العدد 554 صدر بتاريخ 9أبريل2018
في إطار الموسم المسرحي لفرق الأقاليم، قدمت فرقة الطود المسرحية التابعة لفرع ثقافة الأقصر عرض “ليلة عرس زهران” من تأليف محمد عبد الله، وإخراج كريم الشاوري، وسينوغرافيا محمد ثابت، ومن بطولة سومة غريب، وإسلام الشاوري، وعبد النبي حساني وكريمان حسين وآخرين.
تدور أحداث العرض المسرحي في إطار المجتمع القروي الصعيدي بتقاليده وعاداته وخصوصياته، مرتكزا على صراع أزلي أبدي وهو الثأر، ورغم تناول هذه الفكرة مئات، بل آلاف المرات، فإن العرض جاء مغايرا ومفارقا للمألوف؛ حيث جاء مخاطبا الجمهور منذ الوهلة الأولى مهددا ومنذرا بتربص الأغراب المنتظرين لحظة أن يتقاتل أبناء البلد الواحد لتأتيهم الفرصة وتسنح لهم باجتياح البلاد.
يقوم الصراع ويحتدم بين عدة أطراف، أهمها: همام الذي قُتل أبوه فسكن الجبل وكون مجموعة من المطاريد أذل بها أهل القرية انتقاما منهم، وزهران ابن عمه الذي يسعى طوال العرض لِلَم الشمل وإنهاء ذلك الثأر وسلسال الدم، هذا الدم الذي أحال بينه وحبيبته جميلة التي قُتل أبوها وأصبحت طرفا في النزاع ثم قُتل زوج خالتها الذي أخذ بثأر أبيها من عائلة همام وزهران. وبمقتل زوج خالتها لم يتبقَ من عائلتها من يأخذ بثأره، فتلجأ جدتها وخالتها إلى الحيلة لأخذ الثأر، فتقنعان جميلة بأن تتزوج من زهران وأنهما قد تناستا ما حدث وتنويان بدء حياة جديدة بعيدة عن أي غل أو صراعات، وتنجح حيلتهما ويأتي زهران ليلة أربعين مسعود زوج مسعدة خالة جميلة فيُقتل بيد الجدة العمياء، وبمقتله يدخل الأغراب البلد مطلقين رصاصهم.
استطاع المخرج تقديم عرضه محققا رؤيته التي تتماس مع الواقع الذي يعيشه مجتمعنا العربي من خلال تضافر عناصر عرضه المسرحي، فعبر سينوغرافيا تقترب بشكل كبير من السيريالية صنع محمد ثابت جبلا شاهقا تتوسطه في الأعلى جمجمة، وعلى الجانبين قمران: واحد معتم، والآخر مضيء، وعلى امتداد الجبل حبل أسود ملتف بتشكيلات توحي بدلالة قمعية تميل في شكلها إلى نجمة إسرائيل، وبيت بابه مقلوب، وأيضا ملتف بسلاسل في الجانب الآخر ساقية مقلوبة الشكل.
أما على مستوى الأغاني والأشعار، فلقد جاءت في سلاسة وبساطة محققة عنصري المتعة والفرجة معا؛ حيث ساهمت في إبراز الخطاب الذي ينادي به العرض منذ بدايته وحتى النهاية.
وعلى مستوى التمثيل، فإن المخرج استطاع بالتعاون مع فريق العرض أن يقدم مستوى عاليا من الحرفية في أداء الأدور التي يلعبها الممثلون، بداية من الفنانة سومة غريب التي نجحت في أدائها لدور الجدة العمياء، وأيضا عبد النبي حساني الذي كان متمكنا من الشخصية التي يؤديها ذلك البطل الشجاع الذي وقف أمام ابن عمه همام محاولا الوصول معه لحل ينهي نزيف الدم الذي بدأ غير هياب لشيء إلا أنه قُتل غدرا على يد الجدة العمياء ليلة عرسه، وكذلك إسلام الشاوري في دور مفتاح ذلك المجذوب العارف بمجريات الأمور والأحداث، فهو الذي يكمل الحكاية التي بدأتها الجدة ويدفع بها طوال العرض راويا مرة ومشاركا فيها مرة أخرى، ومرات منذرا ومحذرا من ذلك الخطر الداهم المتربص بالبلد، وهو الأغراب الكامنون خلف الجبل.
وأيضا هناك عناصر في العرض تبشر بأن المسرح في الثقافة الجماهيرية وفي جنوب الصعيد يترعرع وما زال ينبت في حقول خصبة ويترعرع في أراض من طمي الموهبة وحب الفن القادر على صنع شخصية الإنسان وبناء المجتمعات فكريا وثقافيا، وأخص بهذه العناصر كريمان حسين التي أدت دور جميلة، وسبنا أبو الغيث التي أدت دور مسعدة.
غير أن المكسب الحقيقي في العرض هو ظهور أكثر من 15 ممثلا وممثلة لأول مرة على خشبة المسرح، وهذا هو الدور الذي على كل مخرج في الثقافة الجماهيرية أن يصنعه في كل عرض، أن يبرز بقدر الإمكان عناصر جديدة ويدفع بها إلى المسرح ليكون فيما بعد كوادر تنهض به.
وفي النهاية نحن أمام عرض متماسك يستحق المشاهدة والثناء.
كرم نبيه