«الممثل المسرحي المصري والتوثيق» التوثيق المسرحي وتنوع روافده

«الممثل المسرحي المصري والتوثيق»  التوثيق المسرحي وتنوع روافده

العدد 834 صدر بتاريخ 21أغسطس2023

صدر عن المهرجان القومي للمسرح المصري في دورته السادسة عشر (دورة الممثل المسرحي) كتاب «الممثل المسرحي المصري والتوثيق», دراسة وتقديم د. عمرو دوارة, في 264 صفحة, متضمنا أربعة عشر دراسة بحثية متخصصة في مجال التوثيق للممثلين المسرحيين وإسهاماتهم المسرحية, تم مناقشتها ضمن المحاور الفكرية للمهرجان وقد تم تقسيمها إلى محورين أساسيين: المحور الأول: الممثل المسرحي المصري والتوثيق (السيرة الذاتية، التراجم، الدراسات النقدية), المحور الثاني: كيفية إعداد الممثل المسرحي المصري (الدراسة الأكاديمية، الدورات التدريبية والورش الفنية). لعدد من الأساتذة والباحثين المسرحيين والأكاديميين. وفي هذا المقال أقدم عرضا لاثنين من تلك الدراسات وهما: الدراسة الأولى للكاتب الراحل / محمد أبو العلا السلاموني بعنوان «ميتافيزيقا التمثيل في تراثنا الثقافي», والدراسة الثانية فهي بعنوان” التوثيق المسرحي وتنوع روافده”  بقلم الناقد/ ناصر العزبي.  
في البداية يتحدث د. عمرو دوارة في مقدمة الكتاب عن أهمية التوثيق المسرحي وغياب المراجع والموسوعات موضحا أن عملية توثيق الإسهامات بالمسرح المصري الحديث لم تستطع حتى الآن تحقيق الهدف المنشود، وهو توثيق جميع الأنشطة والفعاليات المسرحية على مدار أكثر من قرن ونصف من الزمان، ويرى د. دوارة أنه ما زالت هناك للأسف كثير من المناطق المجهولة بحياتنا المسرحية التي تتطلب إعادة اكتشافها ودراستها وإلقاء الضوء على أهم فعالياتها ونجومها، وما زالت هناك أيضًا بعض الفِرق والعروض التي مازالت ساقطة تمامًا من ذاكرتنا المسرحية، وخاصة تلك الفترات التي لم يصاحب أنشطتها المسرحية أي متابعات نقدية أو إعلامية لغياب المجلات المسرحية المتخصصة وكذلك الصفحات المسرحية بالصحف والمجلات الكبرى!!.
ويضيف د. دوارة أنه للأسف الشديد أن مكتبتنا العربية تفتقد إلى الآن لجميع أشكال الموسوعات المسرحية والتي بدأ العالم في التعرف عليها بمفهومها العلمي منذ القرن السابع عشر، حينما تضمنت تلك الموسوعات لقوائم وإحصائيات بالعروض التي قدمتها المسارح وترتيبها بعدة طرق لتعظيم الفائدة وتسهيل مهمة الاسترجاع )طبقًا للتتابع التاريخي أو طبقا للترتيب الأبجدي لأسماء المؤلفين17 16 رحلات فنية إلى بعض الدول العربية، كما امتد هذا التأثير إلى ظهور وانتشار مسرح الصالات، وأيضًا تأسيس أول فرقة تابعة للدولة الفرقة القومية عام 1935.
ويختتم د. دوارة مقدمته مؤكدا على أن مهمة التوثيق بصفة عامة والتوثيق المسرحي بصفة خاصة تتطلب بخلاف الموهبة الشخصية والأمانة العلمية والثقافة في مجال التخصص التحلي بالدقة المتناهية وضرورة اكتساب بعض المهارات التوثيقية واجتياز بعض الدراسة المتخصصة )ومن أهمها علوم الفهرسة والتصنيف والتوثيق وكذلك علوم الحاسبات الإلكترونية وبعض البرامج المتخصصة كبرامج الفرز والفوتو شوب وغيرها، وإذا كانت الدراسات والأبحاث المسرحية قد تتضمن بعض الرؤى النقدية التي تحتمل الاختلاف في وجهات النظر فإن الدراسات التوثيقية لا تقبل أبدًا بوجود أي تجاوزات في تسجيل معلومات غير صحيحة.
تنتقل صفحات الكتاب بعد ذلك إلى الدراسة الأولى للكاتب الراحل / محمد أبو العلا السلاموني بعنوان «ميتافيزيقا التمثيل في تراثنا الثقافي”, يرى فيها أنه بالرغم من أن الثقافة العربية استطاعت أن تستوعب ثقافة الحضارات ، إلا أنها كانت وللأسف عاجزة عن فهم واستيعاب فن المسرح وظاهرة التمثيل وأداء الممثل والمحاكاة. وبالرغم أيضًا أن تراث الفكر والفلسفة والعلوم الإغريقية كانت مفهومة تمامًا لدى العلماء والحكماء والفلاسفة العرب، إلا أنهم جميعًا لم يفهموا أحد هذا التراث وهو كتاب «فن الشعر » لأرسطو الذي يعتبر قطرة في بحر التراث الإغريقي .
ويرى السلاموني أن النخبة من الشعراء والعلماء والفقهاء في الأندلس لم يعيروا ذلك أي اهتمام أو ذكر، وظلوا في الأندلس ما يقرب من ثمانمائة عام متجاهلين ظاهرة المسرح والتمثيل وهم يعيشون في قلب أوربا وثقافتها الدرامية أو في صورتها الزجلية والتواشيحية.
وينطلق السلاموني نحو البحث في جذور تاريخ الأداء التمثيلي في تراثنا الثقافي فب محاولة يشبهها بالميتافيزيقا، أي البحث في المجهول عن قطة سوداء في حجرة مظلمة منقبا عن جذور تاريخ الأداء التمثيلي أو الأسس الغريزية و الأنثروبولوجية للدوافع لظهور الدراما والتمثيل الأداء الممثلة في هذا الثلاثي (اللعب والمحاكاة والإيقاع) بدءا من المسرح الفرعوني مرورا
بما بعد نهاية العصر الروماني ودخول المنطقة في العصر العربي والإسلامي ثمفي عهد الدولة العباسية, متتبعا ما يصفه بالعلاقة الملتبسة بين النخبة في تراثنا الثقافي والممثل
الفنان الشعبي التلقائي.
ويطرح السلاموني فكرة فن المقامات التي ورد فيها فن التمثيل وشخصيات وجد فيها مصطلح أطلقته الثقافة الشعبية، وهو مصطلح “المخايلة “ ليطلق على الفنون جميعها سواء كانت فردية أو جماعية، موضحا أن المخايلة يقصد بها إثارة خيال الإبداع والابتكار في محاكاة الواقع وما فوق الواقع من حكايات وألعاب وخرافات وأساطير.
ويؤكد السلاموني على عدم تقبل النخبة المثقفة في تراثنا لمهنة الممثل والتمثيل واعتبرتها من باب التقمص والسحر الشرير أو اللعنات أو الكفر أو من أفاعيل الجان والشياطين والعالم المجهول. وفي النهاية يتساءل قائلا: أرأيتم كيف أن جهل وتجاهل وإنكار النخبة الثقافية في تراثنا لفنون المسرح والمحاكاة والتمثيل أدى إلى خطف هذه الفنون النبيلة لتتحول على أيدي المتطرفين إلى هذا الإرهاب المخيف الذي أصبح يهدد البشرية؟ .

أما الدراسة الثانية فهي بعنوان” التوثيق المسرحي وتنوع روافده”  بقلم الناقد/ ناصر العزبي,  وهي دراسة متكاملة قام من خلالها بالتنظير للتوثيق وأهميته وروافده وكذلك إلى تنوع صوره، مع إشارات لبعض الجهود البحثية بمصر والبلدان العربية، إضافة إلى اقتحامه لمجالات جديدة من بينها الإشارة إلى جهود الأديب الراحل محمد الشربيني في توثيق فرق مسارح الأقاليم.
وقد بدأها بتعريف بأنه: علم من علوم التاريخ لحفظ المعلومات وتنسيقها وتبويبها وترتيبها وإعدادها لجعلها مادة أولية للبحث والفائدة، وهو علم مهم لحفظ النتاج الإبداعي الإنساني من أحداث تاريخية ومعلومات علمية لنقلها من الماضي إلى الحاضر ثم إلى المستقبل وإلى الأشخاص الذين يمكنهم الاستفادة منها، وينطبق هذا على التناقل الشفهي للمعلومات والمعارف والمهارات.
ويوضح الباحث تنوع مصادر التوثيق بأنه تتنوع الوثائق بين المكتوبة ) مخطوطات، مطبوعات، صحف، تقارير، بيانات، مذكرات، كتب، كتيبات (، والمصورة ) رسوم، نقوش، صور شمسية او ضوئية أو سينمائية أو تلفزيونية، والمسموعة ) تسجيلات صوتية أو إذاعية أو أسطوانية (، والمسموعة المرئية ) شريط سينمائية أو تسجيل فيديو (.
ويرى العزبي أن أهمية التوثيق تكمن في أنه ركيزة يعتمد عليها الباحثون في البحث عن الحقيقة وإزالة ما علق بها من شوائب تقلل من صحتها، وكونه يعمل على حفظ ذاكرة الأمم من الضياع ويحصنها ضد النسيان، وليكون المرجع الذي يصل حاضر الأمة بماضيها، هذا بالإضافة إلى أن الوثيقة هي مستند صحيح مُحكم مؤكد يؤخذ به على وجه الدقة والصحة والحقيقة، ويعتبر التوثيق من أقوى الخدمات التي يحتاج إليها البحث العلمي.
ثم يطرح العزبي نبذة سريعة تاريخية عن التوثيق ثم يوضح أن توثيق التاريخ بشكل عام ضرورة وطنية، وإهمال توثيقه يعد بمثابة جريمة بحق الوطن لما قد يترتب عليه من ضياع لهويته. ثم يستشهد ببعض الباحثين المسرحيين وأعمالهم مثل د. علي الراعي ومحمد يوسف نجم والمخرج سعد أردش وفؤاد دوارة ود. عمرو دوارة وعبد الغني داود ود. نجوى عانوس, ومحمد الشربيني وغيرهم.
وينطلق الناقد ناصر العزبي للحديث عن التوثيق والممثل موضحا الجهد التوثيقي في المسرح وعلى الأخص توثيق سيرة الممثل وارتباط ذلك بالمهرجانات المختلفة وعملية التكريم المرتبطة بالمهرجانات, ثم يتحدث عن د. عمرو دوارة كحارس لذاكرة المسرح المصري ويطرح لنا ذكرا من سيرته الذاتية, متحدثا عن نشاطه وإسهاماته في مجال التوثيق وأسلوبه والأدوات المنهجية التي يستخدمها في ذلك, كما يبين مدى اهتمام د. عمرو بالتوثيق للممثل ومدى أهمية ما يوفره د. دوارة من مادة توثيقية، مستعرضا أهم مشروع في السنوات الأخيرة له وهو مشروع موسوعة المسرح المصري المصورة والتي توَلّت الهيئة المصرية العامة للكتاب إصدارها في ثمانية عشر جزءًا. وثق فيها بالبيانات والصور فيها لسبعة آلاف وخمسمائة عرض مسرحي هي مجموع العروض الاحترافية التي تم إنتاجها منذ بداية المسرح المصري الحديث عام 1870 بقيادة “يعقوب صنوع  وحتى نهاية 2015 م، وذلك سواء تم عرضها جماهيريّاً لفترات طويلة أو لليلة واحدة بهدف التصوير التليفزيوني، لتضم جميع الإنتاج المسرحي للفرق الخاصة وفرق الدولة، وقد استغرق- د.دوارة - في إنجازها حوالي سبعة وعشرين عاماً، لتكون  الإنجاز الأضخم والأعظم بين موسوعات المسرح المهمة في تاريخنا المعاصر.
وتحت عنوان « محمد الشربيني وإنقاذ ذاكرة مسرح الأقاليم” يشرح الناقد ناصر العزبي جهود في حفظ ذاكرة المسرح بأقاليم مصر من الضياع، بما تحويه من مادة ثقافية وتراثية مهمة تسهم في إبراز ملامح هويتنا. مبينا أنه لم يتوقف جهده على البحث والكتابة فقط .. ولا على الإشراف فقط .. بل والجهد الفني والتقني الذي وصل أحياناً للنسخ والتنسيق والمراجعة وإعادة التحقيق للمادة، ومتابعة الطباعة عبر مراحلها من جمع الملازم وتصميم الأغلفة ولصقها والقص والتربيط والتوزيع. ويرى العزبي أن كتابه التوثيقي “مسرح الأقاليم في نصف قرن “ الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة 2001 بأجزائه الأربعة - بالإضافة لكتابه “مسرح الأقاليم في التسعينات»  خطوة مهمة على الاتجاه الصحيح نحو إنقاذ ذاكرة المسرح في الأقاليم من الضياع، كونه حائط الدفاع الأخير عن لمسرحنا المصري.
ثم يطلعنا  بإطلالة سريعة على مسيرته, ثم يوضح بدايات النشرات واهتمامه بالتوثيق للممثلين الهواة, ويقول:  كانت البداية الفعلية للتوثيق للمسرح الإقليمي مع بدء إصدار النشرات والمطبوعات لمهرجاناتها، والتي نجح “محمد الشربيني” في مهمة إشرافه العام على تحريرها، ليبدأ بعدها في اتجاه إنشاء مكتبة – بإدارة التوثيق بالإدارة العامة للمسرح- لتوثق للعروض والفعاليات المصاحبة له بالصور وبتسجيلات الفيديو، وعلى التوازي بدأ جهده التوثيقي للتأريخ للمسرح بجميع بقاع مصر من خلال السلاسل المهمة التي يشرف عليها، ليحقق طفرة توثيقية لهذا المسرح،
ويؤكد ناصر العزبي أن الراحل محمد الشربيني كان يتمتع بحس إنساني راقٍ، فهو لم يتردد في أن يوثق لحادث حريق مسرح بني سويف فقام بإعداد كتابه التوثيقي “عطر الأحباب” ككتاب تذكاري للتذكير والتعريف بشهداء المسرح في بني سويف، ليكون بمثابة وثيقة للتاريخ تسجل شهادات وتعريفات بالراحلين الشهداء من كتَّاب ومخرجين ونقاد، وكذلك لوقائع تلك الدورة من مهرجان نوادي المسرح الخامس عشر من ندوات وحوارات وآراء من الضحايا الممثلين الهواة والأعضاء بفرق بالمهرجان.
ويختتم العزبي دراسته الوافية بتوجيه التقدير لكل جهد بحثي ذهب إلى التأكيد على ريادتنا المسرحية سواء الريادة في منطقتنا العربية على صورته الحديثة، أو الريادة عالميّاً بما كان عليه في مصر القديمة، على ما بذلوه من جهود مخلصة وانتماء حقيقي للوطن ورغبة وحرص على التأريخ لمسرحنا وحفظ تراثنا الثقافي.
********
شاركت د. وفاء كمالو بدراسة بعنوان «إسهامات الممثل بين السيرة الذاتية والتراجم”, في البداية توضح د. وفاء أنه على الفن أن يتجاوز أزمة غياب العقل النقدي وموت الوعي ، وأن يمتلك حرارة وجوده ودلالة خطاباته ، ويدرك طبيعة دوره في هذه اللحظات الفارقة بعيدا عن الزيف والتغييب، فهي ترى أننا نعيش ثقافة الجهل والتخلف.  ونرى أن فلسفة المسرح تتلخص ببساطة في أنه الوعي والحرية ، وهو الممارسة الفعلية للرفض والقبول والديمقراطية. وتؤكد أن المنهج العلمي فرض في البحث والتوثيق أن تكون البداية بالعمل المسرحي كوحدة
أولى لتجميع المعلومات، حتى لا يكون هناك اعتماد على ذاكرة الأشخاص، ثم يكون الاتجاه إلى وحدة أكبر وهى الفرقة ، ثم سنة الإنتاج . 
ثم تتحدث د. وفاء كمالو عن السيرة الذاتية والتراجم وتشير إلى اكتمال موسوعة المسرح المصري المصورة ، التي استغرق إعدادها أكثر من عشرين عاما لجمع وتوثيق كل عروض المسرح في مصر التي أعدها د. عمرو دوارة, وترى د. وفاء أن التراجم التي يكتبها ناقد متخصص أو باحث، تأتي بعيدة عن الشك في الموضوعية، لذلك فهي أدق كثيرا من السير الذاتية التي يكتبها الممثل لنفسه، التي لا يجب الاعتماد عليها بشكل أساسي في التوثيق لتاريخ الممثل.
بعد ذلك تذهب د. كمالو إلى الحديث عن تجربتها في التوثيق للمثل من خلال إصدارت المهرجان القومي للمسرح المصري , حيث أعدت شاركت بالكتابة في إصدارات المهرجان عن المكرمين، عن الفنانة هالة فاخر, ثم عن الفنان عبد الرحيم الزرقاني في الدورة الخامسة عشر.
وتوضح د. وفاء كمالو أنه يظل توثيق تاريخ وإنجازات الشخصيات الفنية ، التي صنعت اللحظات الفارقة في وجودنا ، هو امتلاك لشخصية مصر وانطلاق إلى أبعادها العربية ، وهو اشتباك مع السياسة والاقتصاد والمجتمع والفن. وتشهد لكتاب مائة وخمسون عاما من الإبداع لدكتور عمرو دوارة اقتحامه لمناطق مجهولة من حياتنا المسرحية ، ورصد بعض الظواهر المسرحية لأول مرة.
وتختتم دراستها بقولها: أخيرا.. المهرجان القومي للمسرح المصري هو تيارات الوعي والثورة والوهج، وهو الحراك الثقافي العارم بحثا عن الحضور والاكتمال، ومن المؤكد أن التوثيق العلمي الموضوعي لتاريخ الفن ولإنجازات وإسهامات النجوم والفنانين، هو امتلاك للوعي واحتفال وجودي دائم بشخصية مصر.
***
الدراسة التالية في هذا الكتاب اندرجت بعنوان «نظام النمط.. أو مدرسة الكليشيه في المسرح المصري» أعدتها د. نجوى عانوس, حيث تطرح في بداية الدراسة تعريف مدرسة الكليشيه أو نظام النمط، بأنها هي المدرسة التى يعتمد فيها الممثل على سلسلة من المواقف الجاهزة مثل المشاجرات أو الاتهامات أو المناظر الغرامية، وهى مواقف يتم جمعها من عدة مسرحيات قديمة وحديثة، ويقوم الممثل بالتدريب عليها حتى يصل فيها إلى درجة الإتقان، وهكذا يتجمع لدى الممثل ذخيرة كبيرة من أصول الكليشيهات التي يستطيع أن يستخدمها من حين لآخر بعد أن يتم له التعرف على المشهد الجديد وتصيغه بما يتلاءم مع ما تحت يده من الكليشيهات لتصل به إلى درجة النمط المكرر المتقن.
ثم تسهب د. عانوس في شرح اعتماد يعقوب صنوع على هذه المدرسة في مسرحياته, وتنتقل بعدها إلى بيان  أنه قد انتشرت في مرحلة الحرب العالمية الأولى ثم ثورة 1919 ظاهرة النمطية؛ إذ أصبح الممثل لا يؤدى إلا شخصية واحدة لا تتغير، وأصبح لها كيان لافت يتأثر بإعجاب الجمهور وصارت له شعبية واسعة، موضحة أن الشخصية التي يؤديها الممثل لابد أن تحمل بدورها في طياتها روح العصر نفسه في تفكيره وآماله، كما يكون لهذه الشخصية من الصفات والفعال ما يجعلها موضع العطف من الجمهور. وتطرح نموذجا تطبيقيا مصريا لهذا من خلال شخصيتين شعبيتين بارزتين هما «كشكش» عند نجيب الريحاني ، و»عثمان عبد الباسط  “عند الكسار، وكلتاهما تمثلان روح العصر وتعبران عن وعى الجمهور بالأحداث وعن آماله وقلقه الاجتماعي. 
وتشير بعد ذلك إلى بعض الشخصيات النمطية مثل شخصية الحماة وشخصية الداية وشخصية الفيه المعمم, ثم تتناول شخصية عبد الرحيم كبير الرحيمية التي أداها الممثل محمد  التابعي واشتهر بها, وشخصية إسماعيل يس في عدة أدوار  نمطية.
وتختتم الدراسة بقولها: انتقلت لعبة الأنماط إلى السينما المصرية، مثل: الجزار في «السفيرة عزيزة» ، والحانوتي في «القلب له أحكام» ، والمعلم في «زقاق المدق» ،والبربري في «سلفني 3 جنيه».
***
كما شارك الناقد المسرحي/ أحمد هاشم بدراسة بعنوان «التوثيق في تاريخ التمثيل المسرحي», حيث يتساءل الناقد/ أحمد هاشم في البداية قائلا:  إلى متى سنظل أمة بلا ذاكرة؟ غير مهتمين بالتوثيق، ولا مدركين لأهميته على الرغم من أن أجدادنا المصريين القدماء تركوا لنا ميراثًا كبيرًا من توثيقهم لأدق تفاصيل حياتهم. ويعتقد هاشم أن توثيق التاريخ المسرحي المصري، هو أمر فيما يبدو غير مرغوب فيه، أو أن غير مسموح لنا بتوثيقه والكشف عن أسراره، وذلك بفعل فاعل. ويؤكد أن التوثيق للمسرح المصري القديم محاط بعدد من المخاطر التي لا تجعل الكثير يقبل عليه ويمارسه، وربما هذا ما يجعلنا نلاحظ تلك الندرة في الكتابة عن تاريخنا المسرحي والتمثيلي قديمه وحديثه. 
ثم يشير هاشم إلى عدد من المسرحيين الذين اهتموا بالتوثيق مثل: محمد يوسف نجم, د. علي الراعي, د. ليلى يوسف, د. نجوى عانوس, د. عمرو دوارة, ود. سيد علي إسماعيل. وبعد ذلك يشرح بالتحليل ثلاثة أنواع أو أشكال من توثيق مسيرة بعض الفنانين, وهي توثيق الفنان لسيرته, النوع الثاني من السير الفنية الذى يكتبه آخرون عن بعض الفنانين أثناء حياتهم؛ والنوع الثالث هو في الغالب ما يقوم به النقاد المتمرسين بكتابته.
ويوضح الناقد/ أحمد هاشم أن المهرجان القومي للمسرح المصري  قد استن سنة حميدة أخذ يلتزم بها وهى القيام بتكريم عدد من الفنانينِ سواء من الأموات أو ممن لا يزالون على قيد الحياة، وفى نفس الوقت يقوم المهرجان بإصدار كتاب توثيقي منفصل لكل واحد من المكرمين, ويتناول ذلك بالنقد والتحليل مبينا المزايا والعيوب في تنفيذ هذا الأسلوب في التوثيق. ثم يشير إلى كتاب مدارس الأداء التمثيلي في السينما المصرية للكاتب والناقد/ عبد الغنى داود, وكتاب عزيز عيد طائر الفن المحترق لكاتبته الفنانة صفاء الطوخي, باعتبارهما نموذجا مثاليا للتوثيق حيث أن كل منهما يعد قراءة نقدية في أعمال ما تعرض له كل منهما.
ثم يختتم بمطالبته بوضع منهج لهذه الكتب التوثيقية التي تصدر عن المكرمين كل عام لكى نستفيد من إصدارها ونبتعد بها عن هدر المال العام.
***
الدراسة التالية جاءت بعنوان «كيف يوثق الفنان سيرته الذاتية )”سميحة أيوب نموذجا(يبدا فيها الناقد/ شعبان يوسف بالحديث عن كتابة أهمية السيرة الذاتية موضحا أن السيرة – خاصة الذاتية - ما تكون ملغومة بكثير من المبالغات أو المغالطات أو التناقضات أو الزهو أو الانتقام التي تحفل بها عند كثير من كاتبي تلك السير. و أن المصدر يسرد بعقلية اختيارية، ويضع الأحداث والوقائع التي تنتصر له في معظم ما يسرد، وإذا كان السارد أو الساردة من الفنانين كان اختيار الوقائع يخضع لعملية فلترة دقيقة، وبالتالي فإن المصدر دائمًا ما يحتمل المراجعة التصحيحية من قبل الباحثين، أو على الأقل تدقيق الوقائع المذكورة وطريقة سردها وعملية تأويلها وتفسيرها وشرحها.
وتحت عنوان جانبي «مذكرات نجيب الريحاني المجهولة» يتحدث عن تجربته في نشر المذكرات المستبعدة للفنان/ نجيب الريحاني. ينتقل بعدها للحديث عن عصر النهوض النوعي في المسرح, موضحا أن السلطة الجديدة بعد ثورة 23 يوليو، كانت حريصة على إدارة ملف الثقافة والفنون بعناية فائقة، فجندت له رجالً على درجة المسئولية في إدارة ذلك الملف، مثل فتحي رضوان وثروت عكاشة.
ويلج بعدها شعبان يوسف إلى عالم مذكرات سميحة أيوب من خلال مقدمتين، الأولى
للكاتبة الصحفية/ سناء البيسي، والثانية للناقد الراحل الكبير/ رجاء النقاش، ثم يسترسل في تحليل تلك المذكرات مع سرد بعض التفاصيل منها. حتى يختتم دراسته بقوله: لا تريد الرغبة أن تكف عن التدفق في قراءة تلك الذكريات أو السيرة الذاتية، والتي لا تكتمل فائدتها وجدواها، إلا بالتدقيق التاريخي من خلال الوثائق والأصول التي لا تنتهى، وهذا يعنى أن تلك «الذكريات » تمثل ركنًا أصيلا في بناء الذاكرة، وبناء مدونة تاريخية عظيمة، لأن صانعي ذلك التاريخ عظماء وجادين، واستطاعوا أن يؤدوا أدوارهم بأكثر مما ينبغي، وعلى رأس هؤلاء الفنانة الكبيرة/ سميحة أيوب.
****
ثم يطل علينا الناقد الكبير/ عبد الغني داود بدراسة مستفيضة تحمل عنوان «مدارس الأداء التمثيلي في المسرح المصري».
يوضح الناقد/ عبد الغني داود في مقدمة الدراسة أنها تضم مجموعة من الممثلين الذين برعوا أو اجتهدوا في فن الأداء التمثيلي بشتى مدارسه في تاريخ المسرح المصري.. فنسجوا ملامحه وساهموا في خلق سمات شخصيته في عصور ازدهاره ومعاناته حين تجمع له مجموعة من العاشقين الموهوبين ليقدموا من ذواتهم إبداعات تلبى احتياجات المتعطش للفكر والمتعة، وأحيانًا التسلية والترفيه، لتمتد بينهم وبين جمهورهم جسور والأخذ والعطاء.
ثم يشرح بعد ذلك تحت عنوان فن الأداء التمثيلي نبذة تاريخية عن هذا الفن الممثل هو أحد العناصر الجوهرية في العرض المسرحي، مؤكدا على أنه هو الذي يعطى الحياة لكلمات الحوار، ويبعثها من رقدتها بين دفتي النص )ليلاقي نبضها مع نبض صمت الترقب لدى المشاهد( .. وبالتالي فإن له المقدرة على التأثير في مشاعره، والتنقل به بين حالات انفعالية شتى، وذلك حسب ما تمليه عليه تطورات الشخصية الدرامية التي يؤديها، وأيضا قدراته وإمكانياته هو الشخصية. ويرى عبد الغني داود أنه من البديهي أن يختلف الأداء التمثيلي في المسرح عن الأداء التمثيلي في السينما - لأن السينما لها تقنيات خاصة واحتياجات وقدرات آلية خاصة، وعمل الممثل في السينما يتأثر بهذه الآليات، ومن ثم عليه أن يأتلف مع هذه الآليات بحيث يصبح قادراً على أخذها في الاعتبار تلقائياً، وفى نفس الوقت يوجه اهتمامه الحقيقي لأدائه الذي يؤديه أمام آلة التصوير. ثم يتجه إلى تعريف التمثيل وشرح منهج ستانسلافسكي. 
يسرد لنا الناقد/ عبد الغني دواد المدارس المختلفة للأداء التمثيلي بداية من مدرسة الأداء المرتجل والكوميديا الهزلية الذي يعتمد كثيرًا على الارتجال وعلى شخصية الممثل، وهذه المدرسة وريثة «الكوميديا ديلارتي” أو الكوميديا المرتجلة التي تعتمد على الهزلية أو فلنقل بشكل أدق قد استفاد بعض هؤلاء من فن التشخيص والحكي السرد لدى المحبظين والحكواتية والأراجوز وخيال الظل وغيرها من الأشكال الشعبية. ويشرح فن التشخيص المصري موضحا أنه يعتمد على المبالغة في السرد بالإشارة والإيماءة وبأبسط الأدوات، يضرب أمثلة لممثلي هذا النوع مثل: محمد كمال المصري, حسن كامل , سيد سليمان, عبد الفتاح القصري, محمود شكوكو, زينات صدقي, تحية كاريوكا, ووداد حمدي وغيرهم.
يتناول داود بعد ذلك الأداء التمثيلي المنهجي  موضحا أن أغلب الأسماء التي يذكرها في هذا القسم هم من تلاميذ الرائد المسرحي/ زكي طليمات، والذي نجح في تأسيس المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1944 ، وكون – من خلال المعهد - نظرية فن الممثل التي
تقوم على تصوير شخصية الدور ثم الامتلاء به، والعيش في الشخصية والتعبير عما تقدم من خلال فن الإلقاء، وكذا أسلوب الممثل في أدواره من خلال التعاون مع غيره من الممثلين فوق خشبة المسرح, ومن ممثلي هذه المدرسة: توفيق الدقن, شكري سرحان, عبد المنعم إبراهيم, صلاح منصور, ملك الجمل, سميحة ايوب, وسناء جميل وغيرهم.
وينطلق بعد ذلك إلى شرح مدرسة الأداء المسرحي التقليدي مبينا أن هناك مجموعة من الممثلين الرواد - أو حتى العابرين الذين قاموا بالأدوار الأصغر - ظلت تحتفظ بأسلوبها المسرحي في الأداء التمثيلي علي خشبة المسرح حتى ولو كانوا أمام آلة التصوير، وظلوا يمثلون بنفس الأسلوب حتى رحيلهم من أمثال: يوسف وهبي، فاطمة رشدي، بهيجة حافظ، حسين صدقي، يحيى شاهين، محسن سرحان، عقيلة راتب.. وغيرهم - وهم جميعا ممثلون بارعون في هذا الشكل من الأداء التمثيلي، وتثبتوا عند نظرية أن الممثل في المسرح يجب أن يصل أداؤه إلى المتفرجين في أبعد مكان في الصالة، ويجب -بناء على هذا - أن تزيد الطاقة وأن تعلو جهارة الصوت، وأن يزداد التجسيد، وقد تضيع اللمسات الدقيقة البارعة.
وأخيرا يطرح الناقد/ عبد الغني داود أمامنا مدرسة الموهبة الفردية  )النوابغ من الممثلين الرواد( قائلا عنها أنها هي مدرسة الخبرة والنضج، والوصول إلى الأداء البليغ والاعتماد على الحدس والإلهام والعشق لفن التمثيل، وفى هذه المدرسة ليس هناك ثمة أدوار صغيرة.. ولكن يوجد أدوار فقط فقد تمثل «هاملت » وقد تمثل غدا كومبارسا،ً أو تكون على المنصة - أي تكملة عدد- ولكن مع هذا كله يجب أن تكون فناناً.. وقد عرف المسرح المصري عدداً كبيراً من هؤلاء الممثلين العمالقة الذين اعتمدوا على مواهبهم الخلاقة، على الحدس والإلهام في أداء أدوارهم وتضم القائمة الكثيرين، من بينهم: أحمد علام، بشارة واكيم، استيفان روستي، أمينة رزق، حسن البارودي، شفيق نور الدين، حسن فايق، حسين رياض عبد الوارث عسر، زكي رستم، زكي طليمات، زوزو حمدي الحكيم، زوزو نبيل، سراج منير، سليمان نجيب، عبد العزيز أحمد، عزيزة حلمي.
****
كما يطرح د. حسام عطار دراسته بعنوان «منهج يوسف وهبي في التمثيل المسرحي». حيث يرى د. عطا أن سيرة يوسف وهبي الذاتية تعد من أبرز السير الذاتية التي كتبها الفنانون المصريون، وهى بكل هذا الزخم والحكي الشخصي وتجربته المبكرة مع المرأة والإبداع والسفر والترحال، والفن والزواج والمسرح والأموال الكبيرة والإفلاس والإصرار على النجاح، تحمل وهجا خاصّا من حب الحياة والإيمان بضرورة الإضافة لها عبر الإبداع. ويتحدث د. حسام من خلال كتاب «عشت ألف عام» لمذكرات وهبي حيث يرى أن هذا الحكي والسرد الذي يحمل نوعا من الاعترافات النادرة في اللسان العربي هو مفتاح لفهم طبيعة الأداء التمثيلي عند يوسف وهبي، إذ أنه يؤدي بطريقة مختلفة تشبه تلك الاعترافات التي سردها عن نفسه. 
يعمل الباحث بعد ذلك على فهم واستقراء وتحليل منهج يوسف وهبي في فن التمثيل المسرحي من خلال التطبيق على مسرحيتين له : «راسبوتين», و»بيومي أفندي» من خلال خمسة نقاط جوهرية وهي: أولاً: الاسترخاء الذهني والحرية العضلية, ثانياً: الوجه وتعبيراته, ثالثاً : الذاكرة الانفعالية والجسد العارض, رابعا: الطاقة الحيوية/الحضور, خامساً: الصوت والنمط وكسر النمطية.
ويصل د. حسام عطا في نهاية الدراسة إلى  رؤيته بأن منهج يوسف وهبي التمثيلي المتفرد قد طغت عليه الأدوار النمطية المتكررة في عمله بالسينما المصرية، خاصة في الفترة المتأخرة من عمله بها وصنعت صورة ذهنية خاطئة عنه كممثل كبير، إلا أن منهجه كممثل مسرحي يبقى منهجاً مختلفاً مميزاً يحمل الجمع بين الموهبة الأصلية والوعي العلمي والتدريب الشاق، وهو يعد في عمله المسرحي متفرداً صاحب بصمة خاصة تجعله معاصراً ومجدداً ومتصلاً بمنجزات التمثيل الحديثة آنذاك بل وبما هو معاصر منها حتى الآن.


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏