كاني وماني كوميديا بين المطرقة والسندان

كاني وماني كوميديا بين المطرقة والسندان

العدد 548 صدر بتاريخ 26فبراير2018

ظلت النصوص المسرحية للشاعر الإنجليزي الأشهر وليم شكسبير، مصدرا لإلهام المسرحيين في كل بقاع العالم، حتى بعد تعاقب القرون واختلاف الثقافات والمرجعيات، ذلك لما تحمله تلك النصوص المسرحية من تنويعات إنسانية وقيم حياتية عالمية النزعة، محلية البناء، كونية التأثير، وظل تناول أعمال شكسبير المسرحية مستمرا منذ بدء كتابتها قبل مئات السنين وحتى لحظتنا الراهنة، تناولا مكتسبا خصوصية البيئة المحلية والثقافية والآيديولوجية لمكان العرض وزمانه؛ مما اأضاف لهذه النصوص حيوات متجددة، وظل التناول مغلفا برؤى مختلفة إما متماسة مع النص الأصلي أو معارضة له أو مفسرة أو إلى ما إلى ذلك من رؤى إخراجية أو دراماتورجية. وكان نص (كاني وماني) للناقد الراحل صالح سعد رؤية دراماتورجية لنص (روميو وجوليت)، تعارضت من الطرح الرومانسي لشكسبير مكتسبا واقعية أكثر التصاقا بالجمهور المصري، فتدثر النص برداء شكسبيري ونسج منه رداء محليا حياتيا ساخرا، وتم تناول نص الراحل الدكتور صالح سعد بكثير من الرؤى الإخراجية آخرها العرض المسرحي (كاني وماني) المقام على خشبة مسرح الفنون المسرحية في افتتاح المهرجان العربي (ذكي طليمات) من بطولة طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية وإخراج أحمد سعد والي، في رؤية ساخرة أعلت من روح الكوميديا التي نسجها الناقد الراحل برشاقة ونفذها طلاب المعهد بتمكن ألهب حماس الجماهير وانتزع الضحكات من الأشداق، فكان العرض افتتاحا مبهجا لمهرجان المسرح العربي (ذكي طليمات).
بدأ العرض بمشهد لقاء روميو وجوليت في حفل آل كوبليت، وما أن بث روميو لواعج حبه لجوليت، وبينما تعلو موسيقى الرقص بين الأحبة عبر النوافذ المحددة لمنظر الديكور العام للمشهد المسرحي، ولا تخفى على جمهور النظارة تلك التفاصيل (المبالغ فيها) للديكور المسرحي، حتى اقتحم صالة العرض صوت نسائي عدائي من امرأة حامل اخترقت صالة الجمهور حتى وصلت لمنصة العرض وراءها ما يقرب من اثني عشر طفلا يافعا، ويتضح من الفعل والقول أن هذه المرأة هي (كاني) زوج بطل العرض روميو (عبده)، وأن هذه المرأة لم تحضر اإلا دفاعا عن حقها في زوجها الذي أهمل بيته وأولاده وأصيب ببرود في علاقته معهم، وبحس المرأة وحدثها أدركت أن زوجها على علاقة بأخرى وأيقنت صدق حدثها عندما وجدته يبث لواعج حبه للممثلة (ماني) جوليت، لتشتبك الأحداث وتتحول إلى لغة خطابية شديدة المباشرة عن علاقة المرأة بالرجل وسبل القهر الواقع على المرأة وأسبابها المقولبة التي لا تخلو من رنة الافتراض والظلم دون وجود حتمية درامية اللهم إلا تلك الجمل المقولبة والحوار المتكرر في تلك القضايا؛ مما أفقد - بالتبعية - هذه القضية جدة الطرح وتجدده، فتجاوز الطرح التعاطف المستحب مع هذا النوع من القضايا ليتحول إلى كليمات تلقى بشكل لا يتجاوز تأثيرها الآذان فيلقى سلبية في التلقي تتنافى مع عدل القضية وعدالتها.
“كاني وماني” عرض مسرحي أعلن عن مواهب حقيقية في مجال الكوميديا استطاعوا بخفة ظلهم الوصول إلى قلوب جمهور النظارة وتجاوزت الموهبة طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية لتعلن عن مواهب مميزة من خارج المعهد (الأطفال) الذين رُسمت لهم كراكترات كوميدية مميزة ساهمت في إكساب الأطفال تأشيرة المرور إلى جمهور النظارة، ولفتت تلك الكراكتات المصنوعة بعناية الأنظار إلى موهبة الأطفال الذين يستحقون أن يتم الالتفات لهم ولموهبتهم لتطويرها وصقلها.
اهتم مخرج العرض بصقل مشاهد التمثيل – دون سواها - معتمدا على موهبة الممثلين الموجودة مسبقا، فكان اختياره للشخصيات وتسكينه للكراكتات موفقا بشكل كبير، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى (وتلك الأهم) الحس الكوميدي للمخرج - وهو ممثل شديد التميز - من ممثلي العرض أكسبه قدرة على صنع الضحك في المشاهد سواء عن طريق كوميديا الموقف أو (الإفيه) فتعالت ضحكات جمهور النظارة بين الحين والآخر.
وقع العرض المسرحي الكوميدي (كاني وماني) بين مطرقة ميلودرامية الطرح ومباشرة القضية وخطابية الحوار وسندان المنظر المسرحي المبالغ في تفاصيله إلى حد منع تدفق الحدث والحديث، وارتبكت المشاهد المتعاقبة نظرا لارتباك حركة تغيير المنظر الذي وقع في فخ محاولة نقل واقعية المشهد، فهذا المنظر المسرحي الموضوع فوقه شرفة قصر آل جوليت بنافذته وباب الولوج إلى (البلكون) وزهريتان كبيريتان للزينة، ثم نقل المشهد إلى منزل آل (كاني) بدخول (أربعة شاسيهات) لنقل حوائط المنزل، فضلا عن (كنبة) التصق بها الممثلون طوال إلقاء مشهد الخطيب (عبده) وأهل (كاني) وعودة مرة أخرى لمشهد آل كابليت، لتنتقل الأحداث بعد شد وجذب إلى منظر الشرفة (أيقونة مسرحية روميو وجوليت). كل تلك التغييرات احتلت مدة ليست قليلة من الزمن اللازم لتغيير تلك القطع الديكورية التي ذكرنا سلفا أنها قطع لا تخلو من التفاصيل التي أخذت مجهودا ملحوظا في التنفيذ، بيد أن وجودها كلها في هذا العرض الكوميدي عُدّ عالة على المنظر المسرحي، وساهم بشكل أساسي في قطع التواصل بين منصة التمثيل وجمهور النظارة، فضلا عن قطع التدفق في الأحداث واللازم – بطبيعة الحال - لهذه النوعية من العروض ومع اقتراب النهاية علت حالة الميلودرامية والمباشرة، وتم إسراع مشاهد روميو وجوليت الخاصة بصراع روميو مع غريمه ثم انتحار روميو فانتحار جوليت التي جرت بشكل صامت إسراعا في الإيقاع وتقليصا للزمن، وانتهت الأحداث بولادة الزوجة (كاني) لطفلتها الجديدة التي أسماها أبوها باسم محبوبته (ماني) لتعلن دائرية الحدث.
“كاني وماني” عرض مسرحي أنبأ عن طاقات كوميدية راقية تأليف صالح سعد إخراج أحمد سعد والي.
 


محمد النجار

mae_nagar@yahoo.com‏