المسرح النسائي في مصر

المسرح النسائي  في مصر

العدد 783 صدر بتاريخ 29أغسطس2022

شهدت الحركة الفنية المصرية خلال الخمسين عاما الماضية ظهور مجموعة من الأسماء النسائية، التي أسهمت بشكل واضح في تطوير الحركة المسرحية، يأتي في مقدمة هذه الأسماء الكاتبة الراحلة فتحية العسال.
ومسرح فتحية العسال هو مسرح نسوي بامتياز، ظهر ذلك من خلال مجموعة من المسرحيات التي كتبتها عن وضعية المرأة في المجتمع ومنها مسرحية “ليلة الحنة”، والتي قدمت فيها نقدا للموروث الشعبي والتقاليد التي تهمش دور المرأة في المجتمع وتجعلها تابعة للرجل.
كذلك وجدنا أفقا آخر للتمرد في مسرحية “من غير كلام”، والتي قدمت على مسرح الغد، وقام ببطولتها الفنانة عزة بلبع والفنان أيمن عزب وأخرجها ناصر عبدالمنعم.
وكانت “العسال” تؤكد دائما على قدرة النساء على تجاوز الأزمات المجتمعية اللاتي يعانين منها، وبقدرتهن أيضا على التغيير.
وقد ظهرت مع بداية تسعينيات القرن الماضي مجموعة من المخرجات المسرحيات اللاتي كون عددا من الفرق المسرحية المستقلة والتي تقدم خطابا مسرحيا يهتم بقضايا المرأة.
 وقد شارك عدد من المخرجات المسرحيات المميزات في حركة المسرح المستقل مثل عبير علي ونورا أمين وعفت يحيي وغيرهن، وكونت هؤلاء المخرجات مجموعة من الفرق التي أسهمت بشكل واضح، في تطوير التجربة المسرحية خلال الثلاثين عاما الماضية،بل إن بعض هذه الفرق تخصص في تقديم العروض التي تناقش قضايا نسوية اجتماعية وسياسية مثل فرقة “القافلة” التي اهتمت بمسرح المرأة، وقد بدأ نشاطها عام 1992، وكان أول عرض لها نصا عن حياة الكاتبة المشهورة “فرجينيا وولف” ترجمته الناقدة سناء صليحة، تأكيدا على الفكرة التي دعت إلي تأسيسها وهي طرح أهم مشاكل وقضايا المرأة في محاولة للبحث عن هوية غير مقولبة من خلال استخدام لغة مسرحية.
وقد تم عرض هذا العمل على خشبة المسرح القومي بقاعة عبدالرحيم الزرقاني، وكان وراء هذا العرض الفنان محمود الحديني الذي وقف مشجعا للتجربة التي قام بها مجموعة من الشباب حديثي التخرج.
ثم انضمت الفرقة لحركة “المسرح الحر” والتي شجعها عدد من النقاد، منهم د. نهاد صليحة ومنحة البطراوي، وقد تم إقامة أربعة مهرجانات تحت هذا المسمى بداية من عام 1991 وحتى 1994، بتمويل ذاتي، إذ أن هذا المهرجان لا يتبع أي مؤسسة ثقافية رسمية.
وقد اشتركت فرقة القافلة في المهرجان الثالث بعرض “استكتشات حياتية” من خلال نص مسرحي مبني على الارتجالات لمناقشة العلاقة بين الرجل والمرأة وتأثرها بالتقاليد الموروث الشعبي.
وقد قام بالتمثيل في هذه المسرحية الفنانون مصطفى شعبان وخالد أبو النجا وعبير الشرقاوي وعايدة الأيوبي وأريج إبراهيم وخالد الجيوشي ورشا أبو الريش ومنحة الزيتون وأحمد فؤاد ومحي العربي ونورا أمين وهايدي عبد الغني، وقد تم عرضها على مسرح الهناجر.
وهذا العرض تم صياغته على يد مجموعة من الكتاب منهم سعيد حجاج وطارق سعيد وعفت يحيى وهو عبارة عن مشاهد منفصلة مرتبطة بمشهد أولي تجلس فيه البطلة على الكرسي مربوطة ولا ينفك قيدها إلا بنهاية المسرحية، وقد استفاد العرض من المسرح الحركي والمسرح الغنائي والمسرح الواقعي والمسرح التعبيري، بما حمله من مشاهد رمزية تعبر عن القهر الذي تعيشه المرأة في ظل مجتمع ينوء بإرث ذكوري، من خلال تداعيات امرأة واحدة.
 وقد سبق ذلك بفترة قصيرة تجربة للمخرجة عزة الحسيني  من خلال فرقة الغجر المسرحية، والتي بدأت  نشاطها عام 1991 مع بداية المهرجان الأول للفرق الحرة، حيث قدمت مؤسسة الفرقة عزة الحسيني ورقة بمشروع فني يهتم بطرح الموضوعات المجهولة أو المجهلة لأسباب اجتماعية ووضعها تحت بؤرة الضوء لاكتشافها وعرضها بمواجهة صادقة مع النفس الآخر، ولكن رغم وجود الفكرة إلا أنها لم تأخذ طريقها إلى النور إلا في عام 1994.
ثم تم تقديم عدة عروض منها مسرحية “المدينة” تأليف لولا آناغنوستاكي، وتدور حول أزمة الإنسان المعاصر في ظل تطور المدينة وضياع ذكرياته.
وجاء عرض “أريد أن أقتل” تأليف توفيق الحكيم ليصور ثورة الفتاة على الإطار التقليدي الذي يضعها فيه المجتمع، وهو نص كتبه الحكيم للرد على من اتهمه بالعداء للمرأة، وقد تم تقديمه بتمويل ذاتي، وقد اشتركت به الفرقة في المهرجان المستقل الأول للكوميديا في المركز الثقافي الروسي، ومهرجان جدايل/ شهرازاد الأولى في بيت زينب خاتون بدعم من صندوق التنمية الثقافية.
وجاء عرض “ليلة القتلة” تأليف الكاتب الكوبي خوزيه تريانا وإخراج عزة الحسيني، ليناقش أزمة الأولاد في ظل مجتمع مغلق ورغبتهم في الخروج من دائرة السجن النفسي، والذي يلعب فقيه الإعلام المشوش دورا كبيرا وكذلك مناقشة فكرة العنف المصدر إلينا من الخارج والذي ينتج عنفا موازيا أشد ضراوة.
 وتعد تجربة المخرجة عبير علي من أهم التجارب في هذا الاتجاه، فهي الأكثر استمرارية، والأكثر تجديدا في الرؤية من خلال فرقتها “المسحراتي”
وتتباين عروض الفرقة بين الدراما المفتوحة ذات الموضوع الواحد، وفكرة “السهراية” متعددة الروافد والمعتمدة ـ أساسا ـ على الحكي متعدد الموضوعات.
ومن هنا انطلقت الفرقة في البحث عن خصوصية لمسرح مصري يعبر عن الإنسان البسيط بأدوات تعبير محلية وهذا المفهوم ـ على حد تعبير عبير علي ـ ليس من منطلق قبلي ولكن حرصا من الفرقة على أن تكون تجربتها إضافة للتجربة الإنسانية بخصوصيتها وليس حذفا منها بالتقليد، وقد اعتمدت الفرقة في تحقيق هذه الفكرة على عدة أمور منها: أن يكون موضوع العرض من الموضوعات الملحة في الشارع المصري كفكرة ثم تبدأ في عمل “ورشة” لكتابة هذه الفكرة من خلال البحث عن النصوص المسرحية والأعمال الأدبية والشعرية التي تناقش تلك المواضيع مع جمع مادة حية من حكاوي البيوت المصرية والشوارع ويصاغ ذلك عبر الورشة ليخرج في النهاية النص المسرحي، هذا من ناحية المضمون.
أما على مستوى الشكل والتقنية فقد اعتمدت الفرقة في تطوير تقنياتها على البحث والتنقيب في مراجع الفولكلور وعلم الاجتماع والجمع الميداني من على جدران المعابد والمتاحف وألوان الموسيقى والغناء الشعبي والحكم والأمثال، ورسومات الأطفال والملابس والإشارات والإيماءات وغيرها من أشكال التعبير المختلفة والخاصة جدا حتى يخرج العرض المسرحي ـ بمصرية خالصة ـ عن الإنسان والمكان والزمان.
والفرقة بذلك تجرب وتطور في أشكال الفرجة من حكي من خلال عروض تحمل مفاهيم متعددة للفضفضة كالسهراية والاسكتشات واستخدام الأراجوز وخيال الظل وعرائس الماريونيت في محاولة جادة لإثراء اللوحة البصرية عن طريق الإبهار والانتقال من حالة مسرحية إلى حالة أخرى في مشهد واحد.
 ومن الفنانات والمخرجات الدارسات والمشاركات في ورش مسرحية عالمية نورا أمين  التي كانت بدايتها كانت مع الإبداع القصصي والروائي وحققت فيهما نجاحات ملحوظة، فكانت من أبرز كتاب جيل التسعينيات في القصة المصرية، لكنها انتقلت فجأة إلى المسرح لتنشئ فرقة مسرحية خاصة بها، إنها المبدعة نورا أمين صاحبة الرواية البديعة «الوفاة الثانية لرجل الساعات»، والتي كانت آخر أعمالها، والتي كتبتها عام 2000، لتتوقف ـ تماما ـ عن الكتابة الروائية، بعد أن جذبتها أضواء المسرح.
وربما كانت البداية الحقيقية في اتجاه «نورا أمين» إلى المسرح مع صدور كتابها النقدي «فن المطالبة بالحق، المسرح وحقوق الإنسان»، والذي صدر عن مركز القاهرة لحقوق الإنسان عام 2002 بتشجيع من الشاعر الراحل حلمي سالم حين كان مشرفا على النشر في المركز، واستحدث سلسلة عن الآداب والفنون التي اهتمت بفكرة الحرية الإنسانية، فكان الكتاب حاملا لدلالات متعددة، حيث رصدت فيه «نورا» تاريخ المسرح المصري من هذه الزاوية، وإن كان اهتمامها الأساسي جاء منصبا على بعض تجارب الفرق المسرحية الشابة، خاصة فرقة «الشظية والاقتراب» والتي أسسها المخرجان المسرحيان هاني المتناوي ومحمد أبو السعود عام 1990، واستعرضت نورا مجموعة من عروض الفرقة الأولى ومنها عرض «دير جبل الطير»، والذي تعرض للمصادرة، حيث تم استبعاده من العرض ووفي تمثيل كلية الآداب بجامعة القاهرة في مهرجان المسرح، الذي تقيمه الجامعة ليحل محله عرض مسرحي آخر، ثم كان عرض الفرقة الثاني «بريسكا»، وهو عبارة عن بروفة لإعادة الكتابة الكلاسيكية لمسرحية «أهل الكهف» لتوفيق الحكيم بشكل مرتجل مضفرة بنص شعري لأحمد يماني، وقد تعرض العرض للمصادرة أيضا حيث كاد يمنع من العرض في مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي، بعد أن طالبت «الرقابة على المصنفات الفنية» بحذف وتعديل النص المعد للعرض، وقد تغلبت الفرقة على ذلك بفتحها باب المسرح للجمهور لمشاهدة العرض أثناء البروفة.
بعد ذلك فكرت «نورا» في تكوين فرقة مسرحية تحمل توجهاتها الفنية فجاء تأسيسها لفرقة «لاموزيكا»، والتي أرادت من خلالها الاهتمام بفكرة التدريب والارتجال، الذي يثمر تكوين نص مسرحي لا يعتمد على الجاهزية، وعن ذلك تقول نورا: «اهتممت بفكرة التدريب والارتجال من داخل الأسلوب الذي أريد أن أقدمه، اقتربت من نصوص غير جاهزة، تخرج من الممثلين بطريقة مباشرة، وتكون ذات علاقة مباشرة بتجاربهم الشخصية، كان هذا مختلفا على مستوى المحتوى والأداء التمثيلي».


عيد عبد الحليم