المسرح الأمريكي ينتصر للمرأة.. ولكن

المسرح الأمريكي ينتصر للمرأة.. ولكن

العدد 549 صدر بتاريخ 5مارس2018

ملاحظة مهمة لفتت نظر الناقدة المسرحية لجريدة نيويورك تايمز الأمريكية. استغل عدد من الفرق المسرحية الحديث الذي يتردد بقوة في الولايات المتحدة حول انتشار ظاهرة التحرش الجنسي في كل المواقع وعلى كل المستويات. وأدت هذه المشكلة إلى توجيه اتهامات لمسئولين كبار في مواقع كثيرة بالتحرش. وانتهت في معظم الحالات باستقالة هؤلاء المسئولين من مناصبهم أو إقالتهم.
من هنا تشهد برودواي عاصمة المسرح الأمريكي وعدد من المدن الأمريكية خلال الموسم الحالي إعادة عرض الكثير من المسرحيات التي تتناول العلاقة المعقدة بين الرجل والمرأة والمشكلات التي تواجهها وتنتصر للمرأة.
ومن أبرز هذه العروض مسرحية “الدائرة” وهي مسرحية موسيقية عرضت للمرة الأولى عام 1945، وهي أصلا مأخوذة عن مسرحية للكاتب المجري فرينيك مولنار عرضت لأول مرة عام 1909. وتدور المسرحية حول علاقة حب بين سايس خيول وعاملة في مطحنة. ويفقد الاثنان عملهما ويضطر للسرقة للإنفاق على زوجته وطفله الذي لم يرَ النور بعد.
وهناك مسرحية “سيدتي الجميلة” المأخوذة عن مسرحية بيجماليون للأديب الآيرلندىي العملاق جورج برنارد شو التي عرضت على مسارح العالم كله تقريبا سواء بشكل مباشر أو في شكل معالجات مأخوذة منها. وكان أشهرها على الإطلاق الفيلم السنيمائي الذي عرض عام 1964 بطولة أودري هيبورن وركس هاريسون.
وهناك أيضا «قبليني يا كيت» تأليف الزوجين صامويل وبيلا سواك. وهي عبارة عن معالجة عصرية لرائعة وليم شكسبير “ترويض النمرة”.
وهناك مسرحيات أخرى جديدة مثل مسرحية “امرأة جميلة” المأخوذة عن الفيلم الشهير بنفس العنوان لجوليا روبرتس وريتشارد جير.
عامل مشترك
وأول الملاحظات هنا أن كل المسرحيات تقريبا انتصرت للمرأة، فقد كانت البطلة فيها جميعا سيدة ذات شخصية قوية تتفوق على شخصية الرجل في نهاية العرض بعد أن يكون قد اعتبر نفسه الرجل المتفوق. وهذا الأمر كان أكثر وضوحا في مسرحية “سيدتي الجميلة” في العلاقة بين بائعة الزهور وأستاذ اللغويات. كما نجحت العروض عن طريق أغنيات جيدة على لسان البطلات ساهمت في جذب المشاهدين.
وتعلق على هذه المسرحيات جورجيا ستيت وهي مؤلفة موسيقية متخصصة بشكل أساسي في المجال المسرحي. تقول إنه يمكن اعتبار تلك المسرحيات رد فعل أيضا لصالح الحركة النسائية “وأنا أيضا” التي تطالب بالمساواة مع الرجال، والتي تنتشر في عدد من دول العالم الغربي، وهي نفسها ترحب بذلك لولا أن كلها اعتمدت في سبيل تحقيق هدفها على عبارات مكشوفة أحيانا يجعلها تستحق لقب “للكبار فقط”. وكان المثال الصارخ على ذلك حديثا دار بين البطلة وابنتها في مسرحية “الدائرة” عندما سألتها عن السبب الذي جعلها لا تقاوم زوج أمها عندما يعتدي عليها بالضرب. وهذه العبارات لم تكن موجودة في النص الأصلي لتلك المسرحيات. وكان يمكن، كما تقول ستيت، تحقيق الهدف الأصلي لهذه العروض دون اللجوء إلى عبارات خارجة. وهذه العبارات الخارجة جعلتها لا تصحب ابنتها البالغة من العمر 12 عاما لمشاهدة تلك المسرحيات. ونصف الأعمال المسرحية تقريبا تستعرض علاقات تواجه مشكلات ولا معنى للحديث عن علاقات سوية طبيعية لا يشقى بها أصحابها، وهي تؤمن بهذا المبدأ لكن هذه العروض بالغت كثيرا في تصوير المشكلات بطريقة فجة ومكشوفة. ومضت قائلة إنها لا تتحامل على هذه الأعمال، فهي ترفض مثلا النقد الموجه لهذه المسرحيات بأن بعضها لا يقدم حلا، فالمسرح في رأيها – والدراما بوجه عام –ليست مجبرة على اقتراح حلول بل يكفيها أن تثير التساؤلات خاصة إذا كانت موسيقية.
وكان يمكن عدم اللجوء إلى عروض قديمة وعرضها برؤية جديدة، وبدلا من ذلك تقديم عروض جديدة تواكب القضيتين الأساسيتين وهما التحرش بالمرأة وسعيها لتحقيق المساواة مع الرجل في كل المجالات. لكن اللجوء إلى الأعمال القديمة له ميزة مهمة وهي أنها أعمال مألوفة لدى جمهور المسرح يمكن أن يقبل على مشاهدتها دون حاجة إلى جهد كبير في الدعاية.
وترفض لورين إمبروز بطلة العرض الجديد الآراء التي عبرت عنها الناقدة قائلة إنها تحرص دائما على تجسيد الشخصيات النسائية بطريقة محترمة وهو ما التزمت به في “سيدتي الجميلة”. وتمضي قائلة لدي طفلة صغيرة تحاسبني على كل شيء.
وتقول إمبروز (40 سنة) إنها تأمل يوما ما أن تقوم ببطولة مسرحية “سندريللا” التي تعاون فيها الرجل والمراة معا ولم يكن أي منهما أقوى من الآخر.
دعوة للحب على طريقة بانتي
لم أفعل جديدا.. ومسرح شكسبير سبقني
على مسرح سكيربال في قرية جرينيتش الواقعة في ضواحي نيويورك، بدأ عرض مسرحية “الشغب” لفرقة مسرحية آيرلندية تحمل اسما غريبا وهو  Thisispopbaby وهي عبارة عن مسرحية موسيقية غنائية استعراضية راقصة يخيل لمن يشاهدها أنه يشاهد سيركا. وتهدف المسرحية إلى الدعوة للحب بين الناس وبين الشعوب والتخلي عن الصراعات فيما بينها.
ويبدو ذلك للوهلة الأولى أمرا عاديا تدعو إليه مسرحيات كثيرة معروضة في الولايات المتحدة سواء في نيويورك أو في غيرها من المدن، ولا يستحق هذا العرض أن ينتقل إلى الولايات المتحدة لأنه لا يقدم جديدا للجمهور الأمريكي ولن ينجح.
لكن العرض حقق نجاحا كبيرا لأسباب كثيرة في مقدمتها اللهجة الآيرلندية، ذلك أن أبناء العنصر الرئيسي في الولايات المتحدة وهو العنصر الآيرلندي يحنون دائما إلى أصولهم الآيرلندية، هذا رغم أن أجدادهم جاءوا إلى هذا العالم الجديد واستوطنوه منذ أكثر من مائتي سنة، لكن أبناء هذا العنصر كما هو الحال مع الجاليات الأخرى في الولايات المتحدة، يحنون إلى أصولهم القديمة، ومن أبرز مظاهر ذلك الحنين إلى اللهجة الآيرلندية المطعمة بالكثير من كلمات اللغة الآيرلندية الأصلية التي طغت عليها الإنجليزية خلال سنوات الاحتلال التي زادت عن مائة سنة، وكان ذلك قبل أن تجلو بريطانيا عن خمسة أسداس شبه الجزيرة الآيرلندية لتتحول إلى جمهورية آيرلندا أو آيرلندا الجنوبية وتحتفظ بالسدس الباقي تحت مسمى آيرلندا الشمالية، وفي كلا الجزئين توارت الآيرلندية خلف زحف الإنجليزية، تماما كما توارت الويلزية والأسكوتلندية. لكن الآيرلنديين لم يفقدوا حبهم لهذه اللغة التي فشلوا في إحيائها حتى في آيرلندا الجنوبية نفسها.
بانتي
وتتعدد الأسباب، لكن يظل السبب الرئيسي هو بانتي أو بانتي بليس كما يعرف أحيانا. وبانتي هو الاسم المسرحي الذي يعرف به الممثل الآيرلندي الجنوبي روري أونيل، وهو يحمل هذا الاسم المسرحي النسائي، لأنه بالفعل لا يمثل سوى الأدوار النسائية، وهو يقوم بدور البطولة النسائية في هذه المسرحية الغنائية، ويتمحور الدور حول طفلة صغيرة تراودها أحلام بأن تصبح الممثلة الأمريكية الراحلة ذات الأصول الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والآيرلندية، فرح فاوست (1947 - 2009) التي كانت مثالا للجمال في حياتها.
ويتحدث بانتي عن موقفه قائلا إن المسرحية دعوة إلى الحب وترك الصراعات والحروب والمنافسات، وهي مجرد فكرة يأمل أن تكون حافزا للآخرين. ويعود إلى الدفاع بشكل تقليدي عن قيامه بدور البطولة النسائي، فيقول إنه يشارك في تأليف كل الأعمال المسرحية التي يشارك فيها. وفى كل الأحوال، تكون الشخصية النسائية مركبة وتحتاج رجلا كي يحسن التعبير عنها. وهذا الأمر ليس بجديد، ففي مسرح شكسبير نفسه كانت بعض أدوار الرجال تسند إلى نساء وبالعكس للتعبير عن الشخصيات المركبة.
ويمضي قائلا إن بعض النقاد اتهمه بالإساءة في مسرحيته إلى رجال الدين من خلال شخصية قس كاثوليكي يرتدي ملابس غير لائقة، لكن هذه الملابس كان لها مغزى. وهو يعلم أن الشعب في آيرلندا الجنوبية شعب كاثوليكي متدين، ولا يقبل أن يصدم مشاعره بإهانة رجال الدين. وقد تم تقديم المسرحية في الولايات المتحدة بالضبط كما قدمت في آيرلندا. وتتضمن أفلام أمريكية كثيرة ما هو أكثر.
ويقول إن المسرحية لم تكن مجرد حركات ومشاهد عشوائية، بل هي من تأليف الكاتبة المسرحية الآيرلندية جانيفر جيننجز وهي كاتبة مسرحية مرموقة، وكذلك فيليب ماكماهون المخرج المسرحي الآيرلندي صاحب مجموعة من روائع المسرح هناك. وكان الرقص في المسرحية بمثابة تعبير عن الفكرة الأساسية. ولا يرى أن ملابس الراقصات كانت عارية أكثر من اللازم ولا تليق بعرض مسرحي يتفاعل فيه الممثلون مع الجماهير بشكل مباشر. كما أن بعض حركات الممثلين لم تكن مبتذلة. ويبتسم قائلا إنه لم يجد ناقدا أمريكيا واحدا يشيد بتشكيلة الألوان الرائعة والمنسجمة التي ميزت الديكورات والملابس.


ترجمة هشام عبد الرءوف