العدد 955 صدر بتاريخ 15ديسمبر2025
كتبنا أكثر من مرة فى هذا الموضع عن المسرح الصينى والحركة المسرحية مزدهرة التى تشهدها الصين. وهنا يثور سؤال مهم.. وماذا عن المسرح فى جارتها تايوان؟
تتمتع تايوان باستقلال فعلى منذ أن لجأ إليها الكومينتانج المهزوم فى نهاية حربه الأهلية مع الحزب الشيوعي. وتطالب الصين بالسيادة على تايوان ولم تستبعد قط استخدام القوة لضمها إلى سيادتها.
وتعتبر تايوان (36 ألف كيلومتر مربع) نفسها رسميا جزءا من الوطن الأم الصين (9,6 مليون كيلومتر مربع). وتؤكد أنها تتطلع للعودة إلى أحضان الوطن الأم. لكنها ترى أن الوقت المناسب لم يحن بعد لهذه العودة طالما أن النظام الشيوعى لا يزال يحكم هذا الوطن.
جولة أوروبية
وهذا هو موضوع المسرحية التايوانية “أنها ليست سفارة” التى بدأت جولة أوروبية تطوف خلالها اكثر من دولة بعد أن عرضت فى تايوان لعدة شهور.
ومن المفارقات أن هذه المسرحية ولدت فى أوروبا على أيدي مجموعة من الكتاب المسرحيين السويسريين والتايوانيين. وكان عرضها الأول فى سويسرا ثم عرضت لعدة شهور فى تايوان ثم تبدأ جولة أوروبية.
ويقوم بدور البطولة فى هذه المسرحية الممثل التايوانى البارز “ديفيد وو”. وببساطة تؤكد المسرحية أن تايوان دولة مستقلة ذات سيادة ولن تكون جزءا من الصين أبدا. وتدخل المسرحية فى هذا الموضوع من باب العدد المحدود للدول التى تعترف بتايوان وتقيم علاقات دبلوماسية كاملة معها (12 دولة حاليا فقط ).
فى ذلك يقول “ديفيد وو” أنها محاولة مسرحية يعد الإقدام عليها نوعا من الجرأة إلى حد أنه وزملاءه كانوا يخافون أن يقتحم خشبة المسرح بعض أفراد الجمهور من أنصار العودة إلى الصين - أو من عملاء المخابرات الصينية ويحاولوا الاعتداء على الممثلين أو إتلاف ديكورات المسرحية. وربما كان الأمر أبسط من ذلك ويحتاج الأمر عدة رصاصات فقط يطلقها أحد المتفرجين من مقعده. وفى أبسط الأحوال قد ينسى الممثلون أدوارهم بسبب مخاوفهم من مخاطر عرض المسرحية. وكانت هناك مخاوف من ألا يحضر أحد من الجمهور العرض اصلا.
تساؤلات خطيرة
والسبب كما يقول “وو” أن المسرحية تثير عددا من التساؤلات الخطيرة التى من المؤكد أن تثير غضب الصين. ومع ذلك فقد اتفق مع زملائه على أنها مخاطرة تستحق أن يخوضوها.
وفى ذلك تقول الممثلة الناشطة التايوانية المعارضة لبكين “شياو كو” أنها خلال العرض كانت تتلعثم وتنسى دورها وتلجا إلى الملقن فى الكمبوشة.
وتقول أن هذه المخاوف كانت منذ البداية حيث شارك فى كتابة العرض عدد من كتاب المسرح التايوانيين مع عدد من كتاب المسرح السويسريين. كما عرضت المسرحية أولا فى سويسرا قبل أن تعرض فى تايوان نفسها لبعض الوقت بعد محاولات مضنية ثم تبدأ جولة أوروبية. ومن المقرر أن تطوف المسرحية دولا أخرى فى مختلف قارات العالم.
وتبتسم قائلة: إذا أرادت حكومة بكين الانتقام منها بسبب هذا العمل المسرحى الجرىء فهى لن نمانع شرط ألا يمتد الأذى إلى أسرتها.
3 شخصيات ونجاح كبير
وتدور المسرحية حول 3 شخصيات تايوانية مختلفة.. سفير متقاعد وشخص عمل مع منظمات دولية وموسيقار ينتمى إلى أسرة تعمل فى تجارة الشاى.
وينخرط الثلاثة فى مناقشات حول مواضيع ذات صلة منها انسحاب تايوان من الامم المتحدة عام 1971 ونظام شيانج كاى شيك الديكتاتورى الذى حكم تايوان بعد انفصالها عن الصين والجدل حول الاسم الرسمى لتايوان وهل يكون جمهورية الصين أو تايوان الصينيية خاصة بعد استبعادها من أى مسابقات أو منتديات تحمل فيها اسم جمهورية الصين.
وكانت المسرحية حققت نجاحا كبيرا عند عرضها فى تايوان وامتدحها النقاد بانها تعبر عن تنوع الاراء فى داخل المجتمع التايوانى خاصة فيما يتعلق بالجارة الكبرى الصين وتهديداتها لأسلوب الحياة الديمقراطى فى تايوان.
وفى يونيو الماضى، هددت بكين بفرض عقوبة الإعدام على من تعتبرهم من “المتشددين” فى تأييد استقلال تايوان وانفصالها. وردًا على ذلك، قال رئيس تايوان لاى تشينغ تى إن الصين لا تملك سلطة معاقبة شعب تايوان. وأضاف: “الديمقراطية ليست جريمة، الاستبداد هو الخطيئة”.
وسبق أن احتجت الصين على العرض الأول للمسرحية فى لوزان بسويسرا وتقدمت بشكوى رسمية إلى الخارجية السويسرية التى لم ترد على الاحتجاج بدورها وأكدت أن حرية التعبير بكافة أشكالها مكفولة فى هلفيتا وهو الاسم الرسمى لسويسرا.
وعلى العكس من هذا الموقف الذى ينتصر لحرية التعبير رفضت كل من سنغافورة ونيوزيلاندا واليابان السماح بعرض المسرحية ربما خضوعا لضغوط صينية.
وتم ايضا الغاء ندوة وعرض تجريبى للمسرحية فى مهرجان مسرحى فى ميونيخ فى 2023 دون ذكر اسباب لكن اصابع بكين كانت واضحة رغم احتجاج المخرج المسرحى الالمانى السويسرى ستيفن كايجى مخرج العرض السويسرى.
بداية
ويقول كايجى انه ارتبط بعلاقة اهتمام بتايوان قبل اكثر من عشر سنوات عندما لفت نظره أن سويسرا لاتقيم علاقات دبلوماسية معها. هذا رغم وجود تايوانى فى سويسرا يشبه أن يكون سفارة غير رسمية. وأصابه مزيد من الدهشة والذهول عندما اكتشف أن تايوان تقيم حاليا علاقات دبلوماسية كاملة مع 12 دولة فقط بينما قطعت عشرات الدول علاقاتها الدبلوماسية مع تايوان لاقامة علاقات مع الصين.
ويرى أنه على الرغم من احتفالات الشعب التايوانى الصاخبة والفخورة بالديمقراطية، فإن الضغط المستمر من الصين، بما فى ذلك المناورات العسكرية، لا يزال يثير القلق. يقول كو: “لقد تركت الصين تايوان فى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل. هناك شعور بأن المستقبل ليس بأيدينا بالكامل”.
ومن المقرر عرض المسرحية فى سويسرا وإسبانيا وهولندا وكوريا الجنوبية وجمهورية التشيك وفرنسا.