العدد 537 صدر بتاريخ 11ديسمبر2017
المخرج هو الشخص المنوط به ربط جميع عناصر العمل المسرحي بعضها مع بعض من خلال رؤيته الخاصة، ولكن إذا اتجه المخرج إلى التمثيل في عروضه، فهل سيشكل هذا إضافة إلى هذه العروض أم سيخصم منها؟ ظاهرة انتشرت مؤخرا خاصة في مسرح الهواة، وكذلك ظهرت في تجارب نوادي المسرح، ومهرجان الجمعيات الأخير.. وهذه وجهات نظر لبعض المخرجين والنقاد في هذا الشأن..
قال المخرج ناجي عبد الله: تختلف أهمية وجود المخرج بوصفه ممثلا داخل العرض من عرض إلى آخر، فأحيانا وجود المخرج باعتباره ممثلا داخل العرض يساهم في تحريك الحدث أو إنقاذ موقف غاب فيه ممثل، وقد كان لي تجربة هامة في إخراج وتمثيل عرض أطفال، وكان من الضروري أن أشارك ممثلا في العرض باعتباري مخرجا يوجه الممثلين وكانوا أطفالا تتراوح أعمارهم من 4 إلى 16 سنة، على سبيل الدعم النفسي والتوجيه، وهذا لا بأس به، ولكن إذا كان هناك بديل من الممثلين يستطيع أن يؤدي الدور، فمن الجيد أن يستعين به حتى لا يؤثر بالسلب على مستوى العرض.
خلفية حاكمة
المخرج مايكل تادرس مخرج فرقة شمعة وملاحة، قال: خلفية المخرج دائما ما تؤثر في العرض، فإذا كان قادما من خلفية سينوغرافية، فسينصب اهتمامه على شكل العرض وديكوره، وإذا كان راقصا أو كيروجرافا فسنجده يميل إلى التعبير بالحركة، كذلك الأمر إذا كانت خلفيته التمثيل، في هذه الحالة سيكون وجوده في العرض مبررا بشرط أن يكون ممثلا جيدا، وأنا أرى أنه من الممكن أن يقدم المخرج دورا في العرض الذي يخرجه لأن عملية الإخراج تنتهي في البروفات، فإذا بدأ العرض تبدأ مهمة الممثلين والفنيين، وإذا أراد المخرج أن يقدم دورا فعليه أن يستعين بمساعدين جيدين يثق في آرائهم لتوجيهه. ظاهرة المخرج الممثل ليست فقط على مستوى الهواة والمستقلين، ولكنها أيضا موجودة في عروض المحترفين، على سبيل المثال عروض النجم محمد صبحي، وأضاف: إما إذا لم يكن للمخرج دور وأصر على التمثيل فسيسبب ضررا بالغا على العرض. لذا أرى أن وجوده باعتباره ممثلا لا بد أن يكون قرارا محسوبا وضرورة، كأن يمنح الممثلين الروح التي يريدها ويكون مرجعا لهم.
هناك صعوبة
بينما قال المخرج والممثل أحمد عبد الرحيم: يجب أن يركز المخرج فيما يقدمة، فهناك صعوبة في أن يمثل المخرج في عمل يقوم بإخراجه. أضاف: من الممكن أن يقوم المخرج بأداء دور إذا كان حجم الدور صغيرا ولن يؤثر على عمله، موضحا: عندما قدمت عرض “الشقيقان” كنت أقدم دورا وبذلت مجهودا شاقا على مستوى البروفات. تابع: يقرر المخرج أحيانا التمثيل حين يرى تفاصيل في الدور لا يستطيع غيره تقديمها، مشيرا إلى أن هناك الكثير من المخرجين كانت بدايتهم ممثلين وهو ما يمثل لديهم دافعا للتمثيل. وأخيرا أنا لا أحبذ مشاركة المخرج في عرض يقوم بإخراجه حتى يستطيع أن يتمكن من أدواته ورؤيته الإخراجية.
طبيعة مسرح الهواة
وقال المخرج سمير زاهر: هذه هي طبيعة مسرح الهواة، سواء في الثقافة الجماهيرية أو في الجمعيات، ولا يوجد قانون يحكم هذا الأمر، فهي مسألة طبيعية وليست بغريبة على مسرح الهواة، مضيفا: من المفترض أن يعي المخرج مكانه وموقعه، ويجب أن يعمل الشباب الهاوي على نفسه، سواء مخرج أو ممثل، وعليه الاختيار حتى لا يضع نفسه تحت طائلة النقد ويضطر لتقديم مبررات وهمية لضعفه، فإذا كان يطرح نفسه مخرجا فعليه التركيز في الإخراج ومفردات العرض المسرحي، وإذا كان ممثلا فعليه أن يكون شديد التركيز على تنمية أدواته.
الممثل المخرج يظلم نفسه
ويرى المخرج باسم قناوي أن لجوء المخرج إلى التمثيل يحدث لسببين الأول أنه لم يجد الممثل المناسب للدور ويجد نفسه مناسبا لتقديمه، والسبب الثاني أن يجد نفسه ممثلا أكثر من كونه مخرجا فيقوم بإخراج عرضه حتى يقدم نفسه ممثلا ويتحكم في دوره، وفي هذه الحالة يظلم نفسه ممثلا ومخرجا، ولكنني أتفق في الحالة الأولى التي يضطر المخرج فيها لتقديم الدور، ولا بد أن يكون على قناعة تامة بأنه يستطيع أن يؤديه بشكل جيد، ويصبح الأمر أكثر سهولة إذا كان المخرج ممتلكا لأدواته ولديه فريق من المساعدين يستطيعون مساعدته باعتباره مخرجا.
لا يوجد قانون يحكم المسألة
بينما أوضح المخرج طارق الدويري أنه لا يوجد قانون يحكم، وأرى أنه إذا كان لدى المخرج فريق عمل جيد ومساعدون قادرون على مساعدته بشكل جيد، يصبح الأمر ممكنا، أما إذا لم يكن فيصبح الأمر جريمة في حق العرض، وأعتقد أن الحالات التي تستدعي مشاركة المخرج ممثلا هو عدم وجود ممثل يقدم الشخصية بتركيبتها الكاملة، وقد سبق وأن مررت بهذه التجربة في عرض «المحاكمة» عندما اعتذر الفنان أحمد فؤاد سليم، وكان الوقت قصيرا لاستبداله بممثل آخر مما جعلني أقدم الدور، ذلك لأني لم أجد من يقدم ما أريده في الشخصية، ونجحت التجربة واستطعت أن أحصد جوائز في المهرجان القومي للمسرح. وأخيرا، أنا لا أحبذ أن يقدم المخرج دورا في عمل يقوم بإخراجه لأن ذلك قد يسبب له إشكالية في التنفيذ ولا يستطيع الفصل بين دوره مخرجا وممثلا.
الأمر مرهون بالقدرات
وقالت الناقدة هبة بركات: هناك كثير من التجارب الناجحة يلعب فيها المخرج عدة أدوار، بوصفه كاتبا ومخرجا وممثلا فلا يوجد مقياس للأمر. أضافت: في بعض الأحيان يظن المخرج أنه إذا قام بالتمثيل فسيكون أفضل من ممثل آخر، وإذا كتب فسيكون أفضل، وهذا الأمر ليس في المسرح فقط ولكنه أيضا في السينما، والأمر في النهاية مرهون بقدرات المخرج، كذلك على مستوى التمثيل. أضافت: يجب أن يبقى المخرج على مسافة تفصله عن ممثله، حتى يستطيع توجيهه بخلاف أن يكون ممثلا فلا يلاحظ أمورا كثيرة، ولكن إذا كان لديه القدرة على تقديم عمل فني، يقدم فيه عدة أدوار بشكل متزن بعيدا عن الأخطاء، فالأمر هنا يختلف ونرى إنتاجا فنيا متكاملا. وأخيرا – أضافت - من سمات الهواة أن لديهم قدرات إبداعية كثيرة، يحبون تجربتها، إلى أن يقف أحدهم على أرض صلبة ويحدد ماذا يريد أن يكون، في مرحلة الهواية لا يستطيع أحد بسهولة تحديد ماذا يريد.
الهواية والحماس
وقال الناقد عبد الغني داود: الجمع بين التمثيل والإخراج متكرر كثيرا، وبالأخص في نوادي المسرح، أو كما نسميه الفنان الشامل، الأمر نفسه في مسرح المحترفين، ولكن في مسرح الهواة يغلب هذا الأمر، حيث تغلب روح الهواية والحماس لدى الشباب فيقوم بأداء أكثر من دور ومهمة داخل العرض، كأن يكون مخرجا وممثلا ومؤلفا، وهناك تجارب في مسرح المحترفين قام بها المخرج بأكثر من دور، على سبيل المثال تجربة الدكتور أحمد حلاوة في مسرح الطليعة والفنان كرم مطاوع في عرض “ليلة مصرع جيفارا” التي كان مخرجا وممثلا بها، ويحدث هذا الأمر أيضا في مسرح الهواة نتيجة الظروف الإنتاجية للعرض التي تحول أن يكون لكل عنصر شخص مختص به.
المخرج وامتلاك الأدوات
وقالت الناقدة داليا همام: لا يوجد مانع من أن يقدم المخرج دورا تمثيليا في عرضه، ولكن يجب أن يكون مالكا لأدواته، أشارت إلى أنه في بعض الأحيان يقع اختيار المخرج على نص بعينه ويسعى لإخراجه حتى يقوم بأداء دور محبب إليه فيه، وهنا سيقدم العرض من وجهة نظره ممثلا وليس مخرجا، وهناك فرق شاسع ما بين رؤية المخرج ورؤية الممثل، ولكن وجهة نظري أن الفن قائم على فكرة المشاركة وهو أمر يجب أن يعرفه جيدا الهواة، ولكن كما نعلم فإن روح الهواية تطغى في بعض الأحيان لدى الشباب فيسعى لإشباع قدراته المختلفة، وأنا لست ضد هذا الأمر، ولكن عليه أن يعي مفردات العمل المسرحي جيدا ويصقل نفسه حتى يستطيع أن يقدم عملا يؤدي به أكثر من دور.