الفائز بجائزة ساويرس في النص المسرحي عيسى جمال: لم أكن أنتوي التقدم للمسابقة

الفائز بجائزة ساويرس في النص المسرحي عيسى جمال: لم أكن أنتوي التقدم للمسابقة

العدد 544 صدر بتاريخ 29يناير2018

بدأ مشواره الفني من المسرح المدرسي في المرحلة الثانوية، عرض كتاباته على مشرف النشاط بالمسرح المدرسي فقوبلت بالرفض، وقال له المشرف «لا نحتاج لكتاب نحتاج فقط لممثلين»، فبدأ ممثلا في مسرح المدرسة. لم يترك حلمه وموهبته، وظل يسجل كل موقف يمر به ويراه مؤثرا حتى لو رآه الآخرون موقفا عابرا، كان يضع أفكاره في قوالب درامية (مسرحية) ويجسد لها شخصيات، وأثناء دراسته بالجامعة العمالية قدم عروضا من تأليفه من إنتاج إدارة المطرية التعليمية، فقدم (الغابة في انتظار الأسد - ملامح – هاملت يعود حيا).

التحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية عام 2005، ومن هنا بدأت رحلته في مشوار الكتابة تتخذ مسارا آخر، فقدم من خلال مسرح جامعة عين شمس مسرحيات كثيرة منها (التاجر، هيرماجدول).
تخرج عام 2009 ليبدأ رحلة احتراف الكتابة، وقدم مجموعة من النصوص المسرحية، كما شارك في ورشة كتابة (مسرح مصر)، وكان آخر نصوصه المسرحية مسرحية (الساعة الأخيرة في حياة الكولونيل) التي فازت بجائزة ساويرس لأفضل نص مسرحي فرع كبار الأدباء لعام 2017، وحول الجائزة أجرينا هذا الحوار..

 - بداية، حدثنا عن مسرحية (الساعة الأخيرة في حياة الكولونيل) الحاصلة على جائزة ساويرس لهذا العام؟
عام 2007 قرأت خبرا في «صدق أو لا تصدق» يقول إن الطيار الذي ألقى القنبلة الذرية على هيروشيما في السادس من أغسطس، من مواليد نفس اليوم، أي ألقاها في يوم مولده، وهي مفارقة غريبة جدا، أن يصنع الجحيم في ذكرى ميلاده، فقررت أن أكتب عنها مونودراما وعرضتها على صديقي، وبعد البدء في التجهيز للمشروع توقفنا، وبعد فترة قررت أن أعيد كتابتها استنادا إلى مرجع تاريخي عن تلك الفترة الزمنية وعن الحادث وعن الحرب العالمية الثانية، بالإضافة إلى أحداث من خيالي، تم دمجتهما معا، أثناء رحلة البحث وجمع المعلومات كان من بين الأحداث التي توقفت أمامها وكانت جزءا مهما من البناء الدرامي أنه كانت هناك طفلة تدعى (ساني) كفيفة، تسكن في قرية تبعد عن هيروشيما بعشرات الكيلومترات، قيل إن تلك الطفلة رأت وميض القنبلة، فأخذت ذلك الحدث وقمت بتطويره من خيإلي أن ذلك الطيار بعد إلقاء القنبلة شعر بالندم فظل يبحث حول المدينة عن حياة إلا أنه لم يجد سوى هذه الطفلة على قيد الحياة، فذهب ليحدثها وظنت أنه ملاك لأن أبيها كان يحكي لها منذ مولدها عن ملاك سيهبط لها يوما من السماء وستستطيع أن ترى حين قدومه وميضا شديدا، وسيشفي ذلك الملاك عينيها، فظنت ساني أن هذا هو الملاك الذي حدثها أبوها عنه، في الوقت الذي كان يرى نفسه فيه شيطانا، أودى بحياة ستة وستين ألفا من البشر في أقل من ثلاث دقائق.
أحداث المسرحية تبدأ والطيار يحتفل بعيد ميلاده الثمانين وحيدا، ولا يوجد معه سوى تمثال له داخل منزله، كان هذا التمثال قد صنع له عقب انتهاء الحرب كتكريم وتقدير لبطولته، وتخليدا لذكرى إلقاء القنبلة، مع تدخل المنظمات الحقوقية التي قالت إن ما حدث في اليابان جريمة وليست بطولة تم نقل التمثال أمام منزله، فسبب له حرجا مع الجيران، حين علموا أن صاحب هذا التمثال هو نفسه الذي حصد آلاف الأرواح في بضع دقائق، فاضطر أن يضع التمثال داخل منزله حتى لا يراه الناس، وعاش في وحدته مع تمثاله، الذي يذكره دوما بما حدث في ذلك اليوم، يوم هيروشيما.
كيف عرفت بجائزة ساويرس وكيف تقدمت للمسابقة؟
لم أكن أنوي التقدم للمسابقة إطلاقا، لأن النص من جزأين، الجزء الأول كتب في عام 2009، ثم توقفت وتركته قرابة الخمس سنوات لأنهي الجزء الثاني في أغسطس 2014، وكنت قد تقدمت من قبل للمسابقة في فرع السيناريو بفيلم (الإمام) في آخر 2013، ولكن لم يوفق، وفي 2015 تقدمت بمسرحية (الغابة في انتظار أسد) ولم توفق أيضا، ولم أكن أنوي التقدم هذا العام لولا ضغط صديقي الناقد محسن الميرغني، والكاتب والمخرج أشرف حسني. كنت أرى أن النص بعيد عن مجتمعنا، ويناقش قضية خاصة بمجتمع آخر وفترة زمنية غير زماننا، وهذا ما قلته للجنة التحكيم بعد حصولي على الجائزة إلا أنهم قالوا إن المعيار ليس المحتوى ولكن جودة العمل من الناحية الفنية والدرامية ووضوح الشخصيات وانضباط الحبكة الدرامية هي المعيار الأساسي للتقييم.
من الطريف أنني لم أعلم بالجائزة إلا يوم توزيع الجوائز وقبل الحفل بنصف ساعة، عن طريق مكالمة من أحد الأصدقاء، وكانت إدارة المهرجان قد أبلغتني في اليوم السابق إلا أن شبكة المحمول لم تكن جيدة فلم أسمع الخبر، حتى تلقيت مكالمة صديقي فرحت أجري، لدرجة أنني أكملت ارتداء ملابسي بالأسانسير، وظللت طوال الطريق معتقدا أنه مقلب من أصدقائي حتى زوجتي ظنت ذلك، ولم أصدق إلا حين استلمت الجائزة بنفسي.
هل حقا هناك أزمة كتاب في مصر أم أنها أزمة مفتعلة؟
لا يوجد أزمة كتاب في مصر، هناك ورق جيد جدا ولكن المشكلة إنتاجية، فالقائمون على إنتاج العروض سواء في المسرح أو في السينما والفيديو لهم معايير معينة في النصوص والأعمال التي يقدمونها، تلك المعايير مرتبطة بمتطلبات السوق الذي يعود على المنتج بالربح في النهاية.
ولا أعلم لماذا حجبت جائزة التأليف بالمهرجان القومي رغم أن محمود جمال كان مشاركا بنصين رائعين حتى وإن كان «يوم أن قتلوا الغناء» به بعض المشكلات الدرامية حسب بعض الآراء النقدية، فإن «سينما 30» نص أكثر من رائع وكان يستحق جائزة من وجهة نظري.
 - ما الحل في أزمة التواصل بين الكتاب والمخرجين أو جهات الإنتاج في المسرح المصري وهل الأزمة أزمة معايير جماهيرية أم أزمة نشر؟
بالتأكيد الأزمة تتعلق بالسببين بالإضافة إلى عدم وجود خطة تسويق جيدة في البيت الفني للمسرح ومسارح الدولة، وعدم وجود إدارات تستطيع التسويق للمنتج بشكل جيد، فنجد عروضا رائعة جدا تقدم من إنتاج البيت الفني للمسرح، ولكن لا أحد يعلم عنها شيئا، بسبب عدم التسويق الجيد، كنت في 2014 أعمل مخرجا مساعدا في العرض المسرحي (اللي بنى مصر) بطولة محمود الجندي ومحمد ثروت ومجموعة كبيرة من النجوم، من قام بالتسويق والدعايا للعرض لم يكن إدارة البيت الفني للمسرح، ولكن الفنان محمود الجندي، فهو الذي ذهب وتواصل بنفسه مع بنك مصر وأبلغهم أن العرض عن حياة طلعت حرب، فحجز البنك 2000 تذكرة للعرض، هل هذا دور الممثل أم هو دور إدارة التسويق والدعايا والإعلام بالبيت الفني؟
 - مع عودة المسرح الاستعراضي والاعتماد على الرقص وظهور فكرة الممثل الشامل، هل ترى لذلك تأثيرا على البناء الدرامي للعمل؟
الشعوب العربية شعوب حكاءة، تعشق الكلمة، حتى خارج المسرح، في «ليالي الحصاد» مثلا وهي من الفلكلور المصري، كان يجلس الجميع أثناء حصاد المحصول يتسامرون ويحكي كل منهم حكايات وقصص للآخرين، وليس في مصر وحدها، ففي شبه الجزيرة العربية تجدهم يقدسون الكلمة، وكانوا قديما يقيمون المبارزات الشعرية، وأنا أرى أن الرقص يمكن أن يضيف إذا ما كان موظفا داخل العمل بشكل جيد، ولعل أبرز من تفوقوا في هذا النوع الدرامي الهنود، فثقافتهم قائمة على التعبير بالجسد حتى في الشعائر الدينية.
من وجهة نظرك ما الفرق بين المؤلف الموهوب والمؤلف الحرفي والمؤلف الأكاديمي؟
الموهبة شيء أساسي في كل الأحوال، إن لم تكن موجودة فلن تستطيع الكتابة، والجميع لديه الموهبة ولكن النسب تتفاوت من شخص لآخر، وهناك من يستطيع اكتشاف موهبته وآخر لا يستطيع، ما يميز شخص عن شخص آخر هو أسلوب تطوير وتنمية موهبته ومهاراته، ولو ركزت على الجانب النقدي لم تستطع أن تكون كاتبا، د. سيد إمام أستاذ الدراما بالمعهد العالي للفنون المسرحية كان دائما يقول حينما تكتب نصا اكتبه باعتبارك مؤلفا، ثم اقرأه وعدله باعتبارك ناقدا، ولكن من الخطأ أن تكتب وأنت تقيم لكل فعل درامي وزنا نقديا ورمزيا، وتحسب كل فعل بالمازورة - كما يقال - وهذه هي إشكالية الكاتب الأكاديمي، فهو أحيانا يقع في هذه الإشكالية، مما يتسبب في خروج عمل درامي جيد من ناحية البناء الدرامي ولكنه لا يصلح سوى للقرءاة فقط، وعلى المؤلف أن يتعامل مع نصوصه حين يعيد قراءتها ولا يأخذه بها شفقة، فيحذف أي جملة أو حتى شخصية يراها مجانية مهما كان قد بذل فيها من مجهود، وهذا هو المؤلف الموهوب، الذي يثق في قدراته الذاتية ويعلم جيدا أنه حين يفقد فكرة سيخلق أفضل منها، أما المؤلف الحرفي فهو لا يمتلك المقدرة على صناعة حبكة جيدة وليس لديه القدرة على قراءة أعماله ونقدها.
ما هي أدوات المؤلف وما هي آليات تطويرها؟
يكون على تماس دائم مع مجتمعه، يستطيع قراءته قراءة جيدة وفهم متطلباته، وكذلك يجب أن يكون المؤلف على قدر كبير جدا من الثقافة والمعرفة، يعلم جيدا كيف يرسم شخصياته ويحولها من مجرد بعض كلمات إلى شخصية من لحم ودم كاملة التفاصيل، وذلك يتطلب أن يكون مراقبا جيدا لكل ما يحدث حوله، ويخزن كل الشخصيات التي يراها خلال أحداثه اليومية ويخزنها في ذاكرته، ثم يقوم باستدعائها عند الحاجة إليها.. نحتاج طوال الوقت ككتاب عرب أن نناقش قضايا مجتمعنا وتكون ذات أولوية على مائدة الدراما المسرحية، وهناك الكثير من الكتاب الجيدين في مصر ولكن البعض منهم لا يهتم بقضايا المجتمع أو يناقشها بشكل سطحي.
ماذا عن الأعمال والمشاريع القادمة؟
أقوم حاليا بكتابة مسلسل درامي اسمه «حالة فردية»، مسلسل متصل منفصل مكون من خمس عشرة قصة، متصلة ببعضها من خلال شخص فاقد للذاكرة وهو من يجمع كل الخطوط الدرامية، بالإضافة إلى كتاب ساخر لم ينته بعد، ومسلسل إذاعي.


محمد حلمى