إنتاج المسرحية .. نماذج من المسرح البريطانى

إنتاج المسرحية .. نماذج من المسرح البريطانى

العدد 542 صدر بتاريخ 15يناير2018

يكلف إنتاج المسرحية أموالا طائلة، فأول الأمر تكاليف المسرح نفسه، وتكاليف التدفئة، والإضاءة.. إلخ. وهناك تكاليف تصميم وعمل الملابس، وتكاليف إنشاء المناظر، وتكاليف المهمات (وتضم المهمات، الأثاث، وباقي الأشياء على خشبة المسرح، والأشياء التي يستخدمها الممثلون مثل الشنط والمسدسات)، وأيضا تكاليف مؤثرات الإضاءة، ومؤثرات الصوت. وأيضا المقابل المادي الذي يجب أن يدفع لكاتب المسرحية، إلا إذا كان قد مات منذ أكثر من خمسين عامًا، ثم أجور العمال الذين يعملون في المسرح، وأخيرًا نفقات المخرج والممثلين. وهناك مجموعة أخرى من الناس يتم الاستعانة بهم لإدارة المسرح. فالمدير العام يقوم بالإدارة عمومًا، وهناك بالطبع أشخاص يعملون في المكاتب، وأشخاص يقومون بالتنظيف. وهناك الأشخاص الذين يباشرون المسرح، ويشملون المدير الإداري، والذين يبيعون التذاكر في شباك بيع التذاكر، والذين يقومون بالدعاية، والذين يقودون المتفرجين لمقاعدهم، والأشخاص الذين يبيعون الآيس كريم والشوكولاته، وعاملي البار الذين يبيعون المشروبات في فترة الاستراحة، وأولئك الذين يعتنون بالمعاطف ويفتحون الأبواب ويوجهون المتفرجين.
بعد ذلك هناك الذين يقفون في الكواليس، وهم يشملون مدير خشبة المسرح المسئول عن كواليس خشبة المسرح، وأولئك الذين يصممون ويبنون المناظر، والذين يقومون بتصميم وعمل الإضاءة في المسرح، ومصممو الملابس، ومهندسو المؤثرات الصوتية، وأمناء المخازن. يعمل مدير خشبة المسرح، وجميع المصممين عن كثب مع مخرج المسرحية (المخرج الذي يدير الممثلين)، حتى تنتهي التصميمات، وتوضع المناظر في أماكنها، وتجهز الملابس، ويقوم الممثلون بعمل البروفات، وكل تلك الأعمال تنجز معًا لتكون جاهزة قبل أن يأتي المتفرجون لمشاهدة المسرحية.
إن تكاليف إنتاج المسرحية تختلف تمام الاختلاف من مسرحية إلى أخرى، فعرض البانتومايم تكاليفه عالية دائمًا، لأنه يتضمن عددًا كبيرًا من الممثلين، وكثيرًا من المناظر، وكثيرًا من الملابس الغالية، وأيضا الموسيقيين الذين يعزفون الموسيقى. أما المسرحية التي تتضمن اثنين أو ثلاثة من الممثلين، وأدوات قليلة مثل منضدة وكرسيين وسرير مثلاً، ويرتدي الممثلون فيها ملابس يومية عادية، فهي ذات تكاليف أقل. والمسرحيات من هذا النوع يتم اختيارها لتعرض على مسارح وقت الغداء ونوادي المسرح، أو المسارح التجريبية التي ليست لديها ميزانية كبيرة.
يحتاج إنتاج مسرحية من مسرحيات شيكسبير إلى ميزانية كبيرة للمناظر، وللمهمات، والملابس، ولكنها أيضا يمكن أن تنتج بميزانية صغيرة جدًا، باستخدام قليل من المناظر، أو حتى بالاستغناء عن المناظر كلية، وبقليل من المهمات، وبملابس بسيطة، إذ يعتقد الكثيرون أن كلمات شيكسبير كافية ولا تحتاج إلا إلى قليل من المؤثرات المرئية.
إن مسارح غرب لندن التي لا تتلقى دعمًا من الحكومة لكي تساعدها على إنتاج المسرحيات، تحتاج لأن تجد مسرحيات ناجحة تجذب الجمهور (أو تكون كامل العدد، كما يقولون) لفترة طويلة. وأهم شيء يتمناه المدير هو أنه عندما تنتج مسرحية في إحدى تلك المسارح أن تجذب عددًا كبيرًا من المتفرجين، لكي تستمر في عرضها لوقت كاف كي تغطي تكاليف المناظر، والملابس.. إلخ، كما تغطي التكاليف العامة، وبعد ذلك يأمل أن تستمر لكي تحقق عائدًا كبيرًا. تستمر بعض المسرحيات في عرضها لسنوات طويلة، وتعرف هذه المسرحيات بأنها حققت أعلى إيراد شباك، حيث تباع كثير من التذاكر، وتحقق عائدًا كبيرًا. وأطول مسرحية استمر عرضها في غرب لندن هي مسرحية “مصيدة الفئران”، وهي مسرحية مثيرة كتبتها أجاثا كريستي، وتم افتتاحها في عام 1952، وما زالت تعرض. وبالطبع يتغير الممثلون الذين يعملون في مثل تلك المسرحيات باستمرار.
وهناك طريقة أخرى للإنتاج في المسرح، أصبحت شائعة في السنوات الأخيرة - وهي الفرقة التي تعمل بنظام الإنتاج المشترك. وهناك كثير من تلك الفرق تقدم مسرحيات طليعية، ومن أشهرها فرقة «الإنتاج المشترك»، وفي «الفرقة المتحدة» يأخذ الممثلون وكل واحد في الفرقة قرارات مشتركة عن سياسة الفرقة.
وعندما تقرر مجموعة من الممثلين أنهم يريدون سيطرة أكثر على المسرحيات التي يظهرون فيها. ولا يريدون أن يخضعوا لآخرين، فإنهم ينشأون كممثلي فرقة يصدرون من خلالها قرارات بشأن المسرحيات، ويدعون المخرجين ليعملوا معهم.
ومن تلك الفرق «فرقة الفنانين»، التي أسسها أيان ماكلين وإدوارد بيثربريدج في عام 1972، وهم عادة يطوفون بتلك العروض، ويقدمون مسرحية أو ثلاث مسرحيات في الأسبوع. ورغم أن معظم الممثلين الأساسيين تركوها الآن إلا أن الفرقة ما زالت تعمل.
أما أجرأ فرقة ظهرت من هذا النوع فهي فرقة الفنانين البريطانيين المتحدين. وهي تتكون من خمسة ممثلين بريطانيين مؤسسيين، وهم: ألبرت فيني، وجون هرت، وريتشارد جونسون، وديانا ريج، وماجي سميث. تختلف فرقة الممثلين البريطانيين المتحدين نوعًا عن الفرق التي سبق ذكرها، لأن أعضاءها نجوم، وهم لا يخططون لأن يظهروا جميعهم في نفس المسرحية. إنها شركة إنتاج، فهم يريدون أن يربحوا من الأفلام كما يربحون من المسرحيات. في عام 1984 كان باكورة إنتاجهم مسرحية تسمى «استجواب بيكو»، قام بالتمثيل فيها ألبرت فيني، وريتشارد جونسون، كما قاموا بإنتاج فيلم اسمه «الأبطال»، قام ببطولته جون هرت.
من الضروري لأي شخص يهتم بالمسرح البريطاني، أن يزور المسرح القومي في بريطانيا. إن فكرة إنشاء مسرح قومي لبريطانيا ظهرت لأول مرة في عام 1848، لكن على الرغم من وجود فرقة مسرح قومي، فإن المبنى الخاص بالمسرح القومي لم يفتتح حتى عام 1976، والمسرح القومي الذي يقع على الشاطئ الجنوبي من نهر التايمز يتكون من ثلاثة مسارح في مبنى واحد، وتعرف تلك المسارح بمسرح ليتلتون، ومسرح أوليفييه، ومسرح كوتيسلوي. مسرح أوليفييه به مقاعد تسع 1160 متفرجًا، ومسرح ليتلتون يسع 890 متفرجًا، أما مسرح كوتيسلوي فيسع 400 متفرج. وبإنشاء تلك المسارح الثلاثة، استطاع المسرح القومي أن ينتج جميع أنواع المسرحيات، بدءًا من مسرحيات شيكسبير الضخمة في مسرح أوليفييه، إلى المسرحيات التجريبية الصغيرة في مسرح كوتيسلوي. وهناك أيضا أنواع من العروض المجانية تقام في قاعات الحانات في المسرح القومي.
أما الفرقة المسرحية الكبيرة الأخرى التي تتلقى دعمًا كبيرًا في بريطانيا فهي فرقة شكسبير الملكية (آر. إس. سي)، وتقدم تلك الفرقة مسرحياتها في الباربيكان سنتر في لندن، كما أنها تمتلك مسرحين هناك، أحدهما به مقاعد تسع 1150 متفرجًا، والجزء الخلفي من قاعة المسرح الرئيسية به مسرح الاستوديو الذي يسع مائتي مقعد. لكن مسرحها الشهير جدًا يوجد في ستراتفورد على نهر آفون مسقط رأس وليم شيكسبير. يأتي الآلاف من المتفرجين كل عام إلى هذه البلدة الصغيرة ليشاهدوا عروض فرقة شيكسبير الملكية وهي تقدم مسرحيات شيكسبير. ورغم أن الفرقة أنشأت خصيصا لتقديم مسرحيات شيكسبير فإنها تقدم الكثير من المسرحيات الحديثة أيضا.
إن زيارة لبلدة ستراتفورد تعتبر تجربة ممتعة جدًا. فكثير من المباني التي أنشئت في عهد تيودور ما زالت شامخة، ومن بينها المنزل الذي ولد فيه شكسبير. وبالإضافة لزيارة المسرح، يمكنك أن تتجول في الشوارع القديمة الممتعة، أو تجلس عند النهر وتراقب الإوز وهو يعوم بجانب أشجار الصفصاف المتدلية على النهر.
أقيم المسرح بجانب النهر، وهو مبنى يبدو قبيحًا إلى حد ما، وقد بنى في عام 1932 بدلاً من المسرح الذي احترق، ولكنه حتى وإن لم يكن منظره جذابًا مثل بقية المباني القديمة في البلدة، إلا أنه مكان جدير بالزيارة. تلقى مسرحيات شكسبير التي تقدمها فرقة شكسبير الملكية إعجابًا كبيرًا، فكثير من فنانينا وفناناتنا المشهورين يمثلون في تلك المسرحيات، وبعد العرض يذهب الكثير من المتفرجين ليتناولوا شرابًا في ملهى الدرتي دك، الذي يقع على الطريق المؤدي للمسرح، وهناك يتوقع المتفرجون أن يروا بعضًا من فريق تمثيل المسرحية الذين شاهدوهم وهم يمثلون.
يتلقى مسرح الرويال كورت في لندن أيضا دعمًا من الحكومة، ويقدم الكثير من المسرحيات التي يكتبها كتاب غير معروفين، فيعطي الكتاب الناشئين فرصة ليعرضوا ما يكتبونه. وهناك عدد من المسارح الصغيرة في لندن تقدم المسرحيات التجريبية، وغالبًا ما تكون تلك المسرحيات سياسية، وأيضا يكتب تلك المسرحيات كتاب ناشئون.
تقدم بريطانيا مسرحًا طوال العام لكل الأذواق، ولكن لسوء الحظ تكلف المسرحيات كثيرًا عندما تنتج. قد يكون عدد تلك المسارح قليلاً في المستقبل، لكن بدون شك سيظل مستواها مرتفعًا. ففي كل مكان في بريطانيا يوجد تجديد في المسرح، بدءًا من إنتاج جديد لإحدى مسرحيات شكسبير، حتى المسرحيات التجريبية. وسيظل المسرح كما كان دائمًا فخر بريطانيا بين الفنون.
 هوامش المترجم
بنشوب الحرب العالمية الثانية تضاعفت إيجارات المسارح وتكاليف إنتاج المسرحيات أربع مرات على الأقل، وظهرت طبفة جديدة من الممولين المسرحيين الذين أرادوا استغلال وجود القوات الأمريكية وقوات دول الكومنولث في البلاد، وبالتالي أصبحت الكوميديا الموسيقية والميلودراما والمسرحيات الهزلية هي أشكال الترفيه المسرحي السائدة في لندن والأقاليم، لكن ظهرت فرقة الأولدفيك أثناء الحرب تعرض ربرتوار من أعمال شكسبير. في الفترة ما بين 1918 - 1939 ارتفعت تكاليف الإنتاج فكان مديرو المسارح يفضلون عرض المسرحيات التجارية مضمونة النجاح لفترات طويلة على حساب الدراما الجادة، وكان انتشار الأفلام السينمائية سببا في أن تتحول مسارح كثيرة إلى دور عرض سينمائي، فانحسر تقديم مسرحيات الدراما الجديدة في نطاق مسارح الجيب الصغيرة أو النوادي المسرحية أو مسارح الربرتوار في الأقاليم، وقدمت فرقة الأولدفيك عددا قليلا من المسرحيات الحديثة من أعمال سترندبيرج وبرنارد شو ويوجين أونيل في مسرح الايفريمان وكذلك عددا من المسرحيات التعبيرية الألمانية والمسرحيات الإنجليزية الجديدة في مسرح الجيب، وبعد مسرحيات تشيكوف في مسرح بارنز وبعض المسرحيات الشعرية من تأليف إليوت وأودن واشيروود في مسرح ميركويري وقدمت أوكسفورد بعض عروض المسرح الكلاسيكي.
 - تعتبر فرقة شكسبير الملكية من أكبر الفرق المسرحية في لندن، توجد في ستراتفورد أون آفون، بها 700 موظف وتقدم عشرين عرضا مسرحيا في العام.
 - مسرح الرويال كورت هو مسرح لا يهدف إلى الربح. افتتح لأول مرة عام 1870 تحت اسم مسرح تشيلسيا الجديد، وفي العام التالي تغير اسمه إلى الرويال كورت ومنذ ذلك قدم الكثير من المسرحيات لكتاب مسرحيين بارزين مثل شو وجون أوزبورن وإدوارد بوند وأرونلد ويسكر وجون أردن. ومن أهم المخرجين الذين عملوا فيه كريستوفر همبتون وآتول فوجارد وهاوارد برنتون وكارلايل تشرشل.

تأليف: جان كينج
المصدر:
spotlight on british theater
published in 1961

 

 


ترجمة عبد السلام إبراهيم