وعلي المستوي التنموي والتوعوي فهو مهم للغاية لأنه يعمل على نشر التوعية ويقدم حلولاً للمشاكل والقضايا. و حتي يكون المسرح التفاعلي مشروعا قوميا فلابد من أن تؤمن  المؤسسات الحكومية والغير حكومية بدوره وتضعه ضمن خطتها. 
أما الفنانة سارة رفعت رئيس فرقة خيوط لمسرح الشارع فترى أن المسرح التفاعلي ومسرح إعادة التمثيل بالأخص يخلق فرصا للتضامن المجتمعي ويلبي احتياج إنساني منذ قديم الأزل وهو التواصل. و يساهم بالفعل في رفع الوعي لأنه يمنح الفرصة لمشاركة التجارب الشخصية والتعمق في فهم الذات وفهم الآخر وتقوية الروابط المجتمعية عن طريق الفن. ويظل اهتمام مؤسسات وزارة الثقافة هو السبيل لنشر هذا النوع من المسرح الذي لا يلزمه إلا مساحات متاحة وجمهور منفتح علي المشاركة والتعلم.
منذ الإغريق
ويؤكد المخرج عباس أحمد على أهمية دور المسرح التفاعلي قائلا أن المسرح منذ بدايته عند الإغريق هو مسرح تفاعلي، حيث يذهب الجمهور ويتفاعل بالمشاهدة، وأن هذا النوع موجود في مصر من قبل المسرح النظامي و مع بداية  القرن العشرين حتى أن على الكسار نحا هذا المنحى بالمشاركة بين الخشبة والصالة وكان جزء منه مفتعل وجزء وليد الصدفة و جاءت الثقافة الجماهيرية وكانت قبل ثورة يوليو تسمى الجامعة الشعبية وكان هدفها تطوير وتنمية الإنسان, وأقامت هذا النوع من المسرح الذي لاقى قبولا جماهيريا كبيرا، منه مسرحيات أخرجتها وأخرى لزملاء آخرين, مثلا الزميل أحمد عبد الهادي قدم عرضا في قرية أريامون بكفر الشيخ حضره حوالي 12 ألف متفرج, وكان بهذا العرض ثروت عكاشة وكمال الملاخ وبعض النجوم, وأنا قدمت عروضا بمسرح القرية وكانت شعبة بالفرقة المركزية أنشأتها, وقدمت مسرحية حسن ونعيمة وقبيل نهاية العرض كنت أطرح سؤالا على الجمهور: هل تتزوج البنت ممن تريد اسرتها تزويجها إليه, أم أنها حرة وتختار عريسها بنفسها؟ وتستمر المناقشة الحادة حوالي ساعة بآراء متباينة. كما قدمت في محافظة الشرقية مسرحية إدارة عموم الزير وبعد قراءة المسرحية ارتجل الممثلون المسرحية بأسلوبهم  وخفة ظلهم في تفاعل تلقائي كبير مع الجمهور.
المسرح التفاعلي أقيم في الثقافة الجماهيرية في مناطق واسعة من خلالي ومن خلال صالح سعد وانتصار عبد الفتاح وهمام تمام وهناء عبد الفتاح, وقدم عروض جيدة تننمي مهارة الارتجال عند الممثل, لدرجة أن الأستاذ الراحل سعد أردش قال لي في أحد العروض» أنتم صنعتم ما لم نستطع نحن فعله في المعهد, فقد علمتم الممثل حس الارتجال, وهذا المسرح هو الأمل هو الحياة و الناس, بخلاف المسرح المغلق الذي وضعته الطبقات الوسطى في العالم كله في علب مغلقة ويدخله المتفرج في صمت ويخرج في صمت. أنا مع المسرح الذي يتجه إلى الكتل الجماهيرية مثل مسرح بريخت، يخرج منه مظاهرات واحتجاجات على أوضاع متردية تؤدي إلى تغيير مجتمعي ، فهو دائما مطارد ، ويتم تصفيته والثقافة الجماهيرية نفسها تصفى الآن. وهذا المسرح هو الحل والأمل والحل في المسرح المستقل، لأن الدولة نزعت يدها من المسرح نهائيا وما يقدم الآن قليل جدا لا يسد رمق الجماهير. 
خلاصة تجربة 
وأخيرا أدلى د. رضا غالب بخلاصة تجاربه موثقا للعديد من تجاربه وتجارب الآخرين في الخمسين عاما الماضية, قائلا:
قدمت من خلال هذا النوع من المسرح مسرحية (شمهورش الكداب) تأليف المرحوم عبد المعطي شعراوي, وهي تجربة مسرح ملعب الكرة في دكرنس وحصلت بها على المركز الأول في الرؤية السينوغرافية , كيف أقوم بتوظيف فضاء معين بخصائص معينة في عرض مسرحي بحيث أن هذه الخصائص المعينة المعروفة عن هذا المكان هي القيم الجمالية التي تحمل المضمون الفكري للعمل المسرحي, فكانت ملعب الكرة وهو معروف أنه له حدود بمرميين وعدد لاعبين محدد ويلعبون بالكرة وهي لعبة لها قواعد حاكمة وكذلك كرة اليد, كل هذه الأشياء كانت هي الأدوات الجمالية التي قدمت من خلالها المسرحية وحدث تفاعلا كبيرا مع الجمهور. وعندما قدمت مسرحية الفرافير 1981, كانت قد ظهرت مشكلة استيلاء طلبة كليات الطب على جثث الموتى, وفي هذه الفترة كان لدينا ترعة تم هدمها وسيتم بناء مساكن شعبية بدلا منها وكانت بجوار المقابر, وحدثت مشاكل سرقة حديد التسليح والمونة وماشابه من مكان البناء فمسرحت مشاهد داخل مسرحية الفرافير تتحدث عن هذه المشاكل مشيرا إلى أنها سوف تؤدي إلى انهيار العمارات وأن الجثث الناتجة عنها سوف تدخل المقابر المجاورة ثم تباع في جامعة المنصورة, فكانت قضية محلية اشترك الجمهور في مناقشتها أثناء العرض بشكل ارتجالي. وناقشت أيضا قضية محلية أخرى في عرض آخر تتعلق بموقف سيارات الأجرة حيث اكتشفت أن المسئول عن إدارة الموقف يجني كثيرا من الأموال من خلال إرساء العطاء عليه وتتم سرقة كثير من الأموال , فدعوت العاطلين بدلا من أن يعانون البطالة لأن يتم الإكثار من عدد اللصوص من موظفي الوحدة المحلية, وكان للعرض نتيجة إيجابية ظهرت بعد سنة. تناولت في عرض آخر مشكلة الواسطة التي تتحكم في قرعة توزيع شقق المحافظة, وأدخلت تلك المواضيع في مشاهد الارتجال لمسرحية الفرافير, وصممت الديكور د. عايدة علام وأقمت الديكور بساحة كبيرة كتقليد للمولد, وعندما تم العرض هاج الناس وحدثت اشتباكات معي وكان حينها اجتماعات للمجلس المحلي وكان لي أصدقاء داخل المجلس يبلغوني أولا بأول ما يحدث داخل المجلس, فأبلغه للفرفور ويقوم بتمثيله أولا بأول ويرتجل عليه وتفاعل  الجمهور وبدأ يتحدث ويعرض مشاكل أكثر يعانيها, وكذلك قدمت عرض (ابن الدنس في بلاط إبليس ) تأليف د. سيد الإمام والتي تعرضنا فيها للحرب الخليجية في بني سويف والتي تنبأت بحرب  العراق وكان بها أبو زيد ذو لونين أبيض وأسود, ثم بعدها ثم عرض (الهلالية فانتازية عربية) تأليف د. مصطفى سليم وكانت ردود الفعل مع هذه العروض كبيرة , فالهدف هو أننا نتناول قضايا آنية عامة ومحلية ونمسرحها فيتم طرحها ومناقشتها على خشبة المسرح ويطرح الجمهور معنا آراءه وتفاعلاته أو تكتب خصيصا مشاهد ومشاكل لها علاقة بالبيئة المحلية. فالمسرح في حد ذاته ضرورة بالتعامل مع قضايا الواقع وقضايا الساعة, فمثلا قضايا الساعة الآن منها قضية داعش أو الإخوان و قضية تعويم الجنيه وقضية غلاء المعيشة, والمسرح أساسه المشاركة وتختلف نوعية المشاركة , فهناك من يشترك برأسه وآخر يشترك بأذنه وثالث يشترك بالتعليق. ففي عروض يعقوب صنوع ومارون النقاش شاهدنا تدخلا من الناس وحدث هذا التفاعل بين الجمهور والمؤدي وهذا مثبوت في كتاب د. على الراعي. وأيضا على الكسار كان يضع مؤديين بين المتفرجين كي يشتركوا معه وهو على المسرح وأيضا جورج دخول في كوميدياته. وهذا مطلوب لعمل علاقة مباشرة مع المتفرج من خلال قضية ساخنة يكتب لها سيناريو مع ترك مساحات مثلما قدم يوسف إدريس لدخول الجمهور, والمؤدي هنا يساعد الجمهور على عملية المشاركة وطبعا هذا بالتدريب وحساب وقت معين حتى لا يترهل العمل.  المسرح إما متعة أو توعية , والوعي يختلف من مجتمع لآخر ومن عصر لآخر, مثل مسرح بريخت ومسرح الاحتجاج, ورأينا أيضا عند الإغريق يتم عمل مقدمة للعمل المسرحي ثم توجيه النقد للحاكم الذي يكون حاضرا المسرحية. وأذكر صالح سعد الذي أقام مسرح السرادق قدم تجربة (حدث في قريتنا ) وناقش قضية السمك والطبقات المهضوم حقها في بلد تسمى شكشوكة في  الفيوم وناقش الجمهور قضاياه , وأيضا المرحوم السيد بدران قدم 1969 (الناس اللي في البلد) ناقش قضايا الجمعيات التعاونية وتوزيع التقاوي على الفلاحين وعلاقات المزارعين. فبدأنا نناقش العمدة الذي كان يسرق حقوق الفلاحين والمهندس الزراعي فهل يتم زواج المهندس من بنت العمدة أم لا؟ فاختلفت ردود الجمهور وآرائهم وناقشنا مسألة التوزيع العادل في علاقة الفلاحين بالجمعيات التعاونية.
 


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏