بدايات جمعية أنصار التمثيل والسينما (13) اليوبيل الفضي

بدايات جمعية أنصار التمثيل والسينما (13) اليوبيل الفضي

العدد 730 صدر بتاريخ 23أغسطس2021

بعد أيام قليلة من الاحتفال الرسمي باليوبيل الفضي للجمعية، أقامت الجمعية حفلة أخرى في مقرها لتوزيع الميداليات الفضية على كل من: يوسف وهبي، وجورج أبيض، وعبد الرحمن رشدي، ونجيب الريحاني، وعلي الكسار بصفتهم كبار رجال المسرح. أما من رجال السينما فلم تمنح الميدالية إلا للأستاذ محمد عبد الوهاب والأستاذ أحمد سالم مدير شركة مصر للتمثيل والسينما. والميدالية عبارة عن قطعة معدن يقرب حجمها من عملة العشرة قروش، وقد رُسم رمز الجمعية، وهو قناع وشريط سينمائي على أحد وجهيها، وعبارة إهداء من الجمعية على الوجه الآخر.
وفي هذه الفترة عرضت الجمعية مسرحية «في سبيل الحقيقة» من تأليف «سليمان نجيب» في الاحتفال السنوي لـ«ملجأ الحرية» بالأوبرا الملكية، وقام بتمثيلها: عبد الوارث عسر، وداود عصمت، وأمين وهبة، ومحمد فاضل، وتوفيق المردنلي، والسيدات: روحية خالد، وشورى نور الدين أو أمينة نور الدين، وماري كفوري، وغيرهن. وشارك «محمد عبد الوهاب» بالغناء في هذه الحفلة، الذي حضرها مندوب جلالة الملك «إسماعيل بك تيمور»، و«علي باشا ماهر»، و«حسن نشأت باشا». وفي يونية 1938 مثلت الجمعية مسرحية «إلى الأبد» بالأوبرا في الحفلة السنوية لجمعية منع المسكرات التي يرعاها الأمير «عمر طوسون».
والجدير بالذكر إن الجمعية قدمت مجموعة من المحاضرات – قبل الاحتفال بيوبيلها – منها على سبيل المثال محاضرة «محمد عبد السميع غرس الدين» عضو الجمعية وعنوانها «الفيلم الملون»، تناول فيها البحث عن تاريخ الأفلام الملونة ونبذة عنها. هذا بالإضافة إلى محاضرة عبد الوارث عسر تحت عنوان «فن الإلقاء العربي»، ولخصتها جريدة «البلاغ» يوم 23 فبراير تحت عنوان «محاضرة فنية بجمعية أنصار التمثيل والسينما»، قالت فيها: 
بدأ المحاضر بمقدمة عن أهمية الصوت كعامل من عوامل التعبير، وقال إنه يعتقد أنه يفوق النظر في الأهمية وضرب مثلاً على ذلك بالفارق بين تأثرنا بالسينما الصامتة وتأثرنا بالسينما الناطقة، أما المسرح فالصوت هو الركن الأهم من أركان التعبير؛ لأنه إذا جاز الاعتماد في السينما على التعبير بالعيون والملامح فذلك ممتنع في المسرح لبعد المسافة بين الممثل والنظارة، ولذلك كان الاعتماد هنا على الصوت أولاً والهيئة العامة ثانياً. ثم تكلم عن كيفية التعبير بالصوت وقال إن ذلك يكون بالتنغيم والتراوح بين طرفي الارتفاع والانخفاض والانحباس والانطلاق وأنه يجب تمرين الصوت وتقويته، ليكون قادراً على التنغيم والتراوح ولننفي عنه ما عسى أن يكون عالقاً به من أثر الطفولة ومن أثر جهل الآباء والأمهات. وذكر المحاضر إن الطبيعة هي المعلم الأول للصوت وأن الرضيع يعطينا ألواناً من صوته نفهم منها ما يعنيه، وأنه لا حاجة بنا إلى العلم إلا بمقدار ما نسبغ على الطبيعة من بعض الرتوش إنما هو الفن. ثم تكلم عن اختلاف الأصوات في الإلقاء باختلاف اللغات فقال إنه خلاف بسيط في جوهره ولكنه عظيم الخطر في أثره. ثم سار في محاضرته شارحاً الأجزاء التي تشترك في إحداث الصوت وقد قسمها إلى ثلاثة أقسام: مخزن الهواء في الخاصرتين مشتركاً مع الرئتين اللتين هما بمثابة المنفاخ، والحنجرة بما فيها من الأعصاب الصوتية بعد أن عرض تشريحاً مختصراً لها، ثم الفم ومحتوياته: اللسان والأسنان والفكان والشفتان. وقال إن الطريقة المثلى هي تقوية هذه الأجزاء على نمط علمي منظم. وأخذ يشرح الطريقة لتقوية هذه الأجزاء فذكر سبعة تمارين للتنفس لتقوية الخاصرتين والرئتين، ثم تكلم عن معادن الصوت، وشرح ما يصلح له من الأدوار التمثيلية التي تصلح لكل معدن من هذه المعادن. ثم تكلم عن مناطق الصوت الثلاث وهي منطقة الحنجرة ومنطقة الرأس وشرح ما يليق لكل منطقة من أنواع الحديث، وتكلم عن السلم الموسيقي ووجوب تمرين الصوت على التنقل في درجاته جميعاً وما يجب عمله لتقوية الحنجرة ولإدماج المناطق الصوتية. ثم انتقل إلى القسم الثالث وهو الفم وشرح عمل اللسان والفكين والشفتين في تكييف الأصوات وذكر أن علماء الصوت وضعوا تمارين لرياضة اللسان وأنه لم يعثر على مثلها لرياضة الفك الأسفل والشفتين وأنه يرى وجوب وضع تمارين لهما، وقال إنه ربما وفق لوضعها في المستقبل».
ومن الأنشطة البارزة للجمعية في هذا العام احتفالها بأعضاء فرقة الكوميدي فرنسيز، التي عرضت مجموعة من عروضها في الأوبرا الملكية، فأقام «زكي طليمات» حفلة غذاء في منزله والطعام كان «كوارع»!! وأقام أعضاء الجمعية حفلة أخرى لأعضاء الفرقة في فندق الكونتيننتال. وألقى في هذه الحفلة «سليمان نجيب» كلمة باللغة الفرنسية، نشرت جريدة «البلاغ» ترجمتها يوم 30 يناير 1938، قائلة: ننشر فيما يلي ترجمة الكلمة التي ألقاها بالفرنسية الأستاذ سليمان نجيب في حفلة تكريم جمعية أنصار التمثيل والسينما لممثلي الكوميدي فرانسيز في فندق الكونتننتال يوم الأربعاء الماضي وهي: 
«سيداتي وسادتي، فخر عظيم أن أقف ممثلاً إخواني الهواة أعضاء جمعية أنصار التمثيل والسينما شاكراً أساتذة الفن وأبطال المسرح وأعضاء فرقة الكوميدي فرانسيز، وعلى رأسهم الأستاذ القدير المسيو «دني دنيس» بقبولهم دعوتنا. وإننا اجتمعنا اليوم محترفين وهواة للاحتفال بأساتذة المسرح الفرنسي، فإننا نربط حلقة جديدة من سلسلة الاتصال بالثقافة الفرنسية التي تربط البلدين منذ القدم، ونشعر بها في كثير من نواحينا الاجتماعية والفنية. هذه هي المرة الثانية التي يتذوق فيها الجمهور المصري جمال المسرح والتمثيل على يد فريق الكوميدي، الذي شاهدنا منه عجباً واتقاناً على مسرح دار الأوبرا الملكية، وإني لا أغالي أيها السادة إذا صارحتكم بأمنية تجول في خواطرنا جميعاً نحن المصريين، ذلك أن تتفضلوا دائماً كلما سمح لكم وقتكم بزيارتنا ضيوفاً أعزاء تجودون علينا وعلى جمهورنا بما حباكم الله به من فن غال وقدرة وكفاءة، وأنتم تعلمون أن في هذا تحقيقاً لمبدئنا الوطني القديم «أحرار في بلادنا كرماء لضيوفنا». وفي وسعي أن أذكر لكم أننا سنذكر عام 1938 بكل خير وذكرى طيبة ففيه احتفلنا بكم يا قادة المسرح وأساتذته، وفيه سنحتفل بعد شهرين بيوبيلنا الفضي كجمعية هاوية فنية جاهدت منذ ربع قرن في سبيل هذا الفن الغالي، الذي اجتمعنا الليلة لتكريمه في شخصكم. فأنا لا أنسى حديث الأستاذ ألكساندر معي منذ عامين عن الكوميدي فرانسيز، وأنها الأمل الدائم الباقي لعشاق المسرح أمام تيار السينما إذ قال لي: «وإذا أفني العالم فستبقى الكعبة في مكة، والفاتيكان في روما، وبيت موليير أو الكوميدي فرانسيز بباريس». ولا يمكن أبداً تصوير مجد الكوميدي فرانسيز ولا ثباتها بأدق مما نطق به الأستاذ ألكساندر ولهذا نحن نكرمكم أيها السادة فأهلاً وسهلاً «.
رعاية ملكية مستمرة
ظلت علاقة جمعية أنصار التمثيل والسينما بالملك والقصر علاقة قوية، وربما غير مسبوقة، لا سيما بعد أن أصبحت الجمعية تحت رعاية الملك، وكون رئيسها الفخري هو «أحمد حسنين باشا» الأمين الأول لجلالة الملك. وظهرت قوة هذه العلاقة في إحياء الجمعية لأغلب حفلات الملك، والمؤتمرات الدولية التي أقامها الملك في قصره! ومنها على سبيل المثال مسرحية «الزوج الكامل»، التي عرضتها الجمعية أمام أعضاء المؤتمر الدولي لقانون العقوبات بقصر عابدين، ومثلها سليمان نجيب، ومحمد عبد القدوس، وعبد الوارث عسر، وتوفيق المردنلى، ودولت أبيض، وروحية خالد، وكوثر فريد. ومسرحية «الكونتراتات» التي عرضتها الجمعية أمام أعضاء مؤتمر القطن الدولي، والتي ألفها خصيصاً لهذه المناسبة سليمان نجيب وعبد الوارث عسر. ومسرحية «الحلاق الفيلسوف» التي عرضتها الجمعية أمام أعضاء المؤتمر الدولي للإذاعة اللاسلكية، وهذه الحفلات حضرها الملك. أما أهم مناسبة فكانت تمثيل الجمعية لأحد فصول مسرحية «مصرع كليوباترا» لأحمد شوقي في حفلات زواج الملك فاروق، وقامت «فاطمة رشدي» بدور كليوباترا، و«سليمان نجيب» بدور أنطوان .. هكذا علمنا من جريدة «البلاغ» ومجلة «الصباح».
وفي أكتوبر 1938 أحيت الجمعية حفلة جمعية المواساة الإسلامية السنوية بمسرح الهمبرا بالإسكندرية، وحضرها الملك، وكتب «أنور عبد الملك» مقالة عنها في جريدة «البلاغ» عنوانها «صاحب الجلالة الملك في حملة المواساة الإسلامية وعطف ملكي كريم على أعضاء جمعية أنصار التمثيل والسينما». ومما جاء في هذه المقالة:  
يوم جديد يُخلد في تاريخ الفن، هذا اليوم هو يوم الخميس الماضي الذي أقامت فيه جمعية المواساة الإسلامية بالإسكندرية حفلتها التمثيلية السنوية، والتي عهدت إلى جمعية أنصار التمثيل والسينما بإقامة الحفلة على مسرح الهمبرا الذي ظهر في أبهى مظاهره استعداداً لتشريف صاحب الجلالة الملك الذي أبت أفضاله على أهل الخير وخدام الفن أن تقف عند حد. وقد ازدحم المسرح بمن حشد من الناس .. وقد حيا جلالته الحاضرين برفع يده الكريمة ثلاث مرات ثم أذن لهم بالجلوس فجلسوا. ومثلت جمعية أنصار التمثيل والسينما رواية «في سبيل الحقيقة» التي اقتبسها عن اللغة الإنجليزية الأستاذ سليمان نجيب. وهذه الرواية من ثلاثة فصول، ويدور موضوعها حول «بديع» وهو شاب من حملة الشهادات العالية، يشتغل في مكتب خاله حسن بك وهو أحد رجال المال في الإسكندرية ويحب ابنة خاله زينب التي أغراها الدكتور محجوب على أن تتطوع لجمع اكتتاب لملجأ أبناء السبيل، وقد قصدت الفتاة إلى والدها فلم يعطها إلا مائة جنيه؛ ولكنه وعدها بأن يقدم لها مائتي جنيه إذا استطاعت في خلال أسبوع أن تجمع من صديقاتها مائة جنيه أخرى، وقد لجأت الفتاة إلى حبيبها وخطيبها بديع الذي لم يكن في استطاعته مساعدتها؛ ولكنه وعدها بجمع المبلغ متورطاً رغبة منه في إرضائها. دارت بينه وبين خاله حسن بك ومساعديه في العمل محاورة عن الصدق والكذب حاولوا فيها إقناعه بأن الصدق لا يصلح للأعمال المالية، ولكنه تمسك بنظرياته التي تلقاها في أثناء دراسته، وأدى ذلك إلى حدوث مراهنة طريفة بين الطرفين على مبلغ قدره 100 جنيه يربحها بديع إذا لم يذكر غير الصدق لمدة 24 ساعة متتالية. وقد رأى هو أن الفرصة سانحة أمامه لإرضاء حبيبته فقبل الصفقة وبسبب تمسك بديع بالحقيقة يكاد منزل حسن بك يتهدم لأن بديع يتورط في ذكر الأمور التي يجب أن تظل أسراراً خافية، ويظل بديع محافظاً على ثباته بالرغم من المواقف المحرجة التي يتعرض لها، ولا يجد عليه حسن بك ومساعده كذبة واحدة. وفي النهاية يمضي الوقت المحدد فيربح الرهان ويقدم المبلغ إلى حبيبته ثم يسرع إلى إصلاح ما أفسده عليه تمسكه بالصدق بمجموعة ضخمة من الأكاذيب المتوالية. وقد اشترك في تمثيل المسرحية: سليمان نجيب، وعقيلة راتب، وتوفيق المردنلي، وعبد الوارث عسر، ومحمد فاضل، وأمين وهبة، وراغب رزق الله، وفردوس محمد، وزينات صدقي، وآمال زايد، ونينا زكي. وقد شاهد صاحب الجلالة الملك الرواية من أولها إلى آخرها وظهر عليه الاهتمام بمتابعة وقائعها وقد سر كثيراً من بعض مواقفها الفكاهية. وتفضل جلالته فأعرب عن رغبته في مقابلة ممثلي الرواية فقصدوا إلى مقصورته وقد امتلأت نفوسهم غبطة وسروراً وتقدمهم الأستاذ سليمان نجيب الذي تولى تقديمهم إلى جلالته فصافحهم جلالته واحداً واحداً بيده الكريمة وسمح للسيدة «عقيلة راتب» بطلة الرواية بتقبيلها. وقد نطق جلالته نطقاً سامياً إذ قال: «إنكم في كل سنة أحسن منكم في السنة التي قبلها، وإني أكاد أقول إنه لا يوجد أحسن من ذلك».
وآخر نشاط مسرحي قدمته الجمعية – في عام يوبيلها الفضي – كان في ديسمبر 1938، عندما أحيت حفلة الجمعية الخيرية الإسلامية بعرض مسرحيتين: الأولي «667 زيتون» في الماتنيه على مسرح حديقة الأزبكية، والأخرى «أخيراً تزوجت» في السواريه على خشبة دار الأوبرا الملكية، وقد حضرها الملك. وقامت بالأدوار النسائية زينب صدقي، ونجمة إبراهيم، وروحية خالد. وبقية الأدوار قام بها: سليمان نجيب، وتوفيق المردنلي، ومحمد توفيق، وعبد القادر المسيري، وعلي عبد القادر، وعبد الحميد زكي، كما ذكرت لنا مجلة «الاثنين والدنيا».


سيد علي إسماعيل