قضية دهب الحمار حينما نعالج الواقع بالخرافة

قضية دهب الحمار حينما نعالج الواقع بالخرافة

العدد 557 صدر بتاريخ 30أبريل2018


تقدم فرقة دمياط القومية المسرحية عرضا باسم (قضية دهب الحمار) من تأليف سعيد حجاج وإخراج سمير زاهر، نص العرض كما يحيلك الاسم قد يدفعك للبحث عن أصل له خارج الإطار الإبداعي للمؤلف، خاصة إذا كنت من المسرحيين أو الذين تابعوا فقط أسماء العروض التي تواترت في مصر في الآونة الأخيرة، والحقيقة أنه حتما ستجد ظلا أو كينونة لبعض أشياء، ولكن هذا الظل أو هذه الكينونة ليست مستمدة على خلاف الاسم من إبداع قائم بذاته، ولكنه مستمد من الإطار المعرفي للكاتب، خاصة فيما يختص بالتراث الإنساني، وهذا لا يعيبه بل العكس، صحيح أن هناك صوتا مطالبا بالإشارة للمتون الأصلية، ولكن هناك أصواتا أخرى لا تطالب بهذا ولا تجد ضرورة له، خاصة إذا كانت تلك المتون تختص بالتراث الإنساني، على اعتبار أنها ملك للجميع.
نص العرض يدور في الأساس على فساد الحكام والرعية أيضا، لذا فإنهم يستحقون ما يلم بهم. في عجالة، ذاك اليهودي الذي اشترى حمارا وزعم بأنه ينزل الدنانير الذهبية من فمه إذا كان مزاجه رائقا، ويحاول البائع أن يساعد الحمار، وتحدث مشاجرة يتدخل فيها شهبندر التجار الذي يطمع في الحمار، فيأخذه هو بعد أن يعنف البائع ودفع لشيمعون، بالطبع لم يكن هناك ذهب، فيقرر الشهبندر اللجوء للقاضي، ويذهبان معا لمنزل شيمعون، وتطلب الزوجة من كلبها أن يسرع بإخبار الزوج بالقدوم للمنزل حالا، ونعرف منها أنها كلب يفهم عدة لغات ويساعد في أعمال المنزل، ويحضر شيمعون ويقرر القاضي الحصول على الكلب، ويحصل عليه بعد أن دفع لشيمعون وعنف الشهبندر، وطبعا الكلب لم يفعل سوى التحرش بزوجة القاضي، ويترك المنزل ولا يعود، فيقرر القاضي الاستعانة بوزير الشرطة، ويذهبان لمنزل شيمعون، ويطلب شيمعون من زوجته إعداد الشاي للضيوف، فترفض ويتشاجران ويقوم شيمعون بطعنها، وتسقط موحية أنها قتلت، وحينما يعنفه الوزير والقاضي على فعلته، يخبرهما بأنه فقط يؤدبها، ويعيدها للحياة بعدما ينفخ في مزمار معه، وتعود أكثر طاعة وهدوءا، فيطمع وزير الشرطة في المزمار ليؤدب زوجته، فيدفع لشيمعون ويعنف القاضي، ويقتل وزير الشرطة زوجته بعد شجار ولا يجدي المزمار في عودتها للحياة، فيجتمع الوزير والقاضي والشهبندر وبائع الحمار، ويضعون شيمعون في جوال ويقررون الدفع به في البحر، ولكن يستدعي الجميع لمقابلة الوالي لأمر ما، فيتركون مع الجوال حارسا منهم ويذهبون، ويمر راعٍ يسمع صوت شيمعون في الجوال فيخرجه، ويخبره شيمعون أنهم وضعوه هكذا لكي يجبروه على الزواج من ابنة ثري ولكنه لا يرغب، فيطمع الراعي في الزواج من ابنة الثري ويأخذ مكان شيمعون في الجوال، ويحصل شيمعون على غنمه.
ويجتمع الوالي مع رجاله ويخبرهم أن شيمعون حي وأنه طلب منه الإتيان، ويحضر شيمعون ويطالب بتعويض عما ألحقوه به، ولكن الوالي يسأله عن كيفية نجاته من البحر، فيخبره أنه صادف جنية أنقذته ومنحته الغنم، وعندما سألها جواهر أو ذهبا أخبرته بأن هذا من اختصاص أختها الجنية الأبعد منها؟ فيستعرض الوالي الفقر الذي يمر به، ويقرر أن يقذف نفسه وصولا لتلك الجنية، لنجد أن كل الشعب ورجال الدولة كانوا يتلصصون عليه، ورموا أنفسهم في الماء طلبا للجنية والمال.
تفاعل سعيد وزاهر مع ما رويناه عن طريق الإحالة للآن ونحن، من خلال استخدام بعض الألفاظ والعلامات الآنية، وأظهر الجميع بالطمع بما فيهم عامة الشعب بل والفقراء منهم الذين يدفعون ثمن الطمع عاجلا لتعد للراعي على سبيل المثال، كما أن إضفاء اسم شيمعون هو إشارة لليهودي الذي يشير إلى نظام مجاور، ولكن هذا النظام المجاور الذي يربح من طمع الحكام يربح أيضا من طمع الشعوب؟ ربما هذا ما يريدانه.
على كل، حينما تحاول أن تضع ملمحا عاما لما أنت أمامه فستقفز الخرافة لذهنك على الفور، فالخرافة لغة على ما أذكر “هي الحديث المستملح المكذوب، يأخذ شكل القص سواء كان طويلا أو قصيرا، وعادة ما يكون من بين شخصياتها حيوانات أو جماد أو وحوش غير معروفة، ولكنها تتخذ صفات إنسانية”.
كما أن الخرافة في الفولكلور والأنثروبولوجيا لا تخرج عن هذا بل تضيف إليه، وإذا كانت الخرافات/ الأساطير اتحذت ماضيا لتفسير بعض الظواهر الطبيعية التي عجز العقل عن إيجاد تفسير لها، فيبدو أن حجاج وزاهر استخدماها لمحاولة تفسير ما يحدث في المنطقة العربية، وطبعا سمير زاهر له النصيب الأكبر في هذا التأويل والاتجاه، فهو من جعل الحيوانات/ الحمار/ الكلب/ الغنم تتخذ بعض الصفات الإنسانية، ولم يعتمد على دمى أو تصاوير بل ممثلون يؤدون أدوارا، ولكن سعيد حجاج فيما يبدو كان بعيدا عن هذا لأنه لم يضع لها أي جملة حوار ولا حتى كلمة واحدة.
تعامل كلاهما مع الشكل بما يناسب الحال عن طريق رواية القصة من خلال مؤدين ليتناسب مع طبيعة الخرافة التي لا يمكن تصويرها بالشكل الأمثل عن طريق الإمكانات المتواضعة التي تحظى بها مسارحنا، وطبيعي من خلال مجموعة الرواية أن يكون هناك بعض المواقف الكوميدية التي تتناسب مع الحالة أو مع ما يقدم، وطبيعي أيضا أن يكون عرض مثل هذا هو في الاتجاه الصحيح لشعار إدارة المسرح بالثقافة الجماهيرية حاليا، ألا وهو(المسرح للجمهور) فهذا العرض واقترابه الشديد مع بعض ما يقدم من مسرحيات للأعمار الأدنى، هو عرض يناسب كل الأسرة، فيمكن أن تذهب الأسرة إليه بأطفالها وشبابها وشيوخها، ويجد كل منهم ضالته في العرض، لم يعب هذا سوى بعض الألفاظ المسيئة التي لها كثير من الدلالات الخارجة التي أثرت على عملية التلقي، وجعلت بعض المشاهدين بجانبي يمطون الشفاة والبعض منهم يدفع ببناته وأبنائه لخارج القاعة، وهي بالفعل كلمات ليست لها أي ضرورة سوى محاولة إضحاك البعض من ذوي الثقافات الضحلة، كان هناك بعض الإطالة تجلت في إعادة ما يعلمه الجميع يقينا، وكان من الأجدر ربما الاعتماد على ما ألفه الجمهور لا محاولة تكراره بكل حذافيره.
ولأني أعرف فرقة دمياط القومية المسرحية جيدا، وبعيدا عن أي تقييمات للمستوى الفني للعرض، فإن أكثر ما قدمه سمير زاهر للفرقة هذا العام تجلى في إعادة الممثل القدير المخضرم هشام عز الدين/ الوالي، للعمل مع الفرقة وهو بهذا قد استدعى جيلا قد ابتعد من زمن للمشاركة، كما أنه دفع ببعض الوجوه الشابة الجديدة التي تملك موهبة وحضورا مثل سما سمير/ سفروتة وبسنت السيد/ أنيسة زوجة شيمعون ومعهم مريم شاجي وإسراء عاطف ورحمة الغزالي وعبد الله علي ومعاذ أيمن وياسمين أشرف ومحمد السيد وأشرف مؤمن وأمير سعد وعبد الرحمن آدم أحمد التيتي، فهم مجموعة من الشباب من الواجب الاعتناء بهم، ويحسب لزاهر إقدامه على هذا مع أن البعض قد يلومه على طفولية وجوه البعض منهم وأنهم غير متوائمين مع ما يقدم، وطبعا دون أن نغفل دور أعضاء الفرقة المعروفين محمد ندا، أحمد الغزلاني، رزق العزبي، إبراهيم النمر، محمد شعلان، جميلة فوزي، محمد السعيد، دينا أبو حجازي، حسن النجار، ملك أبو العلا، عبده عرابي، كريم العزبي، أشرف الرصاص.
وإذا تحدثنا في عجالة عن الديكور الذي صممه عبد الحميد الكوفي، فنقول إن الاعتماد على بعض المستويات والوحدات المتحركة التي تحاول أن توحي بمكان الحدث، هو اعتماد في محله خصوصا أننا أمام رواة له لا أمامه بالفعل، ولكن استدعاء ما يسميه بالمنظر المسرحي الذي هو عبارة عن ستارة كبيرة كانت تنزل فيما مضى للإشارة للمكان حيث لم تكن هناك إمكانات لديكور بثلاثة أبعاد، أو حتى إمكانية لرسم ما خص كل عمل، هو عمل جانبه الصواب من وجهة نظري فاستدعاؤه مثلا في مشهد السوق لم يكن له مبرر، فيكفي صياح الباعة لنعرف أننا في سوق، ومشهد شاطئ البحر لم يكن له مبرر فيكفي أن نقول إننا أمام شاطئ البحر، مع الوضع في الاعتبار أن التنفيذ في عملية الرسم لم يكن جيدا أساسا.
أخيرا، هو عرض في محله وفي وقته ويسير مع رؤية الإدارة في أن المسرح للجمهور وواجب عليه التخلص مما يعوق هذا التحقق.

 


مجدى الحمزاوى

mr.magdyelhamzawy@gmail.com‏