العرض الفائز بجائزة مهرجان الجمعيات: «البحر بيضحك ليه» .. حتى عروض المسرح تحتاج إلى علامات ترقيم

العرض الفائز بجائزة مهرجان الجمعيات: «البحر بيضحك ليه» ..  حتى عروض المسرح تحتاج إلى علامات ترقيم

العدد 744 صدر بتاريخ 29نوفمبر2021

لعل أول ما يمكن أن يرد على الذهن، منذ الوهلة الأولى  لبدء عرض “البحر بيضحك ليه” - الذي قدمته فرقة تفانين المسرحية الحرة بجمعية رواد قصر ثقافة أسيوط، من تأليف نجيب سرور وإخراج أحمد ثابت الشريف، على مسرح قصر ثقافة بورسعيد، ضمن عروض مهرجان الجمعيات الثقافية – مسرح الهواة- في دورته الثامنة عشرة- هو أن العرض يقدم في غير مكانه، وأن السامر كان هو المكان المناسب له، نظرا لما يتسم به العرض من طابع ملحمي شعبي، ومن خطاب سرد فرجوي، لا يتسع له مسرح العلبة الإيطالي، و يحتاج – بالضرورة- إلى فضاء مفتوح، قادر على استيعاب مجاميع المؤديين والمغنيين والراقصين، والجمهور المدعو للمشاركة في الحدث أيضا، بوصفه متلقي الخطاب، المعني بمحتواه، وقد ذهبت إليه الفرقة في مكان تجمعه، بوصفها الراوي، الذي يتسع مفهومه هنا ليشمل الفرقة بكل عناصرها. وقد حاول مخرج العرض أحمد ثابت الشريف التغلب على هذه المشكلة بالاشتباك مع صالة المتفرجين، والتعامل معها بوصفها جزءا من الفرجة المسرحية غير منفصل عنها، فدخل من بابها وقطعها من أولها لآخرها، وقدم جانبا ملحوظا من زمن عرضه بين ناسها، فبدء وصلته الغنائية الأولى منها، ووزع عليها “ القُرص” على روح ياسين.

الفضاء السائل   
عدة عوامل – في تقديري- أسهمت في جعل الفضاء الذي يشغله العرض سائلا، أولها قيام العرض على  لغة شعرية، غير منضبطة بمعايير البنية الدرامية التقليدية، شخصياتها تنداح عبر الجملة الشعرية، ويخلقها الشاعر عبر سرده، فلا تملك قوامها المستقل، وربما تتحول عبر السرد إلى رموز، ثانيا: جمع المعالجة التي قام بها المخرج / الدراماتورج أحمد ثابت الشريف بين عدة نصوص لنجيب سرور وهي: بهية وياسين، آه ياليل يا قمر، قولوا لعين الشمس، منين أجيب ناس، وكذلك مقتطفات من بروتوكولات حكماء ريش، ومذكرات جنونية من دفتر هاملت، وثالثا: تشكيل الفضاء بواسطة أجساد الممثلين وتشكيلات المجاميع، مع انتقال الممثل من شخصية لأخرى، ومن تشكيل لآخر، ربما في المشهد نفسه. ذلك كله – في تقديري – جعل الفضاء سائلا، دوامة مستمرة من الهدم والبناء، حتى أنك لا تدرك أحيانا متى بدأ الهدم، ومتى انتهى البناء، وقد كان ذلك – في ظني- يحتاج إلى كثير من اليقظة، والدقة، ومراقبة الإيقاع، فيما يتصل بالدخول والخروج من الشخصية وإليها، وكذلك من الحالة إلى غيرها، وهو الدور الذي تلعبه علامات الترقيم في النص اللغوي المكتوب، والذي بدونه لا يتم فهم النص على نحو سليم،  لذا أرى أنه كان على مخرج العرض أن ينتبه لضرورة صناعة ما يوازي علامات الترقيم، حتى يسهل على المتفرج متابعة العرض وملاحقة تحولاته واستيعابها، وقد ترتب على هذه السيولة - في تقديري- عدم إدراك المُشاهد لبعض التحولات السريعة التي تحدث على الخشبة، وكذلك  شعوره بانتهاء العرض فجأة. ربما كان ذلك بسبب وجود خلل في البناء، أنتجه القفز بين شخصيات متعددة، في بنية دائرية، جعلت هناك إمكانية لإغلاق العرض في أي لحظة.      
لم أستطع الربط بين حكاية الرواي/ نجيب سرور في تقديمه للعرض، وبين ما قدمه العرض بعد ذلك من حكايات شعبية عن ياسين وبهية وحسن ونعيمة وما وقع لهم من أحداث مأساوية، وقد قدم الراوي تلك الحكايات باستدعاء هاملت وخيانة العم والأم، ( واللي يتجوز أمي ..) وقد حاول إسقاط  تلك الحكاية الدنماركية على الواقع الذي يقدمه العرض، وفي ظني كان ذلك افتراضا لا داعي له.
ومع ذلك، فقد حقق العرض فرجة جيدة، عبر عناصر بنائه المختلفة: الغناء الشعبي المتميز، والرقص، الحكي والتمثيل، والانتقال ما بين حال الفرح  وحال الحزن، تماشيا مع رحلة أبطاله من الحياة إلى الموت، من الشجرة الخضراء التي على مقدمة شمال خشبة المسرح، إلى شواهد القبور على الجانب الأيمن منها.
توفرت للعرض مجموعة من العناصر الجيدة التي أسهمت في تقديم هذه الفرجة الجيدة، لولا حاجتها إلى علامات ترقيم، وقد وفق المخرج في استغلال مجاميع الكورس في تحقيق عدة وظائف أبرزها تشكيل الفضاء من خلال تجمعها وتفرقها هنا وهناك، بشكل منضبط، في مواقع الخشبة المختلفة، ثم في تمثيل الأشياء بديلا عن الديكور، وكذلك في التعبير عن حالات وجدانية ودعم المناخ النفسي المتغير في العرض بين الحزن والفرح، عن طريق الرقص والغناء، هذا إلى جانب قيام الكورس بأداء دور الراوي في مشاهد، والأداء التمثيلي في مشاهد أخرى، ويمكن القول إن المجاميع هي أبرز عناصر العرض، وهو ما يتسق مع طبيعته الملحمية الشعبية، كذلك على مستوى الأداء الفردي تميزت عناصر كثيرة على رأسها وفاء ممدوح كمال، وهي ممثلة جيدة تمتلك الكثير من المهارة و الموهبة و القدرة على إحكام قبضتها على الدورين، بهية ونعيمة، وإن كانت الفروق بينهما لا تذكر تقريبا، وقد حولهما القهر وموت الأحبة إلى بكائيتين رمزيتين طويلتين، ومحاولة للبحث عن مخرج من هذا الليل الطويل، الذي تتشابه فيه كل بهية مع كل نعيمة، كما يتشابه كل حسن مع كل ياسين.  
التحية كذلك لعناصر الفريق الأخرى: محمد لطفي عثمان، لؤا عبد الحميد، حسناء أحمد فتحي، رضوى محمد، وفاء ممدوح، كيرلس ممدوح، أحمد مختار، محمد مجدي، عبد الهادي نايل، عبد الرحمن حسن، مصطفى صبرة، عبد الله حامد. كما أحسن عبد الله حامد حافظ ( سينوغرافيا) في التعامل مع الفضاء المتاح، بدمج صالة المتفرجين مع الخشبة، وفي إخلاء خشبة المسرح من الديكورات الثقيلة والاكتفاء ببعض الرموز الدالة: ثلاثة شواهد قبور، شجرة، شراعي مركب في العمق، ما سهل حركة المؤديين وتشكيلاتهم.  
كذلك التحية  لمصمم الإضاءة عصام عبد النبي خضر، الذي أسهم أيضا في صناعة تلك الحالة بعدد من لحظات الإضاءة المتميزة، دون أن يسرف في استخدامها في غير حاجة.


محمود الحلواني