العدد 639 صدر بتاريخ 25نوفمبر2019
قدمت شعبة “مسرح المواجهة” بالبيت الفني للمسرح مسرحية (إشاعات إشاعات) من تأليف متولي حامد وديكور وإخراج محمود فؤاد صدقي وذلك علي المسرح المفتوح بمركز سعد زغلول الثقافي .
من خلال فكرة بسيطة نقابلها يوميا في شوارع القاهرة إلتقط الكاتب “متولي حامد” موضوع مسرحيته الجديدة والتي سعي من خلالها تقديم حلول منطقية لمجموعة من التصرفات السلبية التي تأخذنا كمجتمع عشرات السنين للوراء دون أن ندري أن العمر يمر وأن الاجيال تلو الاجيال تتوارث نفس المشاكل والهموم وتقع في نفس الاخطاء البليدة وأن العالم من حولنا يقفز قفزات سريعة نحو التقدم متسلحا بالتكنولوجيا من خلال حلول مبتكرة للمشاكل المزمنة أو الطارئة التي تقابله، فما أسهل الحلول العلمية وما أسهل إعتماد العلم لتتقدم الامم وتتخلص رويدا رويدا من معاناتها التاريخية، الإشارات سهلة التكوين والمغلفة بالترويح الكوميدي كانت أساس للكاتب الذي سعي لتمرير الحكمة بوعي وقدرة علي الغوص في عدد من المشاكل المزمنة ومنها بالطبع اثر الإشاعة في سلوك المواطنين الذين يقعون فريسة للعناوين السهلة والفارغة من محتوي حقيقي ليجدوا أنفسهم في كل مرة عند نقطة الصفر فما تردد لم يكن إلا إشاعة صنعها شخص جاهل أو مغرض أو صنعتها منظومة تسعي لهدم الدولة من الداخل بخطط منتظمة وسعي خبيث .
الحكاية هنا في هذة المسرحية متعلقة بتوكتوك يقطع الطريق علي مجموعة سيارات في شارع مزدحم فيتسبب في أزمة معتادة حيث تتشابك السيارات ومحاولات الفكاك من الأزمة وتتعقد الامور أكثر وأكثر وحينما يقف الطريق تماما وتتسلل الإشاعات المتخلفة لتأخذ طريقها للظهور يبدأ الحدث في التحرك وما كان من الكاتب إلا أن وضع الأنماط الإجتماعية المختلفة وتراكيبها غير المنسجمة في مقابلة بعضها البعض حيث تتبدي لنا صور ومكونات الأشخاص الممثلين لشرائح المجتمع المختلفة وتظهر الفروق فيما بينها في طريقة تعاطيها مع الحدث الطارئ وما أستجد عليه من تكوين كوميدي، وبسهولة يمكنك التعرف علي زوج وزوجة متحققين وزوج وزوجة من الريف يزورون القاهرة للمرة الأولي وفتاة تبيع المناديل وتحاول قدر الامكان كي تساعد نفسها ومدرس فقد جزء من عقله كونه لم يستوعب بسرعة الأحداث الغريبة التي تدور حوله وسائق التوكتوك الذي يود أن يقيم علاقة مع فتاة الشارع ولكنها تلفظه كونها تعرف غرضه الدنئ ( تتحول تلك العلاقة شيئا فشيئا للأفضل مع مرور الحدث الدرامي وكشف الفتاة لمعدن السائق) الي جانب بعض الشخصيات التي تطل علي التيمة الرئيسية بشكل سريع لتعكس عشوائية الظروف والملابسات وكيفيات تعاطي المجتمع مع الإشاعات المستمرة التي تستهلك معظم يومه، ولا ينسي الكاتب في هذا الصدد أن يعرض علينا تمثال رمسيس كشخصية درامية تخاطب الجمهور وتتعجب مما وصل إليه حال معظم المصريين، وعلي جانب اخر دعم المؤلف محتواه الدرامي ببعض اللحظات المؤثرة كأن تفقد إمرأة طفلها ويستولي عليه أحد الحرامية، وحاجة أحد المسنين لإنقاذ سريع .
هذا الزحام في الاحداث والمواقف والشخصيات أعطي للمخرج قماشة عريضة كان يمكن من خلالها أن يصنع عرضا متقنا ولكننا فوجئنا بالتأكيد المستمر علي تقديم وعي كوميدي وتراكيب فانتازية أصابت العرض عطلت تطور الحدث للا شئ ؟
وكنت أنتظر من الكاتب أن يقدم لنا بعض الإشاعات المؤثرة في المجتمع المصري وظني أنها كثيرة ولكن ما قدم غلبت عليه الصناعة أكثر من الاقتراب من الحقيقة أو قل كانت هناك غلبة لتقديم اكثر من نموذج للإشاعة دون الغوص الحقيقي في إشاعة لها تأثير قوي علي الشارع، فمثلا ما فائدة إشاعة مثل هروب حيوان من حديقة الحيوان ؟ أو وجود قنبلة في الميدان ؟ أو قيام المذيعة بعقد عدة لقاءات متهافتة ؟ اللعبة الدرامية الجيدة التي إعتمدها المؤلف أصيبت بهذة المشاهد الزائدة عن الحاجة وتضخم العرض بلا تقدم درامي حقيقي .
وقد جائت الاغاني التي كتبتها صفاء البيلي متفقة الي حد كبير مع طبيعة تيمات المؤلف، أغاني سهلة التكوين يمكن أن يشترك في ادائها اكثر من ممثل تساعد الحدث علي الرسوخ وإكمال المحتوي الفانتازي .
لم ينقذ العرض من هذة الاشاعات سهلة التكوين سهلة الهدم سوي اداء بعض الممثلين الذين أمنوا بأهمية التجربة وقدرتها علي التأثير في المتلق إلي جانب بعض الاجتهاد من المخرج السينوجراف الذي حاول المزج بين المشاهدين واللاعبين في كتلة واحدة إيمانا منه بأن ما يقدم يمس هؤلاء الناس ويعبر عنهم بشكل أو بأخر، وظني أن المخرج وقع في مشكلة كبيرة حين أكد الفوضي والزحام الشديد بمجموعة السيارات التي أحاط بها المتلق كي يؤكد فكرة المرلف وظني انه في حاجة ماسة للتقليل من حجم الديكوؤات التي ملأت امكان إذ كيف ستتحرك مع العرض حال سفره للمحافظات المختلفة ؟
هذة هي التجربة الثانية للمخرج “محمود فؤاد” وهي في الحقيقة مختلفة كل الاختلاف عن تجربته الاولي مع (مسافر ليل) التي قدمت في ساحة الهناجر ولكنها تؤكد إيمانه بالفضاء المفتوح وكيفيات تشكيله جماليا كما أن كثرة الاحداث والمواقف والشخصيات هنا كان لها أثر بالغ حيث كانت المراهنة صعبة وتحتاج لمجهود كبير كي تظهر للنور، كنت مشفقا علي المخرج من زحمة الاحداث والشخصيات وتداخل المواقف ولكنها في الاخير خطوة للأمام تعطيه بعض الثقة للمستقبل، فقط عليه أن يحدد ماذا يريد أن يقدم ولأي متلق حيث تاهت هنا كثير من الافعال والإشارات وعمت الفوضي كثير من المواقف الدرامية التي كان يرجي وصول معاني مهمة من ورائها .