مصير صرصار صراع الرغبات وتفسيرات الفهم الخاطيء عن المرأة والرجل

مصير صرصار صراع الرغبات وتفسيرات الفهم الخاطيء عن المرأة والرجل

العدد 542 صدر بتاريخ 15يناير2018

ضمن فعاليات الدورة الثانية والعشرين للمهرجان الطلابي للمسرج بجامعة طنطا، قدمت كلية طب الأسنان عرضا لنص توفيق الحكيم “مصير صرصار” من إخراج ياسر مرعي،الحقيقة، إنني من خلال مشاهداتي المتعددة للمسرح الجامعي، لاحظنا أن هناك فارقا بين العروض التي تقدمها الكليات العملية ومنها طب الأسنان، وبين الكليات النظرية، صحيح أن هذا مبحث ليس هنا بمكانه، ولكننا فقط نود الإشارة لأن طلبة الكليات العلمية لديها الحس والمعرفة أن هناك شروطا يجب أن تتوافر مقدما حتى تتمكن من إجراء تجربة؛ بصرف النظر عن نجاحها أو عدمه. الحقيقة، إننا أمام نص عرض لم يقدر أن ينزع التفسيرات المتعددة التي كانت لنص الحكيم رغم الحذف الذي تم على النص من قبل المخرج، كما أن الواقع المعيش داخليا وخارجيا ألقى بتفسير وموقف له ومنه.
النص يتحدث عن عادل وزوجته سامية، والشجار اليومي لمن يكون الأول في الدخول للحمام في الصباح، وطبعا تربح سامية لتدخل الحمام ولكنها تجد في البانيو صرصورا؛ فتصرخ ويدخل عادل ليجد الصرصور وهو يحاول الهروب من البالعوة وتسلق الجدران الملساء، ولكنه يسقط مرارا وتكرارا، ويعحب عادل لعدم يأس الصرصور أو استسلامه، ويقضي الوقت معه ولا يذهب للعمل، قبلا رأينا ملك الصراصير وهو في مملكته داخل شق الحمام، مع حوار بيته وزوجته ووزيره والعالم والكاهن، وطبعا كان هناك حوار مفاده أنه ملك على هذه المجموعة والبقية لا تهتم، ثم محاولة التأكيد الكاذب على أن الصراصير أفضل المخلوقات رغم أنها لا تجتمع مع بعضها إلا فيما ندر، حول قطعة من الطماطم مثلا، ثم المقارنة بينهم وبين النمل الذي سرعان ما يرى صرصورا منقلبا فوق ظهره ولا يستطيع الحركة، ساعتها يأتي إليه ويقتله ويحمله كادخار لغذائه، وتبيان أن النمل منظم ومجتمع بعكس الصراصير، ولكن في التقديم الأولي للعرض كعادة هذه الأيام؛ بأداء حركي، صور صرصور وصرصورة يتبادلان الغزل، والذكر يقدم الهدايا للأنثى، ولكنها ترمي الموزة بعيدا وتطلب منه أن يأتي بها إليها، فيذهب وينقلب ويأتيه النمل، وتخرج هي سالمة.
والصرصور المغرم هذا سندرك أنه ابن الوزير فيما بعد، وسنعرف أن الصرصور الواقع في البانيو ما هو إلا الملك - كانت هناك فكرة لم تكتمل من وراء هذا التدخل ربما - ففي المشهد السابق يدخل الوزير متجهما لأن ابنه قد وقع وأحاط به النمل، ويدخل الصراصير في جدال حول الحل ولكنهم لا يجتمعون، فيرى الملك أن يذهب طبقا لمشورة العالم ليرى هذا الحوض الذي يمتلئ بالماء صباحا/ البانيو، وتكون هناك دعوى تحريضية ضد الملك الزوج من الملكة للوزير محاولة الانقلاب على الملك لا مساعدته، ولكن فجأة يطل العالم من الشق ويصرخ بأن الملك قد وقع،
ويستمر العرض لنرى الطبيب الذي أرسلته الشركة ليعود عادل الذي أبلغ أنه مريض، ويرى حالة اهتمامه بالصرصور، ويدخل في حوار يحاول أن يسقط بعضا من علم النفس بأن عادل يرى نفسه معادلا للصرصور وعلى الزوجة أن تهتم بزوجها وتحاول أن تبين له أهميته، وهذا يتم بشكل فج يجعل عادل يفطن للأمر، فيشرح الأمر لطبيب، بأنه صحيح يسمع كلام، ولكن ليس ضعفا وإنما لإشعار الزوجة بأهميتها وحبه لها، وينجح في أخذ الطبيب لصفه إعجابا بمحاولات الصرصور، ولكن الشغالة تدخل الحمام وتقتل الصرصور، ساعتها يغضب عادل ويعقد مقارنة سريعة في رأسه، ثم يخرج المسدس ويطلق النار على نفسه، وقبلها يطلب من الشغالة أن تأتي وتلقي به في القمامة.
هذا هو نص العرض لا نص الحكيم، في نص الحكيم لا يوجد طلق ناري، وإنما النمل وهو يحمل الصرصور وينظر إليه عادل والطبيب ويتحدثان عن تنظيم النمل والقدرة، سرعات ما تأتي الشغالة بالماء والممسحة لتزيل النمل كله، ثم الأوامر التي تأتي من الزوجة ليفعل أشياء بما أنه الطبيب قد منحه إجازة يوما، ليصرخ عادل في الشغالة أن تأتي بالجردل والمساحة لتزيله من الوجود، كما أن الراديو عند الحكيم كان يصرح بأخبار عن ثورة الزنوج.. إلخ، وتعقيب عادل مستنكرا تأخر الثورة، ثم الأغنية ومقطع (وما نيل المطالب بالتمني) وما حدث بعدها. إلخ.
وقد أطلنا على غير عادتنا في تبيان نص العرض نظرا لعدم تواتر النص في المسرح المصري الآن، ويقدم نادرا جدا، لذا ربما لا يعرفه الكثيرون.
سنجد أن نص العرض يقول أولا إن المرأة شريرة وتقتل الرجل طبقا لرغبات بسيطة، هذا ما جاء في المشهد الافتتاحي، ولكنه مشهد يخرج عن توجهات الحكيم وعن متطلبات العرض، حتى لو كان لوضع بسمة أولية.
ونص العرض على حاله يحمل التفسيرات الكثيرة التي وضعت على نص الحكيم، وكيف أنه نص ينتمي لفلسفة العبث، فالكائن لا يقرر مصيره، وهو في قبضة قوى متحكمة ليس لها منطق أو تبرير، ويحاول البعض مزج هذه العبثية مع إتيان الحكيم بصورة أخرى من التراجيديا، وهي الدأب على المقاومة والمحاولة رغم المعرفة المسبقة بأنه لا مهرب، وفي النهاية يكون المصير المحتوم، ولكنها هنا تراجيديا العالم وليست تراجيدا الملوك والنبلاء وأنصاف الآلهة.
كما يمكنك عقد مقارنة بين الكائنات التي تجتمع مع جنسها والتي لا تجتمع، وكان يمكن للمخرج التأكيد على هذا مع الإشارة للواقع العربي من جهة والواقع العربي الصهيوني من جهة أخرى.
ولكن المخرج لم يختر أن يؤكد شيئا من القضايا الكبرى المثارة سواء كانت قضايا كونية فلسفية أو قضايا سياسية أو اجتماعية مثل الفهم الخاطئي من المرأة للرجل، واختار أن يؤكد فقط على وجهة نظره التي تساوي بين فرد اليوم والصرصور، خاصة في عملية الانتحار التي أتى بها بعد مقتل الصرصور، ولكن هذا التأكيد لم يكن له ما يبرره على المستوى العام للنص، فنحن أمام أسرة غير منسحقة وتملك رفاهية أن يكون لديها خادمة، كما أن عادل لا يشكو من فاقة ويعمل بشركة - كما أورد - ترسل له طبيبا بمجرد علمها بمرضه، الشيء المنغص الوحيد هو علاقته بزوجته، ولكنه عرف أنها تحبه من خلال تنفيذها لأوامر الطبيب ولم تفعل مثل المشهد الافتتاحي، فهل يرى المخرج أن مجرد عدم التوافق الظاهري مبرر لهذا الانسحاق؟
ولكنه مع عدم تأكيده لم يقم بعملية النفي لكل ما ورد وهذا ما سمح للعرض أن يخرج للجانب الجيد من حيث التلقي العام، حيث الأمور من الممكن أن تكون مفتوحة على كل التأويلات للبعض، والبعض الآخر سيسير وراء الطابع الكوميدي للحالة أو الموقف الذي استجوب طبيعة أداء تتعارض قليلا مع لو كان المخرج يريد أن يؤكد، وتتماس كلية في محاولة سعيه للإضحاك فقط، وهذا كان اختياره.
ساعده على الوصول لمرحلة الجودة أن تدخله كان في الغالب بالحذف، فلم يكن هناك تضارب في المستوى العام للغة الحدث، كما أن اختياره لممثليه كان موفقا خاصة الممثلة يمنى ماهر التي قامت بدور الزوجة، وهي ممثلة من العيار الثقيل قادرة على التحكم في الإيقاع العام للحدث من حولها، بدون افتعال وسيكون لها شأن لو سارت في اتجاه للفن نظرا لطبيعة تكوينها وموهبتها، وكان يشارك معها في الأداء الذي اقترب كثيرا من الجودة الممثل هاني نسيم في دور عادل والممثل يحيى حاتم الذي قام بدور الطبيب والممثلة آلاء يسري في دور الشغالة، ولا يمكن أن نغفل أن من قام بالأدوار في مملكة الصراصير كانوا جيدين؛ نظرا لأن مشهدهم كان المشهد الأول، وهم معتصم الطحاوي/ الملك، وآلاء الشناوي/ الملكة، وأحمد طلال/ الوزير، ومحمد شكر/ الكاهن؛ وهاجر زكريا وإسراء أشرف،
أما نوررهان بدري التي قامت بدور الصرصورة في المشهد الافتتاحي فمن الواضح أنها تملك إمكانات تمثيلية جيدة ولا أعرف لماذا لم تستغل أكثر من هذا.
أما الشيء الذي تجدر الإشادة به هو خيال مصمم الملابس ومنفذها الذي لا يوجد له اسم على مطبوع العرض، وربما كان هو مصمم الديكور مصطفى محمود، فهو قد أعمل خياله طبقا لإمكاناته، فهناك ملابس يجب أن تكون لمملكة الصراصير ومجموعة النمل تخبر عن طبيعتها ووظيفتها ولا تعوق الحركة، فكان الحل العبقري بالاستعانة بالبلاستيك الأسود المستعمل في أكياس القمامة ليكون الخامة، ولم يقف الأمر عند الاختيار بل التنفيذ أيضا كان طبقا للحالة فهناك تفصيلات تفرق بين أفراد المملكة من حيث الاهتمام والمكانة، فلو كانت الخامة ستثير فيك بعضا من تداعيات فليكن، ولكنها نفذت بطريقة جيدة تجعل تداعياتك تقف لتشاهد الحالة وتقتنع بها، والأمر ينطبق أيضا على مجموعة النمل وإكسسواراتها التي جاءت على شكل الأنسنة، ويا حبذا لو كان هذا الفارق قد استغل في العملية الإخراجية لربما كان العرض خرج من الجيد للامتياز.
عموما هو عرض كما قلت سابقا احتمل على العناصر اللازمة للدخول في التجربة فكانت المواد الأولية من نص وممثلين جيدة أو مقبول التعامل معها للدخول في التجربة، صحيح أن العناصر المساعدة من ديكور وتأكيدات على الأثر المرجو المحدد سلفا لم تكن بنفس القدر، وإنما حاول المخرج بوصفه القائم بالتجربة أن تكون التجربة ليست للوصول لشي محدد سلفا وإنما للوصول لكل التفاعلات والنتائج الممكنة من عملية المزج هذه، وربما بعدما عرف أين الاتجاهات تكون تجربته الآتية أكثر تحديدا وبالتالي أكثر نجاحا وهذا من خلال التأكيد على وجهة نظر محددة وغير متضاربة حتى وإن أثارت خلافا في التأويل الفردي، ولكن التأويل العام سيكون متفقا عليه لحد كبير.


مجدى الحمزاوى

mr.magdyelhamzawy@gmail.com‏