مصطفى طلبة ابن الجيل

مصطفى طلبة ابن الجيل

العدد 545 صدر بتاريخ 1فبراير2018


الميلاد والموت هما اللذان يكونان معا تلك الثنائية القدرية التي تحمل بداخلها جميع مفردات المفارقة الدرامية، وهما معا الحقيقة الأبدية التي لا بد لها أن تتكامل بانتهاء حياة كل إنسان لتصبح بعد ذلك - بجميع تفاصيلها وأعماله - مجرد جملة اعتراضية بين شرطتين أو جملة شارحة مفيدة بين قوسين يغلق القوس الأخير منهما بمجرد رحيله. وتبقى الذكرى حياة أخرى منفصلة يختلف طولها وبقاؤها عبر الزمان باختلاف الأفراد وتباين إنجازاتهم ومدى مساهماتهم الحقيقية في خدمة مجتمعاتهم بإبداعاتهم الفنية التي تدعو لقيم الخير والحق والجمال.
تمضي الأيام مسرعة وينفذ قضاء الله - ولا رد لقضائه - وتتساقط أوراق بعض الأصدقاء المسرحيين من شجرة الإبداع العربي كما تتساقط أوراق الشجر التي انقضى عمرها في موسم الخريف، فلا نملك إلا تذكر إنجازات كل منهم والدعاء لهم بالرحمة والمغفرة جزاء ما عملوا بإخلاص لإسعادنا ولخدمة مجتمعاتنا، وأن نتوجه لله بالدعاء بأن يطيل أعمار مبدعينا المعاصرين القادرين على مواصلة الإبداع وإضافة المزيد من الإسهامات الفنية إلى خريطة الفن المصري والعربي.
ولكن حقا ما أصعب لحظات الرثاء خاصة حينما يأتي رحيل أصدقاء المسيرة مفاجأة وبلا إنذار فنشعر بمرارة الفراق. بالأمس القريب (الثلاثاء الموافق 23 يناير) رحل عن عالمنا الأخ والصديق الغالي د. سيد خطاب (الذي خصص ملف كامل لرثائه بالعدد الماضي)، وبعده بيومين فقط وبالتحديد يوم الخميس 25 يناير (2018) رحل عن عالمنا بمستشفى «النيل بدراوي» بعد صراع طويل مع المرض الفنان والصديق الغالي مصطفى طلبة.
والفنان المتميز مصطفى طلبة من مواليد السابع من أكتوبر عام 1952 بمدينة المنصورة (وبالتحديد بقرية «تلبنت» مركز أجا) بمحافظة «الدقهلية»، وهو ينتمي لأسرة كريمة من الطبقات المتوسطة، وتتمسك بالأصول والأخلاق الحميدة وتحرص على تعليم أولادها، خاصة وأن والده المرحوم الأستاذ كمال طلبة كان يعمل بالتدريس.
جدير بالذكر أن الفنان مصطفى طلبة - وكأغلبية النجوم والفنانين المحترفين - قد بدأت هوايته للفن من خلال المسرح المدرسي، ثم في مرحلة لاحقة بالمسرح الجامعي، ويذكر أن قد انضم لفريق التمثيل بكلية الزراعة (جامعة المنصورة)، وخلال تلك الفترة زامل مجموعة من الموهوبين الذين احترف بعضهم الفن بعد ذلك وفي مقدمتهم الزملاء: مجدي فكري محمد هيبة، مصطفى كيلاني والمرحومان المخرج محمود أبو جليلة والفنان سيد حاتم، كما يذكر أنه قد نجح في الحصول على المركز الأول للتمثيل على مستوى «جامعة المنصورة» عام 1977، وذلك عن دوره بمسرحية «البرواز» من تأليف المبدع كرم النجار، وإخراج الفنان الراحل إبراهيم عبد الرازق، ولتميز مستواه الفني أتاح له الفنان إبراهيم عبد الرازق فرصة الانضمام إلى فرقة «المنصورة القومية» التابعة للثقافة الجماهيرية (الهيئة العامة لقصور الثقافة حاليا)، والمشاركة في عروضها المسرحية ضمن فريق النخبة والرواد من أبناء المحافظة.
وكان من الطبيعي بعد نجاحه في الحصول على بكالوريوس كلية الزراعة عام 1978 (جامعة المنصورة) أن يفكر فورا على صقل موهبته بالدراسة الأكاديمية، فحرص على الالتحاق بالمعهد «العالي للفنون المسرحية»، والذي تخرج فيه عام 1984 بالحصول على بكالوريوس التمثيل والإخراج، وذلك ضمن دفعة ضمت كثير من الموهوبين الذين حققوا نجوميتهم بعد ذلك ومن بينهم الزملاء: د. أشرف زكي، د. سيد خاطر (الأستاذان بقسم التمثيل بالمعهد)، والنجوم: فادية عبد الغني، طلعت زكريا، هشام عبد الحميد، عزة لبيب، ناصر سيف، حنان سليمان، أحمد صادق، كمال سليمان، ضياء عبد الرحمن الخميسي، وكذلك النجم الأردني عاكف نجم.
عين الفنان مصطفى طلبة بمجرد تخرجه من أكاديمية الفنون بالبيت الفني للمسرح (وزارة الثقافة)، وتنقل بين عدة فرق من بينها: المسرح المتجول والمسرح القومي لينتهي به المطاف بعضوية فرقة «مسرح الغد». وقد تدرج بالوظائف حتى وصل لمنصب فنان قدير قبل وصوله لسن التقاعد. شارك بالتمثيل في عدد من المسرحيات المهمة ولعل من أبرزها: «وا قدساه»، «أهلا يا بكوات»، «دماء على استار الكعبة»، أوديب وشفيقة» كما شارك ببعض الأعمال التلفزيونية المهمة ومن أبرزها: «الجماعة»، «الكبريت الأحمر»، «قاسم أمين»، «سكر مر»، «أفراح القبة»، «ظرف أسود».
ويحسب لهذا الفنان الجاد أنه في أوائل تسعينات القرن الماضي وعندما ضاقت سبل العيش أمامه وكثرت وتعاظمت عليه المسئوليات العائلية رفضه المشاركة في أعمال فنية دون المستوى تلك التي يطلقون عليها أفلام ومسلسلات المقاولات، وفضل على ذلك تحمل مشقة السفر والاغتراب، فاختار أفضل البدائل المطروحة أمامه وكانت بالمشاركة في التدريس في معهد «جمال الدين الميلادي للموسيقى والمسرح» في طرابلس بالجماهيرية الليبية.
هذا ويمكن تصنيف مجموعة أعماله الفنية طبقا لاختلاف القنوات الفنية (الإذاعة المسرح السينما التلفزيون) وطبقا للتسلسل الزمني كما يلي:
أولا: أعماله السينمائية
شارك الفنان المتميز مصطفى طلبة بأداء بعض الأدوار الثانوية في عدد صغير نسبيا من الأفلام السينمائية لا يتناسب أبدا مع حجم موهبته المؤكدة، حيث لم ينجح للأسف طوال مشواره الفني في لفت أنظار مخرجي السينما إلى موهبته وخبراته، فاضطر إلى الاعتذار عن كثير من الأدوار الهامشية التي عرضت عليه ولا تليق بمكانته الفنية وبما حققه من تميز إذاعيا ومسرحيا وبالدراما التلفزيونية، ومن أهم الأفلام التي تضمها قائمة أعماله: جدو حبيبي (2012)، سكر مر (2015).
ثانيا: الأعمال التلفزيونية
أتاحت الدراما التلفزيونية الفرصة كاملة للفنان مصطفى طلبة للمشاركة بأداء بعض الأدوار الرئيسية والثانوية المؤثرة في عدد كبير من المسلسلات الدرامية المهمة، وقد تميز في أداء دور وكيل النيابة والمحقق أو الرجل الأرستقراطي ورجل الأعمال، ومن أشهر أدواره دور سعد بك الأسيوطي في «ساحرة الجنوب»، ودور المأذون في «أفراح القبة».
وتضم قائمة أعماله المسلسلات التالية: العزف على أوتار ممزقة، ليلة القبض على فاطمة، رحلة السيد أبو العلا البشري، مبروك جالك قلق، قلب الدنيا، وعادت القلوب، خاتم سليمان، المنتقم، موجة حارة، إمبراطورية مين، ساحرة الجنوب (ج1، ج2)، دنيا جديدة، مع سبق الإصرار، ظرف أسود، أفراح القبة، نصيبي وقسمتك، الكبريت الأحمر (ج1)، الجماعة (ج2)، أمير الشرق عثمان دقنة، وذلك بالإضافة إلى مشاركته في أداء بعض الأدوار الرئيسة بعدد من المسلسلات التاريخية ومن بينها على سبيل المثال: مشرفة رجل من هذا الزمان، قاسم أمين، علي مبارك، رجل الأقدار، الأبطال (ج2)، نسر الشرق (ج1، ج2)، وكذلك عدد من المسلسلات الدينية باللغة العربية الفصحى ومن بينها: خيبر، فارس العرب سيف الدين الحمداني، الحسن البصري، الفتح المبين، عمر بن عبد العزيز، الإمام ابن حزم، من دعاة الخير، لا إله إلا الله (ج1).
وقد أتيحت له من خلال الأعمال السابقة فرصة التعاون من نخبة من كبار المخرجين ومن بينهم الأساتذة: أحمد طنطاوي، أحمد توفيق، محمد فاضل، إنعام محمد علي، سعيد الرشيدي، خليل شوقي، حسام الدين مصطفى، وفيق وجدي، محمد عزيزية، ممدوح مراد، شيرين قاسم، عمرو عابدين، توفيق حمزة، محمد سامي، أحمد عبد الحميد، علي إدريس، محمد ياسين، باسم محفوظ، فاضل الجارحي، أكرم فريد، مريم أبو عوف، عصام شعبان، شريف البنداري، سيف يوسف، أحمد مدحت.
ثالثا: الأعمال الإذاعية
تميز الفنان مصطفى طلبة بصوته الرخيم وأدائه الرصين، وكذلك بمهاراته في التلوين الصوتي وبإلقائه السليم المتميز باللغة العربية الفصحى نطقا (مخارج الحروف) وتشكيلا (إعرابا). ولتميز صوته الإذاعي شارك في أداء الأدوار الرئيسية والبطولة بعدد كبير من المسلسلات والبرامج والسهرات الإذاعية، وكان من أهمها تلك المسلسلات الدينية والتاريخية بالإضافة إلى الكثير من المسرحيات العربية والعالمية التي قدمت باللغة العربية الفصحى (التي قامت بإنتاجها “إذاعة البرنامج الثقافي المصرية”)، ولكن للأسف الشديد فأننا نفتقد لجميع أشكال التوثيق العلمي بالنسبة للأعمال الإذاعية، وبالتالي يصعب حصر جميع المشاركات الإذاعية لهذا الفنان القدير، والذي ساهم في إثراء الإذاعة المصرية على مدار مايزيد عن خمسة وثلاثين عاما (وذلك خلال الفترة من بداية ثمانينات القرن الماضى وحتى آخر أعوامه)، ومن بين أعماله على سبيل المثال فقط وليس الحصر مسلسلات: رجل المستحيل، عريس لبنت السلطان، كما تضم قائمة أعماله الإذاعية مشاركات ببعض المسلسلات العربية ومن بينها المسلسل العماني الإمبراطور.
رابعا: أعماله المسرحية
ظل المسرح بالنسبة للفنان مصطفى طلبة هو المجال المحبب له طوال عمره، فهو مجال عشقه الأول وهوايته ودراسته الأكاديمية وأيضا مجال تميزه الفني، وقد تنوعت إسهاماته المسرحية ما بين التمثيل والإخراج، واستطاع أن يؤكد وجوده وبصمته في كل منهما، حيث تضمنت قائمة أعماله الإخراجية في مجال الاحتراف - بخلاف بعض المسرحيات لفرق الجامعات - المسرحيات التالية:
1 - في مجال الإخراج:
 - بفرقة «المسرح الحديث»: أنا وحبيبي في الغرام (2001).
 - بفرقة «المسرح القومي»: العنكبوت (2003).
 - بفرقة «المسرح الكوميدي»: الموضوع كبير قوي (2004).
 - بفرقة «مسرح الغد»: الغولة (2009).
وقد شارك في بطولة تلك المسرحيات نخبة من كبار النجوم والفنانين ومن بينهم: سميرة عبد العزيز، فاروق نجيب، وائل نور، خليل مرسي، حنان شوقي، إيهاب فهمي، ناهد رشدي، مجدي فكري، منال زكي، لمياء الأمير، لبنى عبد العزيز.
2 - في مجال التمثيل:
حرص الفنان مصطفى طلبة على المشاركة بصورة إيجابية بالعروض المسرحية، ولذلك نجد أن رصيده المسرحي يتضمن عددا كبيرا من العروض المتميزة بمسارح الدولة، تلك المسرحيات التي أتاحت له فرصة مشاركة كبار النجوم وأيضا فرصة المشاركة ببعض المهرجانات المسرحية العربية، كذلك يجب التنويه إلى أن مسيرته الفنية لا تتضمن سوى بعض التجارب القليلة جدا ببعض فرق القطاع الخاص، هذا ويمكن تصنيف مجموعة المسرحيات التي شارك في بطولتها طبقا لاختلاف الفرق وأيضا للتتابع الزمني كما يلي:
 - «المتجول«: إنفجروا أو موتوا، الحكم قبل المداولة، رجال الله، محاكمة السيد ميم (1985)، المهرج (1986).
 - «القومي»: دماء على استار الكعبة (1987)، أهلا يا بكوات، حكايات صوفية (1988)، الشيطان يعظ (1997)، المحاكمة (2014).
 - «اتحاد الفنانين العرب»: واقدساه (1988).
 - «الطليعة»: يوليو (تموز)س قيصر (2000)،
 - «الغد»: زفة صعيدي (2005)، أوديب وشفيقة (2010).
 - «الحديث»: في إيه يا مصر سلاما يا مصر (2011).
وذلك بخلاف بعض العروض الخاصة للأطفال وبعض العروض المصورة للعرض التلفزيوني ومن بينها على سبيل المثال: علي بابا والعصابة.
وقد تعاون من خلال المسرحيات السابقة مع نخبة من كبار المخرجين الذين يمثلون أكثر من جيل وفي مقدمتهم الأساتذة: عبد الغفار عودة، د.هاني مطاوع، عصام السيد، د.كمال الدين حسين، أبو بكر خالد، إيمان الصيرفي، عاصم رأفت، حمدي أبو العلا، شريف عبد اللطيف، ياسر صادق، محمد جابر، وذلك بالإضافة إلى المخرج التونسي الكبير المنصف السويسي.
رحم الله الصديق العزيز والفنان المتميز مصطفى طلبة الذي جمعتني معه صداقة حقيقة وذكريات فنية عزيزة، حيث ننتمي لجيل واحد وبدأنا الاحتراف بعد مرحلة الهواية في نفس الفترة تقريبا بمنتصف ثمانينات القرن الماضي بفرقة «المسرح المتجول». وقد كان - رحمه الله - دمث الخلق ومحبا للحياة ومثالا للتواضع، ومدافعا عنيدا عن القيم الأصيلة، فهو يكره الحقد والحسد والمشاحنات، وتتسم معاملاته بالرقي، وحبه واحترامه لزملائه، وقد تميز بالوفاء لأصدقائه ولكل من شاركه في عمل. ولا يسعنا في النهاية إلا أن ندعو الله له بالرحمة والغفران وأن يدخله فسيح جناته جزاء ما أخلص في عمله، وسعى جاهدا لتحمل مسئولياته كزوج وأب وفنان يعي أهمية دوره في المجتمع.
 

 


د.عمرو دوارة

esota82@yahoo.com‏