المخرج عادل بركات: «مرّة» يناقش قضية نسوية تهم المجتمع

المخرج عادل بركات: «مرّة» يناقش قضية نسوية تهم المجتمع

العدد 558 صدر بتاريخ 6مايو2018

المخرج عادل بركات قدم الكثير من الأعمال المسرحية وله مجموعة من الكتابات، بدأ رحلته الفنية من المسرح الجامعي منذ أن كان طالبا بالجامعة، ثم ذاب عشقا في مسرح الثقافة الجماهيرية عبر امتداده الجغرافي شمالا وجنوبا وشرقا وغربا في نوادي المسرح والبيوت والقصور والقوميات والتجارب النوعية، وله مشاركات كثيرة في مسرح الطفل ومسرح الهناجر ومسرح الدولة مساعدا ومنفذا ومخرجا، حصد الكثير من جوائز العروض والإخراج.. في المسرح الجامعي نال جوائز عن مسرحيات “دونكيشوت، مأساة كريولانس، أهل الكهف، الثأر ورحلة العذاب، سعدون، كاليجولا، بيرجنت” أيضا جائزة العرض والإخراج عن مسرحيات «عباسية جدا، الحصار» وفي مسرح الطفل نال جائزة العرض والإخراج عن مسرحيات “حكاية قلم رصاص، جزيرة الحياة، مدينة السكر”، وفي مسرح الثقافة الجماهيرية حصل على جوائز عن مسرحيات “كفر التنهدات، المهرج، الواد غراب والقمر، أطياف حكاية، عرس كليب”. قدم بعض التجارب النوعية منها “مسرح السيكودراما، وقضايا الإنسان” التي قدم من خلالها تجربة داخل سجن النساء بالقناطر، والملاجئ والأيتام وغيرها من التجارب الهامة. وتم تكريمه من عدة جهات كالثقافة الجماهيرية والمسرح الجامعي وغيرها..
ويقدم مؤخرا مسرحية “مُرّة” لفرقة السامر المسرحية، من تأليفه وإخراجه، مستوحاة عن الأسطورة اليونانية القديمة “ميديا”، العرض بطولة: سمية الإمام، أحمد أبو عميرة، دينا مجدي، إبراهيم جمال، إيهاب عز العرب، أحمد فرحات، عامر همام، عبد الله الورداني، ديكور وأزياء: محمد فتحي، موسيقى وألحان: أحمد السنهوري، استعراضات: محمد إبراهيم.
حول هذه التجربة وطبيعتها لا سيما وهي تمثل عودة جديدة لفرقة السامر بعد فترة توقف، كان لنا معه هذا الحوار.

في البداية نود التعرف على طبيعة العرض الذي تقدمه، وإلى أي مدى يتلاءم مع هوية مسرح السامر؟
فرقة السامر تهتم بتقديم ثيمة رئيسية ترتكز على التنوير على الموروث الشعبي والفلكور، سواء عبر القوالب الكلاسيكية أو بالرؤى المعاصرة والحديثة. تعود الفرقة لتقديم أعمالها بعد توقف لظروف إدارية، بتقديم عرض “مُرّة” الذي كنت حريصا على أن تكون ثيمته الرئيسية متلائمة مع شكل وطابع عروض فرقة السامر، التي رغم ما تقدمه من عروض متنوعة بين المودرن، والغنائية، والفودفيل وغيرها، فإن كينونتها الأصلية من نوعية العروض التي تعبر عن الموروث الشعبي الكبير والزاخر، لذا رأينا أن نناقش قضية نسوية تهم المجتمع والمرأة، بطلتها “مُرّة” والمستوحاة عن الأسطورة اليونانية القديمة “ميديا”، كنموذج للمرأة/ الإنسان، واختيار الاسم بالإضافة لكونه اسما متعارفا عليه في المجتمع الصعيدي فله عدة دلالات كأن يكون المقصود “مُرّة” من المرارة (العلقم) الصعبة المضغ أو الهضم، أو “المرة” باللهجة الصعيدية/ المرأة، ولدينا مثل شهير في الموروث الشعبي يقول «المرة تشوف راجلها في مقبرة، ولا تشوفه في حضن مرة” وهي معاناة «مُرّة»/ ميديا التي قرر زوجها الزواج من أخرى، نناقش هذه القضية من خلال مجتمع الصعيد كنموذج، هذا المجتمع ذو القانون الخاص والعادات والتقاليد الراسخة عبر العصور، بشخصياته الكبيرة، العمدة، وجاسم الذين يوازي جاسون في أسطورة ميديا، في مقابل “مُرّة” التي تنتمي لمجتمع الغجر الذي لا يعرف أصله واعتاد على السرقة والنهب والدجل وألعاب الحواة، ولم يستطع الاندماج والذوبان داخل المجتمع.
أضاف بركات: عندما يجنح الإنسان بعيدا عن العقل، تحدث الجريمة، ونجد “مُرّة” التي حاولت أن تتصرف خارج القانون العام، الذي يحكم علاقة الرجل بالمرأة، والذي يتعامل فيه الرجل مع الغانية أو العاهرة بشكل مختلف عن زوجته. فجاسم يمثل العقل في مقابل العاطفة والرغبة التي تجسدها “مُرّة” التي قتلت أطفالها انتقاما من الذكور، فلم تكتفي بقتل زوجها جاسم، لكنها رأت أن تقتل حتى المستقبل والحلم.
مستطردا: «حافظت على القالب التقليدي كمحاولة لأن تعبر الفرقة عن ذاتها وهويتها في أول عروضها بعد التوقف، لتتأهب الفرقة بعد ذلك للتجارب ذات الأفكار والرؤى المغايرة.
 - هل هذه هي التجربة الأولى لك مع فرقة السامر؟
لا، فقد قدمت معهم قبل ذلك مسرحية “الزفاف الدامي” وقمت بعمل الدراماتورج لهذه المسرحية عن نص الشاعر درويش الأسيوطي، وعن النص الأصلي لـ”لوركا”، وحاولت من خلال هاتين التجربتين تحقيق خط واتجاه معين ووضع قالب في هذا الاتجاه الفني مع فرقة السامر، وندرس في مشاريع قادمة إمكانية عمل أوبريت غنائي استعراضي.
 - من خلال الاحتكاك والعمل المتكرر مع فرقة السامر المسرحية، ما رأيك في العناصر التمثيلية داخل الفرقة؟
بلا أي مواربة أو مجاملة تتمتع فرقة السامر “بثيمات” و”تيبات” متنوعة من حيث الأعمار والقدرات الفنية والإبداعية، سواء من خريجي الأكاديمية أو ممن التحقوا بالدراسة بعد ذلك، أو من لديهم خبرات وممارسات مسرحية منذ السبعينات والثمانينات، فهي بمثابة جسد ملتحم يمثل الكل في واحد، ويستطيعون الانطلاق لآفاق مغايرة، وهو ما نعمل على تحقيقه.
 - تستهدف فرق الثقافة الجماهيرية على اختلافها وتنوعها جمهورها في الأقاليم فمن الجمهور الذي تستهدفه فرقة السامر؟
تستهدف فرقة السامر الجمهور العام في العاصمة (بالقاهرة، والجيزة وضواحيها)، والجزء الثاني من خطتها هو الطواف بعروضها بالمحافظات بعد أن يكمل العرض نصابه القانوني بالقاهرة. وهذا ما سيتم قريبا بعرض “مُرّة”.
 - ما تقييمك لنشاط مسرح الثقافة الجماهيرية بشكل عام في الآونة الأخيرة من حيث تحقيقه لأهدافه ووصوله لجمهوره المستهدف؟
الحكم المطلق على الأشياء مجحف، فنحن بصدد تجربة تتطور وتنمو، وبالتأكيد هذا التطور والنمو لا يحدث في يوم واحد، أرى أن بعض التجارب يصادفها النجاح والوصول للجماهير، حيث تتماس وتتضافر جميع عناصر النجاح، بينما البعض القليل من التجارب تسيطر فيها على المخرج نزعة ذاتية هي التي تقود حماسه للتجربة، وبذلك يتناسى طبيعة المكان وطبيعة الجمهور، ولكني أرى أن الجمهور هو الأقوى، وبالتدريج يمكنه قبول تجربة ذات طابع ودم جديد، شرط وجود شريان يصل بين ما يقدمه من جديد، وبين الجمهور وطبيعة تلقيه، ولعل هذا هو السبب في تأخر نمو التجربة، وهذا لا ينفي وجود بعض التجارب التي تحقق هدفها سريعا، وبعضها يخفق ويثبت سوء الاختيار.
 - ما أبرز التحديات التي واجهتك في تجربتك الأخيرة “مُرّة” مع فرقة السامر؟
التحديات العادية التي تواجه أي تجربة منها تأخر بعض الأوراق والاعتماد، التنسيق بين مواعيد فريق العمل الذي تحمّل التأخير السابق، ولكن ليس في هذه التجربة تحديا إداريا خاصا، فالتحدي الأكبر هو ما يتعلق بالشق الفني، وكيفية دخول فريق العمل التجربة، ليحدث استفزاز حتى نصل بها إلى صالة العرض.
 - لماذا تم اختيار مسرح مركز الجيزة الثقافي لهذا العرض؟
تقدم السامر عروضها على مسرح الجيزة الثقافي بديلا حتى يتم تجهيز مسرح السامر.
وهو ما استجاب له د. أحمد عواض رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، والمخرج هشام عطوة نائبه.
 - ما رأيك في تجهيزات مسرح الجيزة الثقافي الفنية والتقنية بعد تجربته بهذا العرض الذي تقدمه على خشبته؟
رغم كل العيوب الموجودة بالمسرح، فإن وجوده بهذه الكيفية يعتبر مكسبا، مع ما يقوم به رئيس الهيئة من جهود للعمل على تطوير وتنشيط مسرح الجيزة الثقافي (مساقط الضوء، وصيانة أجهزة الصوت والإضاءة.. وغيرها)، والمسرح العائم وكل بؤر الثقافة والتنوير التابعة للهيئة.. إن مركز الجيزة الثقافي مجهز ليكون منارة ومركزا للإبداع بما يحويه من قاعات وصالة عرض واستراحة وتجهيزات ومسرح جيد، وإذا جرى العمل على ذلك سريعا فسيكون لدينا مكان نفخر به جميعا.
 - ما الذي ينقص مسرح الثقافة الجماهيرية للتأكيد على وجوده ودوره تأكيدا فاعلا؟
في السنوات الماضية لمسنا حالة الخفوت كظاهرة عامة في كل الأشياء، ونحن جزء من الجسد، وبالتالي كان لا بد أن يصيبنا الوهن، ولكن طالما هناك نية وفعل حقيقي لإعادة الصحوة، فبالتأكيد نرى تحولات، وهذا ما نلمسه في الفترة الأخيرة على يد د. صبحي السيد مدير إدارة المسرح، وهو لا يمكنه تغيير كل شيء في يوم وليلة، في الفترة الماضية لمسنا خلطا كبيرا في الأوراق وحالة تخبط قد تؤدي إلى وأد بعض المشاريع والتجارب لذا يجب على الجميع أن يدرك جيدا متى نخاطب إدارة المسرح؟ ومتى نخاطب الإقليم؟ ومتى نخاطب الفرع؟ ومتى نخاطب أنفسنا؟! وهذا ما وضحته خطة د. صبحي السيد في العامين الماضيين، التي لو تم العمل عليها بوعي سنحقق نجاحا كبيرا، إلى جانب التخلص من بعض الموظفين المعوقين، ونعيد هيبة وهيكلة الفرق بشكل حقيقي يحقق احترامها، بالإضافة إلى أهمية التفريق بين الحرية والتطاول، والتزام آداب العمل المسرحي، والحرية المسئولة، فالفنان رقيب على ذاته وجمهوره وفنه، وهذا ما تناسيناه، فالفن يهذب العقل والوجدان للفنان وللآخر.
وأخيرا، أمنياتك وطموحاتك لنفسك وللمسرح المصري..
“أوبرا حابي” حلمي الأكبر على صفحة النيل
أمنياتي أن أرى جماهير المسرح تلتف حول المسرح في كل مياديننا وشوارعنا ومسارحنا، وأتمنى لنفسي أن أحقق مشروعي للطفل، وهو مشروع وليس مسرحية وأقدمه لكل رئيس هيئة، وسأعرضه قريبا على د. أحمد عواض، لأن الطفل هو المستقبل، بالإضافة لمشروعي الخاص “بمسرح السيكودراما، وقضايا الإنسان” التي أتمنى استكمالها داخل السجون والملاجئ. وكل التجارب التي تمس الناس بشكل مباشر والهمّ العام.
والحلم الأكبر هو تقديم عرض على صفحة النيل بعنوان “أوبرا حابي” وقد تقدمت بهذا المشروع منذ التسعينات ولكن تم وأده قبل أن يكتمل.
وأخيرا، أتمنى أن تكون نهايتي ممددا على خشبة المسرح.


عماد علواني