رؤية نحو المسرح في المؤسسات التعليمية(2)

 رؤية نحو المسرح  في المؤسسات التعليمية(2)

العدد 561 صدر بتاريخ 28مايو2018

ثالثا: أم هو المسرح التعليمي؟
 يتضح مما سبق، ولتحقيق الموضوعية لدراسة تلك العروض المسرحية التي تقدم داخل المؤسسات التعليمية، لا بد وأن نربطها وظيفيا هنا بوظيفة المسرح التعليمية أو بقدراته التعليمية، تلك القدرات التي اعتمدها المسرح منذ نشأته.
 لذلك لا يمكن تعريف المسرح داخل المؤسسات التعليمية «بالمسرح التعليمي» من باب الاجتهاد، لكنه تعريف قد يضع الأمور في نصابها الحقيقي، فالمسرح منذ الأزل تعليمي، لذلك عندما يوظف داخل المؤسسات التعليمية، سواء في مجال التربية المسرحية أو مسرحة المناهج، يوظف هنا من أجل قدراته التعليمية، ويكون لذلك مسرحا تعليميا بالضرورة أكثر من كونه تربويا أو مدرسيا، لأن الأنشطة والممارسة المسرحية سواء إن كانت من أجل التعريف أو التدريب على فنون المسرح وحرفيته، أو تلك التي تساعد في العملية التعليمية، هي أنشطة تعليمية بصرف النظر عن مجال أهدافها أو المرحلة العمرية التي تمارسها.
 من هذا المنطلق يكون النشاط المسرحي الذي يقدم داخل المؤسسات التعليمية، تعليميا بالضرورة، يعتمد في تحقيق تعليمته على توظيف تقنيات وعناصر فن المسرح، لطرح عدد من المواقف والخبرات الحياتية، والنماذج الإنسانية، التي يتعلم منها التلاميذ الكثير من القضايا التربوية والأخلاقية، والاجتماعية والتعليمية. اعتمادا على مشاركة التلاميذ سواء كمؤدين أو مشاهدين إيجابيين، ولا ترتبط هذه العروض بالضرورة بالشكل التقليدي للعمارة المسرحية، فطبيعة مثل هذه العروض تسمح بالتنوع في مكان العرض، بداية من حجرات الدرس والأنشطة إلى فناء المدرسة والقاعات التي تسمح بالتجمع، ونهاية بالمسارح التقليدية.
  نخلص مما سبق إلى أن مصطلح المسرح التعليمي هو «توظيف النشاط المسرحي داخل المؤسسات التعليمية، إما بقصد التربية المسرحية، والتي تهدف إلى تعليم التلاميذ، وتدريبهم على التقنيات المختلفة لفن المسرح، واكتشاف وتنمية المواهب الفنية من بينهم في هذا المجال، أو بقصد المساعدة في العملية التعليمية، من خلال ما يعرف بمسرحة المناهج، بتقديم جزء من مقرر ما، في إطار درامي، وعرض مسرحي بسيط يعتمد على المشاركة الإيجابية للتلاميذ، ويتم ذلك داخل حجرات الدرس، أو في أماكن التجمعات، أو المسارح التقليدية، أو للمساعدة في تنشئة صغار الأطفال من خلال أنشطة الدراما الإبداعية، داخل الروضات ويصدق هذا التعريف على كل المؤسسات التعليمية سواء التي تهتم بالأسوياء، أو تلك التي تهتم بالأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة «.
 ويتفق هذا التعريف في مفهومه، مع ما يتم في المسارح التعليمية بالخارج، تحت ما يعرف ب (T.I.E.) أو Theatre in education
 حيث تقوم فرق مسرحية محترفه، بتقديم عروضها التعليمية، بالتعاون مع بعض من أعضاء هيئات التدريس، والتلاميذ، داخل المدارس، وتتنوع الموضوعات التي تقدمها، ما بين موضوعات عامة ترتبط بقضايا ومشكلات معاصرة تهم التلاميذ، أو مرتبطة بمقررات دراسية.
 وهى في هذا، تجمع ما بين وظيفة التربية المسرحية، ومسرحة المناهج معا بمعنى أخر، أنها تقدم المسرح التعليمي بجانبية (التربية المسرحية / بالمفهوم المصري – ومسرحة المناهج).
 أهداف المسرح التعليمي
 هكذا وبعد أن رأينا أن مصطلح المسرح التعليمي هو المصطلح الأنسب، لتعريف الأنشطة المسرحية داخل المؤسسات التعليمية، كما توصلنا إلى أن توظيف تعليمية المسرح داخل المؤسسات التعليمية، يحقق ثلاثة أهداف عامة وهى:
تعليم حرفية المسرح وتقنياته وتنمية التذوق الفني والجمال من خلال نشاط التربية المسرحية.
المساعدة في تفسير وشرح بعض المقررات الدراسية أو أجزاء منها فيما يعرف بنشاط مسرحه المناهج.
المساعدة في تعديل السلوك وعلاج بعض الاضطرابات السلوكية والانفعالية فيما يعرف بنشاط (الإرشاد النفسي) أو استخدام السيكودراما والعلاج بالدراما.
وبالضرورة فإن الأهداف التي يُسعى لتحقيقها من خلال توظيف المسرح وأنشطته تشكل، كل الأهداف التي يمكن أن نسعى لتحقيقها داخل المؤسسات التعليمية في مجالاته الثلاثة.
لمفاهيم الأساسية للمسرح التعليمى
 مما لا شك فيه أن هناك عدد من المفاهيم التربوية والفنية التي تتحكم في تطور واستمرار ممارسة أنشطة الدراما والمسرح، داخل المؤسسات التعليمية، للاستفادة من قدرات المسرح التعليمية من جهة، وللمساعدة في تحقيق الأهداف التربوية والتعليمة لهذه المؤسسات ومن أهم هذه المفاهيم:  
التعليمية بشكل عام.
1 - التعليم من خلال الخبرة Learning Through experience:
 يعتمد التواصل في المسرح التعليمي على مفهوم التعلم بالخبرة، وهو جزء من المنظور الحديث لتطور أساليب التعليم، والذي ينظر فيه للعملية التعليمية بوصفها عملية ذات اتجاهين، وفيها يحمل التلميذ / المشاهد ما يراه في العمل المسرحي دلالات ترتبط بمعرفته، بمعنى أن الطفل هنا يربط بين موضوعات التعلم ومعرفته وخبراته الذاتية، ومعظم ما يحدث في برامج المسرح التعليمي، يتجه إلى ما يفكر فيه الطفل ويعرفه (أنا لا أعرف، ثم أنى أعرف هذا – ولكنى الآن عرفت وأعرف وأعمل)
لذلك تهتم هذه البرامج بعرض موضوعات مما تقع في دائرة اهتمام التلاميذ، خاصة الصغار منهم لتحقق أهدافها التربوية والتعليمية، ومن هذه الموضوعات الفضول الشديد تجاه الأغراب، بعض العلاقات الإنسانية، ومشاركة الممثلون للتلاميذ لموضوع ما، تساعد على تقديم التفاصيل التي تعمق من فهم هذا الموضوع. وهذا يساعد التلاميذ على الاستفادة من المعرفة الجديدة، في حل مشكلاتهم، أو في وضع قراراتهم، أو اختيار هذه القرارات.
 من جهة أخرى. تساعد مشاركة التلاميذ في هذه الخبرة، على تعميق الفهم لها والاستفادة بها، عملا بالمقولة الصينية المعروفة التي تقول «أنا أسمع فأنسى، أرى فأتذكر، أفعل فأفهم»
2 - المسرح وسيلة وليس هدف Theatre a mean not an end:
 لا يسعى نشاط التربية المسرحية أن يصنع نجوم مسرح، بل ينظر إلى المسرح هنا باعتباره وسيلة وليس هدفا في ذاته، وبالتالي ينصب الاهتمام على موضوع العرض المسرحي.
3 - اختيار الموضوعات المرتبطة باهتمام الأطفال وهى فرصة للتعليم الجاد، لا تضيعها فرق المسرح التعليمى المحترفة، TIE. التي تميل لاختيار برامجها من الموضوعات ذات الدلالة والأهمية لها وللتلاميذ. ويتمثل هذا في التطرق مثلا لمجالات، يجد المعلمون صعوبة في التعرض لها مع التلاميذ داخل الفصل إما لعدم وجود الوقت الكاف للبحث، أو لعدم الوضوح الكاف، أو لنقص الثقة، كالتعرض لقضايا معقده أخلاقيا، اجتماعيا وسياسيا، يتم اختيارها تبعا للمرحلة العمرية نتاج ورش العمل التي تجمع بين الفرقة والتلاميذ والتي قد تستغرق أسابيع للتعرف على هذه القضايا
 لذلك فإن فرق المسرح التعليمي بوصفها تجمع ما بين الفن والتعليم، تكون قادرة على التحرك نحو حل المعضلات السياسية والأخلاقية، ليس بالنقاش لكن من خلال التفاعل الجيد بين المشاهدين وبعض الشخصيات، في لحظات محددة، وتمأشيا مع احتياجاتهم.
4 - الطفل كخبير Children as expert:
 كما تساعد شخصيات العمل الدرامي والتي تختلف عن التلاميذ، في أنها تشجع التلاميذ على النظر إلى عالمهم بشيء من الموضوعية.
 فالعرض المسرحي وشخصياته يحاول التعرض لبعض القضايا والمواقف الحياتية، التي قد لا يعرف بعض التلاميذ جوانبها أو كيفية التصرف فيها.
 ومن خلال العرض ومناقشة الأطفال، يتوصل الجميع لمعرفة ما يجب، وكأن الحل صادر عن الأطفال أنفسهم، مما يكسبهم الثقة أولا والمعرفة الصحيحة كخبراء في هذا الموقف ثانيا.
 هذه هي المفاهيم التي تشكل الثوابت في تحقيق المسرح التعليمي لأهدافه عامة، وأهداف كل مجال من مجالات توظيفه في المؤسسات التعليمية خاصة..
التربية المسرحية
 تعتبر التربية المسرحية المصطلح البديل لنشاط التمثيل أو المسرح المدرسي الذي عرفته مصر من خلال «تفتيش التمثيل» بوزارة المعارف منذ الثلاثينات من القرن الماضي، حين استبدلت إدارة التربية المسرحية بإدارة المسرح المدرسي، عام 1971. وإدارة التربية المسرحية في أبسط تعريفاتها «هى إدارة تقوم بالتخطيط ومتابعة النشاط المسرحي، والإشراف على المسابقات الدورية بين المدارس على مستوى الجمهورية وقد حدد لها قرار الإنشاء، وظيفتها، بوضع القواعد اللازمة لتوجيه وتطوير، «التربية المسرحية، لخدمة الأهداف التربوية والتعليمية»، وبالتالي ضم إليها كل الأنشطة التي تستخدم المسرح أو الدراما في كل المؤسسات التعليمية، قبل الجامعية، من الروضة حتى الثانوي.
 وتبعا لطبيعة كل هذه المهام الوظيفية، يمكن إجمال الأهداف التي تسعى إدارة التربية المسرحية لتحقيقها فيما يلى:
أهداف التربية المسرحية
1 - أهداف جمالية وفنية:
 وتقصد بها تنمية قدرات التذوق الفني تجاه فنون المسرح من خلال خلق جيل من التلاميذ يعشق هذا الفن، ويمارسه داخل المؤسسات التعليمية، في أنشطة الفرق المسرحية التي تسعى إلى:
التعريف بفنون المسرح، وتدريب التلاميذ على حرفيات وتقنيات فن المسرح بداية من الإلقاء وفنون الأداء، وباقى العناصر الفنية.
تدريب التلاميذ على مشاهدة العروض المسرحية، وتذوقها، وتقيمها، بالقيام بزيارات للمسارح بأسعار مخفضة، وإقامة الندوات.
انتداب خبراء ومتخصصين أكاديميين في فنون المسرح لتدريب الفرق المسرحية. أو لعقد ندوات مع التلاميذ حول فنون المسرح.
إقامة المسابقات المسرحية بين فرق المسرح بمراحل التعليم المختلفة بقصد خلق المنافسة الشريفة بين التلاميذ، وتحفيزهم للتفوق في هذا المجال من الأنشطة.
اكتشاف القدرات والموهبة المسرحية، من بين التلاميذ ورعايتها وتنميتها فنيا.
التعريف بالتراث المسرحي العربي والعالمي نصوصا ومؤلفين.
2 - أهداف تربوية: يعمل المسرح من خلال قدراته التعليمية على إكساب التلاميذ الكثير من أساليب السلوك والاتجاهات الإيجابية، نحو الذات والمجتمع والأمة تبعا للتوجهات الثقافية العامة ومن خلال الاختيار الجيد للنص المناسب يمكن تحقيق هذا الهدف، وتحقيق عدد من الأهداف التربوية منها:
أ - التنمية الاجتماعية للتلاميذ: حيث إن العمل المسرحي عمل جماعي بطبيعته، يتطلب المشاركة الإيجابية من الجميع،
ب - تنمية روح التنافس الشريف: ومن خلال المشاركة في المسابقات الفنية بين التلاميذ، والموضوعية في أحكامها، والعادلة في قراراتها، يمكن للتلاميذ هنا أن تكتسب روح الدافعية السوية الموضوعية للإنجاز، وأن يمروا بخبرة النجاح، وتقييم الذات بشكل موضوعي،
ج - تنمية الانتماء للوطن:
 ومن خلال ما يمكن أن تقدمه العروض المسرحية من خبرات ونماذج وطنية مشرفة، تدور حول أحداث عظام وشخصيات نبيلة ساهمت في رفعة شأن الوطن والتقدم به، كل هذا يساعد على تنمية الانتماء والتقدير للوطن ورجاله.
د - التمثل بالقدوة الحسنة: أيضا من خلال النماذج الإيجابية من العلماء والأبطال سواء على المستوى المحلى أو العالمي، يتعرف التلاميذ على رجال صنعوا تاريخ أممهم، وتاريخ العلم، وساعدوا على النهوض بالإنسان وتقدم الإنسانية، مما يدفع إلى التوحد بهم وتمثلهم في حياتهم، والسعى الدوؤب للتشبه بهم.
ه تنمية الثقة بالنفس لدى التلاميذ: من أهم الجوانب التربوية للتلاميذ، إكسابهم الثقة بالنفس، والتي تساعد على تكوين صورة إيجابية للذات، فالعرض المسرحي يتطلب بالضرورة مواجهة بين المؤدى والمتلقي، الأمر الذي يتطلب أن يكون المؤدى مستعدا وقادرا على هذه المواجهة، ويتحقق هذا الأمر من خلال التدريبات التي تزيد من ثقة التلاميذ بأنفسهم وقدراتهم.
 كيف تتحقق أهداف التربية المسرحية
  لتحقيق أهداف التربية المسرحية السابق الإشارة إليها، لا بد وأن يكون هناك معيارا يتم على أساسه اختيار النصوص المسرحية أولا، ومعيارا لما يمكن أن يكون عليه العرض المسرحي داخل المؤسسات التعليمية، ومنهجا علميا يتبع لتحقيق هذه الأهداف:
معايير اختيار النص المسرحي:
ضرورة ارتباط النص المسرحي بقيمة فكرية إيجابية بالنسبة للمجتمع.
أن ترتبط بما تقدمه من قيم وأعراف بالثقافة العامة للمجتمع.
أن تكون مناسبة للمرحلة التعليمية التي تقدم من خلالها من حيث:
المستوى اللغوي المناسب لتلاميذ المرحلة.
مستوى الخبرة الحياتية التي تقدمها، أن يكون على مستوى إدراك هذه المرحلة.
أن تكون مناسبة للإمكانات المادية والبشرية التي ستقوم بإنتاجها.
أما الموضوعات التي يمكن تقديمها في المدارس عامة في نشاط التربية المسرحية فتتنوع ما بين:
 - المسرحيات الأخلاقية والاجتماعية: وهى تلك المسرحيات التي تتناول موضوعات وقضايا اجتماعية تهم التلاميذ وتساهم في بناء النسيج الاجتماعي والأخلاقي للمجتمع وتدعم القيم الأخلاقية الموجودة في المجتمع.
 - المسرحيات التاريخية: ويفضل اختيار المسرحيات التي تدور موضوعاتها حول بعض المواقف المشرفة من تاريخ مصر أو الشخصيات التي أثرت في تاريخ مصر وتؤكد بالضرورة على الإيجابيات التي تعزز قيم الانتماء والفداء والتضحية من أجل مصر.
 - المسرحيات الوطنية: وهى المسرحيات التي تدور موضوعاتها حول بعض القيم والمواقف ذات البعد الوطني الذي يدعم قيم الانتماء والوحدة الوطنية والتضحية من أجل الوطن. وهذا النوع لا يشترط فيه بالضرورة أن يكون مرتبط بالتاريخ الواقعى للبلد ولكن يمكن أن يكون إبداعا خياليا للمؤلف ولكنه يشير من قريب أو بعيد للوقائع التاريخية كنوع من الإقناع.
4 - مسرحيات من التراث المسرحي العالمي: مع مراعاة الخصائص السابقة من حيث الارتباط بالأخلاقيات...الخ.
5 - مسرحيات من التراث العربي والمصري: وهى المسرحيات التي كتبها رواد فن المسرح في مصر والعالم العربي والمشاهير في مصر
وهنا يطرح تساؤلا نفسه؟ هل تقدم هذه المسرحيات كما هي أم يمكن أن يتم إعدادها لتبسيطها حسب المراحل العمرية والدراسية؟
 و يحق لإخصائي المسرح في المؤسسات التعليمية أو للمهتمين بالمسرح في المؤسسات التعليمية أن يعيدوا الصياغة لبعض الأعمال المسرحية في صياغات بسيطة تتناسب مع القدرات اللغوية والمعرفية والأدائية بالنسبة لتلاميذ هذه المرحلة.
6 - المسرحيات الفكاهية «الكوميدية»:
 يمكن في كثير من الأحيان تقديم المسرحيات الفاكهية باللغة العربية الفصحى أو العامية داخل المؤسسات التعليمية بقصد التعريف بتقنيات المسرح شرط أن يتوافر فيها نفس الخصائص السابق الإشارة لها.

 


كمال الدين حسين